قليلا ماتشكرون:
إن أنت أكرمت الكريم ملكته// وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

نهاد حداد Ýí 2023-04-01



يُحكى أن جماعة من العرب خرجت للصيد، فعرضت لهم أنثى الضبع فطاردوها، وكان العرب يطلقون عليها أم عامر، وكان يومها الجو شديد الحر، فالتجأت الضبع إلى بيت رجل أعرابي، فلما رآها وجدها مجهدة من الحر الشديد، ورأى أنها استنجدت به مستجيرة، فخرج شاهراً سيفه، وسأل القوم: ما بالهم؟
المزيد مثل هذا المقال :

فقالوا: طريدتنا ونريدها، فقال الأعرابي الشهم الذي رقّ قلبه على الحيوان المفترس: إنها قد أصبحت في جواري، ولن تصلوا لها ما دام هذا السيف بيدي، فانصرف القوم، ونظر الأعرابي إلى أم عامر فوجدها جائعة، فحلب شاته، وقدّم لها الحليب، فشربت حتى ارتدّت لها العافية، وأصبحت في وافر الصحة.

وفي الليل نام الأعرابي مرتاح البال فرحاً بما فعل للضبع من إحسان، لكن أنثى الضبع بفطرتها المفترسة نظرت إليه وهو نائم، ثم انقضت عليه، وبقرت بطنه وشربت من دمه   .

وفي الصباح حينما أقبل ابن عم الأعرابي يطلبه، وجده مقتولاً، وعلم أن الفاعلة هي أم عامر أنثى الضبع، فاقتفى أثرها حتى وجدها، فرماها بسهم فأرداها قتيلة.

وقد أنشد أبياته المشهورة التي صارت مثلاً يردده الناس حتى وقتنا هذا:

ومنْ يصنع المعروفَ في غير أهله ِ **** يلاقي الذي لاقـَى مجيرُ امِّ عامر ِ

أدام لها حين استجارت بقـــــــربهِ **** طعاماً وألبان اللـــقاح الدرائـــــــر ِ

وسمـَّـنها حتى إذا مـــــا تكاملــــتْ **** فـَـرَتـْهُ بأنيابٍ لها وأظافــــــــــر

فقلْ لذوي المعروفِ هذا جزاء منْ **** بدا يصنعُ المعروفَ في غير شــاكر

ويُضرب هذا المثل حينما نجود بالمعروف والإحسان مع من لا يستحق الجود، فنكرم هذا، ونساعد ذاك، وهم في النهاية يمكرون لنا بقلب أسود وعين غاشية، فيكون جزاء المعروف نكرانه ومقابلته بالإساءة

دراسة نفسية لناكر الجميل

حين تصنع المعروف في أحدهم فإنه في غالب الأحيان يقابله بالجحود ولا يرد الجميل أو يشعر بالإمتنان إلا طيب الأصل المتصالح مع ذاته . أما الجاحد فإن عقدة النقص تجاه الشخص الذي أكرمه وأجاره تدفعه للتنمر على صاحب نعمته لأن وجود هذا الأخير في حياته يذكره بذله وهوانه، وهو في الأصل يهرب من ماضيه.ويرغب في الظهور بشكل لائق مع أشخاص لا يعرفون عريه الأخلاقي وفراغه الروحي. وهو عوض أن يتصالح مع ذاته و مع الآخر،فإنه يتنكر حتى للآخرين أمثاله ممن هم في حاجة للمساعدة، فتجده لا يشفق على الآخرين ممن هم في الوضعية التي كان فيها لأنهم يذكرونه بعاره.تماما كمثل الرجال الذين يخونون زوجاتهم بسبب عجزهم الجنسي. حيث يلجأ الرجل منهم إلى بائعات الهوى أو غيرهن من النساء وقد يختار فتيات من عمر أبنائه.وفي حين يوهم زوجته أنها لم تعد من مقامه بل إنه يوهمهابأن أنثى غيرها قادرة على إثارته وإشباع نزواته.مع أن الحقيقة غير ذلك تماما ،فقد تجد هذا الأخير يصرف أموالا طائلة فقط من أجل الرفقة وإغاظة زوجته التي تعرف حقيقته. ثم يوهم صديقته بأن تواجده معها لا يعدوكونه راغبا فيمن تعاقره الخمر والليالي الملاح ،دون أن يعاشرها لأنه يحب زوجته. وهو في الحقيقة '' لا لُهْ في التُّور ولا في الطحين''. وعوض إن ينظر إلى الأمر بشكل موضوعي ويبحث عن الأسباب النفسية أو المرضية أو الهرمونية أو غيرها،فإنه يغرق في متاهات الفساد والمتعة الكاذبة هروبا من ذاته عوض مواجهتها. مع أن الحقيقة هي أنه لا علاقة للذكورة بالرجولة.فالرجل رجل بشخصيته وإنسانيته وأخلاقه. وليس بما يسمى الفحولة التي تخبو حتما بسبب المرض والشيخوخة وغيرها من الأسباب النفسية والهرمونية.وللأسف كم من رجل قتل زوجته لأنها عيرته بعجزه، وكم من رجل أصبح ديوثا تاركا لزوجته الحبل على الغارب لأنه لم يعد يستطيع مسايرة رغباتها .مع أن التصالح مع الذات يعد الحل الأمثل لمواجهة الحقائق ومعالجتها أو تجاوزها حين يتعذر أو يستعصي علاجها. لكن الجهل المسشري في المجتمعات الذكورية المتخلفة يجعل الفحولة رمزا للرجولة وهذا خطأ فادح.لقد جرنا التشبيه بين الجاحد والعاجز إلى موضوع جانبي لم نكن نرغب بالخوض فيه؛لذا نرجو المعذرة.

