اعتقال القرآنيين في مصر
الأسبوع الماضي، اعتقل جهازَ الأمن في مصر ممثلي المركزِ القرآني، ومن ضمنهم السّيدِ عبد اللطيف محمد سيد وآخرون، وأرهبوا أقرباءَ رئيسِ المركزَ، الدّكتور أحمد صبحي منصور. كما اقتحمت أجهزة الأمن شُقَّةِ الدّكتورَ منصور في القاهرة وصادرَت كُتُبَه، وأبحاثه، أجهزة الكمبيوتر خاصته.
القرآنيون هم مجموعة من المسلمين يعملون على أن يكون الإسلامِ في مصر وفي كافة أنحاء العالم معاصرا. الدّكتور أحمد صبحي منصور، أستاذ في جامعة الأزهرِ، بدأ الحركةَ في أوائل الثمانينات. وقد رَفضتْ الأزهر اعتقاداته، وفي عام 1987 سجنت الحكومة الدّكتور منصور ثم نَفى بعد ذلك.
و كمسيحي قبطي، فأنا أُدافعُ عن القرآنيين لأني أَعتقدُ بأنّه من واجبُنا الدِفَاع عن حقوقَ الإنسان والحرياتَ الدينيةَ بالنسبة للكافة ودائما ما كان القرآنيون يدافعون صراحة عن الأقباط وكافة الأقليات الدينية الأخرى، لأني أؤمن بقوة بوجوب احترام كل الأديان. وفي الواقع، لا يوجد لدي أدنى اهتمام في تمحيص الاختلافات اللاهوتيةِ التي تَجِدُ بين الاعتقادات أَو الطوائفِ الإسلاميةِ - بالأحرى، أُريدُ أن أشير إلى مدى اعتبار الأفعال والأعمال التي يقوم بها القرآنيين أمثلة ممتازة من مسلمين عظماء مهتمين بالإنسانية حيث يحترمون النساء والأديان الأخرى ومكرسين حياتهم للدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية بالنسبة للكافة.
وخلال صداقتِي مَع الدّكتورِ منصور، تَعلّمتُ أن أعضاء هذه المجموعةِ هم أشخاص سلميون جداً حيث يُؤمنونَ بشدة بمساعدة الضعيف والفقير والمساواة بين الأجناس والأديان وكذلك المساواة في شتى المجالات الأخرى. فهم مناصرين ومدافعين عن الإسلام بالوسائل السلمية.
لقد كان أول لقاء لي مع الدّكتورَ أحمد صبحي منصور في مؤتمر قبطي منذ عدة سَنَوات. وقد كان هناك ممثلين للعديد مِنْ الأديانِ في هذا المؤتمرِ – أعضاء من الجمهورَ والمتكلمين تَضمّنوا اليهود، والمسيحيون، والمسلمون. وأثناء ذلك المؤتمرِ، قام أحد المتحدثين بمُهَاجَمَة الإسلامِ بمُسَاواة عِلْمِ لاهوت الإسلامِ بالعنفِ، مجادلا بأنّ القرآنَ نفسه يُروّجُ للعنفِ. ولأن العديد من المشاركون في المؤتمرِ كَانوا أصدقاءَ مسلمينَ جاؤوا لإبْداء دعمِ القضية القبطيِة، فقد أصبحتُ منزعج جداً بشأن هذا المتحدث، فنَهضتُ وأوقفتُ المؤتمرَ- فعدل هذا المتحدث من خطابه بعد ذلك، واستمر المؤتمر. وفي نهايةِ ذلك اليومِ، قدّمَ الدّكتور منصور نفسه لي، وانضم هو وزوجته إليّ أنا وزوجتي ليرافقونا على العشاء . وأثناء ذلك العشاءِ – ومن خلال العديد مِنْ لقاءات الغداءِ الأخرى، وتبادل البريد إلكتروني، والاجتماعات – نشأت صداقة كبيرة. هذه الصداقةِ تطورت، وعائلاتنا أَصْبَحا أصدقاء مقرّبين جداً. زارَني في شيكاغو في الأعيادِ القبطيةِ وللإشراك في مظاهرة قبطية ضدّ الحكومةِ المصريةِ. وقد فطرت أحد أيام رمضان في منزله.
وقد شُرّفتُ عندما طلب مني الدّكتورَ منصور العَمَل كعضو لجنة المركزِ القرآني الدولي إلى جانبه ، بما في ذلك أمريكان يهود، ونِساء متعدّدات. وموقع عمل الدّكتورِ منصور على الإنترنت ، www.ahl-alquran.com, جَذب آلافُ المسلمين الآخرينِ الذين يريدوا تقديم وشرح عقيدتِهم من خلال الوسائل الودية والسلمية.
في أوائِل القرن التاسع عشرِ، ظهرت فترة التنوير للفكر الإسلامي المعاصر والذي أطلق عليها عصر النور وقاد هذه الحركة مصريين مثل رفاعه الطهطاوي والشيخ محمد عبده؛ وبالتالي وجهوا تحرير الشرق الأوسط بأكمله من الراديكالية. وقد تلى عصر النور مصريين عظماء مثل سعد زغلول وطه حسين والنحاس باشا وآخرون روجوا للديمقراطية وتنوير مصر. وقد نتج عن كلتا الحركتين تحرير الشرق الأوسط من الاحتلال الأجنبي وفتح الطريق واسعا أمام مزيد من التحديث
بعد إنقلاب 1952 العسكري، بَدأَت مصر تتراجع مرة أخرى إلى الراديكاليةِ وانهارت حركةِ تَقْوِية الديمقراطيةِ. الدّكتور منصور هو أحد مجموعة شجاعة جداً مِنْ المصريين بَدأتْ بالاعتراض على هذه الانعكاسات . تلك المجموعةِ تَتضمّنُ الأسماء المشهورةَ أيضاً مثل فرج فوده، نصر حامد، سعد الدين إبراهيم، وأخرين. هؤلاء الرجالِ ضَحّوا بحياتِهم ومستقبلهم للدفاعِ عن مصر والنضال ضدّ بيئةِ مليئة بالعنفِ والراديكاليةِ.
عندما نُناقشُ ما يحدث الآن في مصر، لَنْ نَجِدَ أي سببِ يدعو النظامَ المصريَ الحالي لاعتقال أعضاء هذه المجموعةِ ما عدا ما يُوضّحُ، وجهة نظر السياساتِ التي تَرْفضُ أيّ فكرة لجعل التَفْكير الإسلاميِ معاصرا. والنقاطَ التاليةَ أمثلةَ على ذلك :
1. عن طريق رفض أي دعاه علمانيين أو ديمقراطيين أو ذوي وجهات نظر متسامحة دينيا وإسكاتهم، حيث يروج النظام المصري للراديكالية. وهذا واضحُ في الطريقِة التي يعامل بها النظامُ الأقباط، والبهائيين، وكُلّ المسلمون الآخرون غير السنّة. وهناك أمثلة تَتضمّنُ:
أ. يعين الأقباط في مواقع قليلة جدا من الوظائف العليا في الحكومة، ونادرا بالنسبة للجيش ولهم تمثيل ضئيل جدا في البرلمان. الحملة الحكومية للترويج لازدراء الأقباط مطبقة بشكل واضح.
ب. الحكومة تَرْفضُ الاعتراف بالعقيدة البهائية والبهائي لا يَستطيع الحُصُول على بطاقاتِ التعريف مدرج بها دينهم.
ج. المعاملة السيّئةَ للمسلمين غيرِ السنّةِ يتضح جليا من خلال ما يحدث للقرآنيين والشيعة وكل المسلمين الآخرين غير السنة.
د. بقيَاْدَة حملةِ في كافة أنحاء العالم لعَزْل الغربِ غير المسلمِ ولإظهار مؤامرة ضدّ الإسلامِ من جانب الغرب الغير مؤمن. والأمثلة الأخيرة تَتضمّنُ:
. الضجيج الذي يُحيطُ الصور المتحركةَ الدانمركية. ففي 17 أكتوبر/تشرين الأولِ، 2005، نشرت الصور المتحركة موضع السّؤال في صحيفةِ مصريةِ مع مقالةِ شَجبتْها بقوة، ولم يكن هناك احتجاجات من الحكومةَ المصريةَ أَو السلطاتَ الدينيةَ. على مدار شهرين لاحقين، أثارت السفيرة المصرية إلى الدانمرك، منى عمر عطية، عُشّ الدبابير بالتصريح بأن رئيس الوزراء الدانمركي لم يرد بشكل ملائم ل"يسترضي العالم الإسلامي بالكامل" ونظمت اجتماعات إسلامية دولية لمعالجة الموضوع. ثمّ في اجتماع الزعماءِ مِنْ أمةِ العالمَ الإسلامي الـ57 في مكة المكرمة، قام وزير الخارجية المصري، أبو الغيط، بتوزيع تقرير حول الصور المتحركةِ والنشاطاتِ الأخرى المزعومة المعادية للإسلام وهو ما أدى إلى مزيد من إشعال حفيظة العالم الإسلامي. وتكمن المشكلة في أن هذا التقرير أحتوى على العديد من المعلومات الخاطئة وكان أبو الغيط عالما بذلك. أثنين من المصريين تعاملا مع الموضوع بعدم احتراز وعالجاه بحملة معادية ضد الغرب ترتب عليها احتجاجات عنيفة حول العالم.
. توصيف وجود أمريكا في العراق ك"مُحتل" ولَيسَ كمحرر، على الرغم من أن جميعنا يعلم بأن أمريكا إذا تركت العراق فإن ذلك سوف يؤدي إلى انفجار الحرب الأهلية، ومن المتوقع أن ينتشر النزاع بين السنة والشيعة إلى الشرق الأوسط بأكمله وهو ما يضع المنطقة كلها في خطر كبير. على الرغم من ذلك، فإن الإعلام المصري لازال يطرق على وصف "المحتل" متجاهلين كافة وجهات النظر الأخرى.
. مساندة المسلمين العربِ في دارفور في حملة لقَتْل المسلمين الأفارقة فقط لأنهم لَيسوا سنّةَ ولَيسوا عربَ.
2.كيف يَنْجحُ النظامَ المصريَ في خداع العالمِ والمُسَاعَدَة على ترويج الراديكاليةِ:
أ. عن طريق ممارسة سياسة ذات وجهين؛
. من جهة، فهي صديقة لأمريكا والغرب، مؤكدة لهم أن مصر تعمل كل شيء ممكن للسيطرة واحتواء ومكافحة الإرهاب.
. على الجانبِ الآخرِ، فهي تتبنى داخل مصر مبادئَ راديكالية من خلال التعليمِ، وأجهزة الإعلام، والصُحُف، والتلفزيون.
ب. بالتَرويج للانقسامات بين المجموعاتِ، من ذلك المسيحيين ضد المسلمين، الرجال ضد النِساءِ العمال والفلاحين ضد رجالِ الأعمال، العرب ضد الأفريقيين إلى آخره. ومن خلال هذه الانقسامات، يَختارُ النظام جانب، ويُدافعُ عن ذلك الجانبِ باسم الدينِ. على سبيل المثال، في حالة المسلمين ضد المسيحيين، فإنهم يعاملوا المسيحيين بشكل مختلف. وفي وضعية الرجالِ ضد النِساءِ فقد شجّعوا النِساءَ على لِبس الحجابِ باسم الإسلامِ وفي نفس الوقت يعاملوا النساء كمواطنين درجة ثانية عن طريق حرمانهم من تقلد الوظائف العليا في الحكومة، وعدم إعطائهم فرص متكافئة للوظائف المربحة، والترويج لفكرة أن وظيفة المرأة مقصورة على مسئولياتها داخل البيت.
ج. استعمال الدينِ كأداة للبَقاء في السلطة عن طريق إرساء عقيدة " نحن ضدهم" – فإما "نحن" أو الأخوان المسلمين أو الراديكاليين الآخرين، والمنافسة أصبحت على من هو الأكثر إسلاما. فالأخوان المسلمين والراديكاليين الآخرين يسمح لهم بالتجول بحرية في كافة أنحاء مصر من أجل نشر الراديكالية، لكن الحكومة تستخدم نفس الأيديولوجيات لإثبات تمسكها بالإسلام والذي يؤدي إلى هوس عام بالدين ويتطور الأمر بشكل خطير بحيث تصبح الحكومة، كسلطة حاكمة، الحامي والمحافظ الأسمى للدين.
