تشريع الحدود بين الأمة والسلطة

سامح عسكر Ýí 2014-08-16


ليس هو المجال ولا الوقت للرد على مزاعم التكفيريين والداعشيين والإخوان في الحدود ، ولكن هو الوقت لاستئصال ذلك الفهم الداعشي الموجود عند كل نفسٍ تراثية تفكر بطُرق ماضوية ومعزولة إما جزئياً أو كلياً عن المجتمع، وهذا يعني أنه يوجد شريان يغذي الفكر الإخواني الداعشي في كل نفسٍ تقليدية أو ادعت عصمة مكذوبة لكتاب من كُتب التراث، ويستوي في ذلك السلفيين مع الأزهر، فكلاهما مصدر من مصادر التطرف برفضهما إحداث أي مراجعات فكرية لكتب التراث.

تلك المراجعات ضرورية للانسلاخ عن الفهم القديم للقرآن، ذلك الفهم الذي كان مقيداً بظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية في أزمانهم وأماكنهم، كذلك كان مقيداً بشيوع أخباراً وأحاديث مكذوبة لا علاقة لها بالشارع.

مطلوب فض العلاقة بين السلطة والأمة في الفكر الأزهري والسلفي، فهم يرون الشريعة والحدود من رؤية سلطوية، بينما الدين جعلها من رؤية أممية وهنا الفارق، فالقرآن حين يتحدث عن مفاهيم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوسطية والخيرية فهو يخاطب الأمة لا السلطة، فلربما كانت السلطة لا تعبر عن الأمة، مثلما يحدث في دولة داعش، فداعش تعبر عن سلطة سنية سلفية ، بينما الأمة بها الشيعة والإباضية وغيرهم، وفوق ذلك توجد اتجاهات سنية مخالفة لرؤية داعش في السلطة، بل توجد تباينات واختلافات بين الدواعش أنفسهم..

تأملوا هذا الحديث عن الأمة

"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "..[البقرة : 143]

"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله "..[آل عمران : 110]

"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ". [آل عمران : 104]

لا يزعم أحد أن المقصود من الأمة هم السنة أو الشيعة أو السلفية أو داعش أو الأزهر، بل هذا بيان عام لأمة الإسلام وكل من اتخذ الإسلام دينا، وقد ضل من حصر الإسلام في مذهبه أو حزبه، وسعى إلى تكفير الناس، وخلط بين حديث الأمة وحديث السلطة، وجعل من دينه شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون..قال تعالى:

"ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ".. [آل عمران : 105]

"إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ".. [الأنعام : 159]

بل أمر الله بالانحياز لهذه الأمة وجعلها رمزاً للوحدة..قال تعالى:

إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون [الأنبياء : 92]

فالأمة هي المسئولة عن إعادة تجديد وصياغة الدين في العقول، وهي المسئولة عن الراوبط الاجتماعية والوسائل الدعوية كما جاءت في القرآن واستحسنها العقلاء.

والأمة هنا كذلك ليست دولة، لأنه لا يمكن تحقيق دولة عادلة على أساس ديني، لأن المصالح تنقضها ، وهذه أقوى حجة تنسف قضية الخلافة من جذورها، لأنه حين تختلف وتتعارض المصالح ستسقط الأديان ، الأمة هي رباط هيولي روحاني وإنساني يجمع الناس تحت لواءٍ واحد، وما من أمة إلا وتشعر بذلك الرباط، ولكن منهم من يتطرف حتى يجعل ذلك الرباط دونياً وعنصرياً، كمن جعل العزة للمسلمين دون غيرهم أو للمسيحيين دون غيرهم، بينما جعل الله العزة في الفوز الأخروي المؤجل بقوله تعالى:

"إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد".. [الحج : 17]

إذن فمن الخطأ توظيف نصوص الحدود في جانب السلطة، لأن الظلم سينتشر وتتفكك الدولة عقائدياً ويثور الشك لشيوع المظالم، أو يلجأ الإنسان إلى التقية ليحمي نفسه ويخلق بذلك مجتمعاً أكثر نفاقاً من غيره.

في تقديري أنه حين الانتقال من الأمر للسلطة إلى الأمر للأمة حينها ستختلف الرؤى، لأن ذلك الرباط الهيولي سيجعل مصالح الإنسان مقدمة على أي فهم للنص، أو حتى النص نفسه، لأنه سيسعى حينها لتأويل تلك النصوص للمصلحة العامة، وهذا ما أراه الآن بعيني.. حيث تسود روح مدنية ترفض أي تمييز على أساس ديني أو عنصري، وتجعل النصوص في خدمة الإنسان/ الأمة لا لخدمة المذهب/ الحزب، وبالتالي كانت السلطة هي الاختيار الأممي لتعريف الإنسان ومجتمعه، لا السلطة التي تأمر وتقطع وتؤسس وتختار...أو بما يُعرف بالوسائل الديمقراطية.

نخلص من ذلك إلى أن الأمة هي الأصل في الخطاب التشريعي، وهي التي لديها الصلاحيات في تحديد المسئوليات وتعيين الحقوق، والخلط بينها وبين السلطة هو ما أفسد تراث المسلمين، وجعلهم أسبق إلى الحروب والفتن والمجازر والمظالم من غيرهم..خصوصاً في العصر الحالي، ويتساوى في ذلك الخلط جميع من يعتقد في عصمة التراث من النقد، أو يسعى للهجوم أو التشكيك في كل من يرفع نداء مراجعته.

أقوى دليل على هذا الخلط وفساده البيّن هو قوله تعالى:

"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون".. [النور : 55]

هذه الأية هي قاعدة أصيلة في أدبيات الإخوان وداعش وكل أعضاء الإسلام السياسي، ومنها استنبطوا مفهوم.."الخلافة"..وقعّدوا له القواعد، ولكن كما قلنا فهو فهم للآية يرتكز على أن تعيين المخاطب في الشرع هو السلطة لا الأمة، كذلك في فهم الأمة داخل إطار ضيق صاغه وأسسه الكذابون والوضاعون إبان عصور التدوين الأولى، فالأمة عند هؤلاء الوضاعين هي أمة السنة وهي أمة أهل الحديث وهي التي تقول كذا وكذا..ومن هذه القاعدة نشأ الفهم السلفي التقليدي وشاع التفسير في كتب القرآن بعد ذلك على تلك القواعد.

لذلك عندما نقول بضرورة ووجوب مراجعة التراث فهو وجوب يُحمل ابتداءً على إعادة تعريف هذه المفاهيم من جديد، مفهوم .."كالكُفر والإيمان"..هو الذي يؤسس مفهوم الأمة، ومفهوم.."كالخلافة"..هو الذي يؤسس للعلاقة بين الدين والسياسة، ومن هذه المفاهيم تنشأ إعادة توزيع الأدوار من النسق الوجوبي لا النسق الحقوقي كما يُقره خطاب القرآن للأمة.

بتوضيح أكثر أن التراث الحالي هو يحمل خطاب الشارع من كونه نسقاً وجوبياً تكليفياً، كنتيجة طبيعية للخلط بين مفهومي الأمة والسلطة، لذلك خرجت قاعدة الوجوب من أعلى الهرم السلطوي، وعليه كان يجب تقديس أعلى ذلك الهرم وحرمة مراجعته، فنشأت أحاديث وأخبار تمجد في الحاكم كونه ممثل أعلى هرم السلطة، وأخباراً تحرم مراجعته أو نقده أو الخروج عليه، ووجود هذه الأخبار طبيعي لأن العقل المؤسس لذلك التراث كان تقليدياً في غاية التأثر بأحداث مع بعد الفتنة الكبرى، لذلك صدق من قال أن هذا التراث العقيم هو من إعادة وصياغة وإنتاج العقل الأموي، وقد حافظ على رونقه وشيوعه في الأذهان إبان العصر العباسي، وعاد إلى الأذهان أيام العثمانيين، حتى جددته الدعوة الوهابية من جديد بعد حرب مدنية شرسة عليه تعرض لها العرب في أولى زمان الاستعمار.

