آحمد صبحي منصور Ýí 2025-08-02
( الفصل الثالث ) : لمحة عن ( الفقه الوعظي عند أبى حامد الغزالى ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
مقدمة لمجرد التذكير
كتبنا الكثير عن أبى حامد الغزالى وكتابه ( إحياء علوم الدين )، كما سبق أن توقفنا مع الفقه النظرى والفقه الوعظى ، وكيف أن الفقه الوعظى ـ وهو يقدم رؤية إصلاحية من وجهة نظر المؤلف فإنه أيضا يذكر بعض المعلومات التاريخية في الحياة الاجتماعية للناس ، ويصف دون أن يقصد سلوكيات اجتماعية وطوائف ومعتقدات وعلاقات كانت موجودة في عهده واستحقت نقده واحتجاجه . ويزيد من أهميتها التاريخية أنه لم يكتبها باعتبارها تاريخا ولم يقصد أن يؤرخ لها وإنما قصد فقط أن يحتج عليها ، لذا جاءت أوصافه مبرأة من تهم المبالغة والتحيّز التي يقع فيها المؤرخ العادي ، وذلك طبعا في اغلب الأحوال . ثم يزيد في أهميتها التاريخية أن تلك الناحية من التاريخ الاجتماعي لم تحظ باهتمام المؤرخين المعاصرين لأولئك الفقهاء ، إذ غلب على الكتابة التاريخية الاهتمام بالحاكم وما يدور حوله ، ومن خلاله فقط كانوا ينظرون لطوائف المجتمع ، لذلك فإن كتابات الفقهاء في الفقه الوعظي تسد إلى حد ما ذلك النقص في التاريخ الاجتماعي في تاريخ المحمديين .
2 ـ الغزالى أشهر من كتب في الفقه الوعظي في " الإحياء " للغزالي ، ولم تخل كتاباته من تأثره باتجاهه الصوفي وخصوماته العلمية ، وبعض من جاء بعده كان أكثر منه إنصافا واقل منه تعمقا في الفقه الوعظي .
3 ـ ونستعرض مواضع الفقه الوعظي في كتاب " الإحياء " للغزالي ..
أولا :
وفي البداية نقول أن كتاب " الإحياء " قد جمع بين الفقه والأخلاق والوعظ والعقائد والتصوف ، وتناثرت بين سطوره مواضع الفقه الوعظي والأحوال التي استوجبت من الغزالي وصفها وإنكارها .
1 ـ في حديثه عن المنكرات في المساجد يحتج الغزالي على العجلة في الركوع والسجود وقراءة القرآن مع الوقوع في اللحن فيه ، وتطويل المؤذنين في الأذان وانحرافهم عن القبلة عندما يقولون " حي على الصلاة ، حي على الفلاح " مع تداخل أصوات المؤذنين إذا كان في المسجد أكثر من مؤذن ، وأنكر الغزالي على بعض المؤذنين وكان يؤذن في رمضان قبل الصبح فيشوش على الناس ، كما احتج على كلام الوعاظ والقصاصين في المسجد وخلطهم الحق بالباطل في كلامهم ، وتشدد الغزالي في التوصية بمنع النساء من حضور الصلاة ومجالس الذكر في المساجد مما يدل على أنه كان عادة لهن أن يفعلن ذلك . وأنكر تحلق الباعة أمام المساجد يوم الجمعة لبيع الأدوية والأطعمة والتعويذات والأحجبة ومعهم المتسولون ، وهم يقرأون القرآن وينشدون الأشعار ، ويري الغزالي أنهم يحتالون بذلك على الصبيان والبسطاء من الناس ، وهو بذلك يرسم صورة حية لا تزال تحدث بيننا .
2 ـ وفي حديثه عن المنكرات في الأسواق يستنكر الغزالي كذب الباعة في السعر وفي إخفاء عيوب السلع ، ويستنكر التفاوت في الموازين والمكاييل والمقاييس ، ويستنكر أيضا وجود بعض السلع مثل التماثيل والصور والأواني الذهبية والنفيسة وملابس الرجال الحريرية .
