العولمة ونهاية التاريخ‎

كمال غبريال Ýí 2016-03-28


نستطيع القول بوجه عام، متجاهلين إلى بعض الجزئيات والاستثناءات التي لا تؤثر على الصورة ‏العامة، أن العالم المتحضر قد فشل في دفع شعوب الشرق الأوسط إلى الحداثة. فشل أولاً خلال ما ‏نسميه "المرحلة الاستعمارية"، التي حاول فيها "الاستعمار" بطريقة مباشرة تحديث ما تحت سيطرته من ‏شعوب، أقصى ما نجح فيه خلالها هو تحقيق تحضر مادي جزئي، يكاد لم يؤثر عميقاً وجدياً في ‏تحضر الإنسان ذاته. ثم فشل ثانياً فيما بعد الحرب العالمية الثانية، حين حاول الأخذ بيد الكيانات ‏السياسية التي الناشئة والمستقلة، لتصير دولاً حديثة، تجمع شتات المكونات الإثنية والطائفية التي ‏تشكلت منها، وتسير بها في ركب الحضارة العالمية، التي أخذت منذ ذلك التاريخ في العدو باتجاه ‏حضارة تجدد نفسها كلياً كل بضعة سنوات ثم كل بضع شهور، وحالياً ربما يجوز القول كل بضعة ‏دقائق. وفشلت الشعوب الحرة أخيراً في تطوير شخصية إنسان الشرق الأوسط الذي هرب إليها ليعيش ‏بين ظهرانيها، فبدلاً من أن يصير مع الوقت صالحاً للعمل كرسول للحداثة لبلاده الأصلية، وجدناه إما ‏منعزلاً منكفئاً على ذاته وثقافته وهويته، كحصوة في أمعاء مجتمعات الحرية والحضارة، وإما ينقلب ‏إرهابياً، يفجر ويقتل أهل الحضارة الذين احتضنوه، أو يقوم بهجرة مرتدة لبلاده، حاملاً زاداً من الكراهية ‏للعالم ولذاته، التي يقوم بتحويلها إلى قنبلة تنفجر في أهله، في محاولته العودة بهم إلى المستوى ‏اللاحضاري لأربعة عشر قرناً خلت.‏ ‏

المعضلة هي كيفية تمتع الإنسان الفرد بقوة شخصية وثقة بالنفس، لابد وأن تكون مستندة إلى أوليات ‏حقيقية غير وهمية، يرجع أهمها لطبيعته البيولوجية الموروثة، وبعضها للتأهيل السيكولوجي والمعرفي ‏والمهاري. فهذه المقدرة هي التي ستمكنه من رفض ما يجدر به رفضه من موروثه الثقافي والاجتماعي، ‏والإقبال على ما عليه الإقبال عليه من تحرر وحداثة، وهي التي ستجعل منه "صانع حضارة"، وليس ‏مجرد مستهلك لها، وفي نفس الوقت ناقم وكاره لأهلها. . لن يفيد فيما نرى من استقراء التاريخ والواقع ‏الراهن العمل على الشق التأهيلي وحده، لوضع نهاية لانكفاء شعوب الشرق الأوسط، واقتلاع ثقافة ‏الكراهية والإرهاب من تربتها. كما لن تجدي مطاردة واستئصال من تنتجه المنطقة من إرهابيين، لأن ‏الأرض تنتج منهم دوماً المزيد والمزيد. . ربما هي الهندسة الوراثية التي قد تستطيع إنتاج إنسان شرق ‏أوسطي جديد!!‏

لعلنا نشهد الآن النهاية الحقيقية للتاريخ، ليست تلك التي تحدث عنها فرنسيس فوكوياما عبر ما قال أنه ‏موت الأيديولوجيا، لكنها انتهاء مسيرة الإنسانية إلى أقصى ما تستطيع الوصول إليه وهي "العولمة"، ‏التي وضعت كل البشر بتناقضاتهم واختلافاتهم في مركب واحد، ما يترتب عليه عدم استطاعة ‏المكونات المتحضرة الذهاب لأبعد مما تسمح به أو تطيقه المكونات الأكثر تخلفاً وعجزاً. هذا ما تفرضه ‏وتفعله الآن التيارات التي نطلق عليها أوصاف "ظلامية" و"إرهابية". هي تقوم بوقف مسيرة الحضارة، ‏ليكون من المحتم الآن ليس فقط التوقف عن المزيد من التحضر، وإنما يقتضي الوصول إلى حالة ‏مستقرة أن ترتد البشرية عن "العولمة"، لفك ولو جزئي للارتباط بين المتحضر والعاجز عن التحضر، ‏لكي تستطيع الشعوب المتحضرة الحفاظ على حياتها وحضارتها. هكذا تكون "العولمة" هي النقطة ‏الأعلى في منحنى صعود الحضارة الإنسانية، والتي يبدأ بعدها الهبوط. هناك أيضاً أن مقاومة الأرهاب ‏الذي يضرب العالم الغربي تقتضي ارتداداً جزئياً عن الليبرالية، إلى ما هو قريب الشبه من النازية ‏والفاشية، في محاولة للتفريق بين "البشر" و"أشباه" أو "أعداء البشر"، كما يحتاج الأمر للتفريق بين "حرية ‏الفكر" و"حرية وحشية الفكر" أو "الفكر الوحشي" القادم من أيديولوجيات الشرق الأوسط. . "العولمة" هي ‏نقطة نهاية التاريخ.

اجمالي القراءات 7165

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 598
اجمالي القراءات : 5,548,755
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 264
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt