الأخوان المسلمون هم نتاج الوهابية
يعتقد البعض أنه لا توجد علاقة بين حزب (الأخوان المسلمون) والوهابية. وهذا في رأيي خطأ، إذ هناك دراسات موثقة تثبت أنه لولا الوهابية لما ظهر هذا الحزب والتنظيمات الأخرى من الإسلام السياسي في البلاد الإسلامية، كذلك أثبت الواقع وجود علاقة أيديولوجية ومالية وتنظيمية وثيقة بين هذه الأطراف. كما وأجزم أنه لولا الحركة الوهابية لما كان الإرهاب الإسلامي والذي من الأنسب أن يسمى بـ(الإرهاب الوهابي) الذي يهدد الحضارة الإنسانية.
إن سبب اعتقاد البعض في عدم العلاقة بين الوهابية وأحزاب (الأخوان المسلمون) هو عدم إطلاعهم الكافي بتاريخ الوهابية ونشوء الإسلام السياسي، واعتقادهم بأن الوهابية حركة عقائدية دينية مذهبية بحتة، لا علاقة لها بالسياسية كما هو في الظاهر. ومن هنا نرى أن من الضروري توضيح الصورة. صحيح أن في السعودية ممنوع على الشعب ممارسة أي نشاط سياسي، فالسياسة هي من شأن الأسرة الحاكمة فقط، وتحديداً الملك الذي يتمتع بالحكم المطلق، ومن يحيط به من الوزراء ومن الحلقات المقربة، ولكن في الحقيقة، أن العائلة الملكية الحاكمة تتحكم برقاب الشعب السعودي عن طريق مؤسسة الوهابية المنتشرة في كل مرفق من مرافق المجتمع، فهي التي تسيطر على التعليم والتثقيف وتوجيه الرأي العام من خلال المساجد والمدارس والمعاهد، والإعلام، وتضبط حركات الناس وتعد أنفاسهم من خلال منظمات القمع، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (المطاوعة) أي الشرطة الدينية.
فبواسطة هذه المؤسسات "الدينية" التي يهيمن عليها شيوخ الوهابية، استطاعت الأسرة الحاكمة فرض حكمها المطلق على الشعب السعودي والتسلط على الرقاب بالقبضة الحديدية، والويل والثبور لمن يعترض عليه، أو يبدي مجرد رأي بسيط لا يرتضيه النظام الحاكم، فسيف التكفير والزندقة مسلط على الرقاب. وحسب تفسير الوهابية للإسلام، على الرعية طاعة وليّ الأمر، أي الحاكم حسب قول نسبوه إلى النبي محمد: (أطع أميرك وان جلد ظهرك وان اخذ مالك)، وهناك أحاديث كثيرة أخرى بهذا المعنى يرددها هؤلاء ليل نهار. وهذه الثقافة هي أحد أسباب تكريس عبادة الفرد وحكم الاستبداد في العالم الإسلامي. ومن هنا نعرف أنه رغم المظهر الخارجي غير السياسي للوهابية، إلا إن في حقيقة الأمر، تقوم المؤسسة الدينية الوهابية في السعودية بجميع الأعمال والنشاطات التي تقوم بها الأحزاب السياسية الشمولية الحاكمة في البلدان التي تحكمها ديكتاتورية الحزب الواحد والأيديولوجيات الشمولية، إضافة إلى كونها تمتلك صكوك الغفران والتخويل بالحكم الإلهي.
وهناك مصادر كثيرة موثقة تثبت العلاقة الوثيقة بين أضلاع المثلث: (الأخوان المسلمون) خارج المملكة السعودية، والسلطة السعودية، والمؤسسة الدينية الوهابية. ونذكر من هذه المصادر على سبيل المثال لا الحصر، كتاب الراحل الدكتور علي الوردي (قصة الأشراف وابن سعود)، وكتاب (جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية) للباحث الإسلامي ومؤسس جماعة أهل القرآن، الشيخ الأزهري الدكتور أحمد صبحي منصور، وكتاب الدكتور أحمد الكاتب (جذور الاستبداد في الفكر الوهابي). وقد اعتمدنا في هذا البحث على هذه المصادر وغيرها من الدراسات التحليلية.
نبذة تاريخية
مرت الدولة السعودية بثلاث مراحل:
الدولة السعودية الأولى (1745-1818) تأسست على يد الأمير محمد بن سعود، وتزامنت مع تأسيس العقيدة الوهابية على يد الشيخ محمد ابن عبدالوهاب (1703-1791) وعاصمتها الدرعية في نجد.