3 ـ وفي منكرات الشوارع ذكر الغزالي ما اعتاده الناس في عصره من اعتداء على الشارع وشغله بالأحمال والأثقال وامتداد البيوت إلى الشارع بجدرانها واسطواناتها وأعمدتها مما يضيق من اتساع الطريق ، وينظر الغزالي نظرة ثاقبة إلى الشارع في عصره وكيف امتهنه الناس بربط الدواب على الطريق بحيث يضيق الطريق على المشاة ومنها سير الدواب في الشارع محملة بالأشواك وتحميلها بأكثر من طاقتها ، وذبح الجزار في الشارع وتلويثه إياه بالمخلفات والدماء وطرح القمامة على الطريق وسكب المياه وقشر البطيخ في الشوارع فيتأذى بذلك المشاة ، وترك مياه المطر والأوحال والثلوج تعوق المرور من غير كسح . وبذلك يعطينا الغزالي صورة حية تنبض بالحركة للشارع في العصر العباسي ، ودون أن يقصد لذلك طبعا . ونرى تلك الصورة في بعض شوارعنا وأزقتنا لا تزال .
4 ـ ويتجه الغزالي إلى الحمامات العامة وكانت شائعة في عصره ، ولا تزال ذيولها موجودة حتى الآن في بعض الأحياء الشعبية ، ومن خلال نقده نتعرف على النشاط الإنساني داخل الحمامات في عصر الغزالي ، فمن الأشياء التي استنكرها الغزالي وجود صور على باب الحمام وفي داخله وكشف العورات والنظر إليها ، وانبطاح الشخص بين يدي الذي يدلك جسده ، ووجود حجارة ملساء أو صابون في مداخل الحمام وردهاته تسبب انزلاق الرواد وكسر ضلوعهم !! وشدد الغزالي على صاحب الحمام تنظيفه كل يوم .
5 ـ ووجه الغزالي نقده لما كان يحدث في الولائم والضيافات في عصره ، وركز في نقده على ما يهمه كفقيه مثل فرش الحرير للرجال وإسدال الستائر وعليها الصور وسماع الأوتار والغناء وذلك يعطينا لمحة عن العادات الاجتماعية في الولائم . مع ملاحظة أن الغزالى في نفس الكتاب يجعل الغناء وملحقاته شريعة دينية ، وهذا يجعلنا نفهم أن هجومه كان على الغناء العادى . ( العلمانى ) .
ويضاف إلي الولائم والضيافات استنكاره لما اعتاده الناس من إسراف في الطعام بغير داع وتلك عادة سيئة لا تزال تعيش بيننا ، أما ما اختص به عصر الغزالي واستوجب إنكاره الشديد فهو أن يكون بين المدعوين في الوليمة شخص " مبتدع " يتحدث في بدعته أمام الناس ، وهنا يغلظ الغزالي في الرد عليه لمن يستطيع ، أو الأعراض عنه ، وذلك يعطينا فكرة عما ساد في عصر الغزالي من شقاق فكري وفقهي ، بحيث كان كل فريق يرمي خصمه بالابتداع ويؤلب الآخرين ضده .
6 ـ وقد وضع الغزالي عنوانا يقول " بيان أصناف المغترين وأقسام فرق كل صنف وهم أربعة أصناف " وقبل ذلك العنوان تكلم في كتاب " ذم الكبر والعجب " عن رذيلة الكبر وفضيلة التواضع وآفة العجب والغرور ، ثم تحدث في كتاب " ذم الغرور " عن حقيقة الغرور وبدأ يوضح أصناف المغرورين في عصره ويعطينا – دون أن يقصد – لمحة تاريخية عن الحياة الاجتماعية لعصره في القرن الخامس الهجري .
6 : 1 : والغزالي يجعل الصنف الأول من المغرورين من أهل العلم ، ويوضح نواحي غرورهم في عصره . فمنهم فرقة تعمقت في العلوم الشرعية والعقلية من فقه ومنطق وعلوم الفلسفة والكلام ، ولكن اغتروا بما عندهم من العلم وظنوا أنهم بمناي من عذاب يوم القيامة بما لهم من جاه ، بل اعتقدوا أن الله يقبل شفاعتهم في الخلق ، وأنهم مهما تكاسلوا عن الطاعات ومهما وقعوا في المعاصي فأن الله لن يؤاخذهم بذنوبهم وخطاياهم ، وبعد أن يرد عليهم ويعظهم يذكر الفرقة الأخرى من العلماء وهم الذين أتقنوا العلم وواظبوا على الطاعة وتركوا المعاصي ، إلا أنهم – في رأي الغزالي – أصابهم الكبر والغرور والرياء وطلب الشهرة بين العباد مع الحسد وطلب الرياسة والتفوق ، ويذكر الفرقة الثالثة من العلماء المغرورين وهم علماء عاملون بالطاعة ويعلمون أن الكبر مذموم وأن الغرور آفة وأن أرادة الشهرة ممقوتة ولكنهم – في رأي الغزالي –يعتقدون أن الله قد عصمهم من هذه الخطايا وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بتلك النقائص ، ويقول أن أحدهم إذا ظهر عليه الكبر بسبب المنصب أو الجاه بين الخلق اعتبر أن الكبر ليس ألا اعتزازا بالدين والعلم وإرغاما لأفق المبتدعين .
