سر الوصول إلى السلطة وزوالها
إن لم تأتي السلطة من السماء، فإن الوصول إليها صعب جداً، ويتطلب عدة أمور لا يقدر عليها أي إنسان، فالناس فئات ثلاثة :
الفئة الأولى/ مِن الناس مَن خلق ليعيش فحسب.
الفئة الثانية/ مِن الناس مَن خلق للحكم.
الفئة الثالثة/ مِن الناس مَن خلق ليغير التاريخ.
- أما الفئة الأولى فهي عامة البشر (المحكومون)، أناس لا يبحثون إلا عن الأمان فحسب، يحبون الحياة مهما كانت قاسية.
- وأما الفئة الثانية فهم أشخاص تسعى السلطة إليهم من دون عناء منهم، فهم إما يورثون الحكم بسلاسة، أو يكلفهم بالحكم من بأيديهم مقاليد الأمور.
مثل : حسني مبارك - وأسرة محمد علي ... إلخ من أسماء كثيرة عربية وشرقية وغريبة.
أما الفئة الثالثة فهم أشخاص يسعون للسلطة، لتحقيق فكرة ما بداخلهم فقط، وقادرين على أن يدفعوا الثمن الذي لا يقدر عليه سواهم.
مثل : معاوية إبن أبي سفيان - عثمان إبن أرطغرل - جمال عبدالناصر - لينين - عبدالكريم قاسم ... إلخ.
وأهداف الفئة الثالثة قبل تحقيقها .. تبدو للفئتين الأخريين مجرد أحلام غير قابلة للتحقيق !، فلا يصدقونها، فقط صاحب الأمر في البداية هو من يصدق نفسه .. ويؤمن بأنه سيصل إلى مبتغاه الباهظ الثمن، بيد أنه يدفع ولا يناقش.
وهذا المقال حول الفئة الثالثة التي تسعى للوصول للسلطة، والقادرة على تحويل الأحلام إلى واقع، لأنهم فقط يملكون سر الوصول إلى القمة، ولكن ما هو سر الوصول ...
إن للوصول إلى السلطة بعيدة المنال .. (سر) يعتمد على أكثر من سبب قابل للتحقيق وهي بالترتيب كالتالي :
السبب الأول/ الإيمان الداخلي بأن الحلم سيصبح حقيقة.
السبب الثاني/ إيمان المقربين بصاحب الفكرة، لدرجة أن يكونوا مستعدين لدفع الثمن إن فشل القائد في مهمته.
السبب الثالث/ الإستعداد لدفع أي ثمن، حتى وإن كان التنازل عن الحياة بذاتها.
السبب الرابع/ العزف على الأوتار الروحانية، لدرجة تجعل أصحاب الفئة الأولى من العامة (المحكومين) يصدقونها، ويؤمنون بها.
- أما عن السبب الأول، فلابد أن يصدق صاحب الفكرة ما يدور بخلده، فلا يُكذب نفسه، ويتخلى عن حلمه، بل إنه كلما وجد عقبة ما قد تحدث، يبحث عن مخرج سريع، وعندها يحصل على أكثر من مخرج.
- أما السبب الثاني، فهو مرتبط بمحيط المقربين من القائد صاحب الفكرة، سواء أكانوا أقارب أم أصدقاء، المهم أن يصدقوا صاحب الحلم، ولا يهم في هذا الشأن عددهم سواء كان قليل أم كثير، فالأهم أن تكون درجة إيمانهم بنفس درجة صاحب الحلم، أو أعلى منه درجة.
- أما السبب الثالث، فهو الإستعداد لدفع الثمن سواء أثناء السير في طريق النار، أو في قبول العقاب إذا ما تعثر السير وسقط الجميع، فالثمن سيكون التخلي عن الحياة نفسها جبراً وقهراً ... ولا يقبل بذلك إلا صاحب إيمان كبير بالفكرة، سواء بالنسبة إلى القائد أم المقربين منه.
- أما السبب الرابع/ فهو إعلاء القيم الروحانية، إلى أن يصدقها أصحاب الفئة الأولى من العامة (المحكومين)، والتصديق هنا يكون بالإيمان الخالص، وفي هذا الصدد سنجد أن كافة الإمبراطوريات قد نشأت وقامت بهذا الإيمان الذي يكون على يقين بحياة أخرى بعد الحياة الدنيا، فيها جنة ونار، وأمثلة ذلك :
- الإمبراطورية المغولية، والتي قامت على البعث، والأرواح المقدسة.
- الإمبراطورية البيزنطية، أيضاً قامت على البعث والجنة في الآخرة.
- حتى كافة الإمبراطوريات الإسلامية، ما كانت لتقوم لولا الإيمان بالبعث والشهادة، والجنة في الحياة الآخرة.
وإذا ما توافرت تلك الأسباب الأربعة، تحقق (السر) للوصول إلى السلطة، وعندها تنفتح الأبواب المغلقة التي كانت في يوم موصدة.
-----------------------------
أما عن سبب زوال السلطة ...
فإنه يبدأ أيضاً، بتلاشي الأسباب الأربعة :
بداية .. إذا فقد صاحب الفكرة إيمانه بإمكانية تحقيق هدفه أو فكرته، تتزعزع ثقته في نفسه، ثم تتخبط قراراته، ويجنح جنوحاً في غير المسار الصحيح.
ثم تنتقل إهتزازاته الذهنية إلى المقربين من حوله، فيفقدون إيمانهم به، حتى تصبح حياتهم أغلى من تحقيق هدف قائدهم، الذي كانوا في يوم ما .. يتنافسون على خدمته، ويمنحونه ولائهم.
كما يوجد سببين آخرين لفقد المقربين من حول القائد :
أولاً/ قد تصبح الحياة بالنسبة إلى المقربين أغلى ثمناً، فتصعد إلى المرتبة الأولى في أولوياتهم، وينزل القائد وفكرته إلى مرتبة أدنى.
ولا سبيل لتحقيق ذلك، إلا حب الدنيا من قِبل المقربين، بسبب الثراء والنعيم الفاحش، الذي آتاهم فجأة، وعلى غفلة.
ثانياً/ أن يتخلى أحد المقربين عن إيمانه بالقائد، لقناعته بنفسه أنه على قدرة تفوق قدرة قائده !، فيضمر الغدر في نفسه إلى أن تحين الفرصة.
وفي هذا الصدد يبرز الرئيس العراقي الراحل/ صدام حسين، والذي كان ما يلبث أن يشك في أن أحد المقربين منه بأنه يحلم بأن يجلس على مقعده .. لا يتأخر بالخلاص منه بقتله.
**
كما يكون لفقد العامة للقوة الروحانية سبب رئيس في التخلى عن أحلام القائد، وهذا قد يحدث لسببين :
السبب الأول/ الثراء الفاحش.
السبب الثاني/ الفقر المدقع.
فكلاهما سبب لفقد الإيمان الروحاني، فالأول (الثراء) يحثهم على التفكير والتأمل، ومن ثَمَ تسعى نفوسهم لمحاسبة القائد على أخطائه.
والثاني (الفقر) إن تحقق، فإنه يدفعهم إلى كره الدنيا، والتي هي أغلى شيء عند العامة، فإن حدث ... إنتفضوا وما عادوا يعتدوا بأي قييم.
في النهاية أقول :
ليس كل شخص مؤهل لأن يصل إلى السلطة، فالأمر بحاجة إلى إيمان قوي لا يتوفر لدى أي إرادة، ويتطلب قدرة غير عادية على إقناع المقربين، واستعداد للتضحية بكل شيء.
أسأل المولى الحكمة والهدى
شادي طلعت
اجمالي القراءات
2434