آحمد صبحي منصور Ýí 2019-03-21
( 4 ):الكراهية للروم غطّت على إعجاز تاريخى فى القرآن الكريم
مقدمة
1 ـ التاريخ يسجل ما ظهر من أحداث الماضى وما يطفو من أحداث الحاضر ، وليس له أن يكتب عن غيب الماضى أو غيب الحاضر .
2 ـ القصص القرآنى أخبر ببعض غيب الماضى وبعض غيب الحاضر وأيضا بعض غيب المستقبل. ويشمل الغيب بعض ما سيحدث بعد الإخبار به قرآنيا ، وبعض ما سيحدث بعد نزول القرآن فى هذه الحياة الدنيا ثم تفاصيل عن تدمير العالم أو ( قيام الساعة ) ثم تفصيلات عن يوم القيامة من بعث وحشر وعرض أمام الخالق جل وعلا وحساب ونعيم الجنة وعذاب النار.
3 ـ من الغيب الذى أخبر به رب العزة جل وعلا وتحقق أثناء نزول القرآن أقوال ذكر رب العزة أن الكفار سيقولونها ، وفعلا قالوها. ومنها قوله جل وعلا : ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّـهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿142 ) البقرة ) وتكررت كلمة ( سيقول ) 12 مرة فى القرآن إخبارا عن المستقبل القريب.
4 ـ اما أهم وأخطر ما أنبأ به القرآن الكريم فى مكة ثم تحقق هو ذلك الحدث (العالمى ) فى صراع القوتين العظميين ( الفرس والروم ) ، وأنه سينتصر الروم بعد هزيمتهم . وجاء هذا وعدا ربانيا من رب العزة جل وعلا . قال جل وعلا : (الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚوَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴿٦﴾ الروم )
5 ـ التدبر فى هذه الآيات الكريمة هو موضوعنا ، لأنها تدخل فى موضوعنا عن سفاح نيوزلنده الذى قام بجريمته إنتقاما لما فعله الخلفاء العرب والعثمانيين فى حروبهم للغرب بدءا من الامبراطورية الرومية البيزنطية ، والتى إحتل العثمانيون عاصمتها القسطنطينية وأسموها ( الآستانة ) و ( إسلامبول ) وحولوا كنيستها الكبرى الى مسجد .
أولا :
الوعد الالهى بنصر الروم
1 ـ جاء إنتصار الروم على الفرس وعدا إلاهيا ، قال جل وعلا : (وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴿٦﴾ الروم ).
2 ـ وهذا يعنى إن الله جل وعلا هو الذى سينصر الروم على الفرس بعد أن هزمهم الفرس . قال جل وعلا : (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚوَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾).
3 ـ والمعنى أن قوة الرحمن هى التى هزمت قوة الفرس ونصرت الروم. وأن هذا سيحدث بعد بضع سنين من نزول هذه الآيات .
4 ـ هذا الوعد الالهى بانتصار الروم لم يأت للروم أصحاب الشأن ، بل أتى للمؤمنين المستضعفين وهم فى مكة يواجهون إضطهاد القرشيين وزعمائهم من بنى امية المسيطرين على رحلتى الشتاء والصيف. كان المؤمنون المستضعفون فى مكة يتمنون إنتصار الروم بينما كان الكفار القرشيون يتمنون أن ينتصر الفرس ، وجاءت قوافل قريش بهزيمة الروم ، وفرحوا لأن هذا من مصلحتهم لأنه سيجعل قبضة الروم أضعف على الشام وهم يسيرون بقوافلهم فى الشام . أصاب المؤمنين المستضعفين الحزن فنزل هذا الوعد قرآنا لهم يبشرهم بوعد الاهى بأن الروم سينتصرون فى بضع سنين ، وحين يتحقق إنتصار الروم على الفرس سيفرح المؤمنون لأنه سيتغير حالهم من الخوف الى الأمن .
ثانيا :
هذا الإعجاز القرآنى تحقق تاريخيا :
1 ـ وهنا نعقد مقارنة بين ما قاله القرآن الكريم و ما تحقق فعلا وسجله تاريخ الصراع بين الفرس والروم فى تلك الفترة.
