بين الجباية والوقف الإسلامي
بقلم: د. محمد العودات
في الواقع المعاصر، تعتمد معظم دول العالم – وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية – على النظام الضريبي كأداة رئيسية لتمويل الدولة. المواطن الأمريكي، على سبيل المثال، يواجه اقتطاعات كبيرة من دخله الشهري، ففي أحد الشهور بلغ راتبي 5,262 دولارًا، وتم خصم 1,234.63 دولارًا كضرائب مباشرة ، أي ما يعادل نحو 23.5% من الدخل، ليصبح صافي الدخل 3,703.89 دولارًا فقط. هذا المثال يوضح عبء الضرائب الواقع على الأفراد في هذه الأنظمة.
لكن في المقابل، يمكن استلهام نموذج اقتصادي مختلف تمامًا من القرآن الكريم، حيث لا تُبنى الدولة على الضرائب فقط، بل على التكافل الاجتماعي والتمويل الطوعي المستدام، ممثلًا في نظام الوقف الإسلامي. فالوقف لا يقتصر على دعم المساجد، بل يشمل تمويل المدارس، المستشفيات، الطرق، والمراكز الاجتماعية، مما يقلل الاعتماد على الضرائب ويوفر بنية تحتية قوية تخدم المجتمع.
النموذج القرآني لا يهدف فقط إلى تقليل الأعباء الضريبية، بل يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والحد من الفوارق الطبقية، من خلال تشجيع الإنفاق في سبيل الله بدلاً من استنزاف دخل المواطن. وهو نموذج يؤسس لدولة تسود فيها روح التكافل والمسؤولية الجماعية.
الحق في التقاضي والعلاج
في ظل بعض الأنظمة المعاصرة، يصبح الفقر حاجزًا أمام الحصول على العدالة. فقد تعرضت لحادث في الأردن، وقد رفضت شركة التأمين تعويضي و كنت أعمل عضو هيئة تدريس في احد الجامعات في مدينة اربد ، و رُفضت تغطية علاجي بسبب أن مدة اشتراكي في الخدمة الصحية لم تتجاوز الستة أشهر المطلوبة , ولم أتمكن من التوجه إلى القضاء بسبب عدم قدرتي على دفع تكاليف المحامي للترافع.
في الدولة المستوحاة من القيم القرآنية، من المفترض أن تتكفل الدولة بتكاليف التقاضي عن المظلوم، وإذا ثبت لاحقًا أنه مخطئ، يمكن مطالبته بسداد التكاليف. كما ينبغي للدولة أن تتكفل بعلاج المصاب فورًا، دون أن تنتظر تدهور حالته. حفظ النفس من حقوق الفرد المنقوصة في الدولة المدنية لأنها حصريه للأطفال والنساء وفي القرآن، يُعدّ الحق في العلاج والرعاية من حقوق الإنسان الأساسية، لا يُفرّق فيه بين رجل او امرأة كبير أو صغير، غني أو فقير — كما كانت تقول أمي دائمًا: " الكبير والصغير والمقمط بالسرير".
كرامة الإنسان وحقوقه عبر التاريخ
القرون الغابرة : تاريخ بعض الحضارات القديمة يكشف عن استغلال المعابد لأبناء الزنا، إما كقرابين، أو لخدمة طقوس دينية تتضمن ممارسات غير أخلاقية كالزنا، أو يتم إدماجهم ضمن فئة رجال المعبد (الكهنوت).
الدول المدنية:
نجد أن بعض الأنظمة التي تصف نفسها بالمتحضرة قد انحرفت عن المبادئ الأخلاقية، حيث تعتمد في مواردها على أنشطة غير مشروعة مثل ظواهر الدعارة، والتعري على منصات البث المباشر مثل تيك توك، والمراهنات الإلكترونية، وغيرها من الأنشطة المشبوهة، التي تتحول أرباحها إلى حسابات مصرفية تتبع اما لوزارة الداخلية او الدفاع او تملكها الأجهزة الأمنية .
الدول الدينية: تُمنح الشرعية لممارسات محرمة
أولا : زواج المتعة:
حيث يتحول بعض رجال الدين إلى وسطاء أي دعارة مقنّعة فيصبح الشيخ قواد مهمته تنظيم هذه العلاقات بمقابل مادي يعود الى بيت مال الدولة.
ثانيا :تكييف الفقه مع الواقع:
تُعتبر الممارسات الجنسية التي تمنع الإنجاب، مثل استخدام الواقي الذكري، غير زنا شرعيًا بسبب عدم وجود النسل، ويُصنف الفعل حينها كفاحشة. هذا تمييز فقهي لتكييف الأحكام مع الواقع ويعود بالنفع المادي.
أهل القرآن والحاجة إلى كيان منظم
في هذا السياق، يصبح من الضروري أن يكون لتيار "أهل القرآن" كيان قانوني مشروع، مثل جمعية أو رابطة أو وقف إسلامي مستقل، يُعنى بنشر الفكر القرآني وتقديم الخدمات المجتمعية. وقد عبّر الدكتور أحمد صبحي منصور – المفكر الذي أقدّره كثيرًا – عن تحفظه على هذه الفكرة، خوفًا من أن يُتهم التيار بأنه مدعوم خارجيًا، فتستغله الأنظمة البوليسية لتشويه صورته، كما حصل سابقًا. لكن التنظيم السليم والعلني يبقى ضرورة لضمان الشفافية، وحماية الفكر، وتعزيز الدور الاجتماعي لتيار أهل القرآن ضمن الإطار القانوني.
الخلاصة:
قال الله عز وجل (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) فبين الضرائب الثقيلة في الأنظمة الحديثة، والنموذج القرآني المبني على الوقف والتكافل، تبرز الحاجة لإعادة النظر في تمويل الدولة ورعاية المواطن، حيث تضع الدولة القرآنية العدالة والكرامة الإنسانية في قلب سياساتها بعيدًا عن الاستغلال.
اجمالي القراءات
358