ثقافة الصورة وكوارثها!
ثقافة الصورة وكوارثها!
اقتحمتْ الصورة وملحقاتها الفيلمية المكانَ المقدسَ للكتابِ، وأزاحته عن موقعِه، وتواصلتْ مع الجماهير كأنها مصدرُ المعرفة والعلوم والآداب والأخبار والتحليلات!
تسلل إليها الغثُّ والسمين، الطيب والشرس والقبيح، الجاهل والعالــِــم وفتحتْ مواقعُ التواصل الاجتماعي أبوابَها ونوافذَها لضيوفٍ ما كان لأحدهم في عصر الكتاب أنْ يحلم بالوقوف علىَ باب مكتبة أو قريبا من مسرح أو على ناصية دار أوبرا!
أوحت الصورةُ وملحقاتها إلىَ الجميع أنهم على قَدَم المساواة في المعرفة، وجاء ضيوفٌ للفضائيات من قاع جلسات التخزين والتحشيش، وسمح لهم التساهل اللغوي بشرح مكوّنات الكون ومفردات الحضارة وتفصيلات المعرفة، فأصبحوا نجومَ المجتمع العلمي والفني والسياسي؛ بل والديني .. فبعدما كانت تؤخذ المعرفة ممن قضىَ حياته في تحصيلها أصبحت قوة الحنجرة ومتانة الحبال الصوتية وزركشتها بآيات بينات وتفسيرات لأنصاف حوادث وأرباع مَشاهد دليلا قاطعا ودامغا يرفع فيه الإعلامُ صاحبَه إلى عليين، وما أدراك ما عليّون!
لو أرهفتَ السمع فسيتناهى إلى أذنيك نحيبُ لغة كان يصنعها الكتاب، ويُدفئها مثقفون وشعراء وأدباء متنبّيون إذا سمعتهم ظننت أنَّ اللغة هي روح الكون.
الصورة وملحقاتها أعلنتْ الحرب على كل أنواع المعرفة الجادة، وشنّتْ هجوما كاسحا على كل من أراد أن يُعيد للكتاب بهاءَه، وللموسوعات جمالـَها، ولأصول البحث العلمي رونقَها؛ فسلـّـط رجال السياسة والدين والبرلمانات صغائرَهم بدعم من مواقع التواصل الاجتماعي فانسحبتْ أو انحسرت أو اندثرت أو هربت النهضة.
الصورة وملحقاتها نفختنا بالفراغ .. فظننا أنها نفحتنا بالمعرفة، وأصبحنا نتحاور بألسنة ملوثة استعرناها من الفضائيات واليوتيوبيات، وصفعنا أبا النهضة .. الكتابَ على غلافيه، فنحن في عصر ( ضيفانا اليوم العالـِـم فلان، والفنان علان ) سيتحدثان عن الخيوط الذهبية في أحاديث القائد والزعيم وتوجيهاته.
أخشى أنْ نقترب من الضربة القاضية عندما تمتنع كل وسائل الإعلام عن بث الجدّيات والأفكار والآراء التي تمسك بيد النهضة وتساعدها على المُضي قدما في طريق مختلف عن الذي انتهجته القِرَدة!
من يصدّق أن التحليل النفسي والسياسي والديني والخبري يقوم به هاربون أو أشباه هاربين من مصحات عقلية فتحتْ أبوابها في خلسة عن عصرنا، ونقلتْ أكثرنا إلى قرون مضت، وماتت، واندثرت؟
الصورة وملحقاتها الفيلمية جعلت قراءَتنا لثلاثة أسطر في كتاب لجمال حمدان أو عبد الوهاب المسيري أو ثروت عكاشة أو ادوارد سعيد أو جبرا ابراهيم جبرا أو أمين معلوف أو مالك بن نبي .. كأنها الدهر المثقلة به ظهورنا!
الصورة وملحقاتها الفيلمية سمومٌ نلهث خلفها ونلتهمها، وتسري في عقولنا قبل أجسادنا، ولا ندري، أننا مرضىَ مقيـّـدة رؤوسنا أمام الشاشة الملونة، فكلنا ديجيتاليون في سرادق عزاء الكتاب و.. نعي النهضة.
كل دقيقة من وقتك أمام التلفزيون تسرق منك صفحة من كتاب معرفي، ولا أستثني من ذلك نفسي!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 13 أكتوبر 2018
اجمالي القراءات
4529
تحية تقدير ومحبة لطائر الشمال، الكاتب المفكر/ محمد عبدالمجيد، كلما كتبت أنت تألمت أنا، وأوجعت قلبي المكلوم، تعرض علينا كارثة صنعناها نحن الآباء اولا والامهات ثانياً بأيدينا، وورطنا فيها، أبناءنا، ونصرخ ملء فينا ، ولا حياة لمن نناديه أو ينادينا، الكل مشغول بالشاشات من كل المقاسات، وماتت العلاقات بين أفراد الاسرة الواحدة وانشغل الجميع والكتاب صريع ولا احد يسعفه .
ما الحل في نظر حضرتك.؟
هل ممكن تحويل نعمة الpdf الى كتب عصرية بديل الورقية. ونحبب اولادنا في القراءة.؟