محمود علي مراد Ýí 2011-07-19
الاقتباس رقم 1(12)
جُلاس بن سويد بن الصامت كان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقال: لئن كان هذا الرجل صادقاً لنحن شرٌ من الحُمُر. فرفع ذلك من قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمير بن سعد، أحدهم، وكان في حجر جُلاس، خلف جلاس على أمه بعد أبيه، فقال له عمير بن سعد: والله يا جلاس، إنك لأحب الناس إليَّ، وأحسنهم عندي يداً، وأعزَّهم عليَّ أن يصيبه شر يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنَّك، ولئن صمتَّ عليها ليهلكنَّ ديني، ولإحداهما أيسر عليَّ من الأخرى، ثم مشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر له ما قال جلاس، فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كذب عليَّ عمير، وما قلت ما قال عمير بن سعد. فأنـزل الله عزَّ وجلَّ فيه:
يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ من وَلِيٍّ وَلاَ نَصيرٍ ﴿74﴾[التوبة]
فزعموا أنه تاب فحسنت توبته، حتى عُرف منه الخير والإسلام.
ملحوظات:
أ ) عبارة الآية جاءت بصيغة الجمع، وهو ما يشير إلى أن المقصود بها هو مجموعة من الأشخاص لا حالة فردية. والآية السابقة لا تترك أي شك في هذا الخصوص، وهي تقول: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ".
ب) القول المنسوب إلى جلاس لا يطابق تماماً عبارة: "قالوا كلمة الكفر".
ج ) عبارة "همّوا بما لم ينالوا" هي بالضبط نوع الجمل القرآنية التي تحتاج أسباب نـزولها إلى شرح، والحاصل أن تقديم هذه الآية لا يشفي غليل قارئها.
د ) نظراً إلى أن المؤلف شرح هذه الآية بواقعة فردية، فإنه، بطبيعة الحال، لم يقل ما إذا كان أشخاص آخرون ممن كانت تنصرف إليهم عبارة هذه الآية قد تابوا عما اقترفوا من فعل يشهد بأهميته الاسم الذي أطلق على السورة التي وردت فيها الآية موضوع الاقتباس.
ه ) من الواضح أن المؤلف أوَّل الآية على هواه ثم أسس عليها واقعة تاريخية سابقة مع إضافة اسمين لتيسير قبول الواقعة المذكورة.
الاقتباس رقم 2(13)
النص
المجذر بن زياد كان قتل سويد بن صامت، أبا جلاس الذي رأيناه بصدد الاقتباس السابق، وأبا الحارث بن سويد، في بعض الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج. وخرج الحارث بن سويد يوم أُحد مع المسلمين، وكان منافقاً، فلما التقى الناس عدا على المجذر وعلى شخص آخر فقتلهما ثم لحق بقريش. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر عمر بن الخطاب بقتله إنْ هو ظفر به، ففاته، فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه جلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه فأنـزل الله تبارك وتعالى فيه:
كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿86﴾أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿87﴾خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴿88﴾إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿89﴾إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ ﴿90﴾إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴿91﴾ [آل عمران]
ملحوظات:
أ ) هذه الآيات تتحدث عن "قوم". وكما هو الحال بالنسبة للاقتباس السابق، فالقول الإلهي ينصرف هنا لا إلى شخص واحد، وإنما إلى مجموعة من الأشخاص. والآيات الخمس التالية تؤكد ذلك.
ب) ما فعله الحارث بن سويد ليس بالضبط، مهما يقل النص، ما يمكن وصفه بالنفاق. إنه قتل. وليس عن هذا تتحدث الآية (86) والآيات الأخرى التي أحال إليها المؤلف. وعلاوة على ذلك، فإن جريمة القتل لا يكفَّر عنها بالتوبة.
ج ) من الواضح أن النص استند إلى تأويل اعتباطي لما ورد في الآيات المقتبسة لاختلاق واقعة تاريخية سابقة، مع إضافة أسماء لأشخاص.
الاقتباس رقم 3(14)
كان نبتل بن الحارث، الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إليه، يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحدث إليه فيسمع منه، ثم ينقل حديثه إلى المنافقين؛ وهو الذي قال: إنما محمد أذن، من حدثه شيئاً صدَّقه. فأنـزل الله عزَّ وجلَّ فيه:
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنِينَ ورَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴿61﴾[التوبة]
ملحوظات:
أ ) كلمة "يؤذون" في هذه الآية واردة بصيغة الجمع، وهو ما يعني أن المقصود مجموعة من الأشخاص لا شخص واحد.