وعقد المؤسسان تحالفاً استراتيجياً بين العائلتين، آل سعود وآل الشيخ محمد ابن عبدالوهاب، أن يكون الحكم والولاية السياسية للأمير محمد بن سعود وأعقابه من بعده، والولاية الدينية للشيخ محمد بن عبدالوهاب وأعقابه من بعده. وبقي هذا التحالف بين الأسرتين فاعلاً إلى الآن. وانتشرت العقيدة الوهابية بين أبناء قبائل البدو من أعراب نجد الأميين الجهلة، بالترهيب بحد السيف، والترغيب بوعدهم بالجنة، بعد تعريضهم إلى دورات تدريبية صعبة من عزل في قرى سميت بالهجر، وعمليات غسل دماغ، وتحويلهم إلى روبوتات بشرية منفذة لتعاليم وأوامر هؤلاء الشيوخ والأمراء بشكل أعمى.
وكما قال الدكتور منصور: [أعطى محمد ابن عبد الوهاب مبرراً لمحمد بن سعود لغزو البلاد المجاورة "وقتل أهلها بعد اتهامهم بالكفر وإكراههم على قبول الوهابية على أنها الإسلام يجعل من الآخرين ومنهم الشيعة كفارا". وينقل عن عثمان بن بشر النجدي مؤلف كتاب "عنوان المجد في تاريخ نجد" أن ابن سعود ارتكب مذبحة في كربلاء عام 1801 وسجل النجدي بفخر تلك المذبحة قائلا " أخذنا كربلاء وذبحنا أهلها وأخذنا أهلها فالحمد لله رب العالمين ولا نعتذر عن ذلك ونقول: وللكافرين أمثالها". ] والجدير بالذكر أن قتل الوهابيون من أهل كربلاء في تلك الغزوة نحو 4000 ، ونهبوا المدينة وخزائن ضريحي الحسين والعباس التي لا تقدر بثمن. وقد أسقط هذه الدولة محمد علي باشا، الوالي العثماني على مصر، عام 1818.
الدولة السعودية الثانية (1821-1889). سقطت بسبب الصراعات الدموية داخل الأسرة الحاكمة.
الدولة السعودية الثالثة وهي الراهنة، بدأت مرحلة التأسيس بين عامي: 1902 إلى 1925 على يد الملك عبدالعزيز آل سعود، وبجهود الأخوان الوهابيين النجديين أيضاً.
أسباب تصدير الوهابية
على الرغم من أن المملكة السعودية قد تأسست بجهود الأخوان الوهابيين، اعتماداً على شراستهم ووحشيتهم في القتل والنهب، طمعاً في الغنائم والجنة، لكن كانت هناك فترات شابتها خلافات وتوترات بين بعض فصائل الوهابية الأكثر تطرفاً من جهة، والملك عبدالعزيز من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال، تمردت إحدى فصائل الوهابية بقياده فيصل الدويش، ولكن استطاع عبدالعزيز بدهائه القضاء على تلك الجماعة وسجن الدويش إلى أن هلك في السجن. كما وتعاظمت وحشية هجمات غزو "الأخوان" الوهابيين على العراق والأردن، وتصاعدت اعتراضات الدول ومنها بريطانيا التي كانت تحكم البلدين الأخيرين، فطالبت الملك عبدالعزيز بإيقاف هؤلاء عن ارتكاب الجرائم، فأضطر الأخير إلى وضع حد لنشاطات الوهابيين خوفاً على ملكه من تطرفهم.
ومن الإجراءات التي اتخذها الملك عبدالعزيز لدرء خطر الوهابية عليه، أن عمل بدهائه المعروف على تصريف الطاقة التدميرية الكامنة في هذه العقيدة بتصديرها إلى الخارج. وأول بلد عمل على نشر الوهابية فيه هو مصر وذلك لما تتمتع به من إمكانيات ثقافية، فكان يعلم أنه إذا نجح في كسب تلك الامكانيات فيمكنه توظيفها لأغراضه. وهكذا كان.