إن العجز الذي يرافق الجاحد سواء شعوريا أو عن طريق اللاشعور من أهم الأحاسيس التي ترافق هذا الأخير ، وهو عجز بنيوي يتمثل في ماض هو غيرراغب في تذكره أو تذكر الشخصيات التي عاينته معه، وهو في نفس الوقت غيرقادر على إثبات ذاته بمفرده.فينقم بالضرورة على ولي نعمته. ولو تدبرنا القرآن قليلا لوجدنا أن الجحود من شيم غالبية البشر.فبالرغم من كل النعم التي أغدقها الله على البشر فإنهم قليلا مايشكرون حيث يقول رب العزة : قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون . [ الملك: 23]
اجمالي القراءات 2503

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (7)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأحد ٠٢ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94161]

شكرا استاذة نهاد على هذا التحليل النفسى الرائع


وقد وجدته فى بعض من كان يزعم إنه من أهل القرآن ومع انهم كانوا من المقربين منى فقد عانيت منهم الويلات . وهذا يذكرنا بقوله جل وعلا محذرا المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) آل عمران ).

موعدنا معهم أمام الواحد القهار يوم الفصل. 

2   تعليق بواسطة   نهاد حداد     في   الأحد ٠٢ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94162]

اعرف نفسك ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ..) ''


من الغريب أحيانا أن الإنسان حتى عندما ينظر في المرآة لا يرى إلا محاسنه ولا يرى عيوبه وحين يراها فهو يبررها. وهنا نتحدث عن الجانب النفسي.إنك حين تعرف نفسك فعلا فإنك إما أن تسامح نفسك وتستمر، أو لن تتحمل أخطاءك فتنتحر.وهذه أبلغ درجات الصراحة والوضوح مع الذات. وهناك نوع ثالث من البشر يلبس الأقنعة طوال حياته ويلعن البشر والشجر والحجر. دون أن يهتدي إلى الحقيقة بل إنه وإن اهتدى إليها رفضها بسرعة وبشدة مبررا لنفسه طغيانها '' وهم في طغيانهم يعمهون'' يحدث هذا دائما مع الخونة.خصوصا خونة الأوطان الذين يحتقرون بني جلدتهم ويتماهون بالمستعمر. وفي هذا الإطار اخترت ان اكتب مجموعة من المقالات الخص فيها كتاب ''جلد أسود وأقنعة بيضاء ''للكاتب فرانتز فانون.وهو كتاب رائع يسبر أغوار النفس البشرية .والحقيقة أن التوبة النصوح تبدأ من معرفة النفس والمصارحة الذاتية.''( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ..) ''



3   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الأحد ٠٢ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94167]

نعم استاذة نهاد


اكرمك الله استاذة نهاد . تحليل رائع وجميل لنفسية الأشخاص المريضة بالجحود .... أُضيف فقط مما حدث معى شخصيا أنه يبدأ فى الجحود والإساءة بعد أن يتأكد أنه أصبح مُستغنيا ولو جزئيا عنه ،او عندما يسمع منه كلمة (لا ) ورفضه لطلب ما كان يطمع أن يأخذه منه  وقلت له لا آسف لن أُعطيك وأن ظروفى لا تسمح أو لأى سبب قلت فيه (لا ) . فساعتها يظهرعلى حقيقته السيئة وكأنه (العدو) .