المهم أن مطالب التجديد -لذلك التراث- تقوم على الحقوق مقابل الواجبات، لذلك فالمطالب نشأت من نسق حقوقي لا نسق وجوبي كما يقره النظام القديم، فالتراث في قواعده الأساسية يفرض على الإنسان إيمانه واختياره، بينما التجديد يتطلب أن يكون الإنسان حرُ في اختياره، فالتكليف يجب أن ينبع من الذات كي لا تؤثر رغبات الإنسان وأهواءه ومصالحه في ظلم الآخرين، بينما النظام القديم –الذي يقره الأزهر والسلفية- هو يعتبر التكليف ليس خياراً على الإنسان بل هو جبر واختيار لممثل آخر للأمة/ السلطة وعليه فالإنسان ليس حراً كي يختار لنفسه وبالتالي يعمل وينتج.

وهذا هو السر في تخلف أمة المسلمين من بعد سيطرة أهل الحديث إبان انتصارهم على المعتزلة في أواسط القرن الثالث الهجري، ومن يومها جَمُد العقل الإسلامي حتى تجمد داخل كرة من الثلج لقرون طويلة بحاجة إلى مرزبة لكسر هذه الكرة وإعادة إحياء ذلك العقل من جديد، وأظن أن في هذا العصر يملك تلك المرزبة ولكنه لا يمتلك الشجاعة بعد للتكسير..

ننتقل الآن إلى قضية الحدود وهي في رأيي- ورأي الكثيرين- تتبع فلسفة العقوبات، وبالتالي أولى بدراستها طلاب الحقوق وأساتذة المحاماة وشيوخ القضاء، كانت قديماً يدرسها شيوخ الدين ويقرها إمام المسجد لأن شيوخ الدين-حينها-كانوا أصحاب السلطة المعرفية الوحيدة في المجتمع، لم يكن أحد يجرؤ على مراجعتهم أو أدلتهم في حين تبين له الحق ، أما الآن فتعددت أصحاب هذه السلطة ، وظهرت لنا شرائح ومجتهدين ومثابرين خارج النطاق الوظيفي للدين، سواء من باحثين أو صحفيين أو مثقفين أو فلاسفة، حتى أن أولى بوادر ظهور هذه الشرائح نتجت من تأثير ظاهرة الاستشراق، تلك الحسنة العظيمة التي انتفع بها العرب والمسلمين من الحضارة الغربية.

أما المطالبين بتلك الحدود فهم البقية الباقية من أثر ذلك التراث في العقل العربي، وهم ممثلي الإسلام السياسي من داعش إلى الإخوان إلى الأزهر، ولعل البعض يعجب من وضع الأزهر بجوار الإخوان وهو من تصدى لهم ولفتنتهم بعد ثورة يونيو، ولكن لم يدرِ ذلك المتعجب أن الأزهر لم يشارك ولم يصنع أو حتى يتفاعل مع ثوار يونيو في مصر، بل كان حينها مستسلماً تماماً لسلطة الإخوان، وأجزم أنه لو فشلت هذه الثورة لأصبح الأزهر هو المتحدث الرسمي باسم داعش والإخوان، ولظهرت فيه فتاوى وجوب الخلافة والدولة الإسلامية من جديد بعد عقود على ردمها مؤقتاً بفعل حرب الدولة المصرية على الإرهاب في القرن الماضي.

فالجذور الأزهرية والإخوانية متطابقة، وذلك الصراع الآني بينهم هو صراع نفوذ كما أوضحت قبل ذلك، ومرده إلى الخلاف العقدي الشهير بين مدرسة الحنابلة وابن تيمية –التي يمثلها الإخوان وداعش-وبين ممدرسة الأشعرية التي يمثلها الأزهر، لكن الجذور واحدة في الحقيقة والتراث واحد، وما كان خلافهم إلا عن تأويل وتوجيه للنصوص خارج المحكم من القرآن، ولعل من الأعجب ان يتنافسوا على صحة خبر منسوب للنبي في شأنهم هو في الأصل معارض للقرآن وللعقل، وفي الأيام الماضية كانت هناك موجة إعلامية كشفت هذا التراث للإعلام وللشارع..