وكما يذكر لنا الدكتور صبحي منصور في بحثه المشار إليه أعلاه، أن بدأ الملك عبدالعزيز بكسب ولاء شيخين أزهريين من أصول شامية وهما: رشيد رضا ومحيي الدين الخطيب، عن طريق مستشاره حافظ وهبة. والمفارقة أن هذين الشيخين كانا تلميذين للمصلح الإسلامي الكبير الشيخ محمد عبده، إلا إنهما انقلبا على تعاليم أستاذهما بعد وفاته عام 1905 وارتبطا بالسلطة السعودية لقاء دعمها لهما بالمال. وعن طريقهما تم إدخال العقيدة الوهابية إلى الأزهر بذريعة تنقية الدين من الشوائب والخرافات والتعاليم الصوفية، وإعادة الدين إلى أصوله النقية. وقدم رشيد رضا بدوره المدرس الشاب حسن البنّا إلى حافظ وهبة وإلى السعودية. واعترف البنّا في مذكراته (الدعوة والداعية) بصلته بحافظ وهبة والدوائر السعودية. وهناك مؤلفات أخرى مثل مذكرات محمد حسين هيكل، أشار فيها إلى معرفته بالشيخ حسن البنا، وأنه كان وثيق الصلة بالسعودية ويتلقى منها المعونة، وكان يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة...الخ. والشيخ البنّا هذا كان يتمتع بإمكانيات تنظيمية كبيرة، فبعد أن هيأ شيوخه الأزهريون له القاعدة الأيديولوجية، قام هو بتأسيس حزب الأخوان المسلمين عام 1928 على شكل تنظيمات شبه عسكرية بواجهة جمعيات خيرية، ولكنها تقوم بتدريب الأعضاء الشباب على السلاح وتحضيرهم للأعمال المسلحة ضد المعارضين، وبدعم مالي من السعودية مستغلين فقر حال الشباب في مصر.
والملاحظ أن هناك علاقة بين الأخوان المسلمين والوهابية حتى في التسمية. إذ كان يطلق اسم (الأخوان) على الوهابيين في السعودية. فأطلق على تنظيم حزب الإسلاميين في مصر اسم (الأخوان المسلمون)، وهذه التسمية ليست مصادفة، بل لها علاقة بالجماعات الوهابية (الأخوان) وتؤكد أن حزب الأخوان المسلمين في مصر وغيرها هو امتداد للوهابية وتعمل نفس التعاليم المذهبية.
العنف السياسي في مصر
قامت جماعات الأخوان المسلمين بقيادة الشيخ حسن البنّا باغتيالات بعض المعارضين، كان من بينهم، رئيس الوزراء أحمد ماهر عام 1945. وعلى أثر هذه الأعمال، قامت جهات يعتقد أنها حكومية، باغتيال حسن البنّا عام 1948. كما وقام الحزب فيما بعد بمحاولة فاشلة لاغتيال الرئيس المصري جمال عبدالناصر عام 1965، اتهم فيها سيد قطب، أحد منظري الحزب، وألقي القبض عليه وحُكِمَ بالإعدام ونفذ فيه الحكم في نفس العام. كذلك قام الحزب باغتيال السادات عام 1981، ومحاولة فاشلة لاغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا في التسعينات من القرن الماضي.
كما ويعتقد أن معظم اغتيالات المثقفين المصريين والتفجيرات ضد السياح الأجانب تمت على أيدي عصابات تابعة للأخوان المسلمين، ناهيك عن الاضطرابات والأعمال الإرهابية ضد الأقباط المسيحيين خلال الأربعة عقود الماضية، من قتل واختطاف وحرق ممتلكات راح ضحيتها المئات من الأبرياء، وسلسلة الجرائم مستمرة لحد الآن.
إلا إن الأخوان المسلمين يستطيعون أن يتلونوا وفق الظروف باستخدام مبدأ التقية. فعندما تفشل عملية إرهابية وهي من تدبيرهم وينكشف أمرهم، يسارع قادة الحزب إلى إعلان البراءة منها، وإدانتها، والادعاء بعدم علاقتهم بها. كما ويدعي قادة الحزب أمام الإعلام الغربي في هذه الأيام أن حزبهم يؤمن بالديمقراطية ودولة المواطنة وحقوق الإنسان، ولكن في نفس الوقت لن يتورع مرشد الحزب، محمد مهدي عاكف، في الداخل من التصريح بأنه يفضل مسلم ماليزي على قبطي مسيحي مصري لحكم مصر!!
الثروة السعودية وتوسع الإسلام السياسي والإرهاب الوهابي
الملاحظ أن توسع الإسلام السياسي وانتشار الوهابية، وتصاعد موجة الإرهاب في العالم تزامن مع التضخم الهائل غير المسبوق للثورة النفطية للمملكة العربية السعودية. ففي دراسة تحليلية بعنوان "السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية السنية"، للسفير الأميريكي السابق لدى كوستريكا ( كورتين وينزر)، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط في بداية عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، يورد الباحث على لسان اليكسي اليكسيف أثناء جلسة الاستماع أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م بأن ["السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط . ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 بليون دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان.]
ومن هنا نعرف أن الثروة النفطية، سواءً في السعودية السنية، أو إيران الشيعية، لعبت دوراً كبيراً في تصدير العنف الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي. كما ونعتقد أن الخطر السعودي في دعم الإرهاب أكبر بكثير من الخطر الإيراني، ذلك لأن إيران معروفة بعدائها الصريح لأمريكا، بينما السعودية تطرح نفسها كدولة صديقة وحليفة لأمريكا، وأنها تريد المساعدة في الحرب على الإرهاب واستقرار الوضع في الشرق الأوسط، ولكنها تعمل في الخفاء وبكل خبث عكس ما تدعيه. فقد أثبتت الأرقام وفق دراسة قدمها الجيش الأمريكي أن 50% من الإرهابيين الأجانب في العراق، ومعظم الانتحاريين فيه هم من السعودية. كذلك كان 15 من 19 انتحارياً الذين ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا كانوا مواطنين سعوديين. وهذه الأرقام لم تأت مصادفة، بل هي نتيجة تربية مدرسية وثقافة دينية، ودعم المملكة السعودية لتغذية العنف والكراهية ضد غير المسلمين وضد أتباع المذاهب الأخرى من المسلمين. كما وهناك تقارير تؤكد أن مناهج التعليم في السعودية مازالت مليئة بمواد تحرِّض على كراهية غير المسلمين وحتى المسلمين من غير الوهابيين.
الاستنتاج
ومن كل ما تقدم، نستنتج ما يلي:
1 - بكلمات الدكتور أحمد صبحي منصور، إن الأخوان المسلمين في مصر "هم الطبعة المصرية من الوهابية النجدية الأعرابية". ومن ذلك نعرف أن الانتماء إلى حزب الأخوان المسلمين هو عملية تغيير المسلمين من أهل السنة، من مذاهبهم المسالمة المتسامحة عبر قرون، إلى الوهابية التي تكفر ليس غير المسلمين من أصحاب الديانات الأخرى فحسب، بل وتكفر كل من لا ينتمي إليها حتى من المسلمين من المذاهب الأخرى، وبالأخص الشيعة والصوفية بمختلف فرقهما وتفتي بقتلهم.
2- هناك مثلت خطير، أضلاعها: المملكة السعودية والوهابية والأخوان المسلمين. ومن هذا المثلث خرجت جميع المنظمات الإرهابية "الجهادية" في العالم.
3- إن التبشير بالعقيدة الوهابية معناه تغيير طريقة حياة المسلمين ومعتقداتهم الدينية إلى العقيدة الوهابيين الأعراب. والأعراب هنا هم الذين قال عنهم القرآن أنهم (أشد كفراً ونفاقاً) ووصفهم ابن خلدون بأنهم ضد العمران، فأينما حلوا يدمرون المدن والحضارة. وهذا ما يقوم به الإسلام السياسي الوهابي.
4- وبناءً على الاستنتاج الثالث، نعرف أحد أهم أسباب تخلف العرب والمسلمين وتراجعهم القهقرى في عصرنا الحاضر، ألا وهو مناهضة (الإسلام السياسي- الوهابي) للتقدم الحضاري والتعايش السلمي مع العالم المتحضر.
5- لهذه الأسباب مجتمعة، وإذا ما أراد المسلمون، الحريصون على سمعة الإسلام، والتعايش مع العالم بسلام، يجب عليهم أن يدينوا الوهابية، ويشنوا حملة فكرية وإعلامية متواصلة لفضح هذه الجماعة السلفية المنحرفة، وإقناع الأمم المتحدة بتجريمها، وبالتالي اقتلاعها من جذورها لتخليص الإسلام والعالم من شرورها. وإذا امتنع عقلاء القوم باتخاذ هذه الإجراءات المقترحة، فإن مزيداً من الكوارث في انتظارهم.
ـــــــــــــــــــــ
المصادر:
* د. أحمد صبحي منصور: كتاب جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية
اجمالي القراءات
5990