6 / 2 : ويتحدث عن فرقة أخري جمعت بين العلم وعمل الصالحات والابتعاد عن المعاصي والكبر والهوى والحسد ولكن يرى الغزالي أنهم مع تفقدهم لأحوال النفس ومحاولتهم لتزكيتها فقد بقيت في نفوسهم زوايا من مكائد الشيطان ، ويتحدث عن احدهم فيقول " فتراه يسهر ليله ونهاره في جمع العلوم وترتيبها وتحسين ألفاظها وجمع التصانيف فيها وهو يري أن باعثه الحرص على أظهار دين الله ونشر شريعته ولعل باعثه الخفي هو طلب الذكر وانتشار الصيت في الإطراف وكثرة الرحلة إليه من الآفاق وانطلاق الآلسنة عليه بالثناء والمدح بالزهد والورع والعلم والتقديم له في المهمات وإيثاره في الأغراض والاجتماع حوله للاستفادة والتلذذ بحسن الإصغاء إليه .. والتمتع بتحريك الرؤوس إلى كلامه والبكاء عليه " . ويتفنن الغزالي في تشريح نفسيته ، ويتحامل عليه بقوله : ( ولعل باعثه الخفي ) كما لوكان الغزالى يعلم غيب القلوب .!ويبالغ في الحملة عليه كي ينبهه لزوايا الشيطان في داخل نفسه . كأنما يطلب الغزالي وجود صنف معصوم من بين البشر لا يقع في الخطأ أبدا ، ولا يستطيع الشيطان أن يوسوس إليه ، مع أن الله سبحانه وتعالى قال للنبي محمد عليه السلام : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : ( الأنعام 68 ) . وأمره بالاستعاذة بالله من الشيطان في أكثر من موضع . أي للشيطان زوايا في داخل كل نفس يتسلل منها بالوسوسة ، وليس هناك من يستعصي عن وسوسة الشيطان ولمزه وهمزه. يكفى قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ: ) ( المؤمنون 97 – 98 ) .
* والذي نأخذه على الغزالي في شدته على ذلك الصنف من العلماء العاملين المطيعين انه جعلهم مغرورين لمجرد أنه قال في حقهم " ولعل باعثه الخفي " أي افترض أن له غرضا آخر في اجتهاده في العلم والطاعة ، " ولعل " الغزالي نفسه اتخذ من ذلك فرصة للنيل من خصومه من الفقهاء في عصره ، وقد كان منغمسا في صراعات بسبب آرائه الصوفية ، والصراع بين الصوفية والفقهاء كان من معالم العصر العباسي الثاني ، ودليلنا أن الصوفية في عصر الغزالي استحقوا منه أن يصفهم بقول الشطحات – وترك الطاعات والوقوع في المعاصي ولكن مع ذلك لم يكن شديدا عليهم بمثل ما فعل مع أولئك الفقهاء بما يؤكد تحيزه . لقد حاول الغزالى تبرير شطحات الصوفية ، وقد عرضنا لهذا في كتابات سابقة . كما إنه بنفسه وقع في شطحات كافرة هائلة في تبرير وتسويغ دين التصوف وعقائده من الحلول والاتحاد ووحدة الفاعل . وإعتبر ( لا إله إلا الله ) في الدرجة السفلى .
6 / 3 : ثم تحدث الغزالي عن العلماء الذين اقتصروا في العلم على الفقه والفتوى في الخصومات والمعاملات ، وأضاعوا الطاعات وانهمكوا في الغيبة والنميمة والتنافس على أبواب الحكام ، وصب عليهم الغزالي نقمته وأفصح عن مشاعره تجاههم فقال أنهم يحتقرون التصوف أو " علم سلوك الطريق إلى الله تعالى " وقال أنهم يسمونه التزويق ويفضلون الجدل " والعربدة " الكلامية عليه وقال عنهم غرورهم أشد ممن قبلهم .
