يا ترى ؟؟ ه سيأتي ذلك اليوم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم.
****
يا ترى ؟ هل سيأتيك ذلك اليوم ؟
حدث في يوم من أيام سنة خمس وثمانين وثمانمائة وألف (1885) أن وصل تمثال "الحرية" إلى مدينة نيويورك الأمريكية، قادما من فرنسا كهدية من الشعب الفرنسي للولايات المتحدة، بمناسبة الذكرى المئاوية للثورة الأمريكية، وأما عن نصب هذا التمثال فقد تم عام 1886 في موقع متميز يطل على خليج نيويورك ليكون في استقبال كل زائري البلاد، سواء كانوا سائحين أو مهاجرين. هذا ما جاء مفصلا في رواية قصة تمثال الحرية.
والإسم الكامل لهذا التمثال هو : "تمثال الحرية بتنور الدنيا"، وبالفرنسية ..
La liberté éclairant le monde. والتمثال هو عبارة عن واحدة ست لابسة فستانا وماسكة بيدها اليمنى شعلة الحرية، وفي يدها الشمال ماسكة كتابا منقوشا عليه باللاتينية 4 يوليو 1776، والذي هو تاريخ الاستقلال الأمريكي، وعلى رأس هذه الست تاج طالع منه 7 أشعة ترمز لقارات العالم السبع، وهي واقفة على قاعدة مربعة. وأما طول التمثال فهو 46 ست وأربعون مترا من الرجلين لقمة الشعلة. وإن تمثال "الحرية" هذا هو أكبر الحاجات التي تتميز بها أمريكا كدولة، وإن هذه القيم والمبادئ هي راسخة في نفوس الشعوب الأمريكية كلها.
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مبادئها وقيمها التي ترمز إليها هذه الست التي لم تعي من إبقاء يمينها مرتفعة طموحة شامخة كناطحات السحاب وشمالها الماسكة رمز العلم والمعرفة منذ سنة 1886 بدون كلل ولا ملل، يبدو أن الولايات المتحدة تمكنت فعلا من أن تتبوأ مقعدا مرموقا في نفوس الأغلبية الساحقة من الشعوب في العالم. وطبعا يجوز لكل واحد إبداء رأيه الآخر، وحتى إبداء نقده بالقول إن الحرية والقيم الإنسانية العالية ليست متوفرة في الولايات المتحدة الأمريكية كما هو مطلوب ومفروض، لكن، ألا يجوز للآخر أن يبدي رأيه ؟ فيقول: إن التمثال هو الرمز، وأيما رمز هو، عندما يكون دالا على الحرية والقيم الإنسانية العليا؟ وأما عن الأفعال المخالفة فما هي إلا شواذ أو استثناء، ذلك الذي يرسم أو يرسخ القاعدة.
أما عن المقصود الحقيقي لإيراد هذا الملخص عن ميلاد ذلك التمثال الرمز، فهو يكمن في مجال آخر أو في دنيا أخرى، تلك الدنيا التي تجعل الإنسان الغاط في سباتـــــه
العميق يحلم، ويحلم، إلى أن تتبدد تلك الغيوم التي غطت الحلم وأخرجته من تلك الضبابية شيئا فشيئا إلى أن أصبح حلما واضحا ناصعا للعيان، وهو :
ما دام الإنسان كلما رفع رأسه صوب ذلك التمثال الرمز سواء في زيارته مدينة نيويورك أو من خلال صورة أو شاشة، ما دام هذا الإنسان يشعر في قرارة نفسه بهبوب نسمة خفيفة ذات لون وردي تراوده، منعشة، متفائلة، تقطر منها قطرات ندى، كلها حب، وأمن، وأمان، وطمأنينة، وتفاؤل، وأخوة، و.... و....