2 ـ ولنبدأ أولا بما قاله التاريخ عن صراع الفرس والروم في عصر البعثة المحمدية. كان محمد بن عبد الله قد تجاوز الثلاثين من عمره حين نشبت حرب كسرى برويز مع الروم ( من سنة 603). وقد انتهت تلك الحرب ( سنة 627 ). أي إنه قبل وفاة النبي عليه السلام ببضع سنوات شهد النبي تحقق ما نبأ به القرآن حين نزل يقول " غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين" .
3 ـ ونرجع إلى التاريخ :
3 / 1 : في سنة 603 قتل الإمبراطور البيزنطي ( الرومي) موريس، وكانت العلاقات ودية بين الروم والفرس، لذا جاء ابن موريس إلى كسرى برويز يحتمي به ضد فوكاس مغتصب الحكم وقاتل أبيه.
3 / 2 : وأتخذها كسرى برويز فرصة ، فزحف بجيش اكتسح به حاميات الروم فيما بين النهرين وأستولي على أمد وديار بكر والرها وحران وعبر نهر الفرات وتقدم جنوبا إلى لبنان . وفي نفس الوقت تقدم جيش فارسي آخر من ناحية أرمينية وزحف نحو آسيا الصغرى متقدما نحو العاصمة الرومية القسطنطينية.
3 / 3 : وأصاب الروم الفزع والاضطراب ولم يتمكن فوكاس الرومي من عمل شيء فعزله الروم وتولى مكانه هرقل ( هراكليوس) .
3 / 4 : زحف هرقل ( هراكليوس ) من شمال أفريقيا إلى القسطنطينية بالسفن وحاول إنقاذها، ولكن أستمر كسرى برويز في فتوحاته سنة 611 إذ أكمل احتلال الشام ودخل دمشق وبيت المقدس وأستولي على صليب عيسى وأرسله إلى إيران، وأرسل قائده شهربزار فاحتل دلتا مصر والإسكندرية سنة 616 ، أي بعد بعث الله جل وعلا محمدا رسولا ببضع سنوات.
3 / 5 : وفي سنة 617 استولي الفرس على ولايات آسيا الصغرى واحتلوا خلقدونية قرب القسطنطينية.
3 / 6 : وأصبح الروم في مأزق حرج وتوقع الجميع سقوطها والقضاء النهائي على الروم البيزنطيين. في ذلك الوقت نزل القرآن يبشر المؤمنين في مكة بأن الروم – النصارى - سيغلبون الفرس المجوس بعد بضع سنين.
3 / 7 : ولم يكن لدى هرقل علم بهذه البشرى إذ كان وقتها يفكر في الهرب إلى قرطاجنة ، حتى لقد جمع خزائن القسطنطينية وذخائرها في سفن كثيرة وبعث بها إلى قرطاجنة، وقد غرقت تلك السفن ، واضطر هرقل تحت ضغط رجال الدين والشعب إلى الصمود ومنحته الكنيسة كنوزها ليدعم مجهوده الحربي.
3 / 8 : وبذلك بدا هرقل حرب الاسترداد ، فعبر الدردنيل بجيوشه سنة 622 وزحف نحو أرمينيا وهزم الفرس فيها ، ثم عاد إلى القسطنطينية .
3 / 9 : ، وفي العام التالي 623 تعاون هرقل مع الشعوب الشمالية كالخزر وهاجم إيران من الشمال فأسرع كسرى برويز بجيش قدره 40 ألف جندي لملاقاة هرقل ، ولكن انتصر عليه هرقل في ازربيجان .
3 / 10 : ثم واصل هرقل عملياته الحربية السريعة على المدن الإيرانية الهامة والمقدسة سنة 623 .
3 / 11 : وفي العام التالي 624 استعد كسرى لحرب فاصلة ولكن أسرع هرقل ودخل أرمينيا وهزم جيوش الفرس منفصلة قبل أن تتجمع .