لديهم حجج بالطبع لتشريع ذلك التراث ولتقنين هذه الحدود، بل بعضهم يعتبرها أصلاً من أصول الدين من تركها فقد كفر، والسبب هو في اجتماعهم على أن الغرض من هذه الحدود هو تعديل السلوكيات والآراء، بينما فلسفة العقوبات عموماً لا تهتم لهذه الأشياء، وتضع العلاقات الاجتماعية والتربوية أصلاً يُفهم منه كيفية تشريع العقوبة.

فمجتمع كالصين مثلاً يرى أن العقوبة هي تأهيلية أكثر من كونها إقصائية ، ولديهم نظام في العقوبة يجعل المذنب يسافر إلى أقصى بلاد العالَم ليعمل وينتج، وبالتالي استفادوا من نفيه وتغريبه اجتماعياً، واستفادوا من تأهليه وصقله بخبرات الشعوب الأخرى.

في ظل ذلك يرى الأزهر والسلفيون أن الغرض من العقوبة هو الردع والزجر، والسبب كما قلنا أنهم يرون العقوبات هي لتعديل السلوك وقهر الجريمة كأصل الأصول، ولو كان ذلك صحيحاً فلماذا شرعوا قتل المرتدين عن الدين الإسلامي وهم يعلمون أن مسائل الاعتقاد هي اختيارية وليست جبرية، فدوافعم بذلك هي وهمية جراء جهلهم بأبسط دوافع تشريع العقوبة.

المهم أن من يزعم أن الحدود في الإسلام واجبة لقهر الجريمة فليُخرج لي حكومة واحدة طبقت الحدود في التاريخ وقضت فيها على الجريمة ، ليس في سنة أو في شهر أو في يوم بل في ساعة واحدة..ومن يزعم أن الحدود واجبة في مجتمع نظيف خالي من الموبقات ومُطهّر من الجرائم والفواحش فليُخرج لي من التاريخ مجتمعاً حصل على هذه الصفة..هؤلاء بحثوا عن كيفية تطبيق شريعتهم وألا تتعارض مع فطرة الإنسان وحقوقه فلجأوا إلى الصورة الطوباوية الخيالية القديمة عن المجتمع الإسلامي ودولة الخلافة..!

هذه الصورة مستحيلة الحدوث، فالإنسان يظل إلى أبد الدهر مجرماً وفاحشاً،لن يخلُ أي مجتمع من الموبقات والكبائر، حتى لو أحدثت الدولة رقيباً للإنسان يلازمة باستدامة كي لا يقع في المحظور.

الحل كان في بحث الإنسان عن ضوابط لتقييد السلوكيات المنتهكة لحقوق الغير، كي لا ينهار المجتمع وتفنى الدولة، وهو بذلك يظن أنه سيقضي على نواة الجريمة والانحراف ويستأصل معها كل جوانب الشر، لكن الواقع يصدق أنه ما من عقوبة كانت رادعة جعلت المجتمع في حلٍ عن التجاوز، والردع كان بنسب متفاوتة من الحد الأدنى إلى حد أقصى –في تقديري- 60% يكون المجتمع فيها خاليا من الشر، ولم يُسجل في التاريخ-ولن يحدث- أن خَلَت دولة أو مجتمع من الشر مطلقاً.

الغاية من كل مجتمع هو حفظ الحقوق والحريات، وهذا لن يكون إلا بقوانين منظمة ورادعة ومبشّرة، وتوجد عقوبات على جرائم كافية-حسب مشرعيها ومجتمعها-لضبط الجريمة..وهذا يعني أن الحدود ليست هي الطريق الوحيد لضبط الجرائم ، بل توجد عقوبات أكثر حدة وضبطاً منها، كما أنها لا تمس هيبة وشعور الإنسان المعاصر الذي يرى الجريمة في الصين كما يراها في الشارع المجاور، ورغم ذلك توجد لدى الصينين عقوبات هي أكثر ردعاً من الحدود وأكثر ضبطاً منها وفوق ذلك هي لا تظلمه وأهله..

