كتاب ( الخوارج تاريخيا ودينيا ) الباب الأول : الخوارج تاريخيا ف 1 : بداية الخوارج وصراعهم مع (على ) :
ف 1 : بداية الخوارج وصراعهم مع (على )

آحمد صبحي منصور Ýí 2025-06-08


ف 1 : بداية الخوارج وصراعهم مع (على )

كتاب ( الخوارج تاريخيا ودينيا ) الباب الأول : الخوارج تاريخيا ف 1 :  بداية الخوارج وصراعهم مع (على )

مقدمة :

1 ـ كان الخوارج من القوى الفعّالة فى الفتنة الكبرى ، لم يؤثروا فى إلصراع على السلطة بين أطراف قريش وصراع الأجنحة القرشية ( أمويون ـ هاشميون ـ زبيريون ) ، ولكنهم ـ فى الأغلب ـ حاربوا الجميع فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ، من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، ثم إستمروا فى حرب الأمويين ، واستمروا فى فسادهم فى العصر العباسى الأول .

2 ـ  أما فى الفتنة الكبرى الأولى فالغريب أن ظهور الخوارج ــ  إثر الخلاف بين اصحاب (على ) بسبب التحكيم ــ إنتهى بإغتيالهم عليا ، وإنهاء الفتنة الكبرى الأولى ، وإنفراد معاوية بالحكم . والغريب أيضا أن ( عليا ) قضى على جميع الخوارج الذين ثاروا عليه ـ قتلهم جميعا . ولكنه قضى على الأشخاص ولم يقض على الفكرة نفسها ، لذا إستمرت الفكرة وأنجبت خوارج قاتلوا عليا ثم قتلوه ، وأنجبت ( الفكرة ) آلافا مؤلفة فيما بعد قتلوا آلافا مؤلفة .

3 ـ  وهذا يؤكد  ــ لمن يهمه الأمر ــ أن مواجهة داعش وغيرها من بنات الوهابية ليس بالعسكر ، ولكن بعلاج المرض الذى أنتج داعش ، وأنتج من قبله الخوارج . وقد دفع (على بن أبى طالب ) الثمن بحياته لأنه فشل فى التعامل مع الخوارج ـ ضمن سلاسل فشل أخرى عرضنا لها فى بحث خاص بتخصص ( على ) فى الفشل . والمهم  أنه لا يزال الفشل نصيب كل من يتصدى لحرب ما يسمى بالارهاب بقوة الجيش واسلحة الأمن ، مع الابقاء على الفساد والظلم الذى تنبت فيه وتترعرع الحركات الارهابية من الخوارج الى حركة الزنج الى القرامطة الى الوهابية وبناتها . وسيظل الشرق الأتعس يعايش حركات الارهاب طالما يرتع فيه الاستبداد مصاحبا الفساد ، وطالما يرفض الاصلاح والعدل. وسنتوقف مع هذا فيما بعد .

4 ـ فى هذا الفصل نتوقف مع نشأة الخوارج وحربهم ( علي) . تاريخ الطبرى هو العمدة فى رصد هذه الفترة . ولكن منهج الطبرى هوايراد الروايات المختلفة والمتداخلة والمتناقضة فى الموضوع الواحد . ثم من جاء بعده كان ينقل عنه . المؤرخ ابن الأثير فى تاريخه ( الكامل ) كان عبقريا ، إذا أتى برواية واحدة تريح القارىء من تعدد روايات الطبرى . ولسنا فى مجال فحص وتمحيص الروايات مع انه تخصصنا القديم ، لذا فى هذا المبحث عن تاريخ الخوارج سننقل مما قاله ابن الأثير ثقة فيه ، وهو مستحق لهذه الثقة .

أولا : الخلاف بين أتباع (على ) بعد التحكيم

1 ـ تقول الرواية : ( ثم رجع الناس عن صفين، فلما رجع علي خالفت ( الخوارج ) الحرورية وخرجت، كان ذلك أول ما ظهرت وأنكرت تحكيم الرجال، ورجعوا على غير الطريق الذي أقبلوا فيه، أخذوا على طريق البر، وعادوا وهم أعداء متباغضون وقد فشا فيهم التحكيم يقطعون الطريق بالتشاتم والتضارب بالسياط، يقول الخوارج ( الخارجون على (على ) : يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله، ويقول الآخرون ( الذين بقوا على الولاء لعلى  :  ) فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا.)