د. ممارسة التمييزِ المشحون بآثارَ الإسلامِ الجذريِ والإدعاء بأن التمييز واجب ديني. وهذا يشعل وقود التمييز في كافة أنحاء المنطقة لأن مصر كأكبر البلاد في الشرق الأوسط وزعيم ثقافي مؤثر قد أرست المثال الذي يتبع – فسياسات مصر وممارستها يتم نسخها وتطبيقها في بلاد أخرى في المنطقة. فقد كان من الواجب على الحكومة المصرية أن يكون لها دور إيجابي في هذه الانقسامات عن طريق كبت وعدم تشجيع الانقسام. ولكن أنظر إلى العنف الطائفي بين السنة والشيعة في العراق و إيران ولبنان: فعلى الرغم من حقيقة وجود انقسامات وعداوات تاريخية في هذه البلاد، فإن المواقف المصرية تشعل وتشجع الانقسام. فالنظام يؤيد فكرة أن أسامة بن لادن وصدام حسين وطالبان "أبطال".
ه. بتَغيير الأزهر مِنْ جامعة حديثة في بداية القرنِ العشرينِ إلى جامعة مليئة بالراديكاليةِ والوهابيةِ. فالفتاوى التي تصدر من الأزهر مضحكة جداً بِحيث تستعمل كنُكات في اللغةِ العاميةِ في شوارعِ مصر.
نحن المصريون يَجِبُ أَنْ ندرك ما يحدث لنا! فقط أنظر إلى ما وصلنا إليه الآن، فقط 55 عاما منذ انقلاب 1952 – انظروا إلى أي مدى قد تخلفنا في وقت تطور فيه العالم بشكل سريع وملحوظ.
. في 1903، طيّرَ الأخوان رايت الطائرة الأولى 400 قدم، وفي 1962 - بعد 59 سنةً فقط - هَبطَت أمريكا على القمرِ.
. في 1952، قدّمتْ "آي بي إمَ" الحاسوبَ الأول في العالمَ – وكان حجمه يسع غرفة كاملة. الآن، في 2007، أنظر إلى أي مدى وصلت إليه تقنية الحاسبات! فكل فرد يستعمل الحاسوب يوميا والكثيرون عندهم حاسوبات نقالة أو المساعد الرقمي الشخصي. في 55 عام فقط وصل الحاسوب من أداة في حجم الغرفة إلى أداة في حجم كف اليد.
إنّ اعتقال القرآنيين في مصر مسمارُ آخرُ دُق في تابوتِ تحديثِ وتقدّمِ مصر، وإنه واجبُ على كُلّ المصريين – أقباط ومسلمين - الاحتجاج على هذه الاعتقالات لمصلحة ضمان مستقبلِ مصر كزعيم تقدمّي ديمقراطي في الشرق الأوسطِ وفي العالمِ.
* رئيس التجمع القبطي في الولايات المتحدة
اجمالي القراءات
15744
أما حول موضوع المؤمنين من الديانات المختلفة... فهذه قضية لا نقاش فيها.لأن قضية الايمان ليست بهذه الشكلية التي يروج لها الاسلام السياسي في أمتنا، وإنه لن يدخل الجنة إلا جماعة النبي محمد(ص) وهذا ما يخالف نص القرآن الصريح...كل من أسلم الى لله فهو مسلم، وكل من اتبع ديانته ومنهجه المنزل فهو مؤمن، أما بعض التأويلات في هذه الديانة أو غيرها واتباع الناس لها ... هذه تترك للخالق الذي سيحكم بين الجميع يوم الدين... هو لم يعط الحق لأحد كي يحكم عنه والعياذ بالله.....اليهود والمسيحين والمسلمين المؤمنين بالمنهج الرباني هم عند الله من المؤمنين... والايمان في حقيقته قضية فؤادية تنعكس على سلوك المؤمن في حياته العملية من صدق وأمانة وحب للأخرين ،وعدل وأستقامة،وأهم من كل ذلك العمل الصالح وشكراً