6 / 4 : وتحدث الغزالي ناقما على الفقهاء الذين تخصصوا في فقه " الحيل" أي التحايل على الشرع بفتاوى تؤدي المقصود في الظاهر ، يقول عنهم " عظم غرورهم في فن الفقه .. فوضعوا الحيل في دفع الحقوق " .
6 / 5 : وتناول الغزالي العلماء المتخصصين في النحو وعلوم اللغة والشعر فقال أنهم اغتروا بما يعلمون و " زعموا أنهم قد غفر لهم وأنهم علماء الأمة لأن قوام الدين بالكتاب والسنة وقوام الكتاب والسنة بعلم اللغة والنحو " ورأي الغزالي أنهم ضيعوا حياتهم في قشور .
6 / 6 : وتحدث عن علماء الكلام فقال أنهم فرقتان أحدهما ضالة والأخرى محقة ، فالضالة يكفر بعضهم بعضا ، أما المحقة فقد أدمنت الجدل لترد كيد المبتدعين ، ويري الغزالي في هذه الفئة المحقة أنهم أضاعوا العمر فيما لا ينفع ، لأن الجدال لن يفلح في جعل المبتدع يقلع عن بدعته بل يزيده إصرارا على طريقته ، ويري أنه كان الأولي بهم سلوك طريق مجاهدة النفس ، والمعني أن يسيروا في الطريق الغزالي الصوفي ، أي يقتدون به في الركون للتصوف بعد علم الكلام والفقه .
6 / 7 : وعرج الغزالي على علماء الحديث وكيف أنهم استغرقوا أوقاتهم في سماع الحديث وجمع رواياته وطلب الأسانيد الغربية والرحلة في طلب الحديث من هنا وهناك ، وأخذ الغزالي يعدد نواحي غرورهم حين انشغلوا بالرحلة في طلب الحديث عن فقه نص الحديث . وناقش أصول السماع وطرق الحفظ ، ثم قال عن غرور أهل الحديث " فهذا أفحش أنواع الغرور وقد بلي بهذا أهل الزمان " . يقصد عصره . ونراه على صواب في هذا ، فقد أضاعوا قرونا في هذا العبث ( الدينى ).!
7 ـ وبعد فقد تناول الغزالي العلماء في عصره بالنقد والتمحيص وقصد أن يرجع بهم إلى طريق التصوف الذي استراح إليه الغزالي في نهاية عمره . ومن الطبيعي أن تتلون نظرة الغزالي النقدية بمنهجه الفكري وخصوماته
أخيرا :
إبتسم من فضلك :
1 ـ كتب الغزالى قصة من نسج خياله عن عابد معتكف في مغارة ، وقد سوّلت له نفسه أن يترك العبادة وينطلق لعمل الفاحشة ، وحين إقترب من الخروج من باب المغارة تذكّر الذنب الهائل الذى سيقع فيه ، فعاقب ساقيه بأن تركهما خارج المغارة للريح والمطر حتى بليتا ، فاستراح .
2 ـ المؤسف فى هذه الأسطورة ( الغزالية ) هي العقلية التي تؤمن بكتاب ( الإحياء ) والتي تجعله ( كاد أن يكون قرآنا )
3 ـ المُضحك في هذه الأسطورة الغزالية أن نتساءل : طيلة هذه المدة التي ظلت الريح والأمطار تلتهم ساقى العابد : كيف كان يقضى حاجته؟ وكيف كان يتوضأ ويصلى ؟ ثم لو أراد أن يتزوج فكيف ؟
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5242 |
اجمالي القراءات | : | 62,502,640 |
تعليقات له | : | 5,497 |
تعليقات عليه | : | 14,895 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
( الفصل الثالث ) : لمحة عن ( الفقه الوعظي عند أبى حامد الغزالى ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
( الفصل الثانى ) : لمحة عن ( الفقه الوعظي ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
الفصل الأول : لمحة عن ( عن الفقه النظري / الفقه الصورى / والاستقصائى ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
دعوة للتبرع
الدعاء للميت: شيخي الفاض ل: قر ت لك هذين الفتو تين عن...
شركات التأمين : الاست اذ احمد صبحى تحيات ى اليك من مصر من...
حفظ القرآن فى القلب: حول حفض القرآ ن على ضهر قلب فال الله...
سن الرشد: ما هو سن الرشد فى الاسل ام؟ ...
فرج فودة: Salam Alaykum, was Farag Fouda a Muslim-Qur anist ...
more