2 ـ وفارق الخوارج عليا ، تقول الرواية عن (على ) : (  ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل القصر. فلما دخل الكوفة لم يدخل الخوراج معه فأتوا حروراء فنزلوا بها. ) ( ولما رجع علي من صفين فارقة الخوارج وأتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً، ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوا اليشكري، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله، عز وجل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ) .
3 ـ وبعث علي عبد الله بن عباس إلى الخوارج ليناقشهم ، وانتهى النقاش الى طلبهم من (على ) إعلان كفره لأنه وافق على التحكيم ، كما فعلوا هم حين إعترفوا بكفرهم حين وافقوا على التحكيم ثم تابوا . قالوا  : (  صدقت ، قد كنا كما ذكرت ، وكان ذلك كفراً منا ، وقد تبنا إلى الله فتُب كما تُبنا نبايعك ، وإلا فنحن مخالفون.) .

ثانيا :  ظهور شعار التحكيم :

1 ـ وانتشر فى معسكر صيحة الخوارج ( لا حكم إلا لله ) ، تقول الرواية ( لما أراد علي أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج: زرعة ابن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا له: لا حكم إلا لله! فقال علي: لا حكم إلا لله. وقال حرقوص بن زهير: تُب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتاباً وشرطنا شروطاً وأعطينا عليها عهوداً، وقد قال الله تعالى:){وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} النحل: 91. ) فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه. فقال علي: ما هو ذنب ولكنه عجزٌ عن الرأي وقد نهيتكم. فقال زرعة: يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك. .. فخرجا من عنده يحكمان.) أى خرجا يهتفان ( لا حكم إلا الله ).

2 ـ وصار هذا شعارا ودينا للخوارج . واصبح تعبيرا وقتها أن يقال ( حكّم ) و ( المُحكّمة ) ، تقول الرواية : ( وخطب علي ذات يوم، فحكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال علي: الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل! . ) (  ثم خطب علي يوماً آخر فقام رجل فقال: لا حكم إلا لله! ثم توالى عدة رجال يحكمون. فقال علي: الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل! أما إن لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا، وإنما فيكم أمر الله. ثم رجع إلى مكانه من الخطبة.).

ثالثا : تفجّر الصراع بعد قتلهم عبد الله بن خباب وزوجته الحامل

1 ـ واتفق الخوارج على أن يقودهم  ( عبد الله بن وهب ) وتسللوا يريدون المدائن ، ولحق بهم خوارج من الكوفة والبصرة ، وحدثت إشتباكات بينهم وبين من بقى على الولاء ل (على ). وكتب اليهم (على ) يريدهم الرجوع فكتبوا له : (  أما بعد فإنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نبذناك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.). ويأس منهم (على ) واخذ فى تجميع قواته ، وبعض أتباعه كانوا فى قلق ــ إذا سار بهم (على ) لقتال معاوية وتركو أهاليهم ــ من إحتمال هجوم الخوارج على أهاليهم . وتحققت مخاوفهم بما حدث لعبد الله بن خباب .

2 ـ تقول الرواية : ( لما أقبلت الخارجة من البصرة حتى دنت من النهروان رأى عصابةٌ منهم رجلاً يسوق بامرأة على حمار، فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم. قالوا: لا روع عليك.. ) وناقشوه فى التحكيم وفى (على )  ولمّا لم يعجبهم رأيه قتلوه وقتلوا زوجته  : (  فقالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلةً ما قتلناها أحداً.فأخذوه وكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته، وهي حبلى متم ... فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء، وقتلوا أم سنان الصيداوية.)

3 ـ فزع اصحاب (على ) وقالوا له : ( علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ سر بنا إلى القوم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام.). وأرسل (على ) الى الخوارج يطلب تسليم القتلة ، فقالوا : ( كلنا قتلهم وكلنا مستحل لدمائكم ودمائهم. ) . وبعد مناوشات كلامية تحتمت الحرب بينهما .