3 / 12 : وكان لابد لهرقل أن يستريح ليلتقط أنفاسه ويعد جيوشه للمعركة الفاصلة. وقد أعدّ كسرى جيشين لها ، واحدهما يقوده شاهين باسطول بحرى هائل لمحاصرة القسطنطينية أما الأخر فقد استعد لمواجهة هرقل برا . وترك هرقل قوة للدفاع عن القسطنطينية واتجه شرقا إلى شمال إيران وهاجم تفليس .
3 / 13 : ، وتعرضت القسطنطينية لهجوم وحصار برى وبحرى. هاجمها الاسطول الفارسى ، اكبر اسطول بحرى وقتها ، وهاجمها الجيش الفارسى من البر . المفاجأة الكبرى كانت هزيمة الاسطول الفارسى أمام القسطنطينية بلا تدخل من الروم . إذ هبت رياح عاتية أعمت الجنود الفرس في البر وأغرقت الأسطول في البحر. ومات شاهين كمدا وهو يرى هزيمته بسبب عوامل مناخية لا قبل له بها. أو بتعبيرنا أن الله تعالى هو الذي هزم قوات الفرس البرية وأغرق اسطولهم بالريح لأنه أخبر مسبقا بهزيمتهم حين قال جل وعلا وهو صاحب الأمر : ( الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚوَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴿٦﴾ الروم ).
3 / 14 : وكانت هزيمة الفرس البرية والبحرية أمام القسطنطينية بداية النهاية، إذ تلاها فرار كسرى برويز في معركة دستكرد البرية، وقد عزله الفرس ثم قتلوه، وتولى ابنه قباذ الذي عقد الصلح مع هرقل.
ثالثا :
مقارنة بين أحوال الروم وأحوال المؤمنين
ونعود إلى بشرى القرآن بانتصار الروم بعد هزيمتهم نقارنها بأحوال المؤمنين .
1 : في سنة 617 بلغ كسرى برويز أقصى انتصاراته حتى أن هرقل سأله في الصلح فاستكبر كسرى وسجن الرسول الذي بعثه هرقل وأرسل لهرقل بأمره بالحضور أمامه مقيدا بالأغلال، حتى فكر هرقل في الهرب إلى قرطاجنة. في ذلك الوقت الذي فقد فيه الروم الأمل نزلت البشرى بانتصارهم تخاطب المؤمنين فى مكة ، وأن ذلك النصر سيكون بعد بضع سنوات. وبعدها ببضع سنوات أي سنة 622 بدأ الروم مسيرة النصر إلى أن تحقق نهائيا بهزيمة الفرس غير المتوقعة سنة 626. كما أخبر القرآن سلفا. ولكن ما شأن مسلمي مكة بتلك البشرى ؟
2 : كان المسلمون في مكة في ذلك الوقت سنة 617 يتمنون انتصار الروم النصارى أهل الكتاب، بينما كان مشركوا مكة يفرحون بهزيمة الروم كيدا للمسلمين. وكان المسلمون وقتها في مكة مقهورين مستضعفين، وكان الأمل في انتصار الروم بعد نكستهم أمام الفرس مختلطا بآمالهم الأخرى في انتصارهم على مشركي مكة، وقد تقوى هذا الأمل فيهم بقوله جل وعلا (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ ) ،أي حين ينتصر الروم على الفرس بعد بضع سنين سيفرح المؤمنون لأن وعد الله تحقق ولأن وعد الله بالنصرة لمن يشاء لا يتخلف أبدا.. وحالة المسلمين النفسية في ذلك الوقت كانت تستلزم نوعا من التشجيع، فالله تعالى يعد الروم بالنصر وهم في درك الهزيمة الطاحنة، وليس الروم أقرب إلى الله من المسلمين الذين تتنزل عليهم رحمة الله وفيهم النبي الذي يوحى إليه، ثم أن الروم لا يعلمون شيئا عن القرآن وقتها ولم يعلموا بنبأ النبي العربي وحتى لو علموا بوجوده فأن المحنة التي تدق عليهم أبوابهم كفيلة بأن تشغلهم عن كل شيء عاداها. والمقصود أن القرآن وإن تحدث عن بشرى بنصرة الروم بعد هزيمتهم إلا أن حديثه لم يكن موجها للروم وإنما كان متوجها للمسلمين في مكة، وكان يريدهم أن يترقبوا تحقق البشرى وحينئذ سيفرحون ليس لانتصار الروم بعد هزيمة ولكن لأن وعد الله قد تحقق، وإذا كان قد تحقق بالنسبة للروم فهو ادعى لأن يتحقق بالنسبة للمسلمين أنفسهم فيما بعد.
