بياناته الشخصية
اللقب : الصديق ، عتيق
الكنية : ابو بكر
اسم الشهرة : ابو بكر الصديق
الاسم بالكامل : عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة .
اسم الام : ام الخير سلمي بنت ضحي بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة
اسماء زوجاته :
الاولي : قتيلة بنت عبد العزي بن عبد الله . انجبت له عبد الله واسماء .
الثانية : ام رومان بنت عامر بن عويمر . انجبت له عبد الرحمن وعائشة .
الثالثة : اسماء بنت عميس . انجبت له محمدا
الرابعة : حبيبة بنت خارجة بن زيد . انجبت له ام كلثوم بعد وفاته .
اسماء اولاده :
عبد الله . شهد مع ابيه حرب الطائف ومات متأثرا بجراحه في خلافة والده .
اسماء ( ذات النطاقين [ تزوجها الزبير بن العوام ، ثم طلقها ، وعاشت مائة عام .
عبد الرحمن : شهد بدرا مع المشركين ، ثم اسلم .
عائشة : ام المؤمنين .
محمد : تربي في بيت ( علي ابن ابي طالب ) بعد ان تزوجت امه اسماء بنت عميس من الامام علي ، وشارك في الهجوم علي عثمان ، وعينه الامام علي في خلافته علي مصر ، وقتله عمرو ابن العاص .
ام كلثوم : ولدت بعد وفاة ابيها ، وتزوجها رفيق ابيها الصحابي طلحة بن عبيد الله في شيخوخته.
صورته الشخصية : كان ابيض نحيفا ، خفيف العارضين ، احدب ، معروق الوجه ، غائر العينين ، بارز الوجه .
تاريخ ميلاده : بعد مولد النبي ( ص) بسنتين واشهر .
تاريخ البيعة بالخلافة : بيعة السقيفة يوم وفاة النبي } ص) اول ربيع الاول سنة 11هـ .
ثم البيعة العامة في اليوم التالي ، يوم الثلاثاء 2 ربيع الاول سنة 11هـ .
تاريخ الوفاة : مساء الاثنين 22 جمادى الاخرة سنة 13هـ .
مدة خلافته : سنتان واربعة اشهر الا عشر ليال
.
اهم القضايا التي تثيرها خلافة ابي بكر :
1. المناقب
2. ولاية الحكم
3. الردة والفتوحات
4. الذمة المالية للحاكم
وهي كلها قضايا متداخلة . ونتعرض لها في هذه المقالة البحثية العاجلة.
اولا : المناقب:
والمقصود بها المناقب التي وضعها اهل السنة في ابي بكر مقابل الذم الذي وضعه فيه الشيعة ، والفريقان معا استخدما نفس الاساليب ، وهي الروايات والاحاديث التى وضعها الشيعة في ذم ابي بكر ، ووضعها السنة في مدح ابي بكر وتعداد مناقبه ومكارمه .
صار من اسس التدين الشيعي التبرؤ والتولي ، أي التبرؤ من ابي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير وعمرو ومعاوية ، في مقابل تولي ونصرة علي بن طالب وبنيه الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية ، وذرية الحسن والحسين . وفي اطار التبري والتولي هم يختلفون ، منهم من يبالغ في التبرؤ الي درجة تكفير ابي بكر وعمرو وعثمان .. الخ .. ويبالغ في موالاة "علي" الي ردجة التأليه والتقديس له ولذريته من الائمة ، مع اختلاف في شخصيات الائمة ، ومنهم من يتوسط كالزيدية الاوائل ، فيكتفي بتفضيل علي علي ابي بكر وعمر وعثمان ، ويعترف بخلافة الراشدين ، ولا يؤله عليا وذريته .
وفي المقابل فان السنة اتفقوا علي افضلية ابي بكر ثم عمر ثم عثمان علي "علي" بنفس ترتيب الخلافة ، الا انهم لم يطعنوا في علي ، بل حرموا الطعن في كل الصحابة ، واعتبروهم مثل النجوم في الهداية ، ونهوا من خلال حديث صنعوه عن اتخاذ الصحابة غرضا للهجوم ..
وهكذا بدأت كتابة المناقب في فضائل الخلفاء الراشدين في التراث السني في مقابل التراث الشيعي الذي يقدس عليا والائمة .
الا ان كتب المناقب السنية لم تلبث ان عرفت تنوعا في عصور التخلف والتقليد ، اذ لم يقتصر الامر علي تزايد التقديس للخلفاء الراشدين ، وانما ضموا الي دائرة المناقب ائمة المذاهب الفقهية ، حيث انعدم الاجتهاد وانحصرت الحياة العقلية في ترديد ما قاله الائمة ، خصوصخصوصا مع تزايد الانخراط في التصوف وسيطرته ، وافضي ذلك الي دخول شيوخ التصوف في مجال المناقب ، فكتبوا مصنفات في مناقب وكرامات شيوخ التصوف .. واصبح ذلك عنصرا اساسيا في تدين المسلمون وحياتهم الفكرية يعبر عما يسمي بعبادة الابطال . ومن الطبيعي ان يتم تصوير اولئك الابطال بطريقة تختلف تماما عن حقائق التاريخ ، ولكن يتم تسويغها بصنع الاحاديث المنسوبة للنبي ، تلك التي جعلوها تمدح الخلفاء الراشدين وائمة المذاهب ، بالاضافة الي المنامات الصوفية التي جعلوا فيها النبي يشيد بائمة التصوف ، الذي ظهر بعده بعدة قرون .
اذن كانت البداية في كتابة مناقب ابي بكر في اطار الصراع الشيعي السني وتبارز الفريقين بالاحاديث المصنوعة . ولا شك ان من يكتب في تاريخ ابي بكر قلما ينجو من الاستشهاد بتلك المناقب دون ان يدري خلفيتها السياسية والاجتماعية ، وان كتابتها قد بدأت في عهد التدوين بعد ابي بكر بقرنين و أكثر.
