سياسة:
لا يمكن اعتلاء ظهوركم مالم تنحنوا

نبيل هلال Ýí 2011-11-06


لا يمكن اعتلاء ظهوركم مالم تنحنوا:
-
أراد اللهُ للمسلم أن يكون عزيزا لا يقبل الضيم والمذلة , لكن واقع المسلم طوال أربعة عشر قرنا يشهد أنه كان مسلما أخرس لم يقو حتى على رد الظلم بلسانه فقد قص الفقيه لسانه لحساب السلطان , إنه المسلم الذي صور له فقهاؤه أن الغاية من وجوده هي العبادة فقط وطاعة الخليفة النبوي , وأفهموه أن خير ما يفعل هو الدعاء لولي النعم , وأن التعبد -مجرد التعبد- يسقط مسئوليته أمام الله تجاه نفسه وأولاده وأهله ووطنه , إذ فرط وخاف وخنع ورضي بالضيم . وكل التشريعات الوضعية تخدم مصالح الطبقات الحاكمة وحدها , وانظر إلى التشريعات الإقطاعية والرأسمالية وسائر تشريعات النخب , ما من تشريع منها يستهدف مصالح الغالبية , فالتشريع الإلهي وحده هو الذي لا يحابي طبقة على حساب أخرى , فما يعنيه هي مصالح الناس . ولم تكن مشكلة المسلم قط في فقه الطهارة أو العبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج , بل كانت مشكلته- وستظل -هي العدالة والحرية والمساواة , وهي أمور نجح فقهاء السلاطين في دفنها في حفر مغطاة جيدة التمويه والإخفاء . وقد أقام المسلم المروَّض الصلاة وأدى الفروض والنوافل , ومع ذلك عاش فقيرا مظلوما لا يجد قوت عياله , وتساءل في استغراب عن عدم نصرة الله له , وغاب عنه أن كل ما يؤديه يقع في دائرة العبادات ولكي يحرر نفسه عليه الانطلاق من دائرة المعاملات التي تحدد العلاقات بين الناس حكاما ومحكومين , فالله لن ينصر هذا المسكين ما لم يبادر هو إلى تحرير نفسه , بسيفه هو , لا بسيف الله . فالعدالة تنال منها مطامعُ المستبد وخيانةُ الكاهن وظلمُ القاضي . ولم يتنبه المسلم إلى أنه مظلوم , ظََلَمه الخليفة " المقدس " , ونهبه السلطان " الشرعي" , وضلله الفقيه "المؤمن". ودائرة المقدس هي الدائرة التي يُحظر على الناس دخولها إلا وعيونهم مغمضة وعقولهم معطلة , فالقداسة الموهومة التي تحيط بكل مَن بهذه الدائرة سواء أكان حاكما أو كاهنا , تمنع بالضرورة اتهام الحاكم- وهو الشاغل الأساسي لدائرة المقدس- بالفساد أو الاحتيال , أو اتهام الكاهن بأنه جاهل أو عون للمستبد . لذا فإن معظم تاريخ المسلمين خال - تقريبا- من الثورات على حكامهم وإن جاعوا وتعروا , لأن دائرة المقدس وسعت كل شيء في حياتهم: السلطان وأبناءه وصوره في الدواوين وتماثيله في الميادين , والمشايخ وكل ما ينطقون به حتى وإن كان هراء وكلاما فارغا.
والمستبد يستأصل شأفة القُوَى المعارضة له , أيَّ قوى : سياسية واقتصادية واجتماعية , فهي إن لم تكن خطرا راهنا فقد تكون خطرا مستقبليا . أما الكيانات القوية الأخرى التي لا يستطيع سحقها أو لأنه قد يحتاج إليها وإلى وجودها على الساحة كقوة مساندة له , فهو يرشوها عملا بالمثل القائل " اليد التي لا تستطيع قطعها قبِّلها.
والمستبد ضعيف بذاته , وهو مستأسد لا بسبب قوته وإنما بضعف شعبه . وإن أحيط به يصرخ ويبكي كالطفل المرعوب (عندما قبضوا على شاوسيسكو رئيس رومانيا الأسبق وهو الأسد الهصور طوال 25 سنة هي مدة حكمه , والذي كان يسمي نفسه " العبقري " , لمّا قبضوا عليه بكى كالطفل وصرخ : أنقذوني, أنقذوني .. واستعطفتهم زوجته قائلة : أنا أمكم ) . ذلك شأن المستبد الجبار المستأسد بخنوع الناس الذين يجبنون ويتخاذلون عن مدافعته , فيمتطيهم , وغاب عن المستضعفين في الأرض أنه لا يمكن اعتلاء ظهورهم ما لم ينحنوا. والمستبد خائف بطبيعته من كل ما اقترف ومن كل من أساء إليه , والناس منه يرعدون وممجدون!
 ونجح فقيه السلطان - طوال تاريخنا كله - في جعل المسلم يصدق ما يسمعه , ويعمَى عما يراه , فيصدق أن الخليفة عادل ومقدس , ويعمى عما يقترفه من قهر ونهب وقتل للمعارضين ومصادرة للحريات.
وكان الخليفة النبوي يرى أن المجتمع يجب أن يتحول إلى طبقتين : الأسرة الحاكمة, وسائر الناس بعد ذلك رعية عليها الطاعة غير المشروطة على أن يُحظر عليها اختراق جدران الطبقة الحاكمة المَلكية ومنازعتها الحكم , إذ أخرجت حساباتُ الخليفة النبوي الرعيةَ من معادلة الحكم , فبقيت وإلى الآن معادلة ذات طرف واحد فقط.