3 : خصوصا وأن هناك توافقا زمنيا بين ظروف الروم وظروف المسلمين وقتها.
3 / 1 : حين بدأ هرقل انتصاراته سنة 622 كانت هجرة المسلمين إلى المدينة.
3 / 2 : وقبلها يتضح ذلك التوافق الزمني بين محنة الروم أمام الفرس ومحنة المسلمين أمام مشركي مكة، في سنة 610 وما بعدها كان توغل كسرى في الشام وآسيا الصغرى، وكان في نفس الوقت ظهور الدعوة الإسلامية وإيذاء قريش لها، وانتهى اضطهاد قريش بالهجرة سنة 622 . وفي نفس العام بدأ هرقل انتصاراته وحركة الاسترداد.
3 / 3 : وجدير بالذكر أن أقصى سنوات المحنة للروم كانت سنة 617 وهي قريبة من عام الحزن الذي أشتد فيه وطأة المشركين على النبي والمسلمين في مكة.
3 / 4 : وكما دخل هرقل والروم في مرحلة انتصارات، دخل المسلمون مرحلة الدولة الوطيدة، وكما فرح المؤمنون بتحقيق الوعد الإلهي للروم نزل عليهم الوحي بوعد جديد خاص بهم وهم يعيشون أولى سنواتهم في المدينة دولتهم الوليدة التي يتهددها الخطر من المشركين المحدقين بها من كل جانب.
3 / 4 / 1 : ولنا أن نتخيل المسلمين في أولى سنوات الهجرة وقد جاءتهم أنباء الانتصارات الرومية وأيقنوا بتحقق الوعد الإلهي حين قال لهم من سنوات مضت ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ). 3 / 4 / 2 : ولنا أن نتخيلهم يتشوقون إلى وعد إلهي لهم هم بالانتصار يتحقق هو الأخر خصوصا وهم يتهددهم الخطر من كل جانب. وفي تلك الظروف نزل الوعد في قوله جل وعلا : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾ النور ) . جاء الوعد لهم بالأمن والتمكين مشروطا بالإيمان وعمل الصالحات وفيه إشارة بأن من يكفر بعدها فهم الفاسقون .
3 / 4 / 3 : وتحقق الوعد شيئا فشيئا، انتهى الخوف وحلت محله الثقة بالنفس بعد الانتصار فى موقعة بدر ، وقال جل وعلا للمؤمنين يمُنُّ عليهم (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٢٦﴾الأنفال ) .
4 ـ وتوالت الانتصارات في الجزيرة العربية متوازية مع انتصارات هرقل .
4 / 1 : في سنة 627 كان الانتصار النهائي لهرقل وبلغ فيه ذروة المجد وفي نفس العام عقد النبي ( ص) صلح الحديبية الذي اعتبره القرآن الكريم فتحا مبينا وكان بداية الصعود للمسلمين. ثم في سنة 629 كان فتح مكة ودخول الناس أفواجا في الإسلام بعدها. ومات النبي سنة 632 ( 11 هجرية ). بعد أن شهد دخول العرب فى دين الاسلام السلوكى ( السلام ) أفواجا: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴿٣﴾). النبى محمد عليه السلام لم يكن يعلم غيب القلوب فهو لم ير مافى قلوب العرب ، كل ما رآه هو دخولهم السلام السلوكى بمعنى السلام.