علي اننا نلاحظ تفاوتا من حيث الكم والنوع بين المناقب المكتوبة في ابي بكر في عصر الازدهار الفكري وبين مثيلتها المصنوعة في عصور التقليد والتخلف ، وذلك امر طبيعي لأن عبادة الابطال او صناعتهم انما تروج في عصور التخلف التى يأخذ فيها العقل اجازة مفتوحة. والفكر السلفى الوهابى المسيطر الآن على معظم افئدة المسلمين قد استعاد تقديس الأسلاف وتراثهم واعتبره صحيح الاسلام ومن اجله يتهم بالكفر كل من يجرؤ على مناقشته من داخله ومحتكما فيه للقرآن الكريم. وهو نفس ما فعلته قريش فى جاهليتها حين تمسكت بثوابتها الدينية المتوارثة ورفضت الاحتكام بشأنها الى القرآن "البقرة170ـ171" "المائدة104"" لقمان21""الزخرف22ـ24"
و الله جل وعلا يجعل القرآن العظيم حكما فيما نجد عليه اباءنا لنقوم بعملية تصحيح مستمرة لواقع عقائدنا حتى لا تنشأ فجوة بين ما يجب أن يكون عليه الواقع العقيدى للمسلمين وعقيدة الاسلام التى لا تقديس فيها الا لله تعالى وكلامه او قرآنه الكريم.الا أن اسناد تراث المسلمين ـ زورا ـ لله تعالى ورسوله جعله دينا موازيا للاسلام يتمسك به السلفيون ومن اجله ينكرون القرآن طالما تعارضت آياته مع مجرد حديث واحد من مفتريات البخارى وغيره.
المهم انه بدأت عبادة ألأبطال او تقديس الأسلاف فى تاريخ المسلمين بكتابة مناقب الصحابة الكبار ثم تطورت نوعيا وكميا بين عصر الأزدهارالفكرى وعصر التخلف العقلى الذى لا زلنا نتمتع به بفضل نفوذ السلفيين البتروليين.
ونعطي علي ذلك امثلة ..
المؤرخ محمد بن سعد{ توفى 222 من الهجرة} صاحب " الطبقات الكبري " وتلميذ الواقدي وصديق احمد بن حنبل وصاحبه في قضية خلق القرآن ، هذا المؤرخ لم يذكر من المناقب التي اشاعتها الاحاديث عن ابي بكر سوي حديثين هما } : من سره ان ينظر الي عتيق من النار فلينظر الي هذا ) يعني ابي بكر , وحديث اخر في جعل ابي بكر وعمر سيدي كهول اهل الجنة وشبابها ما عدا النبيين والمرسلين .
وقد توفي ابن سعد سنة 222 ، وبعده بقرن من الزمان عاش الطبري خصم الحنابلة والذي كان ضحية لانغلاقهم الفكري ، ونري الطبري لم يذكر في تاريخه عن مناقب ابي بكر الا حديثا واحدا هو الذي يزعم ان النبي قال له ( انه عتيق من النار ) .والواضح ان تلقيب ابي بكر بلقب عتيق هو الذي اوحي لهم بعتقه من النار .
وقد توفي الطبري سنة 310 هـ ، وبعده بنحو ثلاثة قرون جاء المؤرخ الحنبلي ابن الجوزي المتوفي سنة 597 وهو من كبار علماء الحديث ، ومع ذلك فلم يذكر من احاديث مناقب ابي بكر الا اربعة فقط .. وهو ( هذا عتيق الله من النار ) و ( من سره ان ينظر الي عتيق من النار فلينظر الي هذا ) . وحديث فظيع يفتري فيه الراوي ان جبريل نزل علي محمد عليه السلام وكان ابو بكر يرتدي عباءة قديمة ، فقال جبريل للنبي : ان الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك : قل لابي بكر : اراض انت عني في فقرك هذا ام ساخط ؟ فقال ابو بكر : أأسخط عن ربي ؟ انا عن ربي راض ..) ثم حديث اخر يزعم فيه احدهم ان محمد بن الحنفية قال لابيه علي بن ابي طالب ( أي الناس خير بعد رسول الله ؟ قال : ابو بكر ، قلت : ثم من ؟ قال : عمر ، وخشيت ان اقول من فيقول عثمان ، فقلت : من انت ؟ فقال : ما انا الا رجل من المسلمين ) وبهذا الحديث انتزعوا اقرارا بأفضلية الخلفاء الثلاثة علي " علي" وذلك وفقا لعقائد اهل السنة .
أي اننا خلال محطات فكرية ثلاث من القرن الثالث الي نهاية القرن السادس - من بداية عصر الازدهار الفكري الي خفوته – لم نعثر لدي محققي المؤرخين والمحدثين السنيين الا بضعة احاديث في مناقب ابي بكر . فاذا قفزنا الي القرن العاشر الهجري بداية العقم الفكري والتخلف العقلي وجدنا تنوعا في تأليف مناقب ابي بكر يعبر عن تطور هائل في عقلية عبادة البطل وتقديس السلف و تأليه الصحابة و تحصينهم من النقد والنقاش وهو موضوع طويل يستحق بحثا مستقلا، ولكن نكتفى ببعض الأشارات التى تتجلي فيما كتبه السيوطي ( ت 911 ) في " تاريخ الخلفاء " عن ابي بكر ، ونقرأ في العناوين : الصديق افضل الصحابة وخيرهم ، الايات التي نزلت في مدحه او تصديقه ، الاحاديث الواردة في فضله ، الاحاديث المشيرة الي خلافته ، حديث في فضله ، وتحت هذه العناوين تفصيلات ، نأخذ منها بعض الامثلة :
فهناك احاديث تجعل ابا بكر شعيرة دينية وضمن معالم الايمان ، مثل حديث ( حب ابي بكر وشكره واجب علي كل امتي [ ، وحديث يقول فيه علي ابن ابي طالب ( لا يجتمع حبي وبغض ابي بكر في قلب مؤمن [ وفيه اتهام للشيعة بالكفر ، وحديث ( حب ابي بكر وعمر ايمان ، وبغضهما كفر ) وحديث ] حب ابي بكر ومعرفتهما من السنة ) وحديث ( اني لارجو في حبهم لابي بكر وعمر ما ارجو لهم في قولة لا اله الا الله ) . أي مساواة بين شهادة الاسلام وألوهية الله تعالي بحب ابي بكر وعمر .!!
