آحمد صبحي منصور Ýí 2024-12-06
الغزالى حُجّة الشيطان : الغزالى فى الإحياء يقرر الحلول فى الله والاتحاد به تبعا لوحدة الوجود ( 3 )
الفصل الثانى : عقائد التصوف فى ( الإحياء )
الغزالى فى الإحياء يقرر الحلول فى الله والاتحاد به تبعا لوحدة الوجود ( 3 )
الحلقة الثالثة :
ومن خلال ( وحدة الوجود ) نظر الغزالي إلى عقيدة الإتحاد والصوفي المتحد بالله ، فقصر تعريف الصوفي على من يؤمن بوحدة الوجود ، ومر بنا قوله عن الصوفية ( فلم يروا في الكونين شيئا سواه )[1] . وفي معرض حديثه عن شكر الله تعالى قال عن الصوفية (إن نظر بعين التوحيد المحض ( يعني وحدة الوجود ) ، وهذا النظر يعرفك قطعا أنه الشاكر وأنه المشكور وأنه المحب وأنه المحبوب ،وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره ) ( ..فإذا نظرت من هذا المقام عرفت أن الكل منه مصدره ، وإليه مرجعه ، فهو الشاكر وهو المشكور وهو المحب وهو المحبوب ومن هنا نظر " حبيب بن أبي حبيب " حيث قرأ " أنا وجدناه صابراً نعم العبد أنه أواب " فقال : واعجباه أعطى و أثنى , إشارة إلى أنه أثنى على إعطائه فعلى نفسه أثنى فهو المثني والمثنى عليه ، ومن هنا نظر الشيخ أبو سعيد المهيني حيث قرئ بين يديه ( يحبهم يحبونه ) فقال : لعمري يحبهم ودعه يحبهم فبحق حبهم لأنه إنما يحب نفسه إشارة إلى أنه المحب وهو المحبوب ، وهذه رتبة عالية لا تفهمها إلا بمثال على حد عقلك ، فلا يخفى عليك أن المصنّف إذا أحب تصنيفه فقد أحب نفسه ، والصانع إذا أحب صنعته فقد أحب نفسه ، والوالد إذا أحب ولده من حيث أنه ولده فقد أحب نفسه ، وكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وصنعته فإن أحبه فما أحب إلا نفسه )[2].
ومعنى ذلك أن الكافرين – وهم أيضاً صنعة الله – يتمتعون بحب الله باعتبارهم جزءا منه .. وهو خطأ ،لأن الله تعالى يقول لهم – مثلاً - (.. لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ .. غافر10) ، ولكن الغزالي – كما أسلفنا – لإيمانه بوحدة الوجود فلا يرى بأساً في تمثيل الله تعالى بالبشر ، ثم يقول الغزالي ليربط بين الاتحاد الصوفي ووحدة الوجود والإيمان بها (.. وهذا كله نظر بعين التوحيد ، وتعبر الصوفية عن هذه الحالة بفناء النفس ، أي فني عن نفسه ، وعن غير الله فلم ير إلا الله تعالى ، فمن لم يفهم هذا ينكر عليهم ) [3] .
كل شيء منك مغفور سوى الإعراض عنّا.
قد وهبنا لك ما فات فهب ما فات منّا .
فاضطرب و غشي عليه فلم يفق يوماً وليلة وطرأت عليه أحوال ، ثم قال :ثم سمعت النداء من الجبل : يا إبراهيم كن عبداً . فكنت عبداً واسترحت ) .[5] . فإبراهيم بن أدهم سمع بزعمه شعراً اتحادياً فغاب عن طبيعته البشرية واتحد بالاههم ( وطرأت عليه أحوال ) ثم ناداه ربه وأرجعه إلى بشريته فاستراح .. فهنا حلول استمر يوماً وليلة ...
ويقول ( حكي أبو تراب النخشبي أنه كان معجبا ببعض المريدين فكان يدنيه ويقوم بمصالحه .. فقال له أبو تراب مرة : لو رأيت أبا يزيد ؟ ( البسطامي ) فقل : إني عنه مشغول ، فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله : لو رأيت أبا يزيد هاج وجد المريد ، فقال : ويحك ، ما أصنع بأبي يزيد ؟ قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد ، قال : أبو تراب : فهاج طبعي ولم أملك نفسي ، فقلت : ويلك تغتر بالله عز وجل ، لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة ، قال فبهت الفتى من قوله وأنكره فقال : وكيف ذلك ؟ قال له : ويلك أما ترى الله تعالى عندك فيظهر لك على مقدارك ، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره ، فعرف ما قلت فقال : أحملني إليه ) وتمضي الأسطورة فيموت المريد صعقاً عندما يرى أبا يزيد البسطامي ، ويفسر أبو يزيد موت المريد بقوله ( كان صاحبكم صادقاً واستكن في قلبه سر لم ينكشف له بوصفه ، لما رآنا انكشف له سر قلبه فضاق عن حمله لأنه في مقام الضعفاء المريدين ، فقتله ذلك )[6] .
أي أن حلول الله في المريد يختلف عنه في الشيخ ، فالحلول درجات ، والصوفي إذا تحمل حلولاً فوق طاقته فقد يهلك أو يفقد عقله كما حدث في رواية أخرى سبكها الغزالي ( روي أن بعض الصديقين سأله بعض الأبدال أن يسال الله تعالى أن يرزقه ذرة من معرفته (أي عقيدة الصوفية في الاتحاد والحلول) ، ففعل ذلك ، فهام في الجبال وحار عقله ووله قلبه وبقى شاخصاً سبعة أيام لا ينتفع بشيء ولا ينتفع به شيء ، فسأل له الصديق ربه تعالى فقال : يا رب أنقصه من الذرة بعضها ، فأوحى الله إليه : إنما أعطيناه جزءاً من مائة ألف جزء من ذرة المعرفة ، وذلك أن مائة ألف عبد سألوني شيئاً من المحبة في الوقت الذي سألني فيه هذا ، فأخرت إجابتهم إلى أن شفعت أنت لهذا ، فلما أجبتك فيما سألت أعطيتهم كما أعطيته ، فقسمت ذرة من المعرفة بين مائة ألف عبد فهذا ما أصابه عن ذلك ، فقال : سبحانك يا أحكم الحاكمين ، أنقصه مما أعطيته ، فأذهب الله عنه جملة الجزء وبقى معه عشر معشاره .. فاعتدل خوفه وحبه وسكن وصار كسائر العارفين )[7] .
وبهذه الطريقة الملتوية يحاول الغزالي أن يجد سنداً لعقيدة الحلول فيما حاكاه عن ربه من وحي الله الذي اختص به الصوفية ،فيما يزعمون ،والله تعالى يقول .. ({وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ... الأنعام 93 ) .
تعقيب على الغزالي ووحدة الوجود
أ ) بالغت بعض الفلسفات في وثنيتها إلى درجة إنكار وجود الله تعالى .. وتطرفت فلسفات أخرى في الرد فادعت أن الله موجود في كل شيء أو أنه مصدر الوجود وأن الأعيان صور للموجود الأكبر يتراءى فيها .
ب ) وكانت مصر والشام والعراق مراكز للفلسفات اليونانية والشرقية بمذاهبها المتعددة من وثنية وإلهية ، وقد سبق للفلسفة أن عمقت الخلاف بين المسيحيين حول طبيعة المسيح ، وأصبحت الفلسفة جزءاً من المسيحية ،وعند الفتح خفت صوت الفلسفة ثم استيقظ في صورة جدال احتدم بين المسلمين والمسيحيين في عصر المأمون ، وأضطر المسلمون لتعلم الفلسفة كي يردوا بها على المسيحيين الذين حذقوا أساليب الفلاسفة في الجدل والسوفسطائية .
وكان يمكن لهم الاستغناء بالقرآن الكريم ،وقد حوى كثيراً من الحوار مع أهل الكتاب ، إلا أنهم وقد تعلموا الفلسفة فقد وقعوا في هواها . وعملت الفلسفة على بعث المذاهب الدينية القديمة وأهمها وحدة الوجود ..
وقد تعلم الغزالي الجدل والمنطق والحكمة والفلسفة وبرع فيها وصنف .. وأشرب حب الفلسفة ووجد صداها في التصوف ، فآمن به وعلا به فوق الإسلام
يقول الغزالي ( التوحيد مسلك حق بين مسلكين باطلين ، أحدهما الشرك والثاني الإلباس ، وكلا الطرفين وسط ، والوسط إيمان محض وهو أحد من السيف وأضيق من خط الظل ، ولذا قال أكثر المتكلمين بتماثل إيمان جميع المؤمنين .. الخ ) [8].
وعجيب أن يشيد الغزالي برأي المتكلمين وهم أكثر الطوائف تعرضاً لنقمته وكراهيته في الإحياء.. ولكنه التأثر بالفلسفة وقد جمع بينهما ..
ج) ونرد على الغزالي ووحدة الوجود بتقرير الحقائق التالية : شهادة الإسلام – لا يمكن أن تكون فيها توسط فهي شهادة بأسلوب قصر – أي قصر الألوهية على الله تعالى وحده . وما عدا الله الحق من آلهة فهو باطل ({فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ... يونس32) .
هنا لا توسط بأي حال ، فإما إيمان كامل بالله المسيطر على كل شيء الذي لا شريك له من ولي أو رسول .. وإما شرك أو كفر ، وقليل الشرك يحول الإيمان كله إلى شرك ، فإما إيمان كامل بالله وحده إلاهاً وإما لا ، فالمشركون كانوا يؤمنون بالله ولكنهم أشركوا فعبدوا معه الأولياء والوسائط فخرجوا عن الاسلام ، وسيؤنبهم الله تعالى في الآخرة بقوله ({ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا... غافر12) . فهم لم يؤمنوا بالله إلا مع الآلهة والأولياء كوسائط فأصبحوا كفاراً .
ومشركوا قريش أهون حالاً ، فقد قالوا بالاتحاد فقط ، وقصروه على الملائكة حين اعتبروها بنات الله ، ونعى عليهم القرآن ذلك (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ، َأمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ }الزخرف 15، 16 ) .
أما الصوفية فقد قصروا الاتحاد على أنفسهم ثم تكرموا مع الكون فأشركوه في الألوهية ، وجاء الغزالي ليقنعنا بأن ذلك هو التوحيد المحض الذي لم يرد في كتاب ومحظور أن تفشى أسراره ، وأن دين الإسلام ما هو إلا الدرجة السُفلى الذي لا يليق إلا بالعوام .
ثم جعلوا الغزالى ( حُجّة الاسلام ) .!!
في ملتي واعتقادي أن السؤال عن وجود الخالق غير مجدي إطلاقا، بل هو تخريف وسفسطة، وماذا تستفيد من الجواب سواء كان بالسلب أو الإيجاب، وكيف ينفعك ويفيدك وأنت تنكر الوحي والاتصال والبعث والإرسال، إنما السؤال ـ يا صاحبي ـ أن يقال: هل اتصل الخالق بعباده أم لا ، وهل البعث حق كما يقال؟ أم هو حلم من نسج الخيال !؟
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5130 |
اجمالي القراءات | : | 57,283,240 |
تعليقات له | : | 5,458 |
تعليقات عليه | : | 14,839 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
أسئلة عن : ( بوتين سيقتل بشار ، سوريا وثقافة الاستبداد والاستعباد )
الغزالى حُجّة الشيطان ( الكتاب كاملا )
خاتمة كتاب ( الغزالى حُجّة الشيطان فى كتابه إحياء علوم الدين )
دعوة للتبرع
أزفت الآزفة : ما معنى يوم الآزف ة فى سورة غافر الآية 18 ؟...
السرقة والزنا : ربنا الله ذكر الزان ية والزا ني وعقاب هما ...
التوريث : تحيات ي اود اولا ان ابلغك اعجاب ي بقلمك م ...
إختلافا كثيرا: ماذا يعنى قول الله سبحان ه وتعال ى :...
more
الآية: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ ﴿الزخرف: ١٥﴾
النص هنا يستنكر أن يكون من عباد الله جزء من الله، ما يعني أن العباد أو من العباد ما هو ليس جزء من الله، فكيف تستقيم نظرية وحدة الوجود، وهناك شيء ما خارج هذه الوحدة؟
سؤال: هل كتب الغزالي شيئًا يخص هذه الآية، وكيف يفهمها؟