رابعا : معركة النهروان عام 37 وما بعدها :

1 ـ تجهز الفريقان ، ونصب (على ) راية الأمان أمامهم وناداهم أبو أيوب الأنصارى : ( من جاء تحت هذه الراية فهو آمن، ومن لم يقتل ولم يستعرض، ومن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن، لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم في سفك دمائكم.) ، وانصرف جماعة من الخوارج ، منهم فروة بن نوفل الأشجعي  في خمسمائة فارس، وخرجت طائفة أخرى متفرقين فنزلوا الكوفة،) وانضم ل (على ) منهم نحو مائة. ( وكانوا أربعة آلاف، فبقي مع عبد الله بن وهب ألف وثمانمائة، فزحفوا إلى (علي )، وكان علي قد قال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدأوكم. فتنادوا: الرواح إلى الجنة! وحملوا على الناس. ) وانتهت المعركة بقتل جميع الخوارج . ( فلم يقتل من أصحاب علي إلا سبعة.). قتلهم فى هذه المعركة ولكن ظلت الفكرة قائمة :   

2 ـ خروج ( الخرّيت بن راشد الناجى  وبنى ناجية ) على (على ) عام 38 :

كانوا مع (على ) فى الجمل وصفين ، ثم خرجوا عليه بعد معركة النهروان . وبعث (على ) لهم (زياد بن خصفة البكري ) فقاتلهم ،   وارسل له (على ) مددا يقود (معقل بن قيس ) ، بينما إنضم الى ( الخريت الناجي ) كثيرون من الفرس والعرب الناقمين على دفع الخراج من أهل الأهواز فارسل (على ) مددا لمعقل بن قيس من البصرة . وجرت معركة إنهزم فيها الخريت ، وهرب الى أسياف وظل يحرض على (على ) فإتبعه آخرون من قبائل عبد القيس وسائر العرب . وفى النهاية لحق معقل بن قيس بالخريت فهزمه وقتله.  

3  ـ وتتابعت ثورات الخوارج :

3 / 1 : تقول الرواية : ( لما قتل أهل النهروان خرج أشرس بن عوف الشيباني على ( علي ) بالدسكرة في مائتين ثم سار إلى الأنبار، فوجه إليه ( علي ) الأبرش بن حسان في ثلاثمائة فواقعه، فقتل أشرس في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين.

3/ 2 :  ثم خرج هلال بن علفة من تيم الرباب ومعه أخوه مجالد فأتى ماسبذان، فوجه إليه ( علي ) معقل بن قيس الرياحي فقتله وقتل أصحابه، وهم أكثر من مائتين، وكان قتلهم في جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين.

3 / 3 :  ثم خرج الأشهب بن بشر، وقيل الأشعث، وهو من بجيلة، في مائة وثمانين رجلاًن فأتى المعركة التي أصيب فيها هلال وأصحابه فصلى عليهم ودفن من قدر عليه منهم، فوجه إليهم  ( علي  ) جارية بن قدامة السعدي، وقيل حجر ابن عدي، فأقبل إليهم الأشهب، فاقتتلا بجرجرايا من أرض جوخى، فقتل الأشهب وأصحابه في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين.

3 / 4 :  ثم خرج سعيد بن قفل التيمي من تيم الله بن ثعلبة في رجب بالبندنيجين ومعه مائتا رجل فأتى درزنجان، وهي من المدائن على فرسخين، فخرج إليهم سعد بن مسعود فقتلهم في رجب سنة ثمان وثلاثين ) .

3 / 5 : ( ثم خرج أبو مريم السعدي التميمي فأتى شهرزور، وأكثر من معه من الموالي، وقيل لم يكن معه من العرب غير ستة نفر هو أحدهم، واجتمع معه مائتا رجل، وقيل أربعمائة، وعاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة، فأرسل إليه ( علي  ) يدعوه إلى بيعته ودخول الكوفة، فلم يفعل وقال: ليس بيننا غير الحرب. فبعث إليه علي شريح بن هانىء في سبعمائة، فحمل الخوارج على شريح وأصحابه فانكشفوا وبقي شريح في مائتين، فانحاز إلى قرية، فتراجع إليه بعض أصحابه ودخل الباقون الكوفة، فخرج  (علي ) بنفسه وقدم بين يديه جارية بن قدامة السعدي، فدعاهم جارية إلى طاعة ( علي ) وحذرهم القتل فلم يجيبوا، ولحقهم ( علي ) أيضاً فدعاهم فأبوا عليه وعلى أصحابه، فقتلهم أصحاب ( علي ) ولم يسلم منهم غير خمسين رجلاً استأمنوا فآمنهم. وكان في الخوارج أربعون رجلاً جرحى، فأمر علي بإدخالهم الكوفة ومداواتهم حتى برأوا. وكان قتلهم في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين، وكانوا من أشجع من قائل من الخوارج، ولجرأتهم قاربوا الكوفة.).

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

  https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

اجمالي القراءات 160

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5215
اجمالي القراءات : 60,838,922
تعليقات له : 5,495
تعليقات عليه : 14,893
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي