تفتح الستارة على طاولة حوار مستطيلة يجلس على جنباها خمسة أشخاص متقابلين، ويرأس الطاولة شخص يبدو عليه أنه مدير هذا الحوار يبدأ بالصلاة والسلام على الأنبياء ثم يُعطي نبذة عن الحوار قائلاً:
أنه وبعد نجاح الشيخ فالح وأبي المواهب في تأسيس حزب الرحمة نهنئهم على هذا الإنجاز عسى أن يكون الحزب إضافة للحياة السياسية وضلعاً لا غنى عنه في التعايش والتفاهم الشعبي، ونحب أن نرحب بالدكتور طاهر البرلسي رئيس حزب التنوير والسادة الحضور جميعاً نظراً لسُرعة تلبيتهم لإجراء هذا الحوار.
ثم أسهب المدير في الثناء والشكر والتعريف بالحضور وتوجهاتهم السياسية، ثم ختم حديثه بضرورة الحديث لكل طرف منفصلاً وتبيان رؤيته تجاه الطرف الآخر.
طلب الميكروفون الشيخ فالح وبعد أن افتتح كلامه بالمقدمة –والتي ظهرت كأنها مقدمة خطبة جمعة- قال أن الإسلام أمرنا بالحوار وبأن ندعو الناس بالحب، وأن نحب الصحابة وأهل الإيمان وأن نحفظ كرامة وأعراض ودماء أهل الإسلام، فنحن نجمع في قلوبنا صفاء المودة للجميع ونخص بالذكر أهل الإيمان والإحسان، وأن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
لذلك ورغم الخلاف بيننا وبين حزب التنوير إلا أننا مأمورون بتقديم النُصح والإرشاد، وأن اجتماعنا هنا من أجل ذلك، عسى أن يكون فتحاً قريبا أو أن يجعل الله لنا أجراً عظيما.
طلب الميكروفون الدكتور طاهر البرلسي ثم قال موجهاً حديثه للشيخ فالح:
أسجل اعتراضي "الرقيق" على لغة الشيخ فالح والتي ظهرت بالاستعلائية، فهو لم يشير إلى أهل الإيمان والإسلام الذين يقصدهم، وكيف يعلم الإنسان منا أخاه إن كان مؤمناً أو فاجرا، هذه مادة القلوب وطبيعتها بين يدي ربها، كذلك في إعلانه عن هدفه من هذا الحوار وهو تقديم النصح والإرشاد، لا الحوار من أجل الحقيقة والتعايش، وهذه لغة استعلائية نعترض عليها، ذلك أنها صدرت في سياق تأكيد الصلاح للنفس ونفيها عن الآخر وهذا لا يجوز.
قال تعالى في سورة البقرة.." إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.."
وقال تعالى أيضاً في سورة البقرة.." وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون".
إن الله يؤكد أنه هو الوحيد المخوّل بالحُكم على الناس في الآخرة، وأن اليهود والنصارى عندما اختلفوا على صلاح كلٍ منهم قال تعالى.."كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم"..وهذا قولُ عام لا استثناء فيه حتى المسلمين، وأن العمل الصالح وحده هو المعيار الوحيد لتقييم الناس، فجميعنا نختلف في العقائد ولكننا نتفق في أن الكذب والظلم والخداع والأذى حرام بشتى صنوفه وأنواعه، فما فائدة الدين مع الفُجور والإجرام..
من هنا تأتي رسالتنا ونوجهها للجميع بمن فيهم السادة الحضور مسئولي حزب الرحمة، أن الجميع سواسية أمام الله كأسنان المشط، وأن الإنسان ليس من مهامه تقييم الناس وفرز المؤمن من الكافر، بل هو مُطالب بدعوى الجميع إلى الدين، مؤمنهم وكافرهم ..برهم وفاجرهم..بأسلوب واحد وبخُلق واحد.
أما في السياسة وشئون الأحزاب فنعمل في نظام واحد ودولة واحدة وقانون واحد، نلتزم به جميعاً دون إهدار لحقوق الصغير قبل الكبير، وأن الضعيف هو الأولى بالرعاية من القوي، وأن الدولة مصونة بحق الانتماء، كلنا نعبر عن هوية واحدة منصوص عليها في القانون، أما حديث..."المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"..فهو من محاور قضيتنا وهي قضية التجديد، فالله لن يُحرّم على المسلم سلامة أخيه المسلم ويُبيح البطش بغير المسلم، والحديث يؤسس لهذا المفهوم، لذلك نعتقد أن الكثير من الروايات الحديثية-ومن ضمنها هذا الحديث-يدخل في صلب الأزمة الثقافية التي نحن بصددها، نحاول أن نرصدها ونعالجها، على أن تكون هويتنا هي الجامعة وهي الأصل.
