السعودية تستغفل سنة العرب
منذ أن أعلن وزير الدفاع السعودي انطلاق عاصفة الحزم ضد اليمن بمشاركة 10 دول سنية والأسئلة وجهت لطبيعة هذا التحالف الطائفية، ومدلولها في الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، خصوصا وأن من أعلنت حربهم في اليمن هم الحوثيين ممثلي الطائفة الزيدية في شمال اليمن، التي تعتبر طائفة متفرعة من المذهب الشيعي وإن كان لها توجهات عقائدية معتدلة حسب تصنيف السنة.
لم تمر عدة أيام على بدء العاصفة وأعلنت أحد دول التحالف وهي باكستان رفضها التحالف شكلا وموضوعا، وحذرت من نتائجه على الاستقطاب الإسلامي وزيادة الاحتقان الطائفي، ودعت إلى حل المشكلة اليمنية بالطرق الدبلوماسية، وهو قرار باكستاني انتبه لطبيعة التحالف الطائفية واحتمالية تأثيره على الداخل الباكستاني الذي يمثل فيه الشيعة 20% من إجمالي عدد السكان.
بعدها خطت السعودية خطوة مشابهة ولكن بطريقة أوسع بإعلانها.."التحالف الإسلامي"..الذي يضم 32 دولة حسب وزير الدفاع السعودي الذي خرج متباهيا ومنتفشا على وسائل الإعلام معلنا وحدة المسلمين في حلف عسكري لأول مرة بعد انهيار الخلافة الإسلامية في تركيا عام 1924
ولكن الناظر لهذا التحالف أيضا يجده تحالفا طائفيا سنيا وأهدافه تتطابق مع رؤية المملكة في الصراع المذهبي الذي تشعله من أن لآخر في أكثر من منطقة عربية.
وكما حدث في تحالف عاصفة الحزم الطائفي من استغفال لباكستان حدث في التحالف الإسلامي ولكن بصورة أبشع، إذا استغفلت السعودية جميع أعضاء التحالف الذين خرجوا تباعا ينفون مشاركتهم العسكرية، وأن ما حدث هو مجرد اتصال من وزير الدفاع السعودي بهم يستشيرهم ويتطلع لرؤيتهم حول الحرب على الإرهاب، فكانت النتيجة بالموافقة دون مناقشة أي تفاصيل أخرى..!
شئ يدعو للسخرية..ومهزلة سياسية بكل المقاييس
وزير سعودي يتفق مع مسئولي الدول على كلام، ثم يخرج لإعلان كلام آخر وأهداف أخرى يتم تسويقها إقليميا ودوليا على أنها موقف المملكة، يعني استغفال واستهبال واستعباط..قل ما شئت..إما أن هذا السعودي غبي لا يفقه ما يقول ولا إلى ما يدعو..وإما أنه يتعمد ذلك بُغية استهلاك هذه المواقف لدعمه داخليا في صراعه على السلطة ، خصوصا بعد الأنباء عن قرب تنحي الملك سلمان له واحتمالية تمرد محمد بن نايف ولي العهد ومتعب بن عبدالله قائد الحرس الوطني.
وتتكرر المهزلة اليوم بخروج وزير الخارجية التونسي بنفي الأنباء عن موافقة تونس بإدراج حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية، والقصة كانت كالتالي:
اجتمع مجلس التعاون الخليجي لإصدار بيان ضد حزب الله اللبناني الذي تتهمه المملكة بالتدخل في شئونها بسبب اعتراض زعيمه على حرب اليمن التي تشنها السعودية منذ عام ،وأصدر المجلس قرارا باعتبار الحزب .."منظمة إرهابية"..انعقد على إثرها بالتوازي مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس، ولكن ولأن هذا مستوى عربي فقد نوقش فيه خطر الإرهاب وداعش وإدانة التدخل الأجنبي في شئون العرب، وإدانة حزب الله على ما وصفوه.."بممارسات إرهابية"..في دول الخليج..
وقد اعترض على البيان ثلاث دول هي لبنان والجزائر والعراق..ولكن بعد مظاهرات شعبية في تونس ومن وقفات للاتحاد العام للشغل وبعض الأحزاب والتجمعات خرج وزير الخارجية التونسي ينفي موافقة تونس على بيان وزراء الداخلية العرب، وهذا عندي أمرين من ثلاثة:
1-إما أن اجتماع وزراء الداخلية العرب لم يناقش تصنيف حزب الله منظمة إرهابية، وبالتالي نفي الوزير التونسي في محله
2-وإما نوقش بطريقة غير مباشرة عن طريق إدانة ممارسات الحزب في دول الخليج، وبالتالي فما حدث هو سوء تفسير للبيان الصادر عن الاجتماع وفتح الباب لأي عضو بالنفي أو تأويل البيان كما يحلو له.
3-وإما أن الاجتماع ناقش خطر الإرهاب بالمجمل ودعا لتأييد البيان جملة..وفي ذلك تعميم يصادر آراء كل الأعضاء لتباين مواقفهم حول التفاصيل المدرجة..
وفي تقديري أن الأمرين الثاني والثالث هما الحقيقة التي وقعت داخل الاجتماع، وأن نفي الوزير التونسي هو انعكاس لأزمة السلطة في تونس، وزير داخلية يؤيد بيان، ثم يخرج وزير الخارجية لنفيه امتثالا للضغط الشعبي، وسواء أي أمر من الثلاثة فما حدث هو استغفال سعودي لدولة تونس بالمجمل التي لم ينتبه مسئوليها داخل الاجتماع لمدلول اعتبار حزب الله إرهابيا أو دلالته وانعكاسه على العلاقات التونسية اللبنانية، أو علاقات تونس مع إيران التي تفضل السيد وزير الخارجية التونسي بإعلان وصفها بالمميزة..
السعودية التي هاجمت تونس -عبر إعلامها الرسمي والشعبي -لاستقبال تونس 10 آلاف سائح إيراني، ولإقامة تونس علاقات طبيعية مع إيران، وللموقف التونسي المعترف ببشار الأسد ممثلا للشعب السوري، ولقرب عودة العلاقات بين سوريا وتونس على طبيعتها إلى ما قبل عصر المرزوقي...كل هذا الهجوم لم يحدث صدفة، فالسعوديون يزعمون دفاعهم عن سنة العرب وتصديهم للخطر الإيراني والشيعي، ومن هذا الزعم أشعلت الحروب وعقدت التحالفات الطائفية وأيقظت النوازع المذهبية في محاولة سعودية أخيرة لتقليص نفوذ إيران الذي تزايد وامتد إلى عواصم عربية عدة.
وفي شرح سابق قلت أن على السعودية فعلا لو كانت صادقة بدفاعها عن سنة العرب أن تعطيهم حق الدخول لها بدون تأشيرة، وأن تلغي نظام الكفيل المتعسف، وأن تعطيهم حق إدارة الحرمين معها بالتساوي، لكن غاية ما يحدث أن المملكة تستخدم سنة العرب .."كورقة سياسية"..تستفيد من خلالها ببلادهم في دعم رغبات وتطلعات وأطماع أمراء المملكة، وتستفيد منهم أيضا عن طريق إدارة الحرمين ماليا وسياسيا، وإلا فما تفسير هذا التخبط الذي يحدث والمهازل السياسية التي أصبحت سمة لكل شئ يتعلق بالمملكة منذ موت الملك عبدالله؟!
السعودية بهذا الوضع أصبحت هي الخطر الأكبر على العرب والمسلمين، وسبب رئيسي في تخلفهم وانحطاطهم الديني والاقتصادي، وبسياساتها الرعناء تعطي لإسرائيل هدايا ثمينة آخرها اعتبار أكبر جبهة لبنانية لمقاومة إسرائيل أنها منظمة إرهابية، في حين امتنعت عن تصنيف جبهة النصرة التي تسيطر على بلدة عرسال اللبنانية على أنها منظمة إرهابية، وهذا في العرف السياسي خيانة للبنان أن تعادي مقاومتها وتعترف بأعداءها في سلوك طفولي لم تشهده المنطقة منذ عقود..
اجمالي القراءات
8119