لنفرض مثلاً أن شخصاً متزوج قد سرق، حسب مشرعي الحدود تُقطع يده أي العضو، وعُرف أنه بعد القطع لن يجد مصدر رزق يصرف به على عياله، ما العمل حينها وقد أصبحت حياته وحياة أسرته مهددة وعلى كف عفريت؟!...يزعم أصحاب الحدود أن الحدود جاءت للتهديد والردع أكثر من تنفيذها وقطع أعضاء الناس، ولكن هذه أمور نفسية لا يمكن ضبطها بدلالة وجود داعش والنصرة والقاعدة والإخوان جميعهم يرون الحدود واجبة التطبيق وأمرها يعود إلى الحاكم وإلى فتوى القضاء.

ولماذا نذهب بعيداً وهناك حكومات كطالبان والسودان تقطع الأعضاء بحكم قضائي نافذ..المشكلة الأكبر هي في كيفية فهم القطع الوارد ذكره في القرآن، وفي الاختلاف حول تقييد وإطلاق اللفظ سواء في سياقه أو في خارجه، وهذه الجزئية كانت محل جدل بين فقهاء المسلمين قديماً وإلى الآن، ولكن أغلبهم اتفقوا على أن الحدود واجبة سواء بقطع العضو أو بقطع أطرافه.

المسلم التنويري لا يرى في الحدود سوى ما رآه من رحمة الدين بالبشر، وعليه يلجأ لتأويل الآيات بالحد الأقصى من الرحمة، وبالحد الأدنى من العقل الذي يبحث في تجنيبه الظلم، ثم إن النواحي الفاسدة من تطبيق هذه الحدود لا تعد ولا تُحصى..سواء من تأثيرها السلبي على البنية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الدينية للمجتمع، الأسرة مهددة والجيرة للمختلفين دينياً ومذهبياً مهددة، إذ كيف ستحافظ على نقاء المجتمع وترابطه والأقلية الدينية والمذهبية تشعر بالاضطهاد كون حظها العاثر أوقعها تحت شرط الخصوم، وبالتالي ليس لها الحق أن تفكر أو تعمل خارج إطار السلطة وآراء الأغلبية..

مثال توضيحي..دولة كطالبان طبقت الشريعة والحدود، وأقلية مسيحية عاشت في كنفها، كان علي المسيحيين إما أن يدخلوا في الإسلام أو يدفعوا الجزية أو يرحلوا بالكلية- وهذا سنة أحيتها داعش في العراق وسوريا مؤخراً-فضلاً أنه لو دفعت الجزئية فكيف ستعيش في مجتمع يراها كافرة والمتطرفون منهم يرونهم شياطين لا يُقبل منهم صرفاً ولا عدلا..هذه كارثة إنسانية وفكرية ودينية عظيمة جراء تمسك هؤلاء بهذا التراث المملوء بالجرائم والإقصاء والظلم..

ونحن إذ نطالب بتجديده فهو من آثار الظلم الباقية من العهود والأسلاف الغابرة، لا أن نرى من يخرج علينا بالجزية في حق دافعي الضرائب والمدافعين عن الأوطان، أو يطالب بقطع رؤوس وأعضاء المواطنين ثمناً لجرائمهم ، وهم من قرأوا الدين برؤية تاريخية لم يروا حاكماً أو وزيراً في دولة الخلافة قُدم للمحاكمة وأقيم عليه الحد، فهل هؤلاء الحكام والخلفاء كانوا معصومون عن الجرائم والأخطاء ؟..نعم إنهم يرونهم كذلك، وهي من سيئات ذلك التراث الذي جعل الحاكم مقدساً معصوماً لا يرى في شعبه سوى مجاميع من الغنم لا حق لها أن تعيش فضلاً على أن تفكر.

اجمالي القراءات 6969

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 8,100,361
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt