القناة الثانية دوزيم في ميزان المقاربة بين التغريب و التشريق؟

مهدي مالك Ýí 2024-08-03


 

القناة الثانية دوزيم  في ميزان المقاربة بين التغريب و التشريق؟

مقدمة متواضعة                                               

يلعب الاعلام في أي مجتمع انساني أدوار هامة و أساسية في التوعية و التحسيس و نقل الاخبار و تحليلها من زوايا مختلفة حيث شهد الاعلام طيلة القرن الماضي في العالم الثالث و ربما قبله عدة تطورات نوعية من قبيل ظهور الجريدة الورقية التي تنقل الاحداث بشتى أنواعها بالقلم و بالصورة حسب منظور هذه الجريدة او تلك السياسية او الايديولوجية .

و من قبيل ظهور الإذاعة كوسيلة سمعية تذيع الاخبار و الموسيقى و الارشاد الديني و القران الكريم على صعيد عالمنا الإسلامي الخ بمعنى ان الإذاعة تعتبر وسيلة تساير الأجيال و الازمان بدون فقدان جودتها الإعلامية و الترفيهية .

و من قبيل ظهور التلفزة كوسيلة سمعية بصرية تنقل الاخبار و تبث البرامج بمختلف الحقول المعرفية و بالإضافة الى الفنون من الموسيقى و السينما و المسرح الخ .

من قبيل الانترنت الجامعة لوظائف الاعلام التقليدي أي الجريدة و الإذاعة و التلفزة و بالإضافة الى التواصل الاجتماعي بين الافراد و الجماعات و الأمم الخ حيث ان التواصل هو مرادف للتعارف كمصطلح قراني يدل على ان الإسلام هو دين يحث على التعارف و التواصل بين أمم الأرض بدون استثناء ...

ان المغرب قد عرف نشوء هذه الوسائل الإعلامية منذ عشرينات القرن الماضي أي في عهد الحماية الفرنسية من قبيل تأسيس الإذاعة الوطنية سنة 1929 و الإذاعة الامازيغية سنة 1938 و إذاعة طنجة في اربعينات القرن الماضي حسب ما سمعته لانني احب الاستماع الى إذاعة طنجة بعد منتصف الليل طيلة سنوات طويلة.

لكنني  لا اعرف متى أسست الإذاعة الدولية المغربية أي الناطقة بالفرنسية و بالاسبانية هل في فترة الحماية او في فترة الاستقلال لان هذه الإذاعة تخاطب الأجانب و تذيع الموسيقى الغربية التي اعشقها حقيقة و على الخصوص جيل الثمانينات و التسعينات من القرن الماضي  ..

و بالنسبة لتاسيس الصحافة المغربية فاغلب الظن انها انطلقت مع انطلاق ما اصطلح عليه بالحركة الوطنية منذ ثلاثينات القرن الماضي و تاسست جريدة العلم سنة 1944 و هي لسان حال حزب الراحل علال الفاسي ذو المرجعية السلفية او السلفية الوطنية كمصطلح يحتاج الى التعميق في جذوره المشرقية او المخزنية و على العموم فان الصحافة المغربية قد انطلقت في ظروف الاستعمار الأجنبي او ما اصطلح عليه بالمقاومة السياسية الخ حيث نعرف جميعا ماهية الأيديولوجية الغالبة  على الصحافة الوطنية في تلك الفترة أي العروبة و الإسلام بدون ادنى شك بمعنى ان هذه الجرائد لعبت أدوار سلبية للغاية في ترسيخ خطاب هذه الأيديولوجية و ترسيخ الانتماء الافتراضي الى المشرق العربي و الى قضاياه الأيديولوجية و السياسية كما يعلم الجميع.......

ان المغرب عندما حصل على استقلاله الشكلي من فرنسا سنة 1956 همش الامازيغية بكل ابعادها و تجلياتها من اجل تضخيم التشريق كاصالة مفترضة و التغريب كمدرسة عريقة في الأنظمة الديمقراطية و الحقوقية حيث في هذا الاطار دبر المغرب الرسمي آنذاك مجموعة من القطاعات الجوهرية من قبيل التعليم و الشأن الديني و الاعلام العمومي كمراة نرى من خلالها هوية بلد ما الثقافية و الدينية و السياسية .

لقد أسس اول تلفزيون رسمي في المغرب يوم 3 مارس 1963 بالرباط في سياق تاريخي معروف أي سيطرة عائلات اهل فاس و اهل الرباط و اهل سلا على هذه القطاعات الجوهرية عموما و الاعلام خصوصا بمعنى كانت التلفزة المغربية كما كانت تسمى الى عهد قريب مجالا لتعريف بحضارة المغرب حسب منظور الحركة الوطنية القائم على العروبة و الإسلام لا غير ...