4   تعليق بواسطة   نهاد حداد     في   الأحد ٠٢ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94169]

شكرا لكما على التفاعل وأقول


 


أولآ للدكتوررأحمد منصور:أعجبني كلامك عن الموت؛ولو أن الفراق صعب،إلا أن الإنسان المتصالح مع ذاته لا يخشىاه لأنه في قرارة نفسه سيقابل ربه بقلب سليم، وهذا مانتمناه جميعا، أن تأتينا المنية ونحن لا ندين بشيء لأحد. أطال الله عمرك سيدي وجعلك سندا لأبنائك وعشيرتك ولنا نحن أيضا.


أما للسيد عثمان فأقول:إن الذي يتعود على الأخذ لا يعرف العطاءبل إن تعوده على الأخذ يجعله يظن نفسه مستحقا لما يُعطى له.وحين يتعذر عليك إعطاؤه فإنه يعطي لنفسه حق انتقادك على أنك تغيرت ولم تعد ذلك الشخص الكريم الذي عهده ؛ ويجد الثغرة التي تمكنه من مهاجمتك.بل إنه أحيانا يفتعل النزاع ويضعك في موقف حرج وهو يعلم أنك لا تستطيع المساعدة فقط ليجعل منك هدفا لانتقاداته  لكي يوهم نفسه بٱنكم في الشر سواسية ،فيعطي لنفسه الحق  للتنكرلأفضالك عليه.لا تؤرق نفسك ياأخي،فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.تحياتي.


5   تعليق بواسطة   يحي فوزي نشاشبي     في   الأحد ٠٢ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94170]

وفعلا هو صحيح ومجرب .


وأضم رأيي  المؤيد  للمعلقين  السابقين.  أما عن الفقرة التي  أراها  ذات  أهمية  - حسب  رأيي -  الواردة  في  مقالك  فهي التالية : (مع أن الحقيقة هي أنه لا علاقة للذكورة بالرجولة. فالرجل رجل بشخصيته وإنسانيته وأخلاقه. وليس بما يسمى الفحولة ) . لأن الظاهرة أي  ظاهرة  "الذكورة" وعلاقتها بالرجولة  هي  ضاربة أطنابها  منذ  الماضي  السحيق، وعبر أرجاء  المعمورة، وهي التي أثرث  سلبا  أيما  تأثير  على المجتمع  وجعلته غافلا عن الأهم من  :  الشجاعة  والاخلاق  السامية  والانسانية، بل ود تدخلت وحرفت الكثير  حتى في  فهم تعاليمه سبحانه وتعالى.  ودمت  موفقة.



6   تعليق بواسطة   نهاد حداد     في   الأحد ٠٢ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94172]

شكرا أستاذ يحيى فوزي النشاشبي


 

 شكرا أستاذ يحيى فوزي النشاشبي


وأنا أيضاأتفق تماما مع ماطرحته في مقالك الٱخير فالطريقة الثي يسوق بها المسلمون لدينهم لا تشجع ٱحدا للدخول فيه بل تنفر الناس منه والسيدة اليهودية فعلا على حق. وإذا كان المسلمون فعلا يريدون التبشير بدينهم فمن اللازم أولا أن يبدؤوا بنبذ خلافاتهم و عوض التفرق الى شراذم تتناحر فيما بينها من المهم التوحد والتمسك بالعروة الوثقى ٱلا وهي القرآن والقرآن وحده. تحياتي. 


7   تعليق بواسطة   يحي فوزي نشاشبي     في   الثلاثاء ٠٤ - أبريل - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94183]



شكرا  على  الاهتمام  بوجهة  نظري  الأخيرة، واما عن التساؤل  الذي  يحيرني  هو :  كيف  غفلنا  نحن جميعا  بذلك التحذير  الرباني  حتى  لا  نقع  في  الشرك  حيث  جاءت  الاية ( ....  لا  تكونوا  من المشركين  )  ولو  فرضنا أن الاية  توقفت  هنا  لكان الموضوع  أسهل في الفهم  والوعي، ولكنه سبحانه وتعالى  زاد  فوضح  أيما  توضيح  صفة  المشركين  إذ  جاءت  الاية  كما  يلي (  ...  لا  تكونوا  من المشركين  من  الذين  بدلوا  دينهم وكانوا شيعا  كل  حزب  بما  لديهم  فرحون )  ألسنا  جميعا  بهذه  الصفة  وبهذا الموقف  وبهذا الغرور  والهجاء  لبعضنا  البعض ؟ وأما عن المخرج  فأنا  شخصيا  لا  أعرف ؟  وفي  انتظار  الوقوع  في الحل،  فإني  أرى  الحل  يكمن في  اللجوء  إلى  حبل الله  ألا  وهو القرآن  وحده  لا شريك له.



شكرا  ودمت  موفقة.



 



 



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-05-04
مقالات منشورة : 134
اجمالي القراءات : 1,501,687
تعليقات له : 127
تعليقات عليه : 558
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt