مجدي خليل Ýí 2009-06-09
يختلف المصريون على قراءة التاريخ، ليس فقط القديم والوسيط، ولكن الحديث والمعاصر أيضا. مصدر الاختلاف الرئيسى يأتى من المدخل لقراءة هذا التاريخ وتحليل أحداثه، هل من زاوية وطنية أم زاوية دينية.
مما يؤسف له أن الاهواء والانحيازات الدينية تؤثر على قراءة التاريخ وإنتقائية أحداثه عند كل من المسلمين والأقباط. ولكن الخطر يكمن عندما يتعدى الموضوع مسألة الإنحيازات والانتقائية إلى مرحلة التزييف والتزوير، والأخطر أن يتبنى الموقف الرسمى للدولة تروييج هذا اdil;لتاريخ المزيف... وهذا ما حدث ويحدث للأسف فى مصر.
فى قصة المعلم يعقوب أو الجنرال يعقوب(1745-1801) تبدو امامك كل هذه القراءات المختلفة للتاريخ.
عند الأقباط المعلم يعقوب بطل قبطى وبطل مصرى، بطل قبطى لأنه كون قوة قبطية مدربة ومجهزة لحماية نفسه وحمايتهم من هجوم الرعاع والغوغاء عليهم، وبطل مصرى لأنه صاحب اول مشروع حقيقى لاستقلال مصر عن العثمانيين والمماليك والفرنسيين كذلك، ولأنه أول من كون جيشا وطنيا مصريا يتشكل من المصريين من الصعايدة والفلاحين ويتساوى فيه المسلم والقبطى، والذى كان محروما من حمل السلاح منذ الغزو العربى لمصر وحتى تكوين هذا الفيلق القبطى.
عند المؤرخين المسلمين المنصفين المحترمين، الجنرال يعقوب شخصية مصرية وطنية، حيث يعد أول مصرى طرح مشروعا متكاملا لأستقلال مصر عن كل القوى الخارجية، وصاحب رؤية ثاقبة لمستقبل مصر السياسى والأقتصادى.
عند كثير من المسلمين الشعبويين والإسلاميين المتعصبين، الجنرال يعقوب خائن لأنه راهن على الأجنبى ،على حد زعمهم، فى مواجهة دولة الخلافة الإسلامية التركية، ولأنه تجرأ على تكوين قوة قبطية تحمل السلاح وتواجه المعتدين من المسلمين، وتخل بالمعادلة التقليدية: المسلم فى مواجهة الذمى.
المشكلة تأتى عندما تتبنى الدولة موقف الشعبويين وغلاة المتعصبين .. وهذا ما حدث بالفعل فى موقفها من الجنرال يعقوب.
فقد نشرت مؤخرا الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة المصرية نسخة شعبية رخيصة الثمن من كتاب احمد حسين الصاوى المعنون "" المعلم يعقوب بين الأسطورة والحقيقة"، والذى يروج للفكر الشعبوى عن خيانة الجنرال يعقوب وللفكر المتعصب عن تعاون الأقباط مع الاحتلال الغربى لمصر، وهى أمور مجافية تماما للحقيقة. والغريب أن رئيس تحرير هذه السلسلة أسامة عفيفى كتب فى مقدمة الكتاب
" مؤرخو التاريخ المصرى الحديث أجمعوا على خيانة المعلم يعقوب لتعاونه مع المحتل، وأن وثائق المحتل نفسه كشفت دوره فى التآمر على المقاومة الشعبية المصرية"... وهذه الجملة من اولها إلى اخرها لا تمت للحقيقة بصلة،ويؤسفنى القول إنها جملة تحريضية مختلقة، كما أن نشر وزارة الثقافة لهذا الكتاب يأتى فى سياق التزييف الرسمى المستمر على مدى قرون للتاريخ الوطنى الحقيقى للمصريين.
لن اتحدث عن الكتابات القبطية التى تناولت الجنرال يعقوب حتى نبعد شبهة الانحياز، ولأن معظمها اعتمد بشكل رئيسى على كتابات شيخ مؤرخى مصر الحديثة الدكتور محمد شفيق غربال.كما أن الوثائق الاجنبية التى يتحدث عنها السيد اسامة عفيفى سواء كانت فى محفوظات وزارة الخارجية الفرنسية أو وزارة الخارجية البريطانية أو وزارة الحربية الفرنسية، ومحفوظات بلدية مارسيليا وكتابات المؤرخ الفرنسى جورج دوان هى التى انصفت المعلم يعقوب.
كما هو معلوم للمتابعين للموضوع إنه فى 17 سبتمبر 1801 سلم لاسكاريس، مترجم الجنرال يعقوب، مذكرة بمواد مشروع يعقوب لاستقلال مصر لجوزيف إدموندز ،ربان البارجة الانجليزية بالاس، لرفعها إلى الحكومة البريطانية. وقد نشر هذه الاوراق المؤرخ الفرنسى جورج داون فى سنة 1924. وعثر عليها شفيق غربال فى محفوظات الخارجية البريطانية اثناء اعداده لرسالة الدكتوراة وترجمها للعربية ونشرها كملحق لرسالته بعنوان " الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر فى سنة 1801"، ونشرت بدار المعارف عام 1932.
هناك ثلاثة مسائل جدالية مرتبطة بالجنرال يعقوب وهى: تكوين الفيلق القبطى، ومشروع استقلال مصر، والتعاون مع الفرنسيين .. وسوف اتناولها باختصار شديد ووفقا لما كتبه المؤرخون المسلمون المنصفون.
الفيلق القبطى
اولا هذا الفيلق تكون مباشرة بعد الاعتداءات الهمجية على الأقباط التى قادها التركى نصوح باشا وغيره من المغاربة والحجازية فى مارس عام 1800 ، حيث نادى نصوح باشا وقتها " اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم" ويحدثنا الجبرتى عن هول المأسى التى حدثت للأقباط ، وفى ابريل 1800 وبعد هذه الواقعة مباشرة ظهر الفيلق القبطى. وثانيا هذا الفيلق تم تكوينه وتدريبه على نفقة المعلم يعقوب الخاصة. وثالثا هذا الفيلق ظهر بعد ثلاثة اشهر من توقيع معاهدة العريش لجلاء الفرنسيين عن مصر والتى وقعت فى يناير 1800. ورابعا هذا الفيلق كان موجها بالاساس ضد المماليك والعثمانيين وبعض الرعاع الذين يعتدون على الأقباط. وخامسا هذا الفيلق أتاح للأقباط لأول مرة منذ غزو العرب لمصر حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم. وسادسا تتراوح تقديرات المؤرخين للفيلق بين 800 إلى 2000 فرد مدرب على الأسلحة الحديثة بواسطة الضباط الفرنسيين . وسابعا هذا الفيلق كما يصفه محمد شفيق غربال يعد "اول جيش كون من ابناء البلاد منذ زوال الفراعنة" ويواصل محمد شفيق غربال وصف هذا الفيلق بقوله "وكان وجود الفرقة القبطية إذن أول شرط أساسي ُيمكّن رجلا من أفراد الأمة المصرية، يتبعه جند من أهل الفلاحة والصناعة، من أن يكون له أثر في أحوال هذه الأمة إذا تركها الفرنسيون وعادت للعثمانيين والمماليك يتنازعونها ويعيثون فيها فسادا، علي الرغم من أنه لا ينتمي لأهل السيف من المماليك والعثمانيين. وبغير هذه القوة يبقى المصريون حيثما كانوا بالأمس: الصبر على مضض أو الإلتجاء لوساطة المشايخ أو الهياج الشعبي الذي لا يؤدي لتغيير جوهري والذي يدفعون هم ثمنه دون سواهم. وهنا الفرق الأكبر بين يعقوب وعمر مكرم: يعقوب يرمي إلى الاعتماد على القوة المدربة، بينما السيد عمر يعتمد على الهياج الشعبي الذي تسهل إثارته ولا يسهل كبح جماحه؛ إذ أن يعقوب لا يريد عودة المماليك والعثمانيين وإنما يعمل على أن تكون لفئة من المصريين يد في تقرير مصير البلاد".
مشروع استقلال مصر
الفيلق القبطى كان واقعا موجودا أما استقلال مصر فكان مشروعا وحلما عند الجنرال يعقوب، وهو المشروع الذى حمله عن يعقوب الفارس لاسكاريس وترجمه لنا كما ذكرت سابقا المؤرخ الكبير شفيق غربال حيث وصف خروج يعقوب بقوله
" خرج لتحقيق مشروع خطير وهو السعى لدى الحكومات الأوروبية لتقرير استقلال مصر"، وتنطلق حجية المشروع كما ذكرها المعلم يعقوب فى " جشع العثمانيين المالى، وعنف التخريب المماليكى، وفشل الحملة الفرنسية لتفوق الاسطول الانجليزى.. وذلك هو جوهر الوثيقة التى بنت على تلك الأسس حججها فى استقلال مصر وحيادها". ويشكل هذا المشروع، أولا أول رؤية مصرية خالصة للاستقلال منذ عصر الفراعنة. وثانيا مشروع مصرى خالص لم يعثر فيه مطلقا على كلمة قبطى بل كان رؤية وطنية مصرية. وثالثا كان اول عمل سياسى يحاول جعل المسألة المصرية مسألة دولية كما يقول محمد فهمى عبد اللطيف فى جريدة البلاغ بتاريخ 22 ديسمبر 1947. ورابعا كان مشروعا متكاملا يشمل استقلال مصر وحيادها السياسى وتنميتها لتصبح مركزا للتجارة الدولية،أى يحمل رؤية متكاملة لمستقبل مصر. وخامسا يظهر تأثير الحملة الفرنسية الإيجابى على الفكر المصرى فى الحرية والاستقلال والذى مهد لاحقا لظهور محمد على باشا.
التعاون مع الفرنسيين
نعم تعاون الجنرال يعقوب اقتصاديا وعسكريا مع الفرنسيين كما تعاون من قبل مع الاتراك ومع المماليك.. مثله فى ذلك مثل الشيخ الشرقاوى والجبرتى وكلاهما تعاون مع الفرنسيين.. ومنذ سقوط دولة الفراعنة، كانت مصر دائما تحت الاحتلال،ولا يختلف الاحتلال الفرنسى عن الاحتلال العثمانى.. ومصطفى كامل كان فى مقدمة ممن تعاونوا مع الاحتلال العثمانى وكان يدافع عنه باستمرار، فهل كان مصطفى كاملا خائنا؟ وهل كان عزيز باشا المصرى، الذى تعاون مع الالمان ضد الانجليز، خائنا؟، وهل كان عبد الرحمن الجبرتى ومحمود الشرقاوى من الخونة؟، وهل كل من تعاون مع الاحتلال الاجنبى لمصر والذى استمر قرونا طويلة كان خائنا؟.
لم يختلف الجنرال يعقوب عن ملايين المصريين الذين تعاونوا مع الاحتلال الاجنبى لمصرعبر تاريخها الطويل، ولكنه اختلف عن الكثيرين بأنه أول من حلم فى العصر الحديث باستقلال مصر تماما عن كل القوى الاجنبية.. وهو بهذا يعد رائدا لمبدأ
" مصر للمصريين" والذى تبنته الحركة الوطنية فيما بعد
عماد جاد : نموذجا لمثقف الأمن!
الطعن على عدم دستورية قانون بناء الكنائس
دعوة لمسيرة سلمية أمام البيت الأبيض
دعوة للتبرع
المنافقون والجنة : هل سيدخل الصحا بة المنا فقون الجنة .؟؟ ...
فى الميراث والعول: المرج و من سيادت كم ورجاء ا مني إعادة...
ليس قتلا للنفس: ارجو افادت ى لى ابنه لديها طفل فى عمر 6 اشهر...
أول المسلمين : إبراه يم عليه السلا م ومن آمن به كانوا...
يحيق المكر بأهله: قول الله جل وعلا ( ولا يحيق المكر السىء إلا...
more
رأيك معروف في المعلم يعقوب.وليس في هذا مشكلة
ولكن التساؤل المثار هنا من أعطى لكم الحق في مصادرة و تجريم وتحريم الرأي الآخر الذي قرأناه في'' المعلم يعقوب بين الأسطورة والحقيقة'' ?
وهل حرية الرأي و قبول الرأي الآخر هي شعارات تقال فقط عندما يهان الأسلام و المسلمين أم عندكم أي استعداد لتطبيقها أيضا على المعلم يعقوب و عزازيل و دافنشي?