قال الشيخ فالح: أنت بذلك تدعو للحرية الكاملة وهي ضد الدين، الإسلام به قيود لابد منها وهي التي تحفظ للناس دينهم..
دكتور طاهر: ومن الذي سيقول أن هذا قيد شرعي أم زائف؟..سنختلف في ماهية وحجم تلك القيود، فنحن لا نصادر حق الآخر ونعمل على تقارب وجهات النظر.
الشيخ فالح: ولكن القانون يقول أن الدولة إسلامية وقد وجب الالتزام بهذا النص، وبالنسبة لمن يفتي بهذه القيود فهم العلماء ورثة الأنبياء..
دكتور طاهر: حتى في هذه سنختلف، من الذي سيدعي أن هذا عالم وهذا ليس بعالِم، والدولة الإسلامية هي التي لا تخطئ وإلا لم تكن إسلامية..أنا أرفض هذه التسمية لأنها تجعل الدولة إلهاً والحكومة معصومة..
هنا تدخل مدير الحوار رافعاً يده وكأنه يُشير بالانتباه:
أرجو من السادة عدم التعرض للخلافات الأيدلوجية والدينية لأن الحوار مطلوب منه الوقوف على الاتفاقات لا مناقشة الخلافات.
رفع الشيخ فالح يده: إذن فالشعب هو الحَكَم..الديمقراطية تقول ذلك.
مدير الحوار: الديمقراطية لها آليات وقيم نلتزم بها جميعاً، وأنا أوافق على الاحتكام للديمقراطية وسماع صوت الشعب.
دكتور طاهر: صحيح ولكننا أمام فكرة سياسية تؤمن بآليات الديمقراطية وتكفر بقيمها، ونحن في هذا الحوار نبغي الاهتمام بكشف هذه الفكرة لأن الاستبداد قاتل وخاصةً الاستبداد الديني، هذا ليس تعريضاً بالشيخ فلهم كل الاحترام، ولكن كما آمنا بالقانون لابد وأن نؤمن بروح القانون، فالقاضي يعجز –أحياناً-عن الحكم لقصور في مواد القانون لا تساعده على التبصّر ورؤية الحقيقة، ونحن من مهامنا أن نُحكّم مشاعرنا وعقولنا في التواصل والانسجام، بهذا سنحمي الدولة ونجعلها أكثر تناغماً ومرونة..
الشيخ فالح: الدين ليس فيه استبداد يادكتور طاهر
دكتور طاهر: لم أقل أن الدين به استبداد، لأن الاستبداد ينشأ بالأصل من الممارسات السياسية، وبرنامج الحزب يفصل الدين عن أي ممارسة سياسية بالكامل، ويُحيل ما تعارف عليه البشر من أخلاق كضوابط تحمي القانون وتصنع روحه المتجددة، فالدين مقدس ومنزه على أن نُشغله بالسياسة.
مدير الحوار مقاطعاً: أرجو للمرة الثانية عدم التعرض للخلافات أيها السادة، ما رأيكم نعقد جولة ثانية من الحوار قبل الانتخابات؟
الشيخ فالح مُسرعاً في الإجابة: أنا أرفض ذلك.. فالحوار لا يُجدي ولن يستمع أحد للنصائح، دعونا نحتكم للديمقراطية فهذه بضاعتكم.
دكتور طاهر: سأتجاوز عن الخلافات وسنحتكم للديمقراطية وآمل أن تكون الصناديق لُغة العُقلاء .
اختتم الحضور مؤتمرهم بشقاق يملأه الرهان على قوة كل طرف..
وتُغلق الستارة على أصوات ونقاشات ليست مفهومة
يدخل الحكواتي قائلاً: إن الإنسان في خلاف إلى يوم القيامة، ما رأي الشيخ فالح في هذا؟..ولو لم يختلف الناس لماذا خلق الله الجنة والنار؟..ألم يكن أولى أن نكون جميعاً في الجنة بلا خلاف؟..هي قواعد منطقية تصب في صالح الدكتور طاهر الذي بدا أنه أقرب إلى الجميع من الجميع، ولكن الشيخ فالح كان أقرب لنفسه من نفسه، والأصلح هو من يسمع للناس..لا أن يفرض عليهم أن يسمعوه وهم له كارهون.
اجمالي القراءات
9161