رضا البطاوى البطاوى Ýí 2020-07-17
نظرات فى كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
الكتاب تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي من أهل العصر وقد استهل السعدى كتابه ببيان أن مطلب كل إنسان هو راحة القلب وسعادته فى حياته فقال:
"فإن راحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم، فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه، فأتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالا ومآلا"
والخطأ فى الفقرة كون أسباب راحة القلب ثلاث دينية وطبيعية وعملية وهو ما يخالف قوله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب" فراحة القلوب وهى النفوس تنتج من طاعة حكم الله فى كل أمر
وقسم السعدى الحيوات فى الدنيا لطيبة وشقية وبين بين فقال :
"ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني من الأسباب لهذا المطلب الأعلى، الذي يسعى له كل أحد فمنهم من أصاب كثيرا منها فعاش عيشة هنيئة، وحيى حياة طيبة، ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء، وحيي حياة التعساء ومنهم من هو بين بين، بحسب ما وفق له والله الموفق المستعان به على كل خير، وعلى دفع كل شر"
وبالقطع هذا التقسيم مخالف لكلام الله فلا توجد حياة طيبة ولا حياة شقية فى الدنيا وإنما حياة كل إنسان متنوعة ما بين هذا وذاك كما قال تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة"ففى حياة كل منا منغصات وفيها مفرحات فمثلا من المنغصات فى حياة النبى(ص) والمؤمنين الجوع والخوف ونقص المال والنفوس وفى هذا قال تعالى "ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
فصل
1-وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون }
فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار وسبب ذلك واضح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان
يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أمورا عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم منه بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبر النبي (ص)عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" فأخبر (ص)أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر فيتفاوتان تفاوتا عظيما في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار والآخر يتلقى المحاب بأشر وبطر وطغيان فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتته من جهات عديدة، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالبا، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى، قد تحصل وقد لا تحصل، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضا قلق من الجهات المذكورة ويتلقى المكاره بقلق وجزع وخوف وضجر، فلا تسأل عن ما يحدث له من شقاء الحياة، ومن الأمراض الفكرية والعصبية، ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوأ الحالات وأفظع المزعجات، لأنه لا يرجو ثوابا ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه
وكل هذا مشاهد بالتجربة، ومثل واحد من هذا النوع، إذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس، رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه، وبين من لم يكن كذلك، وهو أن الدين يحث غاية الحث على القناعة برزق الله، وبما آتى العباد من فضله وكرمه المتنوع فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر، أو نحوه من الأعراض التي كل أحد عرضة لها، فإنه - بإيمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له - يكون قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمرا لم يقدر له، ينظر إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية، إذا لم يؤت القناعة كما تجد هذا الذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان، إذا ابتلي بشيء من الفقر، أو فقد بعض المطالب الدنيوية، تجده في غاية التعاسة والشقاء ومثل آخر: إذا حدثت أسباب الخوف، وألمت بالإنسان المزعجات، تجد صحيح الإيمان ثابت القلب، مطمئن النفس، متمكنا من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذي دهمه بما في وسعه من فكر وقول وعمل، قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم، وهذه أحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده
كما تجد فاقد الإيمان بعكس هذه الحال إذا وقعت المخاوف انزعج لها ضميره، وتوترت أعصابه، وتشتت أفكاره وداخله الخوف والرعب، واجتمع عليه الخوف الخارجي، والقلق الباطني الذي لا يمكن التعبير عن كنهه، وهذا النوع من الناس إن لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية التي تحتاج إلى تمرين كثير انهارت قواهم وتوترت أعصابهم، وذلك لفقد الإيمان الذي يحمل على الصبر، خصوصا في المحال الحرجة، والأحوال المحزنة المزعجة فالبر والفاجر، والمؤمن والكافر يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية، وفي الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها، ولكن يتميز المؤمن بقوة إيمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه، واحتسابه لثوابه ـ أمورا تزداد بها شجاعته، وتخفف عنه وطأة الخوف، وتهون عليه المصاعب، كما قال تعالى: { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون } ويحصل لهم من معونة الله ومعينه الخاص ومدده ما يبعثر المخاوف وقال تعالى { واصبروا إن الله مع الصابرين }"
الفقرة السابقة بها نفس الخطأ وهو كون الإيمان والعمل الصالح سبب رئيسى وليس السبب الوحيد لاطمئنان القلب
والخطأ تفسير الحياة الطيبة بكونها فى الدنيا بينما هى فى الآخرة كما قال تعالى "وإن الدار الآخرة لهى الحيوان" فالحياة السعيدة هى الحياة فى جنة الآخرة
والمسلم كالكافر فى حياتنا الدنيا يصاب بالمنغصات وهى السيئات كما يصاب بالمفرحات وهى الحسنات كما قال تعالى " وبلوناهم بالحسنات والسيئات"
والفارق بين الاثنين هو أن المسلم يطيع حكم الله فى الحالين بينما الكافر لا يطيع حكم الله إلا قليلا
وتحدث السعدى عن ما سماه أسباب اخرى فقال :
2- ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف، وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما } فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه والخير يجلب الخير، ويدفع الشر وأن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجرا عظيما ومن جملة الأجر العظيم زوال الهم والغم والأكدار ونحوها"
وما قاله هنا عن الإحسان للخلق هو جزء من العمل الصالح الذى قاله فى رقم 1 ثم قال عما ظنه السبب الثالث فقال :
"فصل
3-ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه، وازداد نشاطه، وهذا السبب أيضا مشترك بين المؤمن وغيره ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، وبعمل الخير الذي يعمله، إن كان عبادة فهو عبادة، وإن كان شغلا دنيويا أو عادة أصحبها النية الصالحة وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله، فلذلك أثره الفعال في دفع الهم والغموم والأحزان، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار، فحلت به الأمراض المتنوعة، فصار دواؤه الناجع (نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته) وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع، والله أعلم"
والاشتغال بعمل نافع أيا كان هو جزء من ضمن العمل الصالح وهو ما نسميه العمل بوظيفة وأما السبب الرابع الذى زعمه فهو الاهتمام بالحاضر اليومى فقال:
"4-ومما يدفع به الهم والقلق: اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي (ص)من الهم والحزن، فلا ينفع الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها وقد يضر الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فعلى العبد أن يكون ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن والنبي (ص)إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فإنما يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله والتخلي عما كان يدعو لدفعه لأن الدعاء مقارن للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده ويستعينه على ذلك، كما قال (ص)"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" ، فجمع (ص)بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدرهوجعل الأمور قسمين: قسما يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده وقسما لا يمكن فيه ذلك، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم، ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم"
والكلام عن الاهتمام بالحاضر اليومى وحده يناقض وجوب الاستعداد للمستقبل الذى أمر الله به فقال "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" ويناقض وجوب التفكير فيما يجب فعله فى الغد مع تعليق هذا على مشيئة الله كما قال "ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"
فكل إنسان لا يمكن أن يعيش فى يومه الحاضر فقط دون أن يفكر فيما سيفعله فى الغد من أجل الطعام والشراب والعمل الوظيفى وما شاكل هذا
ثم ذكر سببا أخر وهو ذكر الله وقد فهمه خطأ كما فهم الناس بمعنى أنه ترديد كلمات مدح لله بينما ذكر الله هو طاعة أحكام الله فقال :
فصل
"5-ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته: الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ، فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره"
وهذا الفهم من أكبر الأسباب التى أدت لتغييب الناس عن الحق عندما اعتقدوا ان الذكر هو مجرد ترديد كلامى لا فائدة منه لم يطلبه الله
ثم تكلم عن سبب أخر وهو الحديث عن نعم الله الظاهرة والباطنة فقال:
"6-وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه - التي لا يحصى لها عد ولا حساب - وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم، هانت وطأتها، وخفت مؤنتها، وكان تأميل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضى، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوة أجرها مرارة صبرها"
هذا السبب هو الأخر من بين الفهم الخاطىء فالنعمة التى طلب الله التحدث بها هى وحى الله فى قوله تعالى "وأما بنعمة ربك فحدث " فالمطلوب هو من ذكر النعم هو الاقرار بقدرة الله على الخلق وليس مجرد تعديد النعم كلاميا كما قال تعالى "يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض"
ومن ثم نهى الله المؤمنين عن عد النعم لعجزهم عن عدها فقال " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"
ثم ذكر السعدى سببا جديدا وهو النظر لمن هم أقل من الإنسان وليس لمن هم أعلى فقال:
"7-ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي (ص)في الحديث الصحيح حيث قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" ، فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل رآه يفوق جمعا كثيرا من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، رأى ربه قد أعطاه خيرا ودفع عنه شرورا متعددة، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم، ويوجب الفرح والسرور"
وهو كلام من اختراع علماء السلطان أرادوا به منع الناس حقوقهم فى الرزق فالله خلق الناس سواء فى الرزق وهو القوت فقال" وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين" واعتبر غير الفاعل للمساواة برد زيادة المال عنده على الخرين بهذا جاحد بنعمة لله فقال "فما الذين فضلوا برادى رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون"
فالله قسم الرزق بالعدل وجعل الفروق بين الناس بأحكام شرعية منها الورث والمشاركة فى الجهاد والحصول على بعض الغنيمة وليس منها تشريعات الملاك والرؤساء الكفار بعيشهم فى قصور ووجود حراسة وأكلهم أفخر الطعام والشراب وتشريعاتهم باختلاف رواتب الموظفين مع رفعهم فئات منها لأعلى العطايا وفئات لعطايا قليلة
ثم تحدث عن إزالة أسباب الهموم فقال :
"فصل
8ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله، وزال عنه همه وقلقه"
وهو كلام من ضمن العمل الصالح فى كثير من الأحيان مثل الذهاب للطبيب لدفع المرض ومثل التصالح مع الخصم ومثل غصلاح التالف فى البيت
ثم تحدث عن كون دعاء أو ادعية سبب للراحة فقال :
"9-ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور: استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي (ص)يدعو به: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر" وكذلك قوله: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت" فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحا وسرورا"
وهذه الأدعية ليست سببا للسعادة لأن الله تعهد بإجابة دعاء واحد وهو دعاء الاستغفار اى التوبة فقال " ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" وأما بقية الأدعية فهى معلقة على مشيئة الله أى على القضاء والقدر اى على ما قرره الله فى مشيئته من أحداث فهى قد تستجاب وقد لا تستجاب حسب ما قدره الله
وكرر الرجل هنا سبب سبق ان قاله فى رقم 8 السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وهو السعى فى تخفيف النكبات أى المصائب أى المصيبات بالغم وقد ذكره بقوله :
فصل
"10-ومن أنفع الأسباب لزوال القلق والهموم إذا حصل على العبد شئ من النكبات: أن يسعى في تخفيفها بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وبهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بذل ذلك السعي في جلب المنافع، وفد دفع المضار الميسورة للعبد فإذا حلت به أسباب الخوف، وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة، فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره، يهونها ويزيل شدتها، وخصوصا إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب، ويجاهد نفسه على تجديد قوة المقاومة للمكاره، مع اعتماده في ذلك على الله وحسن الثقة به ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور، مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل، وهذا مشاهد مجرب، ووقائعه ممن جربه كثيرة جدا"
ثم تحدث عن سبب أخر تحت رقمين 11و12 وهو قوة القلب وهو كلام فارغ لأن القلب هو أساس الإيمان والعمل الصالح وفيهم كل الأسباب التى ذكرها والتى سيذكرها وفيه قال :
"فصل
11ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضا للأمراض البدنية: قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة والغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة
12ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثيرين من الأقوياء، فضلا عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون، والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عسره يسرا، وترحه فرحا، وخوفه أمنا، فنسأله تعالى العافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير"
ورقم 13 لم يتحدث عن سبب وإنما تحدث عن العلاقة الزوجية فقال :
"فصل
13- وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر" ، فائدتان عظيمتان:
إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علاقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكر ما فيه من المحاسن، والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك
الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة: وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي (ص)- بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن-، فلابد أن يقلق، ولابد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كل منهما المحافظة عليها وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم، فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحا"
والعلاقة الزوجية المبنية على طاعة الله هى من الإيمان والعمل الصالح وذكر الرجل أن من دواعى الراحة عدم الاسترسال فى الحزن وهو من ضمن العمل الصالح الذى امر الله به فقال "ولا تحزن " والفقرة هى :
"فصل
14العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جدا، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهبا للهموم والأكدار، ولا فرق في هذا بين البر والفاجر، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر، والنصيب النافع العاجل والآجل"
كما بين ان من أسباب الراحة المقارنة بين المصيبة والنعم فقال :
"15-وينبغي أيضا إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه، فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت، ويسعى في دفع ما لم يقع منها وفي رفع ما وقع أو تخفيفه"
وبالقطع ليس للمقارنة فائدة فالفائدة هى ما طلبه الله فى المصائب وهو الصبر كما قال تعالى " واصبر على ما أصابك"
وبين ان شغل النفس بأذية الناس يضر الإنسان ويقلقه فقال :
"16-ومن الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصا في الأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالا لم تضرك شيئا"
وهذا من ضمن العمل الصالح الذى طلبه الله بقوله "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله"
وبين أن الحياة تبع للأفكار فقال :
"17-واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكارا فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة وإلا فالأمر بالعكس"
وبالقطع المسلم فكره يكون تبعا لإسلامه وليس لهواه وطلب السعدى طلبا غريبا لفظيا وهو لا تطلب الشكر إلا من الله والمراد لا تطلب الثواب إلا من الله فقال
"18-ومن أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا }
ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوة اتصالك بهم فمتى وطنت نفسك على إلقاء الشر عنهم، فقد أرحت واسترحت، ومن دواعي الراحة أخذ الفضائل والعمل عليها بحسب الداعي النفسي دون التكلف الذي يقلقك، وتعود على أدراجك خائبا من حصول الفضيلة، حيث سلكت الطريق الملتوي، وهذا من الحكمة، وأن تتخذ من الأمور الكدرة أمورا صافية حلوة وبذلك يزيد صفاء اللذات، وتزول الأكدار"
وتحدث عن الأمور النافعة وهو ثد سبق أن تحدث فى مواضع سابقة عنها فقال فى رقمى 19و20و21 فقال :
"19-اجعل الأمور النافعة نصب عينيك واعمل على تحقيقها، ولا تلتفت إلى الأمور الضارة لتلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن واستعن بالراحة وإجماع النفس على الأعمال المهمة
20ومن الأمور النافعة حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل، لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة، فتشتد وطأتها، فإذا حسمت كل شيء بوقته أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل
21وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم فالأهم، وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة، فما ندم من استشار، وادرس ما تريد فعله درسا دقيقا، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"
وهو كلام سبق أن ذكره
دعوة للتبرع
القضاء و القدر: ما هو موقف القرآ ن من الموض وع القدر .هل كل...
أوثق مصادر التاريخ: نريد ان نعرف ماهى المصا در التار يخيه ...
دهن الخنزير حلال: أنا أريد معرفة رأي حضرتك في حكم الزيو ت ...
ماذا لو قرأت لنا ؟: من فضلكم كتاب اهل القرآ ن أفيدو ني في معنى...
غير مسبوق: أستاذ ي الدكت ور أحمد صبحي منصور . أقدم...
more