الماء و الحياة

محمود دويكات Ýí 2008-06-13


قضية الماء و الحياة من أحد أكثر المواضع إحراجا الحقيقة في المجتمعات العلمية. و أرجو توخي الدقة هنا و محاسبتي إن سهوت عن بعض العلم . فمن أقوى الفرضيات (لكن مش من المسلمات بعد) التي وضعت لتفسير أصل الحياة هو انبثاقها من تفاعلات الماء مع بعض المركبات (الماء المعروف حاليا : H2O حيث H = Hydrogen, O =Oxygen ) و قد يتساءل البعض لماذا الماء ، مع العلم أن فرضيات قوية اخرى (و أكثر منطقية الحقيقة) تفترض وجود مركبات أبسط بكثير من الماء في زمن تخلق الارض مثل الامونيا NH3 المتكون من النيتروجين و الهيدروجين و الميثان CH4المتكون من عنصر الكربون مع الهيدروجين و المعلوم كيميائيا أن الاوكسجين أثقل من النيتروجين (بنسبة 16 الى 14 للغاز أو 8 الى 7 للذرة الواحدة من الطرفين) و أثقل من الكربون (بنسبة 8 الى 6 للذرة ) و المعلوم أيضا أن كلمة "أثقل = أعقد" في الكيمياء تعني أن النيتروجين أخذ وقت أقل للتخلق من الاكسجين ،و الكربون أخذ وقت أقل للتخلق من النيتروجين ، أي ان ترتيب ظهور العناصر الخفيفة في جو الارض كان كالاتي (هيدروجين ثم كربون ثم نيتروجين ثم اوكسجين ثم غيرها طبعا) مع العلم بوجود عناصر أخرى في السلسلة لكنها غير نشيطة في التفاعلات لأسباب كيميائية بحتة. و كتلخيص فمن المنطقي أكثر أن نقول أنه جاء على الارض فترة كان غاز الامونيا و الميثان هما المركبان الاكثر وجودا مقارنة مع الماء ، خاصة أن الكربون و النيتروجين هما من أكثر العناصر تواجدا في خلايا الكائنات الحية، و الجواب على السؤال أعلاه: لماذا الماء إذن؟ ، هو جواب بسيط مفاده أن الماء هو أبسط سائل مستقر (من ناحية كيميائية) موجود على الاطلاق ، و أيضا هذا السائل يتصف بوجود الرابطة الهيدروجينية فيه التي تسهل تفكك الكثير من الاملاح و المركبات الى مجموعاتها الايونية مما يسهل التفاعلات الكيميائية بدرجة مذهلة . و هذا ما دفع العلماء في الخمسينات الى الاعتقاد بأن اجتماع تلك الغازات (امونيا+ميثان) قد يولد المركبات الاساسية للمادة الحية و هذا ما لم يحدث طوال عشرات السنين من التجارب و حتى في التجارب التي استخدموا فيها الماء و أشهرها تجربة يوري ميللر Urey-Miller experiment (اتبع هذا الرابط إن شئت http://en.wikipedia.org/wiki/Miller-Urey_experiment ) و الواقع أن المعمول به نظريا (رغم عدم القدرة على اثباته تجريبيا الى الان ) أنه لتكوين مادة حية (protoplasm) يجب وجود مركبات عديدة (معظمها سام) بالاضافة الى الماء طبعا

وقد يبدو هذا مناقضا لقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ... الخ)نور/45 فكلمة "حي" لاتعني "مادة حية" . الحقيقة أن الموضوع أعقد مما قد يبدو عليه، حيث أن الحياة هي ليست تلك المادة الحية فقط (لمعرفة معنى كلمة مادة حية ابحث عن protoplasm و لمعرفة كلمة حي أو حياة ابحث عن living ) فالمادة الحية هي مركب كيميائي معقد يعتبر من الاسس في بناء الخلية (لكنه ليس الوحيد ) فالخلية تتألف من مئات المركبات لكن بعضها يطلق عليه إسم "مادة حية" فقط لأنها دائما موجودة في الكائنات الحية المعهودة و لأنها (مع اتحادها بنسب عالية من الماء ) تكون الوسط الذي تجري فيه كافة العمليات الحيوية داخل الخلية . و المقصود بقولنا (الكائنات الحية المعهودة) يستثني بعض أنواع الفيروسات ، و التي هي أصلا أحد ألغاز العلم الحديث حيث لا يزال العلماء يصنفون الفيروس على أنه "وكيل = agent (اتبع http://en.wikipedia.org/wiki/Virus ) ، أي هو حالة وسط بين الحياة و اللاحياة ، و السبب الرئيس لذلك هو أنه في تركيبه (معظم أنواعه) لا يحتوي المادة الحية protoplasm و بالتالي لا يحتوي الماء أيضا.

أما الحياة (و منها كائن حي أو دابة!) (اتبع الوصلة http://en.wikipedia.org/wiki/Life إن شئت ) فهي تعني قابلية الكائن على القيام بكل من: 1- عمليات الايض (metabolism وهي عملية استهلاك الطاقة من مركبات اخرى و أبرز مثال على ذلك هو حرق الاكسجين) 2- النمو (عمليات تركيبية ) 3- الاستجابة للمؤثرات (بغض النظر عن سرعة الاستجابة) 4- التكاثر بغض النظر عن الكيفية. و المعروف علميا (الى هذه اللحظة) أن جميع الكائنات الحية (مهما بلغ تعقيدها و التي تقوم بكل العمليات السابقة) يدخل الماء H2O كمركب و مكون أساسي (بنسبة عالية جدا) في تركيب المادة الحية protoplasm فيها.... إلا الفيروسات! و التي بإمكانها عدم القيام بكل تلك العمليات المذكورة! ...و بالتالي فالبعض لا يعتبرها كائن حي (أو دابة!) – لكن إن وجد الماء السائل (شرط! أنه سائل و ليس غاز مثلا) فإن التكوين البروتيني للفايروس يتحد بطريقة غير مفهومة الى الآن مع الماء و فجأة يظهر ذلك الفايروس وكأنه يستهلك الاوكسجين إن كان أوكسيجينيا و يستجيب للمؤثرات بل و يتكاثر – أي أن الماء جعل الفايروس كائنا حيا!!

نعود إلى الاية: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ )أنبياء/30 و المدهش في الاية هي ربطها للماء مع خلق (أو ممكن طبيعة) السماوات و الارض ) و استخدام كلمة شيء أيضا (كل شيء حي) ، فإن سكتنا (أو سلمنا ) أن الاية 45 من سورة النور تتحدث عن الماء للكائنات الحية (دابة) فهذا لا غبار عليه ولا تناقض مع العلم بتاتا ، لكن أن يربطها الله مع (كل شيء حي ) فهذا يجعلني أعتقد ان كلمة الـ + ماء تعني شيء أعم (أو أصولي أكثر Fundamental) من فقط مجرد الماء السائل.
الماء يتكون من الهيدروجين و الاوكسجين هكذا: H – O – H و كيميائيا الماء عبارة عن مركب أكسيد الهيدروكسيل أي يتكون من شقين : موجب: H و سالب OH و الجزء السالب هو أهم جزء في الماء بل هو أهم جزء في المركبات التي تدخل في المادة الحية – بل إن الشق السالب هذا هو عبارة عن زعيم تصنيفي يصنف تحته مجموعة الكحولات و ما أدراك ماالكحولات في الكيمياء العضوية!. و العجيب أن الهيدروجين غاز يحترق و الاوكسجين غاز مساعد على الاحتراق ( يعني لا يمكن أن يحترق الهيدروجين بدون أوكسجين ). و بالتالي نستطيع القول مجازا أن مكونات الماء هي خليط رائع لانتاج لهب مستمر في الاحتراق .. و بالتالي نستطيع القول أن النار التي خلق منها الجن أصلها أيضا (من) الماء - أي أن الله خلق الجان من نار!! و لكن الجن عبارة عن شيء حي!! إذن هكذا يمكن فهم علاقة الماء بالنار!! اذن تلك النار أصلها ماء!!

و الله أعلم

اجمالي القراءات 25010

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الجمعة ١٣ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[22824]

الأخ محمود

 في الحقيقة لا استطيع التعليق على هذا الموضوع ،كل ما هنالك أحب ان أقول أنه موضوع تخصصي  مئة بالمئة ،وقد قرأته بتمعن ،فيه الكثير من التساؤلات الهامة ،وخاصة حول موصوع وصفات الماء المذكورة في القرآن وموضوع الفيروسات وهذا موضوع هام  ذكره لي أحد الاطباء  بقوله أن العلم الحديث الان  يقوم بتجارب على استخدام الفيروسات بنقل الدواء في الجسم الى الاعضاء التي يصعب وصول الدواء اليها  . وهنا احب الطلب الى الأخوة الذين يتعاطون علم الكيمياء أن يبدوا برايهم حتى تكون الفائدة بعد ذلك عامة ،وخاصة الأخ عثمان اعتقد ان أختصاصه كيمياء .على كل حال مشكور ،وموضوع يدعونا  الى التعمق  والتفكي رفيه . .


2   تعليق بواسطة   محمود دويكات     في   الجمعة ١٣ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[22827]

أخ زهير

بارك الله فيك أخي الكريم و كل ما كتبته انا كان مجرد أفكار تخاطرت في ذهني و يكون جميلا لو التف أهل الاختصاص لدراسة المواضيع العلمية التي يطرحها القرءان - و فقك الله أخي


3   تعليق بواسطة   زهير الجوهر     في   الجمعة ١٣ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[22833]

الأستاذ دوبكات

تحية طيبة


الفايروسات والبريونات (Prions) من الصعب تصنيفها ككائنات حية. فهذه الأشياء هي شبه حية.


لكني أجد صعوبة حول تفسيرك  وملائمته للنص القرآني: ماتريد قوله هو أن المقصود من الآية أنه "جعل(بضم الجيم) بالماء كل شيء حي"


لكن الآية لاتقول ذلك : الآية تقول: جعلنا من الماء كل شيء حي.


لوكان تفسيرك صحيح لقال الخالق: اولم ير الذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا بالماء كل شيء حي افلا يؤمنون . الأنبياء 104


(ماكان يحيرني دائما هو من هم "الذين كفروا" التي تخاطبهم الآيه, لايمكن ان يكون المقصود, الكفار في زمن الرسول, لابد وأنها تتكلم عن علماء في الوقت الحاضر).


ثانيا بالنسبة للآية من سورة النور فهي واضحة أذ تقول بأن الله خلق الدواب (والفايروس ليس من الدواب فهو لايمشي على الأرض) من الماء, وهذا يعني ان الماء يدخل في النسبة الأكبر من تركيبها, وهذا قد يعني أيضا بأن الماء لازم لبقاءها على قيد الحياة.


والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على اربع يخلق الله ما يشاء ان الله على كل شيء قدير . النور 45


بالأضافة نحن لانعلم فيما أذا كان الجن ينطبق عليهم وصف "شيء حي" من الناحية البايولوجية. أذ انه لايوجد لدينا لحد الآن دليل على ان هناك عملية أيض تجري في مكونات هولاء الجن.


لكن من الناحية الفلسفية ممكن القول بأن الجن هم من الكائنات الحية, لكن هل هم شيء حي,  البعض قد يعترض بأن تعريف ال شيء يعني "مالديه كتلة" , وبهذا فأنه قد يقول لك بأن الجن هم عبارة عن موجات كهرومغناطيسية , أو طاقة, مصداقا لأخبار القرآن لنا بأنهم خلقوا من نار السموم , وبالتالي فهم ليسوا أشياء حية, لكنهم طاقات حية.


من الناحية الأخرى قد يكون تفسيرك صحيح, حيث أن الماء ممكن أن يحترق, وبالتالي فأن الجان ربما خلقوا من هذا الماء المحترق,  


والله أعلم.


مع التقدير


4   تعليق بواسطة   محمود دويكات     في   السبت ١٤ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[22879]

استاذ زهير

جزاك الله خيرا على ما تقول .. وأعتقد أن ما أردت أنا قوله أن كلمة من في آية (وجعلنا من الماء كل شيء حي) قد تعني بسبب.. و قضية أن الجن عبارة عن طاقة غير مادية كلام لطيف


ملاحظة: اسمي دويكات بالياء المثناة من أسفل .و هو جمع دويك و الدويك تصغيرالديك !! هذا اسم العائلة نعمل ايه بقا!!


وفقك الله لما يحبه و يرضاه


 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-02-04
مقالات منشورة : 36
اجمالي القراءات : 984,447
تعليقات له : 775
تعليقات عليه : 588
بلد الميلاد : فلسطين
بلد الاقامة : United State