عالم الروح
لا أستطيع أن أقول عن السطور القادمة أنها نتاج بحث، فلا يوجد أي بحث قادر على معرفة حقيقة الروح، ولا أستطيع أن أقول أنها نتاج القياس على ما ورد بالأديان السماوية، فجميعها أيضاً لم يتطرق بشكل مباشر للجزم بحقيقة الروح.
ولا أستطيع القول أنها نتاج تفكير عقلي، فالعقل أضعف من أن يصل إلى حقيقة الروح.
لكن في السطور القادمة خاطر، أو عدة خواطر، جاءت على غير موعد، نتيجة ظرف، أو عدة ظروف، أو تحقيقاً لمشيئة القدر، لا أجزم بعلم الحقيقة، فالكون أسرار، والأرض جزء منه، والإنسان أحد الأحياء على الأرض، يأتي لمدة زمنية معينة، ثم يرحل كما ترحل باقي الأحياء.
لازلتُ أذكر في بداية القرن الواحد والعشرين، منذ أن تم إختراع ما يعرف بالإرسال عبر (البلوتوث)، وقتها وقفت أتأمل إلى مدى العلم الذي وصل إليه الإنسان، ففي ظرف مدة زمنية معينة، أستطيع من خلال جهاز الهاتف المحمول، أن أحلل جزيئات الفيديو أو الصورة من على جهاز هاتفي، لإرسالها عبر الفضاء الذي لا أرى منه إلا الشفافية المفرطة، إلى هاتف محمول آخر أو عدة هواتف أخرى !.
لم يكن الأمر بالنسبة إلي محير، لأنني تذكرت قصة النبي سليمان، عندما أراد عرش بلقيس، فقال له صاحب العلم من الكتاب، أنا آتيك به، ففسر بعض المفسرين أن من أتى به كان من الجن، لكن القرآن كان دقيقاً، فقال عنه صاحب علم.
إن من نقل عرش بلقيس كان صاحب علم، وأياً ما كانت هويته، (إنسان أم شيطان أم ملاك)، لقد كان ذو علم، إستطاع من خلاله، أن يحلل جزيئات عرش بلقيس، ثم نقلها عبر الفضاء، لتقطع مسافة آلاف الأميال، لتستقر في المكان الذي حدده بناء على علمه.
ليس الأمر بالصعب، ولا بات من المستغرب، في ظل قدرة البشر العاديين الآن، على إرسال رسائل صوتية، أو صور، أو فيديوهات، عبر جهاز صغير لاسلكي، لتتجاوز آلاف الأميال، وتصل خلال ثوانٍ معدودة، إنها بالقياس على نقل عرش بلقيس، نفس المسالة الحسابية، إلا أنها لازالت لم تنتقل إلى المادة حتى وقت كتابة هذه السطور، ولكن .. سيصل الإنسان حتماً، وقريباً إلى العلم الذي يقدر من خلاله، تفكيك جزيئات المادة، ونقلها عبر الفضاء، كما فعل صاحب العلم قديماً مع عرش بلقيس ونقله لآلاف الأميال خلال ثوانٍ معدودات.
لكن .. القدرة على تفكيك الجزيئات، ونقلها، أخذت بإنتباهي إلى أمر آخر، وهو :
ألا يمكن أن يقدر الإنسان في يوم ما على تفكيك جزيئات جسده، لينتقل بها عبر الفضاء إلى أماكن أخرى، أم أن هذا من درب الخيال، فإن كان الأمر مستحيلاً، فكيف إذاً للجان أو الملائكة التنقل بحرية وتجاوز آلاف الأميال، خلال فترة زمنية محدودة، وقصيرة.
يبدو لي أن الملائكة والشياطين هي أرواح بلا جسد، فهي لا تستمتع كما يستمتع الإنسان، كما أنها لا تقاسي كما يقاسي هو.
فالإنسان له حواس خمس يشترك منها في إثنتين مع الملائكة، والشياطين، وهما (البصر – والسمع)، لكنه يتفوق على كليهما بــ حواس (الشم – التذوق – اللمس)، وهي حواس ثلاث، من الممكن أن تكون ممتعة، وفي الوقت ذاته من الممكن أن تكون أدوات عذاب له.
لكن .. لماذا يتفوق الإنسان على الملائكة والشياطين بثلاث حواس .. بــ التمعن قليلاً سنجد أن أن الحواس الثلاث مكتسبة من خلال الجسد، فهو وحده صاحب القدرة على الشم، والتذوق، واللمس، أما المخلوقات الأخرى، والتي هي مجرد أرواح .. لن تشعر أبداً بما يشعر به الإنسان، لأنها بلا جسد.
فما حقيقة الجسد :
الجسد وعاء تملؤه الروح، والروح لا تستقر إلا في جسد صحيح، أو قادر على المقاومة، ضد كل من يريد إيذاؤه، أو شل حركة أجهزته، فإن فسد الجسد، أو بات لا يقدر على المقاومة أياً ما كان نوعها، فإنه يتلف، وإن تلف، فإن الروح تغادره إلى مكان آخر.
ومكان مغادرة روح الإنسان، لا يعلم عنه أحد شيئاً، ولم يرد الجزم في كتب الأديان، والمعتقدات، ولا أظن أن معتقدات الذين يكفرون بالأديان والمعتقدات، بأن ما بعد الموت هو العدم، بأنه (أمر صحيح).
فالكون لم يخلق عبثاً، وعلمه اكبر من معرفة أو علم الإنسان، وما الأرواح إلا علم عند خالقها، تظل حبيسة الأجساد إلى أن يحين الأجل، ثم ترحل إلى حيث لا يعلم أحد من البشر.
لكن .. ليس عبثاً زيارة الموتى للأحياء في المنام، والأحلام، وليست قدرة السحرة على تسخير الجن وهم مجرد (أرواح) سواء في الخير أو الشر عبثاً أيضاً، إن الأرواح إن ذهبت، لا تذهب إلى العدم.
وفي العديد من المعتقدات الهندوسية، يؤمنون بأن الروح التي ترحل، تعود لتتمثل في رحم إمرأة أخرى غير التي ولدته سابقاً، إنها مجرد معتقدات.
لكن أين الحقيقة التي لا تقبل الشك : في الواقع إن كافة الإشارات إلى عالم الروح تقبل الشك، ولن تأتي باليقين أبداً، فمن رحل لن يعود ليقص علينا ماحدث.
أسأل المولى الحكمة والهدى
شادي طلعت
اجمالي القراءات
2794