واحاديث تجعل النبي ينطق بالغيب وبما سيحدث لابي بكر ، علي مثال حديث : ( انت عتيق الله من النار ) مثل حديث النبي الي جبل احد حيث تحرك بزعمهم ، فقال النبي للجبل ( اسكن فانما عليك نبي وصديق وشهيدان ) وحديث ابي هريرة الذي يقول ( تباشرت الملائكة يوم بدر فقالت : اما ترون الصديق مع رسول الله في العريش ) والمتخلفون عقليا الذين وضعوا هذا الحديث لم يعرفوا ان ابا هريرة وقت غزوة بدر كان كافرا ، لأنه لم يسلم الا بعد غزوة خيبر !!.
وحديث ابن عباس : ( هبط جبريل وعليه طنفسه وهو يتخلل بها ، فقال له النبي : ما هذا يا جبريل ؟ ، فقال جبريل : ان الله تعالي امر ملائكته ان تتخلل في السماء كما يتخلل ابو بكر في الارض " !!. و حديث ( ان الله يكره فوق سمائه ان يخطأ ابو بكر ) أي يرميه الناس بالخطأ .
وحديث ( اما انك يا ابا بكر فأول من يدخل الجنة من امتي ) وحديث ( انت صاحبي علي الحوض ) وحديث ( عرج بي السماء فما مررت بسماء الا وجدت فيها اسمي محمد رسول الله ، وابو بكر خليفتي ) وحديث ان ملك الموت سيقول لابي بكر عند موته ( يا ايتها النفس المطمئنة ) وحديث ( الناس كلهم سيحاسبون الا ابا بكر ) وحديث ( دخل النبي المسجد وهو آخذ بيدي ابي بكر وعمر وقال : هكذا نبعث ) وحديث ( انا اول من تنشق عنه الارض ، ثم ابو بكر ثم عمر [.
واحاديث اخري مسندة كذبا للصحابة أو التابعين تجعل المتحدث يعلم غيب السرائر الذي لا يعلمه الا الله تعالي وحده ، مثل حديث عمر ( لو وزن ايمان ابي بكر بايمان اهل الارض لرجح بهم ) وقول الزهري ( من فضل ابي بكر انه لم يشك في الله ساعة فقط [ .
واحاديث تفضله علي الناس جميعا ما عدا الانبياء ، مثل ( ما طلعت الشمس ولا غربت علي احد افضل من ابي بكر الا ان يكون نبيا ) وحديث ( اتاني جبريل فقلت له يا جبريل حدثني عن فضائل عمر بن الخطاب ، فقال : لو حدثتك بفضل عمر مدة ما لبت نوح في قومه ما نفذت فضائل عمر ، وان عمر حسنة من حسنات ابي بكر ) وقال الربيع بن يونس : مكتوب في الكتاب الاول ( ولا نعرف طبعا ما هو ذلك الكتاب الاول ) : مثل ابي بكر الصديق مثل القطر ( المطر ) اينما وقع نفع ) ويقول الربيع بن يونس ايضا ( نظرنا في صحابة الانبياء فما وجدنا نبيا كان له صاحب مثل ابي بكر الصديق ) وهذا الرجل المفتري الربيع بن يونس لم يجد من يسأله هل تعلم عدد الانبياء اولا قبل ان تعرف اصحابهم ؟ وهل لديك علم بسرائرهم ؟ ولكنه التهاون بقدسية الغيب الالهي الذي جعلهم يتجرأون علي قول هذه الطامات .
هذا بالاضافة الي " تفسيرهم" لايات كثيرة علي انها نزلت في ابي بكر وفعلوا مثل ذلك مع عمر .
واضاعوا حقائق الاسلام
واولي هذه الحقائق : انه ليس في الاسلام ايمان بشخص ، حتي ولو كان شخص النبي ، وانما الايمان يكون بالوحي الذي نزل علي شخص النبي ، وليس بشخص النبي البشري ، يقول تعالي ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل علي محمد وهو الحق من ربهم .. محمد 2) . لم يقل وآمنوا بمحمد ، وانما ( وآمنوا بما نزل علي محمد ) أي الايمان بالوحي ، أي بالقرآن الذي يكون فيه محمد نفسه اول المؤمنين به ، اما الايمان بشخص محمد فذلك يعني البداية لتأليهه ، ولا اله مع الله ولا اله الا الله ، ولذلك نزلت ايات كثيرة لتؤكد علي بشرية النبي وتؤكد علي اخطائه هو والانبياء لتظل العصمة للنبي بالوحي فقط ، وليظل التقديس خالصا لله تعالي وحده . واذا كان شخص محمد خارج القرآن قضية تاريخية ـ كما هو الحال فى الروايات التاريخية فى السيرة النبوية و ما بينها من تعارض داخلى, بالأضافة الى تعارضها مع حقائق القرآن " وهذا أيضا يستحق بحثا منفصلا" ـ فأنه بالتالي لا يكون لابي بكر او عمر او علي وسائر الشخصيات التاريخية موقع في عقائد الاسلام ، وبالتالي – ايضا – يكون ادخال هذه الشخصيات في تدين المسلمين ابتعادا عن حقائق الاسلام ، خصوصا وان ذلك تم عن طريق احاديث كاذبة .
وثاني هذه الحقائق : ان النبي محمدا عليه السلام لا يعلم الغيب ، وليس له ان يتكلم في الغيبيات ، وبهذا نزلت اكثر من عشرين آية قرآنية ، منها ما يؤكد ان النبي لا يعلم ما سيحدث له او لغيره في المستقبل في الدنيا او في الاخرة " الأعراف 187 ـ 188" " الأحقاف 9" ، ومنها انه لا يعلم ما سيحدث من احوال الاخرة وعلامات الساعة ووقتها ، النازعات 42 ـ 46 وانه لا يعلم سرائر الناس وما تخفيه صدورهم من ايمان او نفاق حتى اولئك الذين يحيطون به." التوبة101 . أي ان تلك الافتراءات المنسوبة للنبي انما تعكس عقليات عصرها وعقائدهم، ولا شأن للاسلام او خاتم النبيين بها .
