محمد عبدالرحمن محمد Ýí 2011-05-16
مسألة المجتمع وكيف نشأ أول ما نشأ كانت أهم ما شغل أقلام المفكرين خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا، ـ وفي إنجلترا وفرنسا ـ على وجه التحديد.
ولم يكن الذي يهم هؤلاء المفكرين آنذاك هو مجرد التسلية بفكرة نظرية يلهون بها لهو من أراد شغل فراعه في نشاط عقلي وكفى.
بل جاءت مشغلتهم تلك،رداً مباشراً على أزمات سياسية قائمة بين الشعب والحاكم كيم كيف ينبغي لها أن تكون؟
ولكي يجيبوا على سؤال كهذا، لم يجدوا بدا من الرجوع بالمشكلة إلى جذورها الأولى، باحثين عن الطريقة التي نشأت بها تلك المجتمعات، خروجا بالانسان من فطرة الحياة في الغابات أو الأحراش والصحاري والواحات أو كيفما كانت البيئة المعينة التي نشأ فيها مجتمع معين، ففي بحث هؤلاء المفكرين عن الطريقة التي نشأت بها المجتمعات. خرجوا بالانسان من فطرة الحياة في الغابات أو الأحراش او الصحاري والوحات أو كيفما كانت البيئة المعينة التي نشات بها المجتمعات.
كانوا في حقيقة الأمر إنما يبحثون عن الصورة الأولى التي ارتبط بها محكوم بحاكم، وعلى ضوء تلك الصورة يمكن إقامة بناءٍ فكري في فلسفة السياسة، يبين للعقل كيف يتجه؟ حتى لا يكون كالطائر يصفق بجناحيه ولا يطير، إذ لا يجد الهواء الذي يطير فيه
لو قارنا مقارنة سريعة بين شعب يتوقد بجذوة الحياة، وشعب آخر تيبست أطرافه وجمدت دماؤه وتفحمت فيه جذوة الحياة وأصولها. وإذا كان شعب ما في الحالة الأولى توقعنا له نهوضاً أو استمراراٍ في نهوض قائم، وأما الشعب الذي نلمح فيه عوارض الحالة الثانية أيقنا أن بينه وبين ان ينهض نهضة حقيقة ، تتبدل بها حياته حالاً بعد حال، مسافات تقاس بما يشبه الأرقام الفلكية، فكأن الأمر أصبح مع هذه الحالة ضرباٍ من المحال،
فمن العلاقات الدالة على أن شعبا ما معينا يحيا الحالة الأولى (حالة التوقد بجذوة الحياة) ، ذلك الضرب من التوتر العقلي الذي يأبى على هذا الشعب إلا أن يتعقب المشكلات المثارة امام العقل، تعقباً يمضي به خطوة وراء خطوة حتى يضع أصابعه على الينبوع، وقد يقتضي تحليل عقلي كهذا، أعواما بعد أعوام وكتباً تؤلف ، ومعارضات ومناقشات قد تتولد عنها تيارات فكرية مختلفة يدوم جريانها في حياة الناس عصراً بأكمله.
إذن حالة شعب حي متوقد الحيوية، أصيل في حلوله لما يعرض له من مشكلات حياته العقلية، لا ينقل عن الآخرين نقلاً غبياٍ
ليست كحالة شعب لايريد أن يتعقب مشكلة واحدة إلى جذورها، بل تكفيه النتائج يجمعها مختصرة عما ينقله . ثم يحيلها في ذاكرته إلى محفوظات يتعالم بها . وذلك هو أحسن الفروض.
ونعود إلى موضوعنا فقد بحثتُ ووجدت أن مشكلة العلاقة بين الحاكم والمحكوم كانت من امهات المسائل التي فرضتها ظروف الحياة العملية على رجال الفكر في إنجلترا وفرنسا بصفة خاصة، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، فقد حدث في إنجلترا مثلاً – أن قامت ثورة ضد الملك شارل السادس – ( وكان ذلك في القرن السابع عشر) على أساس أن الملك مغتصب لحقوق الشعب .
والذي يهمنا هنا : ماذا كان دور رجال الفكر إزاء تلك الثورة السياسية بطرفيها؟، فالثائرون من الشعب في ناحية، والملك المثار عليه وانصاره في ناحية أخرى، هل أقفل المفكرون على أنفسهم أبواب بيوتهم طلباً للعافية وراحة البال؟ هل اكتفوا من الأمر بعبارات موجزة يخطفونها خطفا من هنا وهناك؟ هل استندوا إلى وقفات عاطفية يؤيدون بها هذا الطرف أو ذاك الطرف ثم استراحوا؟ لا، لا شئ من هذا ، فذلك شأن الشعب حين يريد لنفسه الموت، أما أولئك الرجال فقد اخذوا حياتهم بجدية من يحيا حياة قوية ولا يتردد في أن يحمل تبعاتها.
كان هنالك منهم من رأى مناصرة الملك كما كان هنالك من رأى مناصرة الشعب الثائر، ولكن المهم هنا كيف تكون المناصرة بالنسبة لرجل يفكر؟ فالذي يرى أن حق القرار آخر الأمر إنما يكون للحاكم وكذلك الذي يرى أن حق القرار إنما يكون – أول وآخر الأمر – للشعب ممثلاٍ في نوابه .. أقول إن كلا الرجلين إذ يناصر من يناصره لابد له من إقامة الرأي على دعامة فكرية،ولا تكون تلك الدعامة قائمة على أساس مكين ثابت،إلا إذا تعقب الباحث مجتمعه إلى أصول أصوله ليرى هل في الطريقة التي نشأ بها المجتمع ما يكشف عن الإجابة السليمة؟
وكان " توماس هوبز " (في القرن السابع عشر) هو على رأس من تصدوا للدفاع عن حق الملك في اتخاذ القرار النهائي، وأن ثورة الشعب التي تزعمها كرومويل لم تكن على حق في مهاجمة الملك ثم قتله.
ولكي يوضح هوبز على أساس أقام حكمه ذاك، فأصدر كتابه المعروف "اللواياتان" وهو إسم لحيوان وهمي يبتلع في جوفه كل ما عداه، وهذا الإسم معناه "التنين الجبار" وفي هذا الكتاب تحليل مستفيض لما كان عليه أفراد الانسان وهم بعد على فطرتهم الأولى،وقبل أن يلتئموا في مجتمع،ثم انتقل من ذلك التحليل إلى نتيجته،وهى:
أنه لابد أن يكون قد تم إتفاق بين جماعة من الأفراد على أن يعيشوا معا بحيث يتنازل كل منهم عن جزء من رغباته لكي يمكن التوفيق بين مختلف الأفراد لكن من الذي يضمن لهم حسن التنفيذ؟
إنه لا مناص من ان يوكل أمر ذلك إلى رجل قوي يستطيع أن يكون حكماً عند نشوب خلاف بين الأفراد،وأن تكون له قدرة على ردع المتمرد. وبهذه بذرت البذرة الأولى لقيام الدولة،ولقيام الملكية التي تتجسد بها فكرة الدولة ، وإذا كان هذا هكذا،فما علينا بعد ذلك إلا أن نستخلص العلاقة بين الملك والشعب،من حيث الحقوق والواجبات.
وواضح أن وجهة النظر هذه مهما يكن من أمر ما تنطوي عليه من مبادئ نظرية، قد جاءت مضادة للتيار التاريخي الذي كان يتجه بالناس نحو أن تكون السلطة للشعب لا للملك الذي يحكمه.
وهنا قدَّمَ مفكر آخر عملاق هو جـــون لــــــوك
كتابه "الحقوق المدنية"(وهو الكتاب الذي استوحاه في فرنسا جان جاك روسو بعد ذلك،كما استلهمته الثورة الأمريكية كذلك قبيل قيام الثورة الفرنسية بقليل).
وكان التحليل النظري الذي أورده هذا الكتاب،بحثاً عن نشأة المجتمع كيف جاءت،قد انتهى إلى نتائج شبيهة في صورتها بما انتهى اليها كتاب "هوبز" وأعنى افتراض "تعاقد" بين الأفراد الذين منهم نشأ المجتمع،إلا أن "لــــــوك"بنى على فكرة التعاقد شيئاً يختلف كل الاختلاف عما بناه "هوبز" على الفكرة نفسها إذ وصل "لــــــوك" إلى وجوب ان يكون الرأي للشعب في وجود الملك نفسه او خلعه،لأن الشعب هو الذي اختارملكه عندالنشأة الأولى،فيظلللشعب حق الإبقاء عليه اوخلعه،وكانت فكرة "لــــوك" هى التي كتب لها بعد ذلك ان تكون أدوم بقاءاً وأعمق أثراً.
ثم شهدت إنجلترا بعد ذلك فيلسوفا آخر كانت له مشاركة في بحث المسألة نفسها،مسألة العلاقة بين الشعب وحاكمه كيف تكون صورتها وهو "ديفيد هيوم" (في القرن الثامن عشر) وهو الذي أورد في سياق كلامه عن "التعاقد الاجتماعي" التشبيه بالسفينة وركابها وربانها.