رابعا :
قريش تحكم بخلفائها الفاسقين
1 ـ لم يكن النبى يعلم أن أقرب الناس اليه هم من وصفهم رب العزة جل وعلا بأنهم مردوا على النفاق : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة ) . أحرزوا مكانة عالية وهم الى جانب النبى فحكموا بعده ، وهم من نسميهم بالخلفاء الفاسقين تصحيحا لما يقال عنهم ( الخلفاء الراشدون ).
2 ـ مكانة قريش كانت بالبيت الحرام ، وقد إستخدمت البيت الحرام فيما يعرف بالإيلاف ، وهو فى تسيير رحلتى الشتاء والصيف بنقل التجارة الشرقية الآتية بحرا من الهند الى اليمن فتنقلها قوافل قريش من اليمن عبر الصحراء الى الشام الذى يسيطر عليه الروم. ومن الشام تنقل بضائع أوربا الى اليمن لتصل الى الهند . وقفت قريش ضد الاسلام خوفا على مصالحها الاقتصادية ، وعن دوافعها الاقتصادية فى تكذيب القرآن قال جل وعلا : (أَفَبِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ﴿٨١﴾ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴿٨٢﴾ الواقعة ) . كانوا يؤمنون أنه هدى ولكن إتباع الهدى يعنى لهم أن تثور عليهم القبائل العربية . ورد عليهم رب العزة : ( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٥٧﴾ القصص ) . ضمنت قريش ولاء القبائل العربية المتقاتلة فيما بينها بأن جعلت أصنامهم حول الكعبة ، وعملت فى نفس الوقت على أن يظل العرب ( الأعراب ) فى تقاتلهم . فى الصراع بين قريش والمسلمين بدأ العرب يتعرفون على أهمية السلام السلوكى ( السلام ) بديلا عن الحرب ، وبعضهم إقتنع بعبثية عبادة الأصنام وفهم كيف تستغلهم قريش . أنتشر الاسلام بين الأعراب فأصبحوا أعداء قريش وهددوا طريق قوافلها ، رأت قريش أن الغلبة للاسلام فدخلت فى الاسلام بينما كان عملاؤها الذين مردوا على النفاق ينتظرون موته ليقفزوا ال السلطة. وهذا ما حدث.
3 ـ بعده حدثت الفتوحات المعتدية ، وإتجهت نحو طريقى التجارة الشرقية شرقا وغربا :
3 / 1 : شرقا فى العراق الطريق الى الهند ، وكانت مدينة الأبلة على الخليج الفارسى مرفأ السفن من الصين وما دونها، وكانت معروفة بأنها ميناء الهند . وبعد فتح العراق أمر عمر ابن الخطاب ببناء ميناء البصرة لتكون الطريق البحرى للهند. ثم واصل العرب فتوحاتهم فى الشرق بعد تدمير الامبراطورية الفارسية الى أن بدءوا فى فتح شمال الهند فى ولاية الحجاج الأموى . ونعطى بعض التواريخ:
3 / 1 / 1 في سنة 633 ( 12 هـ ) انتصار خالد بن الوليد على الفرس في موقعة ذات السلاسل.
3 / 1 / 2 : في سنة 635 ( 14 هـ ) انتصار سعد بن أبي وقاص على الفرس في موقعة القادسية الفاصلة وإحكام سيطرته على العراق والمدائن.
3 / 2 : غربا نحو الشام
3 / 2 / 1 :في سنة 634 ( 13 هـ ) انتصار خالد بن الوليد على الروم في موقعة اليرموك واستيلاؤه على الشام ورحيل هرقل من حمص قائلا: وداعا يا سوريا ودعا لا لقاء بعده.
3 / 2 / 2 :في سنة 638 ( 17 هـ ) عمر بن الخطاب يتسلم بيت المقدس ثم فتح مصر .
3 / 2 / 3 : سنة 640. وبعدها التوغل في شمال إفريقيا. ثم هزيمة الروم في موقعة ذات الصواري سنة 655 ( 35 هـ )، وسيطر المسلمون على البحر المتوسط ولم يشهد هرقل تلك النكسة لأنه توفي سنة 642 .
3 /2 / 4 : في سنة 668 حاصر المسلمون القسطنطينية نفسها في خلافة معاوية.