هكذا يحلم، وتقول له نفسه الأمارة بكل خير، تقول له : وهل من العيب؟ أو من البدعة المحرمة ؟ أن يحلم الإنسان المسلم المؤمن بهبوب تلك النسمة الخفيفة الوردية، أو الخضرية اللون، المنعشة، المتفائلة، الفاتحة للشهية، شهية أن يحيا المسلم حياة تقطر منها قطرات الندى المفعمة بالحب والطمأنينة والأمن والأمان والتفاؤل، عندما، وكلما رفع رأسه صوب مئذنة مسجد ما ؟ ولسان حاله يقول له ويردد متسائلا: ونحن؟ لماذا لا نحوّل بناية كل مسجد أو مئذنة كل مسجد إلى تلك الرموز الجذابة ؟ ونعتز بها ونفتخر؟ لاسيما والحديث المنزل منه سبحانه وتعالى يعجّ بتلك المبادئ والتعليمات والنصائح ؟ ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
*)- إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف 40).
*)- كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110 آل عمران).
*)- وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ (البقرة الآية 83).
*)- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء
تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. (إبراهيم 24/25).
*)- قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. (الجاثية 14).
*)- فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. (فصلت 34).
*)- وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. (النور 22).
*)- وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ. (لقمان 19).
*)- قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (آل عمران 31).
*)- إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ. (الأنعام 159).
*)- وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ(الكهف 29).
*)- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً (البقرة 208).
*)- وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا. (النساء 125).
*)- فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ.(سورة البقرة 193).
1. *)- لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. (الممتحنة رقم 08).
*)- قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. (آل عمران – الآية 64).
*)- وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ. (الكهف – 29).
ويتجدد الحلم عند رأس الحالم قائلا: يا ترى؟ هل سيأتي ذلك اليوم؟ حيث تتبوأ المساجد الضخمة المتنافسة مئذناتها ارتفاعا وزخرفة وطموحا، هل ستتبوأ هي الأخرى مقاعد لها مرموقة في نفوس مرتديها ؟ وحتى في نفوس غير المكترثين بها ؟ مثل ما تحدثه تلك الست الرافعة شعلة الحرية ؟ هل ستبلغ ذلك المبلغ السامي الموحي بالأمن، والأمان، والحرية، والحب، ؟
******
اجمالي القراءات
2563
وقد عبر أحدهم عن إعجابه حول المساجد بعمان بما يلي :
يوجد في عمان ثلاثة مذاهب بشكل عام وهي: الإباضية والسنة والشيعة، أما عن الأديان فلا أعلم إن كان هناك من يعتنق غير الإسلام ديناً باستثناء المقيمين والسياح، ويعود التسامح البارز بين المذاهب والديانات للنهج الذي تتبعه الدولة، فالتفرقة مرفوضة، وفي حين أن المذهب الغالب هو المذهب الإباضي، إلا أن القانون يمنع اللمز أو الازدراء من قبل أتباع أي مذهب للآخر، كما تمنع المؤسسات التعليمية بشكل صارم أي إقحام للمذهب، سواء في مناهج التعليم أو في إبراز توجه المدرّس لمذهبه وتغليبه على المذاهب الأخرى إلى النقاشات الطلابية التي تتحول لمعارك ضارية، فكلها مرفوضه، وسيكون السجن مصير من يتعدى على مذهب آخر أو على أحد أتباعه حتى ولو لفظياً. وفي المساجد تتجسد لوحة جميلة كم أعجبتني عندما ترى صفوف المصلين متراصين خاشعين وتستطيع تمييز أنهم يتبعون مذاهب مختلفه، فبعضهم مسبل يديه في الصلاة، والآخر مسدل، جميعهم خلف إمام واحد، كم أن هذه اللوحة تزعج أعداءنا وقد يبذلون الغالي والنفيس لتلطيخها وإفسادها لما تحمله بين طياتها من مكامن القوة والمنعة.
فلنتخيل أن هذه اللوحة موجودة في كافة دول المنطقة، ألا تعتقدون معي أن هذا الأمر سيسبب إزعاجاً بالغاً لكل من يتربص بنا، كما أنه سيكون سببا من أسباب قوتنا ونهضتنا، إذا لماذا لا يتحقق ذلك على أرض الواقع؟ ويتم استنساخ تلك التجربة الناجحة، أيهما أولى توحدنا في صف واحد والذي قد يزعج بعض الطغاة أو يزعزع مكانتهم؟ أم خلافنا والذي قد يتسبب في زوالنا جميعاً "بطغاتنا".