أيها الفلسطينيون: انتفضوا، يرحمكم الله!

محمد عبد المجيد Ýí 2011-04-06


 
 

إذا رميتَ بذاكرتك إلى الوراء لتستعيد بعضَ الصور والمشاهد فلابد أن تكون القضية الفلسطينية محشورةً حتى لو كان مشهدُ الاستدعاء حالة من التأمل الساكن.

علاقتي طوال عمري بالصراع العربي/الفلسطيني لم تكن في يوم من الأيام خارجية حتى لو كنتُ على مبعدة آلاف الأميال من ساحة الصراع، فقد كانت معي في حلمي ويقظتي، وناقشتها، وشرحتها للجاهلين بها أو لخصومها مئات المرات.

واشتركتُ في معظم المظاهرات بالعاصمة النرويجية خلال أواخر السبعينيات حتى بداية التسعينيات، وقمت بتنظيم بعضها بعدما حصلت على ترخيص من الشرطة النرويجية.

وكنت أقرأ في ( إذاعة صوت العرب من أوسلو يونيو 87 إلى سبتمبر 90 ) أخبار فلسطين، ثم أخبار الانتفاضة الأولى، وقاطعت كل المنتجات الاسرائيلية والفواكه حتى هذه اللحظة ( باستثناء الكتاب، فمن يقاطع كتب الأعداء يظل هو الخاسر دائما ).

وظلت فلسطين في قلبي رغم انسحاب أغلب أصدقائي، طواعية، من هذا القلب الذي تدفئوا به وفيه ردحا طويلا من الزمن، وذلك عقب انتقاداتي الشديدة لهم ولقياداتهم إثر غزو صدام حسين لجارته الصغيرة التي كانت وطنهم الثاني، فجاءني أول تهديد بالقتل ممن جعلت نسكي ومحياي وانشغالاتي من أجلهم.

قصة طويلة بطول عمري بدأت يوم أن سجلت اسمي في مكتب (فتح ) بسبورتنج بالاسكندرية عام 1968 متمنيا أن يرسلوني في عملية فدائية من أجل فلسطين إلى هذه اللحظة التي لم يحجب غضبي، وعتابي، وانتقاداتي، وكراهيتي لزعمائهم أن لا أخدش صورة العدالة في صدري وعقلي، ولو اعترف العرب كلهم باسرائيل، وختم عمرو موسى كل أوراق جامعة الدول العربية بنجمة داوود، وتم عقد مؤتمر القمة العربي في تل أبيب تحت رئاسة الشقيقة اسرائيل فسأظل بمفردي مقاطعا للكيان المغتصب لأرض فلسطين.

مُقدمة لابد منها لأن من يقترب بالنقد والنصائح والعتاب من أي جهة فلسطينية فسيتلقى ضربات من التشكيك والاتهامات تتساوى مع تلك الموجهة لأعدائهم الحقيقيين.

هل هناك جهة أدبية أو علمية أو مؤسسة ثقافية أو قناة فضائية أو صحيفة في العالم العربي الممتد من ساحة للتغيير إلى ساحة للاعتصام لا يعمل بها فلسطيني أو يدير شؤونها؟

ومع كل الكوارث والفواجع والصدامات والطرد والحصار وتعاون أصدقائهم مع أعدائهم فإن الفلسطينيين الأبطال الشجعان ظلوا في سنة أولى سياسة، كلما أنقذهم الله من حفرة سقطوا في اثنتين: واحدة كرها والثانية طوعا، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.

كان الخطأ الأكبر هو التدخل في شؤون مضيفيهم، أو الانحياز لطرف ضد آخر .. في الأردن، ولبنان، والكويت، لكنهم أيضا دفعوا ثمن الاستبداد، والانشقاقات العربية، والتحالفات مع اسرائيل من وراء ظهورهم.

أيها الفلسطينيون الشرفاء،

أعرف أن أكثركم يكره النصيحة، فقد عشنا ستة عقود نعتبر الاقتراب من الثورة القائمة منذ عام 1948 خطا أحمر، وأن أبسط رد لا يخرج عن التشكيك، وكما أن طغاتنا ومفسدينا في العالم العربي تطول أعمار كراسيهم في الحُكم كلما استبدوا باسمكم، وباسم الحفاظ على نقاء الثورة، ومعاداة اسرائيل(!)، فأنتم ايضا ترتابون فيمن يختلف معكم، وتتحصنون خلف طهارة الثورة من مؤيديكم، وأحبابكم، وأصدقائكم.