فإذا ركاب السفينة قد ركبوا باختيارهم،فإنهم حين تصبح السفينة في عرض البحر ملزمون بأشياء لم يكونوا ملزمين بها قبل ركوبهم، فالربان ومعه طاقمه(وهذا ما يقابل الدولة) مسؤولون عن تسيير السفينة إلى هدفها،وأما الهدف نفسه فقراره هو قرار المسافرين،وهو متضمن في في اختيارهم إياها لتكون وسيلة تحقق لهم ما يرغبون في تحقيقه.
وبهذه القسمة تتحدد العلاقة بين ربان السفينة وركابها،اختيار الهدف واختيار الربان ضمناً حين اختاروا السفينة،بحيث يصبح لذلك الربان ومعاونيه إذا ما أقلعت السفينة قرار طريقة التسيير.
ويمكن ان نرى أن هذه الموازنة بين المجتمع – شعباً وحاكماً – وبين السفينة – ركاباً ورباناً – موازنة نافعة في توضيح نقاط كثيرة، ويمكن أن نتحفظ في الوقت نفسه كمثقفين ومفكرين في قبول التشابه المطلق بين الجانبين ،فبينما الخط الفاصل بين المسافرين على السفينة من جهة،وربان تلك السفينة هو خط حاسم فاصل بين طرفين،فالمسافرون قرروا لأنفسهم أهدافهم والربان ومعاونوه تعهدوا بتوصيلهم إلى تلك الأهداف.!
نجد الأمر بين الشعب والدولة ليس فيه هذا الفصل الحاد بين الطرفين، لأن الذين يضطلعون بالحكم هم أيضا مواطنون يشاركون سائر المواطنين في تحديد الأهداف ثم ينفردون بعملية التخطيط والتنفيذ بغية تحقيق تلك الأهداف ،هذا من ناحية،ومن ناحية أخرى فإن الشعب ممثَلاً في نوابه قد لا يتركون للهيئة الحاكمة أن تنفرد بعملية التخطيط والتنفيذ،دون مراجعتها خطوة خطوة ، ليطمئن الشعب على سلامة السير.
لكن برغم وجود هذه الاختلافات بين طرفي التشبيه فإنه يفيد كثيرا في التوضيح ... ومن الضروري أن نركزانتباهنا على هذه التفرقة في عمومها وهى ... أن الشعب هو الذي يحدد ما الذي يريده .... وأن الحاكم ومعاونيه (وهم من اختيار الشعب في معظم الحالات) هم الذين يحققون للشعب ما أراده لنفسه، عن طريق نوابه ... فهذه التفرقة من شأنها أن تدلنا دلالة مؤكدة وسريعة إن كانت أمورنا تسير سيراً حسنا،أم هى مصابة بالعطب والعرج ..!
إذن ما علينا إلا أن نتجه بأنظارنا إلى الشعب أولاً لنرى :
هل هو حقاً محدد الأهداف؟
ثم نتجه بأنظارنا نحو الهيئة الحاكمة،لنرى إذا كانت تلك الأهداف في سبيلها حقا نحو التحقيق ، فإذا شبهنا هذا المعنى نفسه بتشبيهه بالسفينة ركاباً ورباناً، فإنه يجب توافر شيئين وهما :أولاً
أن يكون للركاب أهدافاً واضحة يريدون الوصول إليها..
ثانياً: أن يكون الربان سائراً بالسفينة نحو تلك الأهداف.
والسؤال الآن: هل صحيح أن ركاباً على سفيتنا،قد اكتملت لهم صورة واضحة محددة دقيقة.إلى أين يريدون للسفينة أن تتجه بهم؟ فإذا نحن حللنا موقفهم في أمانة ،فوجدناهم لا يعرفون لأنفسهم هدفا يتجهون إليه،علمنا أن هناك إنفصالاً خطيراً بين الركاب والربان، وحق لنا أن نصيح به :أدرك السفينة يا ربانها .
أدركها يا ربانها،فراكبوها قد تناقضوا أهدافاً وتعارضوا وسيلة واختلفت بينهم المعايير،والسفينة بين هذا وهذا وذاك.في أي إتجاهٍ عساها أن تسير؟ إنها سفينة القرن الحادي والعشرين بحديدها وخشبها ووقودها ودخانها،وأما المسافرون عليها ففيهم من كل قرن من قرون الزمان.
مقالك أخ محمود مرسي جميل ، قد ذكرني بقول مأثور القاتل والمقتول في النار .. فالحاكم والمحكوم كلاهما يلقى عليهما مسئولية مشتركة ، فالشعب لابد له أن يحافظ على كافة حقوقه بدون تفريط ، وأن يحدد وظيفة الحاكم الذي لايتعدى موظف عام .. محاسب من شعبه على الدوام ، أرى هذه الأيام من يأسف للرئيس السابق لماذا ؟ ! لأنه ترك له الحبل على الغارب بدون محاسبة ، وهذا كلام صحيح لو حافظ الشعب على سلطاته وحقوقه ، لما كان هناك حاكم طاغية أو فاسد ، وبهذا الربط بين القاتل والمقتول وبين الحاكم والمحكوم الذي يتأذي كلا منهما من جراء جريمة القتل وجريمة الفساد ، بنفس الدرجة ويكفي ما نراه اليوم مما وصل إليه علية قوم الأمس من سوء الخاتمة ووهوان على الناس .
لمعرفة العلاقة بين الحاكم والمحكوم نحتاج أخي محمود مرسي بجانب ما قدمته من أفكار وآراء من بعض الفلاسفة نحتاج للرجوع لآراء كثيرة وعلى رأسها آراء علماء الاجتماع ولآراء الفلاسفة الذين تناولوا هذه العلاقة بجميع جوانبها وحللوها وخرجوا لنا بأفضل النتائج من بين أبحاثهم التي قاموا بها على مدى عقود طويلة .
فهذا الموضوع وهو علاقة الحاكم بالمحكوم صعب ومعقد لذلك يحتاج التعرض لآراء كثيرة حتى نخرج منها بأفضلها وأقربها للواقع المعاش .
شكرا استاذة عائشة على هذا التعقيب والمداخلة الكريمة نعم كأنه كتب على شعوب العرب والمسلمون أن يكون الحكام هو القاتل والمحكوم هو المقتول!!
بعكس الشعوي الحرة فالعلاقة سوية وليست مرضية فليس هناك حاكم قاتل ولا محكوم مقتول ولكن هناك شعب يختار حاكمه والادارة التي تساعده والجميع ينعم بمظلة الدستور والقانون
السلام عليكم استاذ / فتحي نعم العلاقة بين الحاكم والمحكوم تحتاج الى بحوث طويلة واستنباط العلاقة المثالية من خلال القرآن ومن خلال ما وصلت اليه الحضارة الغربية في مجال الحريات والعدالة الاجتماعية
مع تمصير هذه التجارب بما يناسب احتياجات المجتمع المصري
شكرا مرة أخرى وإن شاء الله يكون هناك بعض المقالات في هذا الشأن والسلام عليكم
من حـــفر العــــيون والآبار إلى معاناة الأسفار
مذكرات وحكايات الأجداد بالوادي
دعوة للتبرع
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول ما معنى ( درأ ) فى قوله جل وعلا : (...
أهل النبى اسماعيل: ما معنى الأهل فى الآية 55 من سورة مريم ؟ ...
تخاريف : السلا م عليكم ورحمة الله وبركا ته .. هناك...
ثلاثة أسئلة: ثلاثة أسئلة متراب طة : الس ال الأول : ما...
أسئلة متعددة : اود ان اسالك عن ما فاتنى من عبادا ت اول ا هل...
more
مقالة عظيمة اخى الحبيب محمود مرسى . ولو حاولنا تطبيقها على السفينة المصرية الآن .أعتقد اننا بحاجة إلى توكيل ربان له صفات خاصة وأولها الكفاءة ،وإيمانه بالمسئولية والمساءلة والمحاسبة .ثم مساعدته على تغيير سير السفينة إلى الوجهة الصحيحة ناحية شروق الشمس ،ولنترك له قيادتها على أن نكون مُصاحبين ومساعدين وناصحين له ،والا نتعجل السير ،لأن سفينتنا ما زالت بها اعطاب كثيرة ،وأمواج البحر هائجة ،والمُسافرون لم يتعودوا التعامل مع أهل الخبرة والكفاءة ،فستجد منهم (مُفتون كثيرون ) فى كل شىء ... ورغم كل هذا ،واهم شىء أن نظل محافظون مع الربان على السير فى نفس الإتجاه حتى لو أخذنا وقتا أطول للوصول لقرص الشمس الذى نبغيه لمصر ...
شكرا لك اخى الحبيب مرة أخرى .