انني لا اعلم متى ظهرت الثقافة الامازيغية على شاشات التلفزة المغربية للمرة الأولى هل قبل ظهور مجموعة اوسمان في احدى برامجها أواسط سبعينات القرن الماضي او بعدها لكن من المؤكد ان هناك تهميش عظيم للمكون الامازيغي الى درجة ان تم توقيف برنامج تيفاوين في حلقته الأولى سنة 1979 حسب شهادة الأستاذ عصيد الذي عاصر تلك الفترة و قد توقف هذا البرنامج الثقافي الذي كان يقدمه سيدي عمر امرير بسبب اسمه الامازيغي وقتها .

لكنه عاد هذا البرنامج بعد سنوات باسم كنوز و وجدته يبث على التلفزة المغربية أوائل التسعينات من القرن الماضي  حيث كنت مازلت صغيرا في الدار البيضاء و وجدت الوالدين يسجلون كل ما يبث لصالح الثقافة الامازيغية في التلفزة المغربية على اشرطة الفيديو كنوع من النضال الامازيغي آنذاك حيث كان من النادر ان تبث هذه التلفزة الوطنية شيئا عن الثقافة الامازيغية من قبيل سهرة فنية الخ.

لكن بالمقابل كانت التلفزة المغربية تبث في تلك الفترة برنامج لتشجيع المواهب في الاغنية الفرنسية  في حين تناضل الجمعيات الثقافية الامازيغية من اجل الحقوق الثقافية و اللغوية الامازيغية داخل مؤسسات الدولة خصوصا بعد التوقيع على ميثاق اكادير الشهير صيف سنة 1991 غير ان الدولة لم تهتم بهذه المطالب الأولية نهائيا بل استعملت أيديولوجية الظهير البربري و الوهابية لقمع هذا المد الثقافي الامازيغي ....

و خلاصة القول ان التلفزة المغربية كانت منبر للمخزن التقليدي و القائم على العروبة و الإسلام لا غير لكن التلفزة المغربية كانت مجالا متميزا للتغريب و الفرنكوفونية  عبر بث المسلسلات من أمريكا و من البرازيل و من المكسيك و الناطقة بالفرنسية في اول الامر ثم بالعربية ابتداء من سنة 1992 ادا كانت ذاكرة طفولتي قوية..............

الى صلب الموضوع                                       

ان إرادة الدولة العليا كما يقال هي احداث قناة تلفزيونية مغربية تساير الحداثة و تطور المجتمع المغربي في بداية سنة 1989 و بالضبط يوم 4 مارس من تلك السنة و هكذا ولدت القناة الثانية أي دوزيم كحلم جميل لدى جيل تلك المرحلة خصوصا في المدن الكبرى لان المغاربة كانوا يشترون الجهاز الفائز لمشاهدة برامج دوزيم بالواضح طيلة اليوم ......

ان موضوعي هذا المتواضع يدخل في اطار سلسلة من المقالات التي ساكتبها انشاء الله حول الاعلام السمعي البصري و إشكالات الهوية و التاريخ بالمغرب حيث ان القناة الثانية تعتبر حالة خاصة باعتبارها ظهرت في عهد الراحل الحسن الثاني بملامح التغريب و التشريق في نفس الدرجة أي ان القناة الثانية في بداية مسارها كانت تخاطب النخب الفرنكوفونية و النخب التعريبية أي اليسار المغربي المعارض للنظام انذاك كقراءة متواضعة مني يمكنها ان تصيب او ان تخطئ كاي انسان لان القناة الثانية قدمت مجموعة من البرامج في مختلف المجالات و الميادين باللغة الفرنسية و باللغة العربية مثل برامج الأطفال بصفتي كنت طفل معاق في سياق التسعينات من القرن الماضي و بل شاركت في احدى برامج في سنة 1997 حيث ذهبت مع اطر و اطفال مؤسستنا أي الوردة الرملية لاستقبال الأطفال المعاقين باكادير الى النادي المتوسطي قصد التصوير مع الفنان المعروف مالك و الفنانة المعروفة سعيدة فكري الخ من هذه الذكريات الجميلة التي لازالت عالقة في ذاكرتي المتواضعة..

و كما قدمت القناة الثانية العديد من البرامج المتميزة مثل برنامج وقائع الشهير و الخاص بعرض جرائم الحق العام مثل القتل و السرقة الخ حيث شاهدت حلقات هذا البرنامج وقتها عندما كنت صغيرا و الان في يوثيوب حيث ان القناة الثانية قدمت نفسها للمغاربة باعتبارها ذات هوية جمعت بين التغريب عبر الفرنكوفونية و الموسيقى الغربية الخ و التشريق عبر التعريب و الموسيقى العربية و المسلسلات المصرية الخ حيث تعود القناة الثانية في كل شهر رمضان الى مغربيتها بمنظور السلطة آنذاك بمعنى بث الموسيقى الاندلسية بعد اذان المغرب و بث المسلسلات الفكاهية بالدارجة الخ من مظاهر الرجوع الى الهوية المغربية حسب منظور السلطة طيلة تسعينات القرن الماضي أي العروبة و الإسلام فقط ......

ان القناة الثانية قد تعاملت مع الثقافة الامازيغية بشكل نادر للغاية طيلة تسعينات القرن الماضي حيث أتذكر قليلا انها بثت برنامج حول المرحوم المحجوبي  احرضان سنة 1993 باللغة الفرنسية حيث كنت ابلغ من العمر عشر سنوات  أي طفل لا يدرك هذه الأشياء بعد.

 لكن ان المرحوم المحجوبي احرضان كان زعيم لحزب الحركة الوطنية الشعبية آنذاك و الذي كان على كل حال عن الثقافة الامازيغية في عهد الراحل الثاني رغم ملاحظات الحركة الامازيغية الانتقادية له و لحزبه الأصلي أي الحركة الشعبية.

و أتذكر كذلك ان تم استقبال الفنانة الامازيغية فاطمة تاباعمرانت في احدى برامجها صيف سنة 1994 ادا كانت ذاكرتي قوية على خليفة اعتقال شباب منطقة كلميمة نواحي إقليم الرشيدية بسبب تظاهرهم بمناسبة فاتح ماي 1994 لاجل ترسيم اللغة الامازيغية في الدستور باعتبارها لغة رسمية....

 لعل ان ذلك الحدث التاريخي و المعروف في أرشيف الحركة الامازيغية قد جعل الراحل الحسن الثاني يخطب خطابه الشهير في يوم 20 غشت 1994 حول تدريس اللهجات فقط بدون ذكر الامازيغية من قريب او من بعيد و جعله يأمر التلفزة المغربية باحداث نشرة اللهجات بذلك الصيف أي سنة 1994   ...

و كما شاهدت على يوثيوب برنامج للقناة الثانية راجع الى تلك الفترة حول الرايسة كيلي الأجنبية التي اعجبت بفن الروايس و هي ذات أصول برتغالية الخ بمعنى ان هذا البرنامج الناطق بالفرنسية قد حاول ان يعرف بمسار هذه السيدة الفني مع هذا الفن الأصيل .

لكن بتقديري المتواضع كان يمكن للقناة الثانية باعتبارها قناة مستقلة عن السلطة الى سنة 1997 أي أصبحت قناة عمومية تبث بالواضح ان تكون اكثر دفاعا عن الثقافة الامازيغية غير ان هوية القناة الثانية الجامعة بين التغريب و التشريق قد ساهمت في ادخال الثقافة الامازيغية الى خانة الرجعية او الى خانة الثقافة الشعبية بمفهومها القدحي أي الشعوذة او الخرافات الخ بمعنى ان القناة الثانية الان رغم كل المكاسب المحققة لصالح الامازيغية منذ سنة 2001 الى الان مازالت تحتفظ بهويتها فوق وطنية ..

 ان الشاهد هنا هو استقبال الدكتور عبد الخالق كلاب من طرف إذاعة راديو دوزيم في برنامج يقدمه أستاذ دون المستوى المطلوب و كانت حلقة تم تدبيرها لاهانة هذا الرجل الشهم و مشروعه النبيل لكتابة تاريخ المغرب بشكل واقعي و بمركزية مغربية صرفة لا مركزية مشرقية او غربية ...

و بالإضافة الى تم استحضار ما  اسميه بايديولوجية الظهير البربري  في ذلك البرنامج السخيف لان اعلامنا الوطني اصبح لا يستحضر هذه الأيديولوجية الحقيرة الا نادرا بمعنى ان القناة الثانية مازالت بعيدة عن الوعي بهوية البلاد الاصيلة مع احترامي الشديد للأستاذ جامع كولحسن  ...

و لي عودة الى موضوع القناة الثانية و الامازيغية في مقالاتي القادمة انشاء الله .

المهدي مالك

 

اجمالي القراءات 645

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-12-04
مقالات منشورة : 280
اجمالي القراءات : 1,376,104
تعليقات له : 27
تعليقات عليه : 29
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco