المرأة بين الشيئية والعدم ( وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت // وقد رابني منها الغداة سفورها )
تقديم
لننطلق من الثابت الديني أولا ومن القرآن خصوصا للتأصيل لموضوعنا ! أولا ، نقول ، إن تفسير القرآن ليس حكرا على زمن معين أو أشخاص معينين ! إن الله إذ بعث رسالته ، بعثها للناس كافة ولن يعذب العلماء منا بذنوبنا إذ لا تزر وازرة وزر أخرى وكل نفس بما كسبت رهينة ! وكل منا مسؤول عن أفعاله وعما يتبع : "وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا"( الاحزاب 67 ) . لكن قبل ان أبدأ مقالي هذا ، أنبه بأنني لن أتجاهل التراث في بحثي لأنه جزء من التاريخ ولا يمكن للأمم أن تتقدم إذا لم تلتفت إلى ماضيها حتى تستفيد من إيجابياته وتقلع عن سلبياته ! لذلك حينما أتبنى هنا قول الشافعي كحكمة لاحترامي رأي الآخرفي قوله "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" فهذا لايعني البتة أنني أتبنى فكره ولكنني اتبنى مفهوم الحرية الذي تعبر عنه المقولة ؛ تماما كما يمكنني أن أتبنى مقولة سبينوزا أو نيتشه دون أن يعني ذلك أنني أتبنى فكرا لادينيا. طبعا مفهوم الحرية هنا مقصور على فهم وتدبر القرآن ولا يمس ولن يمس الثوابت القرآنية بأي حال من الاحوال ، وإنما قد يعبر عن فهم قد يتفق معنا القارئ فيه وقد يختلف ، ولكن الأهم بالنسبة لنا هو اعمال العقل والفكر في التدبر وكما يقول هيجل: " العقل يجمع الناس والفهم يفرقهم " . لذلك فأنا هنا أحاول أن أوصل للقارئ رأيي دون ادعاء صحته أو نفي الخطإ عنه لأنني بذلك أمارس حرية أفاءها الله علي وواجبا تجاه إنسانيتي التي كرمها الله ، وهنا يحضرني قول نيتشه : إن الحرية لاتشكل خطرا على التقوى أو على سلامة الدولة ، بل إن ضياعها يؤدي إلى ضياعهما معا". وللنطلق من هنا بإذن الله.
سأبدأ أولا من ثابت في صفات الله تعالى ألا وهو العدل ؛حيث لم يذكر الله عز وجل في كتابه تخفيفا في العقوبات الدنيوية أو الأخروية بالنسبة للمرأة ، بل لقد وضعها جل وعلا أمام مسؤولية اختياراتها التي ستحاسب عليها أمام الناس في الدنيا وأمامه في الآخرة ! لذلك فإننا نرى قمة العدل وقمة المساوات في المحاسبة على نتائج التصرفات والاعمال ! وحين يحاسب الله إنسانا فهذا لأنه " أعطاه عينين ولسانا وشفتين وهداه النجدين " فهو اما يختار طريق الخير أو يتبع طريق الضلال ، ذكرا كان او أنثى. لذلك فالمحاسبة العادلة تستلزم تهييء نفس القدرات والامكانات والا كان الحكم ليكون جائرا ؛وليس الله سبحانه وتعالى" بظلام للعبيد"(ونحن نتحدث هنا عن القدرات العقلية طبعا وليس الجسدية لأن الاختلاف الأخير ليس قصورا وإنما هي الطبيعة التي خلق الله عليها المرأة كما خلق الرجل القوي والضعيف، والبصير والضرير ، والقادر والمقعد ، إذ لايمكن اعتبار المقعد او المريض قاصرا لضعف بنيته الجسدية ولا يمكن احتقاره او اختزال إنسانيته في بنيته الجسدية لان ذلك لم يكن اختياره وانما الله يخلق مايشاء ) ! من هنا ومن اليقين ابالعدالة الاهية التي تشطر العذاب الى نصفين عندما تنتفي المسؤولية (كالحكم بنصف العذاب للعبيد والاماء في حكم الزنا مثلا) لانتفاء حرية الاختيار وصولا الى التسامح النهائي بالنسبة للمملوكة ،التي يضطرها سيدها إلى ارتكاب الفاحشة). لذلك نحن نؤكد انطلاقا من إيماننا بعدل الله كذب حديث نقصان العقل والدين عند المرأة لان النقصان يستلزم بالضرورة التخفيف في العذاب ! لسنا هنا بصدد الدفاع عن المرأة بل بالعكس ، نحن نضعها أمام مسؤولياتها!لأن فلاحها في الدنيا والآخرة مرهون بصلاح أعمالها! حيث ان المرأة يجب أن تعي حجم ماألقي على عاتقها " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" !