اجمالي القراءات 10131

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأحد ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[61512]

مقال رائع استاذ نبيل .. نشكرك عليه ..وأقول متسائلا :

1 ـ هل خلق الله جل وعلا صنفين مختلفين من البشر ، وجعل صنفا منهما حاكما مستبدا له كل الحقوق ، بينما جعل الصنف الآخر محوما ذليلا عليه كل الواجبات ؟


2 ـ هل أنزل الله جل وعلا فى دينه الحق ( والذى يعبر عنه القرآن الكريم ) ما يشير الى وجود صنف من البشر يحكم الصنف الآخر من البشر ؟


وأقول :


لم تأت كلمة (حاكم ) ومشتقاتها ( يحكم وغيرها ) فى القرآن الكريم إلا فى معرض التقاضى أمام قاض يحكم بالعدل . الاستثناء الوحيد هو  كلمة ( الحكام ) وهى تنهى عن أكل أموال الناس بالباطل بالاستعانة بالحكام ، وهى إشارة لارتباط (الحكم الاستبدادى ) بالفساد . الخطاب فى القرآن للناس فيما يخص الأوامر الدينية و السياسية والدفاعية . وهذا كان ينزل فى حضور خاتم النبيين قائدا ، وليس حاكما للدولة . فالناس هم الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم ، فى ضوء نصائح الخبراء أو (أولى الأمر ) أى اصحاب الشأن المتخصصين فيه.


كلمة ( حاكم ) تعنى وجود محكوم أقل درجة من الحاكم . وهذا ظلم ، والله جل وعلا  لا يريد ظلما للعالمين . الناس هم الذين يرتضون لأنفسهم الظلم . أو بتعبير الاستاذ نبيل هلال ـ أكرمه الله جل وعلا ـ ( لايمكن اعتلاء ظهوركم ما لم تنحنوا ) .


شكرا استاذ نبيل هلال ، وكل عام وانتم بخير.


أحمد


2   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الأحد ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[61524]

ونجــــــح فقيــه السلطان...

 الاستاذ العزيز /  نبيل هلال  كل عام وانتم بخير بمناسبة عيد الأضحى..  مقال مختصر مفيد يعلم الناس عدم الانحناء..  وأن من ينحني ..  للظلم وللمستبد لا يمكن ان يعيش بكرامة هو أو أولاده وأهله .. اجمعين..


 تضيع منه مقدراته ومستقبل اولاده .. من ينحني للعسكر  ( المماليك الجدد) ...  هم من يبيع اولاده وبناته في سوق النخاسة والرقيق.. بمعناه المعنوي لأن المعنى المجرد المباشر وإن كان قد اختفى إلا انه ما زال ساري المفعول ..


 وكما أشرت أستاذنا الكبير .. فإن فقهاء السلاطين .. وفقيه السلطان المستبد نجح على مدار  ألف وأربعمائة عام .. في تغييب العقل الجمعي للمجتمع المسلم.. بان جقعله يعتقد بان الخروج على الإمام بدعة وكفر .. حتى ولو كان ظاملا... بزعم وحجة ان هذا فيه إضعاف للدولة الاسلامية ..! ويا للعجب .. مازاق المسلمون والعرب هوانا ما بعده هوان إلا من بعد ما خنعوا لفتاوي فقهاء السلاطين .. جمع فقيه السلطان..


 لابد  من التمرد على فقيه السلطان قبل التمرد على السلطان .. لنه هو من يقوم بتخدير الشعب ..


شكرا لك وكل عام وأنت بخير وسلام.


3   تعليق بواسطة   نبيل هلال     في   الأحد ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[61525]

شكر للأستاذ محمود مرسي

شكرا أخي الكريم أستاذ محمود مرسي لتعليقك على المقال وكل عام وأنتم بخير


4   تعليق بواسطة   نبيل هلال     في   الأحد ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[61526]

شكر للأستاذ الكبير الدكتور منصور

تحية تقدير للدكتور أحمد صبحي منصور ,وشكرا جزيلا على رأيك في المقال ,وقد أسعدني كثيرا أن يحظى مقالي بثناء مفكر إسلامي سيذكره المنصفون بكل خير ,وكل عام وأنتم بخير


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2011-01-12
مقالات منشورة : 123
اجمالي القراءات : 1,490,232
تعليقات له : 109
تعليقات عليه : 282
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt