آحمد صبحي منصور Ýí 2015-12-08
أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المدنى فى سورة الاحزاب ( 2 من 3 )
ثانيا : ـ من التشريع الخاص الى التشريع العام :
التقوى هى المقصد الأعلى من مقاصد التشريع .
1 ــ وقد بدأت السورة بالتقوى أمرا للنبى محمد عليه السلام . وقلنا إن مصطلح (النبى ) هو ما يتعلق بشخص النبى وعلاقاته بمن حوله فى عصره . وهذا خلاف ( الرسول ) الذى يعنى الرسالة وتبليغه عليه السلام للرسالة . لذا تأتى الطاعة لله والرسول حيث أن المُطاع هو الله جل وعلا فى رسالته التى ينطق بها الرسول، وتظل الرسالة او الرسول أو القرآن هى المُطاع بحفظ الله جل وعلا لهذا الكتاب الى قيام الساعة. أما ما يأتى لمحمد من تأنيب فهو بصفة ( النبى ) وما تأنيه من أوامر ونواهى فهى بصفته النبى ، ومنه قوله جل وعلا له فى بداية سورة الأحزاب : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) النبى هنا هو المُخاطب بهذه الأوامر والنواهى ، يليه إلتفات بالحديث عن رب العزة : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) ثم التفات الى نفس المخاطب وهو النبى ( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا : (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) .
2 ـ ومن الخاص الى العام ، فإن التقوى مأمور بها الناس جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) النساء) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) الحج ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان ) ومأمور بها المؤمنون:( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) ومأمور بها أهل الكتاب (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ ) (131) النساء )
الميثاق الالهى :
1 ـ وعن الميثاق الذى أخذه رب العزة على جميع الأنبياء قبل الوجود الحسى قال جل وعلا باسلوب المتكلم ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ )ثم إلتفات الى المخاطب وهو الرسول محمد عليه السلام فى كلمة : ( وَمِنْكَ ) ثم التفات الى الغائب وهم : ( وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) ثم إلتفات الى المتكلم رب العزة جل وعلا فى كلمة : ( وَأَخَذْنَا ) ثم الى الغائب : ( مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (7) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( لِيَسْأَلَ ) ثم الغائب فى : ( الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ) ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَأَعَدَّ ) ثم الغائب : ( لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (8)) .
2 ـ ومن الخاص الى العام ، فلقد أخذ رب العزة الميثاق على البشر جميعا قبل وجودهم الحسى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)الاعراف)،ويوم القيامة سيذكرهم بهذا العهد والميثاق :( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) يس ). وقد أخذ جل وعلا العهد والميثاق على أهل الكتاب:( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) المؤمنين ) ، واخذ جل وعلا العهد والميثاق على المؤمنين فى عهد النبى محمد عليه السلام، يقول جل وعلا للمؤمنين وقتها يدعوهم الى الايمان القلبى الحقيقى : ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) الحديد )
الصلاة على النبى وإيذاء الله جل وعلا ورسوله:
1 ـ قام المحمديون بتحريف معنى الصلاة على النبى فجعلوها عبادة وتقديسا للنبى ، فى نفس الوقت الذى يقومون فيه بإيذاء النبى وإيذاء الله جل وعلا ورسوله وإيذاء المؤمنين إيمانا حقا بالله جل وعلا ورسوله ، المتمسكين بالكتاب وحده . ومنشور هنا لنا مقال مُفصّل عن ( الصلاة على النبى ). ونعطى لمحة سريعة هنا من سورة الأحزاب.
فقد كانت لبعض الصحابة عادة سيئة هى إقتحام بيوت النبى بلا إستئذان برغم فرض آداب الاستئذان من قبل فى سورة النور . كانوا يتطفلون يآكلون ويثرثرون ، بل كان بعضهم تبلغ سماجته الى الدخول الى حجرات نساء النبى والحديث معهن وبعضهم كان يطمع فى الزواج منهن بعد النبى . وكان هذا يؤذى النبى ، وبسبب سمو خُلقه عليه السلام كان يستحى من تنبيههم ، فنزلت هذه الآيات فى تشريع خاص له إمتدادته بعد موت النبى عليه السلام .
ونعرض للآيات الخاصة بهذا الموضوع، ومن خلال اسلوب الالتفات :
2 ـ يقول جل وعلا :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ) ، ما سبق كان خطابا مباشرا من رب العزة الى (المخاطب ) وهم أولئك الصحابة المتطفلون. بعده إلتفات الى الغائب وهو النبى فى: ( إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ ) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ ) ثم إلتفات مركب بالمخاطب وهم المتطفلون الصحابة مع إشارة الى الغائب وهنّ نساء النبى فى : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) ثم التفات مركب بنفس المخاطب وهم المتطفلون الصحابة مع إشارة للغائب وهو الرسول عليه السلام فى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) ثم إلتفات مركب بالخطاب المتطفلين الصحاب مع حديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)، ثم إلتفات مركب الى الغائب وهنّ نساء النبى مع إشارة للمسموح بالدخول عليهن من أرحامهنّ فى : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) ثم إلتفات الى مخاطب آخر وهن نساء النبى فى : ( وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55). ثم حديث عن رب العزة جل وعلا وملائكته مع إشارة للنبى عليه السلام : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ )ثم إلتفات مركب بالمخاطب ( الذين آمنوا ) بإشارة الى النبى محمد عليه السلام :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) ، ثم إلتفات الى الغائب مع إشارة الى العصاة فى كل زمان ومكان الذين يؤذون الله ورسوله فى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58)، ثم إلتفات مركب الى النبى ( المخاطب ) مع إشارة الى النساء المؤمنات فى عهده ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) ثم إلتفات الى الغائب وهم الصحابة المنافقون وأتباعهم الذين كانوا على وشك حمل السلاح ضد الدولة الاسلامية ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) ثم إلتفات مركب بالمتكلم وهو رب العزة مع إشارة بالمخاطب وهو النبى فى كلمة واحدة هى : ( لَنُغْرِيَنَّكَ ) ثم التفات مركب الى الغائب مع إشارة الى المخاطب وهو النبى فى : ( بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً (60).
3 ـ ونضع بعض الملاحظات :
3 / 1 : موضوع الصلاة على النبى أى ( الصلة بالنبى ) جاء فى سياق التناقض مع إيذاء النبى . فالصحابة المتطفلون فى الآية 53 جعلوا من صلتهم بالنبى إيذاء له وكان يستحى من هذه الصلة المؤذية فنزل قوله جل وعلا لأولئك الذين آمنوا : ( إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53). ثم ثم كان المقابل للإيذاء وهو الصلاة أو الصلة الحُسنى بالنبى ، فالله جل وعلا وملائكته يصلون على النبى وبالتالى يجب على المؤمنين أن يُصلوا عليه : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)) . الصلة هنا إيمانية هى الايمان بالكتاب الذى أنزله الله جل وعلا بملائكته على النبى محمد ، وهى صلة متجددة وقائمة ومستمرة بنزول الوحى وقتها . وبالتالى فإن صلاة المؤمنين على النبى تعنى التمسك بالقرآن الذى يؤكد هذه الصلة بالنبى، وليس مجرد (التواصل الاجتماعى ) لأن الله جل وعلا يشرح معنى الصلاة على النبى فى نفس الآية فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ). لم يقل صلوا عليه وسلموا سلاما ، بل ( تسليما ) والتسليم هو الايمان القلبى . وفى الصلة بين الايمان والتسليم القلبى يقول جل وعلا عن المنافقين مخاطبا النبى عليه السلام : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) النساء ) .
إذن كانت الصلاة على النبى فى حياته والمطلوبة من الذين آمنوا وقتها أن لا تكون إيذاءا له وجرحا لمشاعره وإنتهاكا لحُرمة بيوته ، بل أن تتحدّد بالكتاب وتشريعاته ، أى أن تكون صلة إيمانية تشريعية ، بدليل ما جاء فى الآية 53 وما فيها من تشريعات خاصة بزمانها ووقتها ومكانها تمنع الذين آمنوا من دخول بيوت النبى إلا بالإستئذان : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ) وتفرض حجابا أو ستارة تمنع الاتصال المباشر بين الذين آمنوا ( المتطفلين ) فى : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) والتشريع الخاص الآخر الخاص بمكانه وزمانه وأشخاصه هو الاستثناء من التشريع السابق فى قوله جل وعلا عن نساء النبى ومحارمهن :( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55 ).
وجدير بالذكر أن نفس الموضوع تكرر فى تشريع آخر خاص بزمانه ومكانه عن بيوت (النبى ) فى قوله جل وعلا يحرّم على الصحابة رفع أصواتهم فوق صوت النبى وأن يجهروا له بالقول كما يفعلون فى حديثهم مع بعضهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2)) وفى قوله جل وعلا لصحابة جاءوا ينادونه صارخين بلا ذوق ( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) الحجرات ).
هذه التشريعات هى معنى ( الصلاة على النبى ) وهى البديل لما كان يفعله بعض الصحابة فى إيذاء النبى . ونعيد التأكيد على أنها (صلة إيمانية وتشريعية ) ، وليست كما يفترى المحمديون فى جعل الصلاة على النبى تقديسا بعبارات تؤلهه ويتعبدون بها لشخص النبى معتقدين أن من يقولها فإن النبى يرد عليه من داخل قبره. فكيف يكون حيا معتقلا فى قبره فى حفرة ضيقة تحت أقدام الناس والى قيام الساعة دون إطلاق سراحه من هذه الزنزانة ؟ ثم كيف يرد على بلايين المحمديين الذين يسلمون عليه من قرون ولا يزالون ؟ خبل عقلى تدمع منه العيون .!!
3 / 2 ـ وبالتالى فإن صلاة المحمديين على النبى بتلك الكيفية هى إيذاء للنبى ، لأنها إتباع لقوم النبى الذين إتخذوا القرآن مهجورا وسيتبرا منهم الرسول يوم القيامة وسيكونون أعداءه : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) )الفرقان ) أى سيُسأل يوم القيامة عن أولئك الذين اتخذوا القرآن مهجورا وصنعوا أحاديث ضالة تزعم شفاعته وحياته فى قبره ، مع إن الله جل وعلا أكّد له فى حياته أنه ميت مثله مثل خصومه وأنه سيتخاصم مع خصومه يوم القيامة : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) يقول بعدها عن أولئك المفترين الظالمين :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر ).
3 / 3 ـ وقلنا أن ( النبى ) هو شخص ( محمد ) وعلاقاته بمن حوله ، بما فيها التشريعات الخاصة به وبأزواجه وما كان يأتيه من لوم وتأنيب . وبالتالى فإن إيذاء المتطفلين له والمقتحمين بيوته بلا إستئذان جاء الخطاب عنها بصفة النبى وبيوت النبى وإستحياء النبى .
والدليل على تعمّق الضلال لدى أئمة المحمديين أنهم إنتهكوا حُرمة بيوت النبى وخصوصياته ـ بعد موته وموت أزواجه وهدم بيوت أزواجه . سار البخارى وغيره على سُنّة الصحابة المتطفلين فى إنتهاك حُرمة بيوت النبى فصنع أحاديث ضالة عن علاقاته الجنسية بزوجاته وعلاقاته بغيرهن على نحو ما عرضنا له فى كتابنا ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع )
3 / 4 : وفيما سبق إنتقال من التشريعات الخاصة بالنبى الى تشريعات عامة يأتى فيها مصطلح ( الرسول ) بعد موت شخص ( محمد النبى ) . ونعطى أمثلة :
3 / 4 / 1 : يقول جل وعلا للمؤمنين فى حياة النبى : ( إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) ، ثم يقول عنه بمصطلح الرسول ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53). أى نكاح من صارت أرملة للنبى بعد موت النبى ، وهو بعد موته تبقى رسالته ، فيأتى التعبير عنه بالرسول . أى الذى جاء لكم بالرسالة ومات لا يصح أن تتزوجوا من مات عنها .
ولأنه الايذاء مستمر للرسول ، أى الرسالة فإن القضية تنطلق من الخاص ( النبى ) الى العام أى ( الرسول ) فيقول جل وعلا فى حكم عام ينطبق على كل زمان ومكان : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (57) )الإيذاء لرب العزة جل وعلا ورسوله يعنى الكفر برسالته والتقول على الله جل وعلا ورسوله . ولقد تكررت الآيات التى تصف من يفترى على الله كذبا ويكذب بآياته بأنه الأظلم . وهو الأظلم لأنه يؤذى الله جل وعلا ورسوله . والذى يفعله الارهابيون الوهابيون والذى يفعله أئمة الوهابية من فُحش فى فتاويهم يصبح منسوبا الى الاسلام هو أفظع إيذاء للاسلام ولرب العزة ورسوله الكريم .
3 / 4 / 2 : ويتبع ذلك الإيذاء للمؤمنين المتمسكين بالقرآن وحده حديثا وكتابا ، يقول جل وعلا فى الآية التالية : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (58)). وأولئك المؤمنون الحقيقيون مأمومورون بتحمل الأذى ، ولقد أكّد رب العزة بكل صيغ التأكيد فى اللسان العربى أن أولئك المؤمنين سيتعرضون للإبتلاء فى أموالهم وأنفسهم بما يُعدُّ ذلك الابتلاء المؤكد دليلا على أنهم على الطريق المستقيم طالما يأتيهم الايتلاء ويسمعون الأذى والاتهامات الباطلة من الضالين من أهل الكتاب والمشركين المحمديين ، ولو صبروا واتقوا فهم الفائزون ، يقول جل وعلا يخاطب المؤمنين الحقيقيين فى كل زمان ومكان : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران ).
3 / 4 / 3 : وفى الآية التالية فى موضوعنا فى سورة الأحزاب تشريع جاء بخطاب الى النبى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)) وفيه نوع من الأذى كانت تتعرض له النساء المؤمنات فى المدينة ، فجاء الأمر بالحشمة حتى لا يطمع فيهن الذى فى قلبه مرض . ومع أنه تشريع بالحشمة خاص بمكانه وزمانه إلا إن عوامله الموضوعية تجعله تشريعا سائدا لمن تريد أن تدفع عن نفسها أذى التحرش من الذين فى قلوبهم مرض ، وما أكثرهم فى بلاد المحمديين .!
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5130 |
اجمالي القراءات | : | 57,289,520 |
تعليقات له | : | 5,458 |
تعليقات عليه | : | 14,839 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
أسئلة عن : ( بوتين سيقتل بشار ، سوريا وثقافة الاستبداد والاستعباد )
الغزالى حُجّة الشيطان ( الكتاب كاملا )
خاتمة كتاب ( الغزالى حُجّة الشيطان فى كتابه إحياء علوم الدين )
دعوة للتبرع
عن يونس : اريد من سيادت كم ابداء رأيكم في موضوع النبي...
كاتب عاص : قرأت أغلب مقالا تك في جميع الموا ضيع ...
الابتلاء من تانى .!!: هل صحيحٌ ما يقوله السّن ة أنّ كل شيء في هذه...
اين تسامحكم : سلام عليكم أستاذ ي الكري م ورحمة من الله...
كالاعلام: ما معنى قوله جل وعلا : ( وَمِن ْ آيَات ِهِ ...
more