من هذا المنطلق ضحك عليكم كل من هب ودب، وعبدتم قادتكم الأكثر فسادا من أعدائكم، وتقاسَمْتْكُم أحزابٌ وجبهات وأبوات(!)، وسحبوا من تحت أقدامكم انتصارات الانتفاضتين الأولى والثانية، ثم أخيرا قزّموا هويتَكم، ومزقوها إلى اثنتين.

أيها الفلسطينيون الأبرار،

لقد غضبتم مرات كثيرة من أجل قادة وقضايا وأحزاب وميليشيات في الوطن العربي، وقد آن الوقت أن تغضبوا لأنفسكم من قادتكم الذين فتحوا لكم السجون والمعتقلات، وتعاونوا مع اسرائيل تارة ومع الحُكام الطغاة تارة أخرى.

لا أقصد واحدا أو عشرة أو أكثر أو أقل، لكنني أريد أن أستيقظ ذات صباح ليس ككل صباحات الفلسطينيين فلا أرى لاعبي الثلاث ورقات، وبائعي القضية، والمزايدين الذين جعلوا أقصى أمانيكم مَعْبَراً يتم فتحه يوما او اثنين، أو قافلة للمساعدة لا يكفي ما تحمله لسد رمق أهلكم ساعة أو بعض الساعة.

ثوروا على قادتكم، واستبدلوا بهم شبابا واعيا، ونظيفا، وطاهر اليد، وعفيف الضمير، ومفاوضين أذكياء ووطنيين يحيلون خسائركم أمام عدوكم إلى مكاسب وأرباح وانتصارات.

لا تكونوا ساذجين خلف تلك الفرحة المزيفة التي توهمكم أن النظام السياسي في غزة أفضل منه في رام الله أو العكس، أو أن ممثلكم في دمشق أو في عَمَّان أو في القاهرة يعبر عن أمانيكم وأحلامكم، فأنتم أكبر وأعظم وأطهر من أن يحرككم قادتكم كما يحدث في مسرح العرائس.

تمردوا،وارفضوا، واخرجوا في مظاهرات واعتصامات وثورة شبابية غاضبة، وتخلصوا من قادتكم، دون أي استثناء، وارفعوا شعار الحرية والكرامة ( الشعب يريد اسقاط النظام )!

لا تصدقوا وعودهم، ولا تلهثوا خلف عهودهم فأكثرهم حراس اسرائيل الذين يُخـَدّرونكم إذا استيقظتم، ويُعيدون مطالبكم إلى نقطة الصفر كلما حققتم نصرا ضئيلا لا تراه العين المجردة.
أيها الفلسطينيون،

هل يُصَدق عاقل واحد أن الأرض العربية تشتعل حنقاً على زعمائها في الوقت الذي تجلسون كمتفرجين خارج المشهد الثوري، وأنتم أحق بالثورة من كل جيرانكم؟

إن أكثر قادتكم حاليا صناعة اسرائيلية ولو ركعوا صباح كل يوم أمام العلـَم الفلسطيني، وقاموا بتقبيله أمام كاميرات الفضائيات، ولن تحرروا شبرا واحدا من أرضكم المحتلة وأنتم تحت قياتهم.

انتفضوا، يرحمكم الله، حتى تؤتي الانتفاضتان، الأولى والثانية، أكُلَهما خيرا ونصرا وسلاما وأمنا على أهلكم و .. مستقبل أولادكم.

حاكموهم، واعزلوا أجهزة الأمن التي أذلتكم، وأهانتكم، ونافست نظيراتها في اسرائيل في انتهاك كرامتكم.

أنتم مَدْرسة في تعليم الأحرار صناعة الانتفاضات، ورضيعُكم يولَد وفي يده حجر، فعلـّمونا، مرة أخرى، كيف تغضبون من الروح الشرّيرة التي تتلبس قادتكم.

لا تكونوا آخر من يرجم الطغاة، فلا يزال هناك في الوطن العربي من ينتظر ثورتكم ضد بائعيكم لدى عدوكم، فقادتكم وقادة اسرائيل وجهان لعملة واحدة.

تطهروا من رجس ودنس المزايدين باسمكم، ولا تنسبوا لأنفسكم انتماءات تضركم ولا تنفعكم، فأنتم أكبر من الانضواء تحت راية عباس أو هنية أو مشعل أو جبريل أو ....

أيها الفلسطينيون الأحرار،

لقد طال انتظارنا لمُعلمي ثورات العصر، وأساتذة انتفاضات الكرامة والشرف والعزة والإباء، فانتفضوا على قادتكم فهذا شرط لتُقَدّم اسرائيل لكم تنازلات ما كان لمحتليكم أن يُقدموها بفضل رجالهم الذين حكموكم بلسان عربي و.. قلب عبري.

أكاد أرى عشرات الآلاف يتوافدون إلى الساحات الكبرى لفلسطين المحتلة، فهل هذه أضغاث أحلام أم استشراف مستقبل قريب لأحد عشاق فلسطين الحبيبة؟

من يُرهف السمع قليلا، ويصغى جيدا لصوت الصمت فسيتناهي إليه عن بعد اقتراب هدير جماهير عظيمة وحرة جاءت لمحاكمة قادتها، ولتُسَلّم رايةَ النضال والحُكم إلى شرفاء الوطن وهم كثيرون!

وسلام الله على فلسطين.


 

محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

أوسلو في 6 ابريل 2011

Taeralshmal@gmail.com


 

اجمالي القراءات 10914

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (7)
1   تعليق بواسطة   رمضان عبد الرحمن     في   الخميس ٠٧ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[57092]

وماذا فعل المسلمين باليهود بعد موت الرسول

أستاذ محمد المحترم اعتقد أن اليهود لم يكن لهم دولة في عصر الرسول ومع ذلك كان حقهم محفوظ

والسوائل هنا لماذا لم يتعايش المسلمين مع اليهود مثل ما كان في عصر الرسول وماذا فعل المسلمين باليهود بعد موت الرسول وكما نعلم من القران ان اليهود هم ايضا من أبناء هذه المنطقة مثل العرب





2   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الإثنين ١١ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[57167]

وهل هذه الحقيقة غائبة عن الفلسطينيين .

الأستاذ المحترم / محمد عبد المجيد لقد أصبح هناك مسلمات لدينا جميعاً كون كل الأنظمة العربية تعمل لصالح الغرب وإسرائيل ، وهذا لا يختلف مع ما ذهبت إليه من قولك لإخواننا للفلسطنيين


"إن أكثر قادتكم حاليا صناعة اسرائيلية ولو ركعوا صباح كل يوم أمام العلـَم الفلسطيني، وقاموا بتقبيله أمام كاميرات الفضائيات، ولن تحرروا شبرا واحدا من أرضكم المحتلة وأنتم تحت قيادتهم."


فيجب عليهم الانتباه وعدم الانصياع لأوامرهم فتصديق أياً من هذه القيادات يعد نوعاً من دروب خداع النفس والأمنيات الذائفة التي لا مكان لها بعد هذه الثورات المجيدة التي تعم العالم العربي المطالب بحريته واسترداد كرامته المهدرة منذ زمن طويل .

 


3   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الأربعاء ١٣ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[57224]

رمضان عبد الرحمن و .. يهود عصر الرسول

أخي العزيز رمضان عبد الرحمن،


لم اشر في مقالي من قريب أو من بعيد إلى اليهود، وحديثي كان عن الاسرائيليين.


وتقبل تحياتي


محمد عبد المجيد


طائر الشمال


اوسلو  النرويج


4   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الأربعاء ١٣ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[57225]

محمد الحداد و .. الفلسطينيون في الاعلام العراقي

أخي محمد الحداد،


كان التعميم في حديثي لاظهار انتشار الفلسطينيين كمثقفين، ومتعلمين، ومعلمي أجيال عربية، ولم أقصد بالتحديد العراق .


لم يدر بذهني وضاح في الجزيرة، لكن الشواهد كلها تؤكد الدور الفلسطيني في الثقافة العربية الحديثة.


مع تحياتي


محمد عبد المجيد


طائر الشمال


أوسلو   النرويج


5   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الأربعاء ١٣ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[57226]

نورا الحسيني واسترداد الكرامة المهدورة

الأخت العزيزة نورا الحسيني


تحريض الفلسطينيين على الغضب ضد زعمائهم صعب للغاية، ويحتاج فقط إلى كمية مضاعفة من التواضع لدى أصحاب القضية، وأيضا يحتاج منا إلى مساواة الفلسطينيين بأشقائنا في العالم العربي، وليس باعتبار أصحاب قضيتنا الكبرى بطهارة عدالة القضية.


مع تحياتي


محمد عبد المجيد


طائر الشمال


أوسلو   النرويج


 


6   تعليق بواسطة   سليم قزق     في   الجمعة ١٥ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[57256]

ليس عذرا أو اعتذارا ..ولكنها الحقيقة

لمشكلة في الاتصال مع الانترنيت ، وتعرض برامج الكومبيوتر (لبعض الفيروسات ) لم استطع الاطلاع على مقالكم القيم في حينه ..


بشكل عام لقد وضعت اصبعك على الجرح ..ولكنني لا بد ان اشير - وسافترض انك تشاركني في ذلك - الى خصوصية الشعب الفلسطيني  من بين الشعوب العربية  - فهو  خاضع الى عدد كبير من الانظمة الحاكمة بعدد الدول العربية و الاجنبية التي يعيش فوقها ..!!


بعضها  منحه جنسية الدولة التي يقيم فوقها ..وبقي يعامله (كضيف ) وليس كمواطن ..(ياستثناء دول الهجرة الاوروبية او الامريكية).


وبعضهم ما زال يتعامل معه بصفة (اللاجيء) الباحث عن المأوى  ..رغم وجوده على ارضه منذ  عام ...1948 


الاحزاب الفلسطينية ثم فصائل المقاومة على اختلاف اسمائها ..تأثرت بشكل كبير او قليل بالمكان وبالنظام الذي نشأت تحت ظله .


حتى ماهو موجود الان في (الضفة الغربية أو قطاع غزة ) هو نتيجة للتأثر باتفاقيات (اوسلو) ..!!


أي لا حرية للعمل الفلسطيني ..الا في مكان واحد ...!! 


انني اوافقك على توجه الفلسطينيون للعلم و التعليم ونيل اعلى درجات المعرفة ..وتوجه بعضهم للاقتصاد ...لقد اصبح الكثير منهم من مشاهير الاقتصادييين  ومن مشاهير المربين ,,


المعلم الفلسطيني  ..انتشر على كل بقاع الارض العربية ..من طرف المحيط الى طرف الخليج ..(ولعل السيد الحداد لا يعلم هذه الحقيقة )..!!


لا اريد ان ازيد ولا اريد ان اضيف اكثر ..ولكن اختم ..شكرا


7   تعليق بواسطة   سليم قزق     في   الجمعة ١٥ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً
[57265]

تصحيحح ... أو اضافة معلومات

الاستاذ محمد الحداد ...


اشكر لك  ردك الجميل ..وافيد بان معلوماتك عن المعلم الفلسطيني في ليبيا غير وافية ..انه في كل قرية و كل مدينة ...في الاماكن التي كان يرفض الذهاب اليها المعلم الليبي ، كنت تجد المعلم الفلسطيني ...وهذا اعتراف من نقابة المعلمين الليبين  في سبعينات القرن الماضي..


انه تاريخ حافل من جهاد المعلم الفلسطيني في هذا المجال ...وكلامي هذا من واقع المعايشة و المسؤلية التي كنتها في ذلك الوقت ..!!


اما في العراق فذلك شأن أخر ..فعدد اللاجشين الفلسطينيين هناك قليل نسبة الى غيرهم في بلاد اللجوء ..وبالتالي ععد المعلمين قليل ..رغم انهم كانوا فاعلين ولهم نقابة ـ  لها صلات جيدة  وحسنة بنقابة المعلمين العراقيين ، ولذلك لك العذر ان لم تلمس وجودهم ضمن الاعداد الكبيرة من المعلمين العراقيين .


ان الاحداث الجسام التي مر بها العراق الحبيب اثرت بشكل مباشر ولاسباب شتى على مجمل وضع اللاجشين الفلسطينييين في العراق ، بحيث هجروا من جديد وقذفوا على الحدود ثم ابعدوا الى الارجنتين والبرازيل ..!! وتلك حكاية  لن اتطرق اليها لها خصوصيات وابعاد كثيرة ليس هنا مجالها .


وقد يكون من الفائدة ان نذكر ان الرعيل الاول من قيادات العمل الفلسطيني كانوا معلمين في جبال الجزائر و قراها او في جبال عسير و صحراء العرب او في دول الخليج  ...


لعل فيما ذكرت فائدة ..


وشكرا مرة اخرى


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-07-05
مقالات منشورة : 571
اجمالي القراءات : 6,213,892
تعليقات له : 543
تعليقات عليه : 1,339
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Norway