ب) هذه الآية جزء من مجموعة من ثلاثين آية تتحدث عن النفاق بوجه عام.
ج ) لابد أن ظروفاً خاصة استدعت نـزول كل هذا العدد من الآيات التي تركز على موضوع النفاق؛ والنص لا يقول شيئاً عن هذه الظروف.
د ) نقل المؤلف عبارة من الآية ثم غلفها بحكاية.
الاقتباس رقم 4(15)
عاهد ثعلبة بن حاطب، ومُعتب بن قشير، الله لئن أتانا من فضله لنصدقنَّ ولنكوننَّ من الصالحين. وقال معتب يوم أحُد: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هنا، فأنـزل الله تعالى في ذلك قوله:
وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ﴿154﴾[آل عمران]
ومعتب الذي قال يوم الأحزاب: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط. فأنـزل الله عزَّ وجلَّ فيه:
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا ﴿12﴾[الأحزاب]
ملحوظات:
أ ) ثعلب ومعتب اثنان، والآية (154) من سورة آل عمران تتحدث عن "طائفة" أي مجموعة من الناس.
ب) القول المنسوب إلى معتب والذي فحواه أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يعدهم بأن يأكلوا كنوز كسرى وقيصر قول مشكوك في صحته، إذ أن القرآن الكريم لم يرد فيه أن محمداً كان يستطيع أن يتنبأ بالغيب مثل يوسف وعيسى عليهما السلام؛
ج ) الآية (12) من سورة الأحزاب تتحدث بصيغة الجمع خلافاً لتأويل النص الذي يعزو سبب نـزولها لقول قاله معتب وحده.
د ) يقول ابن هشام إن معتب بن قشير وثعلبة بن حاطب كانا من أهل بدر ولم يكونا من المنافقين.
ه ) الأمر، بالنسبة للآية 154 من سورة آل عمران هو مجرد نقل لألفاظ منها حوَّلها المؤلف إلى واقعة تاريخية سابقة. أما أسباب نـزول الآية (12) من سورة الأحزاب التي ذكرها فهي تلفيق بحت.
الاقتباس رقم 5(16)
قال وديعة بن ثابت، وهو ممن بنى مسجد الضرار: إنما كنا نخوض ونلعب. فأنـزل الله تبارك وتعالى:
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ ﴿65﴾[التوبة]
ملحوظتان:
أ ) عبارة الآية تستخدم صيغة الجمع بخلاف الواقعة التي تورد أسباب نـزولها والتي تخص شخصاً واحداً.
ب) واضح أن المؤلف نقل ألفاظاً من الآية الكريمة وحولها إلى واقعة تاريخية سابقة.
الاقتباس رقم 6(17)
قال أوس بين قيظي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: يا رسول الله، إن بيوتنا عورة، فأذن لنا فلنرجع إليها. فأنـزل الله تعالى فيه:
يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا ﴿13﴾[الأحزاب]
ملحوظة:
نفس الملحوظة التي أبديت بشأن الاقتباس رقم 5.
الاقتباس رقم 7(18)
سرق بُشير بن أبيرق درعين فأنـزل الله فيه:
وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴿107﴾[النساء]
ملحوظات:
أ ) عبارة الآية الكريمة وردت بصيغة الجمع بينما يتعلق سبب النـزول الذي ذكره المؤلف بشخص واحد.
ب) من غير المحتمل أن يجادل الرسول عليه الصلاة والسلام ربه عن سارق سرق مالا ليس له.
ج ) فرق كبير بين سرقة درعين وبين خيانة النفس: تأويل المؤلف لا يطابق الآية.
د ) من الواضح أن المؤلف أوَّل الآية تأويلاً خاطئاً وحوَّلها إلى واقعة تاريخية.
الاقتباس رقم 8(19)
كان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر يُدْعون بالإسلام، فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعوهم إلى الكهان، حكام أهل الجاهلية، فأنـزل الله عزَّ وجلَّ فيهم:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنـزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنـزلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا ﴿60﴾[النساء]
ملحوظات:
أ ) الآية (60) جزء من مجموعة طويلة من الآيات ذات الطابع العام. والآية التي تسبقها مباشرة تقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ".
وسنتحدث عن الآيات التي تليها تحت عنوان "القرآن غير المقتبس".(20)
ب) أحد الأشخاص المذكورين، وهو معتب بن قشير، كما رأينا بصدد الاقتباس رقم 4، لم يكن منافقاً، في رأي ابن هشام، فقد اشترك في غزوة بدر.
الاقتباس رقم 9(21)
الجدّ بن قيس هو الذي قال: يا محمد، ائذن لي ولا تفتني، فأنـزل الله تعالى فيه:
وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴿49﴾ [التوبة]
ملحوظتان:
أ ) عبارة الآية واردة بصيغة الجمع؛ أما الواقعة المفروض أن تشرح سبب نـزولها فتتحدث عن شخص واحد.
ب) من الواضح أن كل ما فعله المؤلف هنا هو أن نقل عبارة من الآية المقتبسة وحوَّل مضمونها إلى واقعة تاريخية سابقة مع إضافة اسم شخص.
الاقتباس رقم 10(22)
عبد الله بن أُبي بن سلول، كان رأس المنافقين وإليه يجتمعون، وهو الذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، في غزوة بني المصطلق. وفي قوله ذلك، نـزلت سورة المنافقين بأسرها. وفيه وفي وديعة، ومالك بن أبي قوقل، وسويد، وداعس، وهم من رهط عبد الله بن أُبي بن سلول، فهؤلاء النفر من قومه الذين كانوا يدسّون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اثبتوا، فوالله لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً، وإن قوتلتم لننصرنكم. فأنـزل الله تعالى فيهم:
أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿11﴾لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ ﴿12﴾…كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿16﴾ [الحشر]
ملحوظتان:
أ ) ابن سلول لم يكن الشخص الوحيد الذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذلّ؛ فإن الآية (8) من سورة المنافقون التي وردت فيها هذه الجملة تبدأ بكلمة: "يقولون"، بعد الآية (7) التي تبدأ بعبارة: "هم الذين يقولون"؛
ب) أما مقولة إن هذه العبارة التي وردت على لسان ابن سلول كانت سبب نـزول سورة المنافقين بأسرها فسنبحثها تحت عنوان: "القرآن غير المقتبس".
ملحوظات عامة
فيما عدا الواقعة التي وردت في شرح الاقتباس رقم 2، بشأن مسلم قتل مسلمين (وغُفر له)، وتلك المتعلقة بالاقتباس رقم 7 بشأن مسلم سرق درعين، وتلك المتعلقة بالاقتباس رقم 8، بشأن أربعة من المسلمين فضلوا أن يعرضوا نـزاعهم على كُهَّان بدلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أسباب النـزول التي يذكرها المؤلف بصدد آيات القرآن الكريم الخاصة بالمنافقين إنما هي أقوال ينسبها إلى شخص أو أشخاص معينين. وهذه الأقوال هي:
– لئن كان هذه الرجل صادقاً لنحن شرٌ من الحمر؛
– إنما محمد أذن، من حدَّثه شيئاً صدقه؛
– لئن آتانا الله من فضله لنكونن من الصالحين؛
– لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا هاهنا؛
– كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط؛
– إنما كنا نخوض ونلعب؛
– يا رسول الله، إن بيوتنا عورة، فأذن لنا فلنرجع إليها؛
– يا محمد، ائذن لي ولا تفتني؛
– لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذلَّ؛
– اثبتوا، فوالله لئن أخرجتم لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً، وإن قوتلتم لننصرنَّكم.
إن من المحقق أن أفراداً من بين المسلمين تصرفوا تصرفات أو صدرت منهم الأقوال التي وردت في نص ابن إسحاق والتي لامهم عليها القرآن. ولكن السؤال كله هو معرفة ما إذا كان المؤلف، حين أورد هذه الأقوال، كان اعتماده على شهادات حقيقية تلقاها من مصادر موثوق بها، بعد مرور أكثر من قرن من الزمان عليها، أم أنه استمدها، بكل بساطة، من القرآن الكريم واتبع الخطوات التالية:
– الخطوة الأولى: اختيار آية أو مجموعة آيات من القرآن الكريم واضحة المعنى؛
– الخطوة الثانية: تأويلها أو نقل عبارة منها، كما هي، أو تعديلها تعديلاً طفيفاً، وكسوتها أحياناً بواقعة؛
– الخطوة الثالثة: اختيار اسم أو أكثر من قائمة أسماء مُعدَّة سلفاً وإلصاق هذه الأسماء بالوقائع أو الأقوال المنقولة؛
– الخطوة الرابعة: تقديم المسألة على أنها واقعة تاريخية سابقة على التنـزيل القرآني المقتبس.
والاعتباران الرئيسيان اللذان خلُصا بنا إلى هذه النتيجة هما، من جهة، استحالة أن يكون في مقدور شخص من الأشخاص أن يثبت بعد قرن أو أكثر، وجود صلة بين فعل أو قول صدر عن شخص معين وبين تنـزيل قرآني؛ ومن جهة أخرى، أن المؤلف، الذي لم يصف بعض أحداث السيرة الكبرى بصورة مقنعة أو لم يشر إليها على الإطلاق، لم يكن في مركز يسمح له بمعرفة الأحداث الفردية أو الأحداث قليلة الأهمية. فالذي يعجز عن رؤية الجبل لا يستطيع أن يرى حجراً من أحجاره.
ونحن نجد هذا النوع من أنواع التلفيق، في النص، بصدد شرح الاقتباسات القرآنية المتعلقة بالمنافقين وقد لفتنا إليه النظر في دراستنا للفترة المكية. وسنجده أيضاً في شأن اليهود والنصارى. ولكن إذا كانت الطريقة في الحالات الأخرى هي تلك التي ذكرناها، فإن الغرض الذي يتوخاه المؤلف منها يختلف بحسب التأثيرات التي كان يخضع لها والمصالح التي كان يريد خدمتها. لقد كان تأثير تحيزه للعباسيين وضد قريش هو الغالب في الشرح الذي كان يقدِّم به الاقتباسات القرآنية المتعلقة بالفترتين الفرعيتين الثانية والثالثة من الفترة المكية. أما في تقديم الاقتباسات القرآنية المتعلقة بمنافقي المدينة، فإن تحيزه لأهل المدينة هو الغالب. والذي كان يهدف إليه المؤلف، في نظرنا، هو تقليل حجم ظاهرة النفاق في بلده إلى أقصى حد، علماً بأن مصالح أهل المدينة كانت - وقت كتابة "السيرة" - متمشية مع مصالح الخلافة العباسية. ولكي يحقق المؤلف هذا الهدف، لجأ إلى وسيلتين:
– تقليل عدد الاقتباسات المتعلقة بالمنافقين إلى عشرة.
– إنقاص عدد الأشخاص الذين يشير إليهم كل اقتباس إلى واحد باستثناء الاقتباس رقم 4 الذي يشير إلى شخصين والاقتباس رقم 8 الذي يشير إلى أربعة أشخاص، مع تقديم هؤلاء الأشخاص على أنهم اجتمعوا إلى يهود.
وإذا أحصينا الأشخاص الذين جاء ذكرهم في شرح الاقتباسات لوجدنا أنهم لا يزيدون على ثلاثة عشر: أحدهم من علية القوم والاثنا عشر رجال لا يمتازون بشيء عن غيرهم. وفي هذا كل الدلالة، فبينما كان الأشخاص الذين هاجمهم القرآن الكريم، في المدينة، في نظر ابن إسحاق أشخاصاً من عامة الناس، فإن من هاجمهم القرآن في مكة كان معظمهم من السادة والأعيان الذين كانوا يمثلون بهذه المثابة الجزء الأكبر من قبائل قريش.
لقد أوضحنا في ملاحظاتنا على شرح الاقتباسات القرآنية المتعلقة بالمنافقين أن القرآن الكريم باستخدامه صيغة الجمع كان يشير إلى مجموعات من الأشخاص لا إلى حالات فردية. وسنرى تحت العنوان التالي، بشأن القرآن غير المقتبس، ما إذا كان النفاق في المدينة، كما يحاول النص أن يقرر، ظاهرة فردية قليلة الأهمية، أم أنه كان ظاهرة كبرى.
تحليل نقدي لصحيفة يثرب ولآراء المستشرقين بشأنها - الفصل الثالث: علماء الإسلاميات الآخرون
تحليل نقدي لصحيفة يثرب ولآراء المستشرقين بشأنها - الفصل الثاني: ر.ب. سرجنت - 5
تحليل نقدي لصحيفة يثرب ولآراء المستشرقين بشأنها - الفصل الثاني: ر.ب. سرجنت - 4
تحليل نقدي لصحيفة يثرب ولآراء المستشرقين بشأنها - الفصل الثاني: ر.ب. سرجنت - 3
دعوة للتبرع
لا زلنا نحلم بمسجد !: انا من المعج بات والمش جعات للفكر...
سبقت الاجابات: عندنا وضعوا في كل مسجدص ندوقا لجمع الصدق ات ...
لا داعى لهذه الوساوس: تحري الحلا ل في التجا رة والمع املات ...
نفس .!: ما هي نفس الله عز وجل ؟؟ تَعْل َمُ مَا فِي...
أهل البيت : الايه في القرا ن الكري م (انما يريد الله...
more