سور المعتقل .. قصة قصيرة
ألقي القبض على شاب، في بلد من بلدان العالم الثالث، ثم وضعوه في قفص داخل سيارة مصفحة، حتى وجد نفسه داخل معتقل كبير !، المسافة بينه وبين أسواره، تحتاج للسير لأيام وسط الصحراء.
وفي صباح يوم من أيام الجحيم، يستيقظ المسجونين قبل بزوغ الفجر، ليس لنشاط منهم، بل تلك قواعد المعتقل، فلا راحة للنزلاء، ونعمة النوم ليست من حقهم.
ويعرض السجين الشاب على رفاقه عرضاً قائلاً : دعونا نخطط للهرب من الجحيم.
فيرد عليه أكبرهم، ناصحاً له قائلاً : لا تفكر بالهروب، فإن تمكنت من الهرب من النيران، لن تستطيع تجاوز أسوار المعتقل العالية، ها نحن نراها، وهي تبعد عنا أميالاً.
السجين الشاب : ليكن .. إن شرف المحاولة أفضل، فوالله إن قُتِلتُ، لذلك أفضل عندي، من حياة المذلة.
السجين الكبير : إن إحتفظت بحياتك، فقد يأتي يوم يخلصك الله مما أنت فيه من بلاء، فإنتظر الفرج، ولا تيأس، فأنا هنا منذ عشرين عاماً، ولا زال لدي أمل !.
السجين الشاب : لن أنتظر الفرج دون أن أحرك ساكناً، فالله لم يأمرنا بالخضوع للظالمين، والمقاومة علينا فريضة، وإن نحن ذهبنا سيرسل الله من هم غيرنا، ليستكملوا النضال.
السجين الكبير : سأحزن على نهاية شاب مثلك، يلقي بيديه إلى التهلكة.
السجين الشاب : إن كان وقُتِلتُ، فذاك سيكون قضاء الله، لكني لن أتحمل المذلة كما تحملتها.
وبعد تفكير، وجد الشاب أن الأمور تدار في المعتقل بعبثية، وأن عدد المعتقلين كُثر، وإذ به يتحين الفرصة، حتى إستطاع التسلل من بين الحراسات، متوجهاً صوب سور المعتقل، والذي يبعد أميالاً، وهو لا يعلم كيف سيتجاوزه، أو ماذا يخبئ له القدر، ويستمر في السير في الصحراء ليومين، دون أن ينتبه أحد لغيابه !، حتى وصل للسور.
فيكتشف أنه ليس بسور، وإنما إرتداد عاكس لضوء الشمس، فالمعتقل يقبع وسط سهل منخفض !، ويستكمل السير حتى وصل إلى الطريق، كما وجد من قدم له المساعدة، حتى وصل إلى قريته، فأخذ أوراقه، وغادر وطنه، دون أن يعرقل طريقه أحد !، ومرت عشرون عاماً، والشاب أصبح رقماً في عالم رجال الأعمال في الخارج، حتى عاد إلى وطنه مرة أخرى، ليستمتع بحياته بين أهله، بعد رحلة كفاح طويلة.
وبينما هو يستمتع بحياته، إذ بالسجين الكبير، والذي شارف على الموت بعد أن تجاوز الثمانين، يحذر المعتقلين الجدد من الهروب، ويؤكد عليهم عدم قدرتهم على تجاوز سور المعتقل !.
شادي طلعت
اجمالي القراءات
6224