3 / 2 / 5 : وفي سنة 715 كانت أملاك المسلمين تمتد من جبال البرانس بأسبانيا إلى بلاد الصين وذلك في خلافة الوليد بن عبد الملك.
أخيرا :
بعض ملاحظات :
1 ـ ذكر الله جل وعلا الروم ، ولم يأت لفظ العرب إلا وصفا للسان العربى الذى نزل به القرآن الكريم .
2 ـ قريش هى المتعدية بفتوحاتها وإحتلالها . ليس إعتداءا على البشر فقط ولكنه إعتداء على الاسلام إذ نسبوا ظلمهم الى الاسلام والى شريعة الرحمن. وبهذه الصورة عرف الغرب صورة مشوهة عن الاسلام .
3 ـ تحول سفاحو الفتوحات من الخلفاء الى آلهة ، وتحولت مظالمهم الى مفاخر ، وأصبحت كراهية الغرب من معالم الأديان الأرضية التى نشأت وترعرت فى ظل حكم الخلفاء .
4 ـ لأنها فتوحات دينية فقد تأسست عليها ثقافة الكراهية للغرب والكيل بمكيالين فى التعامل معه. نكره الاحتلال الغربى بينما نفخر بإحتلال الخلفاء لبلاد ليست لهم وبقهرهم شعوبا لم تعتد عليهم . المصيبة أن هذا بين أبناء البلاد المفتوحة فى الشرق الأوسط. يتجاهلون ما حدث لأجدادهم من غزو وإحتلال وقهر ، كل ذلك حبا وتقديسا للخلفاء الذين يسمونهم راشدين .
6 ـ ثم وصلوا بهذه الثقافة الى الغرب حاليا يعتبرونه ميدان حرب لأنه ( دار الكفر ودار الحرب ) فإنتشرت العمليات الانتحارية الارهابية بإسم ( الجهاد الاسلام ) . تحرك البعض من أبناء الغرب . فكانت الاسلامو فوبيا الغربية دفاعا عن المسلمين والاسلام ، هذا بينما لا تزال ثقافة الكراهية للغرب متجذرة بين المحمديين . لذا ومع استمرار الهجمات الارهابية فقد ظهر إرهاب مضاد ، منه جريمة ذلك السفاح الاسترالى ، والذى يضع القسطنطينية الرومية فى قلبه .
7 ـ ثقافة الكراهية عند المحمديين نحو الغرب غطّت ليس فقط على إعجاز تاريخى فى القرآن الكريم فيما يخص الروم ، بل ــ والأهم ــ أنها غطّت على القيم الاسلامية العليا من السلام والعدل والاحسان والحرية والرحمة ومنع الظلم والبغى.
8 ـ ألا يكفى قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿٨﴾ المائدة ) .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,684,232 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
سمعنا مناديا : يقول جل وعلا عن أولى الألب اب المؤم نين :...
ما بعد الخلود: ماذا بعد الخلو د..؟ عندما يدخل الناس الجنة...
القرآن والمسلمون: الصدي ق القرآ ني اتمن ى عليك ان توافي ني ...
الصلاة بالتحيات : قلتم إذا صليت بالتح يات ضاعت صلاتك . يوجد...
مسجد الضرار: هل نصلي الجمع ة 4 ركعات في البيت علما أن...
more
نشكر للدكتور هذا البحث القيم الذي تناول فيه بالتفصيل الكراهية للروم :(ثقافة الكراهية عند المحمديين نحو الغرب غطّت ليس فقط على إعجاز تاريخى فى القرآن الكريم فيما يخص الروم ، بل ــ والأهم ــ أنها غطّت على القيم الاسلامية العليا من السلام والعدل والاحسان والحرية والرحمة ومنع الظلم والبغى.)
ولكن لي سؤال هل تصلح الروم كرمزمقابل للفرس بما يحمله كل منهما من اختلاف، ام ان هذا فقط هو خاص بفترة زمنية قد وردت في القصص القرآني تختص بفترة بعينها ؟ شكرا لكم ودمتم بكل الخير