وثالث هذه الحقائق ، ان تزكية النفس او الغير بالتقوي ممنوعة ، فلا يصح ان تمدح نفسك او غيرك بالصلاح ( الجمعة 5 : 6 ، البقرة 94 : 96 ، النساء 49 : 50 ) وقد قال تعالي ( فلا تزكوا انفسكم ، هو اعلم بمن اتقي : النجم 32 [
وهناك حقائق اخري يطول شرحها ,و لكن نكتفي بذلك لندخل في ملامح الدولة الاسلامية في خلافة ابي بكر .
ثانيا : ولاية الحكم
الاسلام دين ودولة ، الا ان دولة الاسلام ليست دولة دينية ولكنها دولة مدنية هدفها الاول] اقامة القسط بين الناس] (الحديد : 25) اما الدولة الدينية فهدفها ادخال الناس الجنة بالاكراه وحد الردة وتغيير المنكر بالقوة ، وذلك بالمخالفة للقرآن الذي يجعل الهداية مسئولية شخصية]الاسراء 15 ، القصص 56 [ .
ودولة الاسلام المدنية تجعل الامة مصدر السلطات ، ولو كان النبي وهو الحاكم فظا غليظ القلب لانفض الناس من حوله ، واذا انفضوا من حوله فلن تكون له دولة ، بل ستعود اليه قصة المطاردة والاضطهاد ، لذلك جعله الله تعالي هينا لينا مع الناس ، وامره بأن يستشيرهم لأنهم مصدر السلطة والقوة ( آل عمران 159) اما في الدولة الدينية فالخليفة يزعم انه يستمد سلطته من الله ، وانه مسئول امام الله عن الرعية ،أوالاغنام التي يحكمها او يملكها ، ويعاونه في حكمها الملأ او اهل الحل والعقد وهو ما يذكرنا بفرعون وملائه وحرص القرآن الكريم على ترديد قصته وملامح الأستبداد وذهنية الحاكم الطاغية فيها لكى يفهم المسلمون , ولكنهم ما فهموا ولن يفهموا طالما يقدسون الطغاة وينتفضون غضبا اذا حاول باحث مسلم عرض تاريخهم على القرآن الذى يزعمون الايمان به.
وفي دولة الاسلام فالمسلم هو كل انسان مسالم بغض النظر عن عقيدته ، لأن العقائد مرجعها لله تعالي يوم القيامة ، أي ان الدين لله تعالى والوطن للجميع على قدم المساواة والعدل. اما في الدولة الدينية فالمواطنون درجات اعلاهم الخليفة والمقربون منه ، ثم جهاز السلطة من الفقهاء والجند والموظفين ، ثم الذين علي مذهب السلطان من المسلمين ، ثم الويل كل الويل لاصحاب المذاهب الاخري والاديان الاخري في داخل الدولة .
وفي دولة الاسلام لكل فرد فيها – بغض النظر عن عقيدته- الحق المطلق في شيئين : العدل وحرية العقيدة والفكر ، ولكل فرد حقوق نسبية على قدر امكاناته في المشاركة السياسية ـ أي الحكم - وفي الامن وفي الثروة .ويكون المجتمع هو صاحب الحق المطلق في الثروة والسلطة والامن . اما في الدولة الدينية فالخليفة هو الذي يملك الارض ومن عليها ، و هو الذي يحتكر السلطة والثروة والامن وعقائد الناس وقلوبهم ، ومن عصاه فمصيره القتل في الدنيا والجحيم في الاخرة ، او هكذا يزعمون .
وهذه الدولة الاسلامية اقامها النبي فعلا في المدينة ( فالدولة هي شعب + ارض + نظام حكم ). الا ان بداية التغيير في اسس هذه الدولة الاسلامية حدث في خلافة ابي بكر نفسه ، ثم تفاقم التغيير في عهده بالفتوحات العربية التى حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا , وهى التى أوصلت المسلمين بعده الي الحرب الاهلية في الفتنة الكبري التى أسقطت الدولة الاسلامية نهائيا وبدأت عصر الخلفاء غير الراشدين . ومع ذلك تبقي الدولة الأسلامية واقعا تاريخيا حيا لا مجال لانكاره , أقامه خاتم النبيين ـ عليه و عليهم السلام ـ ثم أضاع اصحابه ملامحها شيئا فشيئا . و لأن الدولة ألأسلامية كانت واقعا حيا في العصور المظلمة فانه من الممكن اعادتها فى عصرنا الحالي,و هذا ما نجح فيه الغرب حين انهى سيطرة الكهنوت و التراث الدينى وتمسك بدلا منهما بحقوق الانسان و القيم الأنسانية العليا. و حقوق الأنسان و القيم الأنسانية العليا هى جوهر ألاسلام فيما يخص تعامل البشر فيما بينهم , وهى جوهرالشريعة الأسلامية الحقيقية والدولة الأسلامية على نحو ما فصلناه فى مؤلفات لنا سابقة .
و حقوق الأنسان و القيم الأنسانية العليا هى جوهر الخلاف بين الدولة الأسلامية و نقيضتها الدولة الدينية, تلك الدولة التى عرفها المسلمون بعد دولة ما يسمى بالخلفاء الراشدين تمييزا لهم عن الخلفاء غير الراشدين ممن احترفوا الظلم والأستبداد تحت لافتة الاسلام . وفى عهدها تم تدوين التراث ونسبته ـ زورا ـ لله تعالى ولرسوله ليصبح مقدسا محميا من النقاش و مصونا عن النقد. و فى عصرنا البائس هذا يراد لنا ان نبتلع هذا التراث دون نقاش لكى نتيح لأصحابه ان يركبوا ظهورنا حكاما باسم الأسلام وهم اعدى اعدائه. و يكفى ان الأسلام اصبح بهم متهما بالارهاب والتخلف والتعصب والرجعية والجمود. و هو فى الأصل دين السلام والعدل و الحرية والتقدم والتسامح , ورسوله ـ عليه السلام ـ بعثه الله تعالى ـ ليس ليقاتل الناس حتى يقولوا لااله الا الله وليكرههم على دخول الاسلام كما يقول ذلك الحديث الكاذب , ولم يبعثه ربه جل وعلا بالسيف بين يدى الساعة كما يردد دعاة الوهابية ـ وانما بعثه ربه جل و علا رحمة للعالمين. ان اقرب النظم اقترابا من نموذج الدولة الاسلامية هى دولة الاتحاد السويسري ودول اسكندنافيا التى تطبق الديمقراطية المباشرة ، وتظل ابعد الدول عن نموذج الدولة الاسلامية هي الدولة الدينية التى اقامها المسلمون فى العصور الوسطى بعد فترة انتقالية بين الدولة الأموية ودولة الرسول محمد ـ عليه وعلى كل الأنبياء السلام ـ وهذه الفترة الأنتقالية هى ما يسمى بالدولة الراشدة , و كان ابو بكر اول خلفائها, وجاءت دول المسلمين الدينية لتجعل منه ومن اصحابه جزءا من مقدساتها لا يجوز لأحد الأقتراب منهم الا بالتحميد والتمجيد حيث لم يعودوا بشرا يخطئون ويصيبون مثلما وصف الله تعالى أنبياءه فى القرآن الكريم .
