أولا: هاضرب مثالين لكيف تكون واقعي وبعدها هاشرح الكلمة بطريقة علمية:
1- الواقعية ترفض انك تنشغل بأحداث منتهية زي الفتنة الكبرى مثلا بين علي ومعاوية، زي الملك فاروق وهل كان أفضل من عبدالناصر؟..زي مبارك وهل قتل المتظاهرين أم لا؟..زي يونيو 2013 وهل كانت ثورة أم انقلاب؟..هل سجن ابن تيمية وابن حنبل ظلم أم عدل؟..
العيش داخل هذه الأحداث هو غباء، لأنك بتحاول تفهم أو تصلّح شئ (غير موجود) وانشغالك بها (أيدلوجيا) تستمر معك وتنضج حتى تصبح جزء من كيانك، والحالة الأيدلوجية –في الغالب- تؤدي بصاحبها للعزلة وإهمال واقعه وبالتالي يتخلف.
2- الواقعية تفرض عليك الانشغال بالأحداث (الحالية والمعاصرة) يعني مثلا حرب سوريا والعراق واليمن، حرب داعش في سيناء، أطماع روسيا وأمريكا في المنطقة، أطماع إيران والسعودية كذلك..الفقر والفساد وخدعة التنوير بالنسبة للمصريين، المستقبل المجهول بالنسبة للجزائر وليبيا...وهكذا
العيش داخل هذه الأحداث هو عين الحكمة لأنك بتحاول تفهم أو تصلّح شئ (موجود) أو تنقذ ما يمكن إنقاذه، وبنجاحك تقدر تحدد مستقبلك..فالمستقبل دائما يأتي من الحاضر وليس من الماضي كما يتوهم العرب والمسلمين..
يبقى السؤال: ما الذي يحدد إذا كان هذا واقعي أم لا..؟..يعني ممكن يكون حدث منتهي زي الفتنة الكبرى له تأثير واقعي علينا وبالتالي انشغالنا بيه هو في حد ذاته واقعية..
والجواب: أن التأثير الواقعي لحدث منتهي جاء بسلوك وطريقة أيدلوجية، مفيش شخص واقعي هايفكر أيهما أحق بالخلافة من 1400 سنة، من يسأل هذا السؤال هو شخص رجعي، وعليه السؤال الحقيقي كيف نتعامل مع الشخص الرجعي أو على الأقل كيف نجعل هذا العالم واقعيا، وهل إهمالنا للشخص الرجعي سيساهم في إصلاحه أم لا؟
شخصيا أنا أتعامل مع الحالة الرجعية بطريقة واقعية، فكل الحروب التي تحدث في اليمن وسوريا والعراق أساسها الرجعية اللي أنتجت نُظم سياسية وجماعات لها أطماع ومعتقدات لا علاقة لها بالواقع، وبالتالي أنا أواجهها كما هي ، أولاً: عن طريق ربطها بالحالة الرجعية وكشف طبيعتها الأيدلوجية المرفوضة، ثانيا: بفضح جرائمها الحالية وتحميل أيدلوجيتها المسئولية، يعني جرائم السعودية في اليمن أساسها عندي السؤال الرجعي (أيهم أحق بالخلافة معاوية أم علي)..
هذه الطريقة مفيدة جدا لفهم الأحداث والتنبؤ بمستقبلها، فعندما يستقر في ذهني أن جرائم السعودية في اليمن أساسها سؤال رجعي فيعني أن الحرب بالكامل تجري بطريقة خاطئة، وإن مستحيل الشعبين السعودي واليمني يفهموا بعض، وبالتالي لن تقف الحرب قبل أن يفهم الجميع ذلك، أو إن السعوديين –بوصفهم الطرف المعتدي- يدركوا قوة اليمنيين واستحالة فرض إجابة معينة للسؤال الرجعي السابق عليهم..
أما الواقعية فليست مذهب عقلاني..هذه طبيعة في الشخص قد تكون فطرية أو مكتسبة (معيار) يعني مفيش مثلا مذهب إسمه الواقعية زي ما فيه الوجودية أو البراجماتية، بمعنى إن الوجودي والبراجماتي قد يكون واقعي..وكل ما ذكر هنا في الواقعية يخص الفنون ، وترجمتها بالإنجليزية Realism وهو اتجاه لتمثيل الواقع الفني بصدق (تمثيل-رسم-نحت) ومؤخرا ظهرت برامج تحاكي هذا الفن إسمها (تلفزيون الواقع) زي ستار أكاديمي بالعربي والأخ الأكبر في الغرب، الهدف منها الفصل بين الواقع العملي للإنسان وبين خيالاته وأحلامه منذ الصغر..
أما فلسفيا فالواقعية تفرض عليك الاهتمام بالفلسفة التحليلية وتفكيك الكليات إلى جزئيات، ثم تجريدها كمفاهيم مستقلة وجمعها بعد ذلك بالاستقراء، كذلك الاهتمام باللغة وتأثيرها الثقافي، هذا جزء من الاتجاه الواقعي اللي البعض أطلق عليه الآن (فلسفة مادية)
سيقول قائل: ولكن البراجماتية تعني واقعية
قلت:البراجماتية لها ترجمة في أمريكا (بالواقعية) رغم ان ترجمتها عندنا (الذرائعية) يعني المصلحة..
والبراجماتي عموما واقعي بدرجة ما..ويمكن اعتبار أن البراجماتي مرحلة متأخرة للواقعي.
لكن
يوجد فرق كبير بينهم
وهو إن الواقعي يهتم بكل شئ مؤثر في حياته ويناقشه حتى لو اضطر لدخول مناظرات علمية نتيجتها (نظرية)..يعني مثلا ممكن ينتقد التراث أو التاريخ بعيدا عن الأشخاص، لن يسأل أيهم أحق بالخلافة معاوية أم علي..لكن يسأل ما علاقة ذلك بالإسلام؟؟..يعني عمليا الواقعي قد يهتم بالأديان والعقائد..
أما البراجماتي لا يهتم بذلك..لا يهتم بالأديان أو العقائد إلا لو كانت (مفيدة) له شخصيا، وهذا هو الجزء الواقعي اللي فيه.
والفرق إن سؤال الإفادة متأخر عن الطبيعة، بمعنى إن الواقعي يناقش الطبيعة قبل الإفادة لإيمانه بأن طبيعة الدين أو الفكرة مؤثرة في حياته، إنما البراجماتي لا...وهذا ملاحظ إن الأمريكي غير مهتم بالاستشراق ونقد الموروث الإسلامي لأنه غير مهتم بالجانب النظري أصلا حتى لو هايوصله لفهم الواقع..دا شغل الأوربيين والشرقيين..
ومختصر الواقعية من الناحية الفلسفية، هي: لو افترضنا وجود السؤال السابق .."أيهم أحق بالخلافة معاوية أم علي"..فالواقعية هنا تناقش تأثير هذا السؤال على حياتنا، وهل الواقع يهتم بالإجابة أم لا؟..كل الواقعيين عموما يعتبرون مثل هذه الأسئلة عبث لا تقدم شئ للبشرية، وإن لو تأثيرها حتى موجود فلا يعدو كونه حالة أيدلوجية نناقشها بطريقة واقعية، بمعنى إن المختلفين على الإجابة يعيشون سويا ربما داخل أسرة واحدة، وبالتالي أمامك خيارين، الأول: تقتل اللي بيجاوب غلط، الثاني: تعيش مع الطرف الآخر مهما كانت إجابته.
والإرهابيين عموما مع الخيار الأول (أيدلوجي) ، بينما دعاة التنوير والثقافة مع الخيار الثاني (واقعي)، ومفيش احتمال لخيار ثالث لأنك وقتها هاتكون منافق أو جاهل بأبجديات الصراع، فالإرهابي مهما كان مفكر مستقل واختار طريقه بوضوح، أما من يبرر ويختار طريق وسط معناه إنه لا شخص واقعي ولا أيدلوجي ..هذا كائن (بتاع مصلحته)
اجمالي القراءات
7412