ان تدوين التراث قام في ظل الدولة الدينية العباسية ، لذلك اهمل التدوين كل ما يخص الشوري وفرضيتها كالصلاة والزكاة ( الشورى 38 آل عمران 159 ) والتأكيد علي حضور مجالسها في المسجد لكل الناس ( الايات الثلاث الاخيرة في سورة النور ) وما كان يحدث في مجالس الشوري من امور عرضت لها سورة المجادلة . هذه التربية السياسية الديمقراطية ضاعت ولم يتم تدوينها في عصور الاستبداد السياسي العباسي ، ولم يبق من دليل عليها الا ايات القرآن الكريم .
ان الدولة الاسلامية التي انشأها النبي عليه السلام كانت ضد منطق العصور الوسطي القائم علي الاستبداد الديني والسياسي ، ولكن وجود النبي ونزول الوحي كان مما يعين هذه الدولة علي الثبات ، خصوصا مع دخول الناس في دين الله افواجا خلال قوى الاعراب والقريشيين بعد فتح مكة ،فلما مات النبي وانقطع الوحي نزولا اجبرت القوى الجديدة هذه الدولة ان تبدأ التنازلات علي حساب القرآن وما كان عليه النبي عليه السلام . وبدأها ابو بكر في بيعة السقيفة وحرب الردة والفتوحات ، أي انه اضطر للتعامل مع العصور الوسطي بمنطقها علي حساب المعتقد الاساسي للدولة الاسلامية . وكان حتما ان ينتصر في النهاية منطق العصور الوسطي,فانتصر بالامويين ثم العباسيين . وحين انتصر منطق العصور الوسطي في العصرين الاموي والعباسي زالت كل ملامح الدولة الاسلامية ، واصبحت الحاجة ماسة الي تشريع مخالف للقرآن ، وتمت صياغة هذا التشريع عن طريق علماء السلطة بالاحاديث المفتراة والفتاوي وهجر القرآن وتشريعاته تحت مسميات شتى كالنسخ والتأويل والفقه والتفسير. ولنا مع كل منها وقفات توضح التناقض بينها وبين الأسلام.
بعد هذا التوضيح نعود الي ابي بكر والخريطة السياسية للمنطقة في عهده بعد موت النبي محمد عليه السلام.
في اواخر ما نزل من القرآن نعرف ان الناس قد دخلوا في دين الله افواجا ، وهذا ما كان يبدو علي السطح . ولكن الوحي الذي انزله عالم الغيب قد اخبر ان المنافقين من الصحابة كانوا صنفين ، صنف مكشوف معروف ، وصنف مرد أو أدمن النفاق لا يعلمهم النبي بل الله وحده الذي يعلمهم ، بل ان الاية التي تحدثت عن محمد والذين معه ووصفتهم باستدامة الركوع والسجود وان سيماهم في وجوههم من اثر السجود ، هذه الاية تقول في النهاية ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما : الفتح 29 ) أي قالت ( منهم ) ولم تقل جميعهم . أي انه بغض النظر عن علامات الخشوع والسجود فان ما في القلب شيئا اخر ، وهكذا فان اهل المدينة منهم السابقون ومنهم من خلط عملا صالحا واخر سيئا ، ومنهم من ارجأ الله تعالي امره اليه يوم القيامة ، ومنهم المنافقون المعروفون – ومنهم المنافقون المجهولون ، ثم ممن كان حولهم من الاعراب منافقون ( التوبة 46-، 61 -، 67-، 74-، 97- 110 ) . والقرآن يتحدث دائما عن اصناف لا عن اشخاص . ثم يضاف الي ذلك الملأ القرشي ، اشراف قريش من بني امية الذين اسلموا بعد الفتح حرصا علي الجاه والثروة بعد تاريخ حافل بالعداء لله تعالى ورسوله. وليس معقولا ان ينمحى هذا العداء وثاراته بمجرد التسليم الظاهرى والجلوس مع النبى بضع مرات قبل موته.
وقد كان النبي بشخصيته وهداية الوحي له يستطيع التعامل مع كل هذه الاصناف بدليل نجاحة في ضمهم جميعا للاسلام بمعناه الظاهري ، وهو ايثار السلم ( الحجرات 14- ، ) فدخلوا فيه افواجا . ولكن تغير الوضع بعد موته ، ولذلك تحتم التنازل عن الملمح الاول من ملامح الدولة الاسلامية ، وهو ولاية الحكم . ولنستعد هنا لمفاجأة .
اذ ليس في الدولة الاسلامية حاكم بأي معني من المعاني المألوفة سياسيا . الحاكم المستبد يناقض شريعة الاسلام وعقيدته ، والحاكم بمفهوم العقد الاجتماعي العلماني الغربي مرفوض ايضا في شريعة الاسلام . في العلمانية الغربية يتنازل الشعب عن السلطة لمن يقوم بانتخابهم ومن يمثلونه وينوبون عنه في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، اما في الدولة الاسلامية فالدولة هي الشعب ، بمعني ان الشعب هو الذي يحكم نفسه بنفسه في نظام يقوم بادارة الحكم فيه اولو الامر ، واولو الامر أي اصحاب الشأن والخبرة والاختصاص في الموضوع المطروح بحثه وتنفيذه ( النساء 59 ، 83[. وطاعتهم مقيدة فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله, اى الرسالة اى القرآن الكريم.
والشوري الاسلامية تعني الديمقراطية المباشرة في كل حي وفي كل قرية ومدينة ، وحضورها فريضة عينية علي كل انسان ذكر او انثي ، ولا يجوز التسلل منها او الاعتذار عنها الا بعذر قهري ( النور [62 : 64 ) وفيها يتم الحكم والمساءلة ، ولذلك فان اوامر السياسة كانت تتوجه الي مجتمع المؤمنين ، علي سبيل المثال : سورة المائدة 8 ، 33- ، 51-، 54 ، 75 النساء ، 2-، 5-، 25- ، 29-، 58-، 71-، 94-،[ وليس الي حاكم ، بل ان كلمة " حكم " ومشتقاتها فيما يخص التعامل بين الناس تعني في القرآن الكريم الحكم بين الناس أي في امور التقاضي لأن الاساس الاول في الدولة الاسلامية هو اقامة القسط مع العدو والصديق. والموضوع طويل ونكتفي منه بالتأكيد علي ان دولة النبي في حياته كانت تدار بالناس وليس عن طريق حاكم ، وذلك وفقا لآليات يطول شرحها عرضنا لها فى كتابنا عن ديمقراطية الأسلام، ولكن المهم ان ابا بكر ضحي بذلك كله وهو يواجه الوضع الجديد بعد موت النبي ، فكانت بيعة السقيفة التي اسفرت عن تعيينه حاكما او خليفة علي خلاف ما كان مألوفا في عهد النبي ، ولو كان تعيين حاكم من اسس الدولة الاسلامية النبي لبادرالنبى محمد عليه السلام الي تعيين من يخلفه ، الا انه تركهم علي ما كانوا عليه يحكمون انفسهم بأنفسهم ، فكان ما كان ..
بعد موت النبي ارتفعت رءوس المنافقين ، ويلاحظ كثرة حديث القرآن ـ في اواخر ما نزل ـ عن المنافقين . ثم بعد انقطاع الوحي نزولا وبعد موت النبي انقطع الحديث القرآني عن المنافقين فى المدينة وخارجها ، فهل قدموا استقالتهم من نادي النفاق ؟!! المنتظر ان يكونوا عنصرا هاما في العمل علي اسقاط الدولة التي يكرهونها ، خصوصا وان حمي الردة انتشرت بين الاعراب المنافقين حول المدينة ، وقد ربطت الايات بين الفريقين في قول الله تعالي ( وممن حولكم من الاعراب منافقون ، ومن اهل المدينة مردوا علي النفاق ، لا تعلمهم نحن نعلمهم : التوبة 101 [ ثم الي جانب ذلك هناك القريشيون من مسلمة الفتح وزعماؤهم من بني امية وقد اسلموا حديثا بعد طول عداء ، وازاء هذه الاخطار كان اول ما يفكر فيه المخلصون من المسلمين هو البيعة وأخذ العهود والميثاق علي التكاتف سويا لمواجهة خطر الاستئصال خلف قائد حربي في هذه الظروف الاستثنائية .
ومفهوم البيعة في القرآن وفي ثقافة عصر النبي لا يعني البيعة لحاكم ، وانما البيعة علي التمسك بالاسلام او الجهاد في سبيل الله حين التعرض للخطر ( الفتح 10 ، 18 ، الممتحنة 12 ، الاحزاب 15 [ ولكن البيعة في السقيفة اكتسبت مفهوما اخر ، انتهز فرصة الخطر الداخلي والخارجي ليكسب البيعة مفهوما سياسيا اصبحت بها تعنى تولي الحكم أوالعهد بالحكم . سواء كان ديمقراطيا بعض الشىء في عهد الخلفاء الراشدين ، ام كان وراثيا استبداديا ، كما في عهد الخلفاء غير الراشدين وأذنابهم من مستبدى حكام المسلمين فى عصرنا البائس.
ونرتب الاحداث حسبما جاءت في روايات التراث السنى .
فبعد موت النبي مباشرة اجتمع الانصار في سقيفة بني ساعدة ، واتفقوا علي تولية سعد بن عبادة الذي كان مريضا ، ولم يمنعه مرضه من الحضور ، وخطب فيهم سعد موضحا حقهم في الحكم ـ و لو كان الوحي ينزل لأخبر عن مكائد المنافقين فى هذا اليوم ـ ووصل الخبر الي عمر فأسرع الي ابي بكر وكان مع " علي" يشرف علي تجهيز جثمان النبي للدفن ، وخرج ابو بكر مع عمر الي السقيفة وفي الطريق لحقهم ابو عبيدة بن الجراح . وفي السقيفة خطب ابو بكر متوددا للانصار وقال لهم : نحن الامراء وانتم الوزراء ، فاحتج عليه الحباب بن المنذر مطالبا بحق الانصار ، وقال : فان ابي هؤلاء فمنا امير ومنهم امير ، فرد عليه عمر بعنف فاشتعل الشجار وامتشق الحباب سيفه ، فالتقطه منه عمر واتجه به ليقتل سعد بن عبادة ، ولكن اسرع ابو بكر فأنقذ سعدا ، فقال له عمر : قتله الله انه منافق ، وانتهي الامر ببيعة ابي بكر البيعة الخاصة ، ثم بويع البيعة العامة في المسجد في اليوم التالي .
ورفض سعد بن عبادة ان يبايع ابا بكر ، وقيل له : ( لئن نزعت يدا من طاعة او فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك [ ورد سعد رافضا البيعة ( والله لا ابايع حتي اراميكم بما في كنانتي واقاتلكم بمن تبعني من قومي وعشيرتي ) ونصح بشير بن سعد ابا بكر بألا يرغم سعدا علي البيعة : " لأنه لن يبايع حتي يقتل ، ولن يقتل حتي يقتل معه ولده وعشيرته ولن يقتلوا حتي يقتل الخزرج ، ولن يقتل الخزرج حتي يقتل الاوس ، فلا تحركوه ، فأنه ليس يضركم ، انما هو رجل واحد طالما تركتموه ) فتركوه .
وكان سعد بن عبادة من اشد الناس غيرة ، ما تزوج الا امرأة بكرا ، وما طلق امرأة فتجاسر احد علي زواجها بعده، وكان بعصبيته وماله وشخصيته عنصر قلق لأبي بكر و عمر بعد الاهانة التي لحقت به في السقيفة ، خصوصا بعد تولي خصمه عمر الخلافة ، لذلك لم يطق الامر وترك المدينة بعد ان قسم امواله علي ذريته . وحدث انه بعد وفاته في الشام ولدت احدي نسائه ولدا فقال عمر لابنه قيس ان يدخل الوليد معهم في الميراث ، فقال قيس بن سعد : " اني لا اغير ما قال ابي سعد ولكن نصيبي لهذا الولد " الي هذا الحد بلغت طاعة قيس لابيه بعد موته ، مما يعطينا لمحة عن خطورة سعد السياسية والشخصية .
وهذا يفسر لنا من ناحية اخري موتته الغامضة في حوران بالشام ، اذ عثروا علي جثته هناك مقتولا ، وقد تغيرت ملامحه ، واشيع في المدينة ان الجن قتلته ، وان الجن قالت في ذلك شعرا :
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة رميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده
وبهذا تم التخلص نهائيا من معارضة الانصار ، وبقيت معارضة بني عبد مناف .وال عبد مناف هم الهاشميون والامويون ، فهم معا ابناء رجل واحد هو عبد مناف .
ومن الطبيعي ان يحتج علي هذا الوضع ـ تولية أبى بكر الخلافة ـ ابو سفيان ومن علي شاكلته من اصحاب الثقافة القريشية الجاهلية ، بل ان ابا قحافة والد ابي بكر كان ينتمي الي هذه الثقافة ، اذ تعجب كيف يصبح ابنه حاكما في وجود بني امية وبني هاشم وهم كبار قريش ، لذلك لا نعجب اذ ردد ابو سفيان نفس المعني ثائرا حين قال ( ما بال هذا الامر في اقل حي من قريش ) وقال ( مالنا ولابي فصيل ) يتندر علي ابي بكر ، ( انما هي عبد مناف ) وصرح ( اين المستضعفان : علي وعباس ) ودعا الي بيعة علي ، فزجره " علي" قائلا ( طالما عاديت الاسلام واهله فلم تضر شيئا ) وأخيرا هدأ ابو سفيان حين استرضاه ابو بكر بتعيين ابنه يزيد قائدا ، فقال حين بلغه الامر ( وصلته رحم [ .
وكانت بيعة ابي بكر شيئا جديدا بالنسبة لعلي المشغول بدفن النبي وتجهيزه . واجتمع بعض المهاجرين المحتجين في بيت علي ومعهم الزبير بن العوام ( وأمه صفية عمة النبي ) وتخلفوا عن بيعة ابي بكر . وامتشق الزبير سيفه وقال : لا اغمده حتي يبايعوا عليا . أي طالما في الامر حاكم فعلي هو الاولي . وجاءهم عمر فقال : والله لأحرقن عليكم البيت او لتخرجن الي البيعة ، فخرج عليه الزبير بالسيف فتعثر فوقع فأخذوا منه السيف و .. وبايعوا ابا بكر ، وتسكت المصادر السنية عندها ، وتترك فجوات تحتاج الي من يملؤها ، خصوصا في العلاقة الحميمة بين ابي بكر وعمر وموقفهما معا من على وآل بيته ( طبقات ابن سعد 3/1/128- ، 3/2/144- تاريخ الطبري 3/218 : 223 ، تاريخ ابن كثير 7/ 33[.
ثالثا : الردة .. والفتوحات :
بعد تأمين الجهة الداخلية بتعيين ابي بكرحاكما كان لابد من مواجهة خطر الردة .
وليس صحيحا ان ابا بكر حارب المرتدين ، ولكن الصحيح ان المرتدين هم الذين حاربوا ابا بكر والمدينة . والروايات التي دونها العصر العباسي عن حركة الردة فيها تناقض ، واحدة منها تقول ان ابا بكر صمم علي قتال مانعي الزكاة ، وعارضه عمر ـ مع أنه المشهور بشدته ـ قائلا ( كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله امرت ان اقاتل الناس حتي يقولوا لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ، فمن قالها عصم مني ماله ودمه الا بحقها وحسابه علي الله ) فقال ابو بكر :والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة [
وهذا الرواية كاذبة.فليس صحيحا ان الرسول قال ( امرت ان اقاتل الناس حتي يقولوا ..) فذلك الحديث المزعوم الذي يستحل قتل الناس يعارض قوله تعالي ( لا اكراه في الدين ) وعشرات الايات الاخري فى تشريع القتال فى الأسلام، ثم انه يعني الاستئصال التام لأهل الكتاب ومن يطلق عليهم " اهل الذمة " وهم لا ينطقون الشهادتين ، وقد آن الاوان لاعلان تبرئة النبي من هذا الحديث الدامي الذي لا يزال يحرض علي الارهاب .
وليس صحيحا ايضا ان النبي كان يأخذ الزكاة من القبائل ، بل ان الزكاة كانت تؤخذ من اغنياء اهل الحي لكي يتم توزيعها علي فقراء الحي انفسهم ، أي انها ليست حجة للمرتدين علي الاطلاق في ان يواجهوا ابا بكر برفض الزكاة ، لأنهم حسبما تعودوا في عصر النبي هم الذين يدفعون الزكاة لفقرائهم .
وليس صحيحا ايضا ان هناك اكراه وارغام من السلطة علي تحصيل الزكاة ، اذ انه قبل ذلك بقليل تكاسل المنافقون عن دفع الزكاة ، فأمر الله تعالي النبي الكريم بألا يقبل منهم الزكاة ، وقال ( قل انفقوا طوعا او كرها لن يتقبل منكم ، انكم كنتم قوما فاسقين ، وما منعهم ان تقبل منهم نفقاتهم الا انهم كفروا بالله وبرسوله ، ولا يأتون الصلاة الا وهم كسالي ، ولا ينفقون الا وهم كارهون ، فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم : التوبة 53ـ55-.[
وليس منطقيا ايضا ان يبادر ابو بكر بحرب طاحنة لأناس يقبلون الطاعة الا دفع الزكاة وهو في حالة ضعف سياسي وحربي .
والمنطقي والصحيح ان العصر العباسي وضع ملامحه في هذه الرواية ، خصوصا ارغام ( الرعية ) علي دفع الاموال والا اعتبرهم مرتدين .
والرواية التي نقبلها هي التي تؤكد بين سطورها ان الاعراب المحيطين بالمدينة اعدوا جيشين لغزوها في مكانين مختلفين ، وبعثوا بوفد للتفاوض ، واهدافه الحقيقية رصد دفاعات المدينة ، وفهم ابو بكر انهم جواسيس فرفض التفاوض معهم ، وقام بتدعيم قواته داخل المدينة وحولها ، وفعلا ، وكما توقع ابو بكر هاجم القسم الاول من المرتدين المدينة ، فبعث حرس المدينة يستغيثون بأبى بكر فأمرهم بالثبات ، ثم انطلق ابو بكر باهل المدينة الي طليعة المرتدين فقهرهم ، فهربوا الي حيث الكمين او القسم الثاني في منطقة ذي حسي ، وانتهت المعركة بهزيمة كاملة للمرتدين ، وأكد ابو بكر هذا النصر بانتصارات اخري علي الاعراب المرتدين من عبس ومرة وذبيان وكنانة وهزمهم في ذي القصة ، ثم تتابعت حروب الردة الي ان اوصلت جيوش المسلمين الي مشارف الشام والعراق ، فكانت الفتوحات .
ذلك ان ابا بكر اراد تصدير الشوكة الحربية للاعراب الي خارج الجزيرة العربية ليستفيد من قوتهم الحربية في اكتساب ارض جديدة ويتخلص من متاعبهم ، والا كان سيظل في معارك متصلة مع قبائل تحترف القتل والاقتتال والاستحلال طلبا للعيش ، وتلك حياتهم التي استمرت قرونا قبل الاسلام ، وبعده ايضا .. الا ان الفتوحات جعلت ابا بكر يتغاضي عن ملحمين اثنين اخرين من ملامح دولة النبي ، وهما : ان يكون القتال في الدفاع عن النفس فقط ، وليس للهجوم ، وان يعاقب العدو المعتدي بأرغامه علي دفع الجزيرة اذا انتصر المسلمون ، والجزية غرامة يدفعها المعتدي المهزوم في كل زمان ومكان .
الذي حدث هو ان القواد الغزاة في دولة ابي بكر وعمر كانوا يطلبون قبل الهجوم – ممن جعلوه عدوا : اما الاسلام ، واما الجزية واما الحرب ، او بمعني اخر ، ارغامه علي الاسلام والا فالجزية ، والا فليحارب قومااعتبروا الغزو جهادا يضمنون به الجنة او النصر . وتلك ثقافة لم يعرفها عصر النبوة ، الا انها ثقافة العصور الوسطي التي تعامل بها ابو بكر ، انها ثقافة الاكراه والارغام التي تخالف الاسلام .
رابعا : الذمة المالية للحاكم :
الا ان ابا بكر حافظ علي ملمح هام للدولة الاسلامية ، وهي الشفافية والطهارة المالية ، فاذا كانت الدولة الدينية تجعل الخليفة يملك الارض ومن عليها ، وليس عليه رقيب فيما ينفق وفيما يجمع من اموال ، فأن الدولة الاسلامية تجعل الثروة : ملكا للمجتمع ، وهي للافراد طالما احسن الفرد استثمارها ، والا وجب الحجر عليه وكان سفيها ، يقول تعالي ]: ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها : النساء 5[ وهنا نلاحظ ان المسلمين حتى اليوم يعطون اموالهم طوعا أو كرها لأكثر المخلوقات سفاهة ـ أى حكامهم الذين يتندر العالم المتحضر على مخازيهم وسفههم ـ وقد أضاعوا البترول وحقوق الأجيال القادمة فيه فى اللهو والأنحلال و قتل بعضهم البعض واكتناز اموال لا يستحقونها وسلاح لا يستعملونه الا في قتل انفسهم , وفىالدعوة للكهنوت الوهابى وتكذيب حقائق القرآن والأسلام. أن الأسلام الحق هو اعظم نعمة وقد أضاعوه واستخدموا نعمة البترول فى الصد عن سبيل الله تعالى. اقرأ فيهم وفى غيرهم قوله جل وعلا:"ألم تر الى الذين بدلوا نعمت الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار.."ابراهيم 28" واقرأ ما بعدها للعظة و الأعتبار.
وفي الغرب فأن الحاكم هناك يأخذ راتبه من اموال دافعي الضرائب بعكس ما نتمتع به في عالمنا الثالث ، حيث يمتن علينا الحاكم بأنه ينفق علينا في الصحة والتعليم والخدمات ، كما لو كان ينفق من ضيعته او حر ماله ، ثم ينفق اموال الامة بما يحلو له . ولكن الواقع التاريخي يثبت انه في ظلام العصور الوسطي كان ابو بكر اول حاكم يأخذ مرتبة او عطاءه من المجتمع . او بتعبير السيوطي " اول خليفة فرض له رعيته العطاء " اذ كان يعمل تاجرا ، وبعد الخلافة ذهب الي السوق كعادته الا ان عمر وبعض المسلمين ارجعاه والزماه ان يتفرع للحكم مقابل مرتب سنوي قدره الفان ، وطلب علاوة " فقال زيدوني فان لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة ، فزادوه خمسمائه " .
وعند احتضاره امر ابو بكر ابنته السيدة عائشة ان تعيد " العهدة" الي بيت المال ، وقال لها " اما انا منذ ولينا امر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ، لكنا اكلنا من جريش طعامهم ولبسنا خشن ثيابهم " وامرها ان تعيد لبيت المال عبدا وبعيرا وقطيفة .
وبعد موته جئ بهذه " العهدة " الي عمر فقال باكيا : " رحم الله ابا بكر ، قد اتعب من بعده "
وتلك هي المنقبة التي تسجل لأبي بكر .
اجمالي القراءات
191760