المرأة في التراث كائن بشري أم أداة في يد الشيطان ؟
لقد دأبت المرأة منذ بداية العشرينيات على محاولة إثبات ذاتها من خلال منافسة الرجل في شتى الميادين والتفوق في الكثير من المجالات ؛ وقد توصلت بعض النساء الى مناصب عليا بل الى مراكز اتخاذ القرار، وطبعا هن معدودات على رؤوس الاصابع ( لن أنتظر حتى يرد علي أحدهم بذلك فهذه هي الحقيقة )! وإذا كانت المرأة الغربية قد تمكنت من إثبات ذاتها (بضربة حظ إبان الحربين العالميتين اذ تمكنت من صناعة الطائرات والسفن والأسلحة عندما كان الرجال يحاربون في الخنادق مما أدى الى الاعتراف بجهودها واعطائها الحق في الادلاء بصوتها في الانتخابات إلى غير ذلك من الحقوق ) ؛ فإن المرأة العربية ماتزال ترزح تحت وطأة القهر والحرمان والنظرة الدونية التي يكرسها التراث ! ومع اننا لانراها ملزمة بإثبات قدرتها على منافسة الرجل حتى تكتسب الاحترام ، لان الله جل وعلا قد كرمها بقوله " ولقد كرمنا بني آدم " ؛ تماما كما ان الطفل ليس ملزما بإثبات قدرته على فعل الاشياء حتى يكتسب تقديرنا ويستحق اهتمامنا ، لانه مستحق للاحترام بذاته والعناية وعدم التحقير ، دون الحاجة للإتيان بالخوارق! والأمثلة كثيرة لا تحصى في احتقار التراث للمرأة لدرجة انها شبهت بالكلب والحماروالافعى ! اي انها قورنت باحقر واحط المخلوقات الحيوانية ! كماانها لاتعدو ان تكون أداة جنسية لا أكثر! وعندما أقول أداة جنسية ، فهذا ليس كلاما انشائيا بل إن تشويه جسد الانثى بالختان أكبر دليل على هذا!
على أي ، نحن لسنا هنا بصدد الدفاع عن المرأة ولكن بصدد الدفاع عن الدين الاسلامي الذي الحقت به كتب التراث ضررا كبيرا بظلمها للرجل والمرأة على السواء ، فهي حين اختزلت المرأة الى مجرد جسد، قد اختزلت الرجل الى مجرد كائن ضعيف يسيل لعابه كلما وقع نظره على انثى . ونقول انثى تجاوزا بل قد يكون عينا يسرى أو نصف عين ، أو مجرد عطراستفز حاسة شمه أو مجرد خيال في خمار يمر أمامه ! وسنأتي على هذه المسألة بتفصيل اكثر في النقطة الثانية من البحث ! لقد الصقت كتب التراث المكر بحواء مع ان القرآن الكريم يخاطب آدم وحواء بشكل ثنائي في استسلامهما للغواية " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه "( البقرة 35 ) .بل إن القرآن يخبربعكس ذلك تماما: ء﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى﴾ (طه/120). أما كتب التراث فهي تجعل من المرأة حليفا للشيطان الذي أخرج آدم المسكين المغلوب على أمره من الجنة ! قالوا لنا إسرائيليات ،و قلنا نعم ! نقحوا إذا تراثكم من الإسرائيليات! مع ان البخاري يورد حديثا عن ابي هريرة نسبه للرسول عليه السلام (زورا): " لولا حواء لما خانت أنثى زوجها الدهر" أين تضع يا أبا هريرة" لاتزر وازرة وزر أخرى" ؟ لاحظوا معي أن حواء أزلت نصف الانسانية وبهذا فقد خففت العبء عن الشيطان ولم يبق له إلا التفرغ للنصف الآخر! وانتبهوا من فضلكم الى هذا الحديث وإسناده حسب زعمهم صحيح ومفاده ان مسؤولية الحيض ألقيت على عاتق نساء بني اسرائيل ( ايه ! الحمد لله تحملنا وزر حواء والآن سنتحمل وزر نساء اليهود). اخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: " كان النساء والرجال في بني اسرائيل يصلون جميعا وكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن من المساجد" وعنده عن عائشة نحوه! ( No comment) .
ولكي لايقال بأننا ندافع عن المرأة وبأن القرآن نفسه ورد فيه بأن" كيدهن عظيم " نقول أولا : بأننا لانؤمن ببعض القرآن ونكفر ببعض ، بل إننا نقر بالإجابي والسلبي في حقنا ! لقد انشأنا الله في بطون أمهاتنا وهو أعلم بنا ! ولكن قبل ان نستطرد في القول . لنتذكر آية أخرى وهي " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها" هنا نرى قمة المساوات في الفجور والتقوى بالنسبة للرجل والمرأة لأن الله عز وجل يتحدث عن النفس بشكل عام . فهل نعد هذا تناقضا في القول ؟ حاشى لله أن يكون قوله متناقضا! أم سنلهث جريا وراء الناسخ والمنسوخ ؟ لا ! بل ان الآية تقرر تحصيل حاصل توصل إليه علم النفس والاجتماع وفسره بطريقة علمية ( لا تفرحوا بسرعة فالقرآن لم يقرر بأن الكيد من وفي طبيعة النساء بل إنه سلاح في أيديهن عظيم )! والفرق شاسع بين الطبيعي والغريزي وبين المكتسب ! وكذا بين المخصص والمعمم !
يقول تعالى جل من قائل " فلما رأى قميصه قد من دبرقال هذا من كيدكن إن كيدكن عظيم " ( يوسف 28) ! فسياق الآية هنا واضح والمقصود فيه نساء بعينهن وليس كل النساء وهن فقط من راودن يوسف عليه السلام عن نفسه !اذ لا مجال هنا للتعميم ! ولكن ولنعود إلى كيد المرأة ، منطلقين بالطبع دائما من القاعدة الاهية في العدل والمساوات ومنتهين الى الأواليات الدفاعية الواعية واللاواعية للمرأة في مجتمعات القهر والتبخيس الذي لحق بها باسم الدين أحيانا وبسبب العرف والجهل والتقليد أحيانا أخرى ! وهنا لابد من من التنبيه الى الازدواجية في النظرة للمرآة في العالم العربي" الاسلامي" ! فهي إما محاطة بهالة من المثالية والتقديس إذ تعتبر رمزا للتضحية والتفاني والعطاء والحب وهذا ينطبق على المرأة الأم ،حيث انها تمثل اكثر القيم حساسية وسموا وإما انثى غاوية تتملك عقلها الخرافة والسحر والكيد للرجل والرغبة في امتلاكه والسيطرة عليه ! وهذا صحيح ، خصوصا في الاوساط الفقيرة والمقهورة والتي غالبا ما حرمت من التعليم ! ( لاحظوا اننا نتحدث عن بيئة وتربية المرأة وليست عن طبيعتها البيولوجية أو التشريحية) . وهنا نورد قولا للدكتور مصطفى حجازي من كتابه (سيكولوجية الانسان المقهورص 235) :.. ان سلاح الاحتيال والمكر الذي ألحق بحواء [هو] سلاح يفصح عن العدوانية التي لابد أن تكمن في علاقة المرأة المغبونة بالرجل ، [إذ أن ] قدرتها على استعمال هذا السلاح تنمو بالضرورة نظرا لما يفرض على كيانها من حدود وقيود ، علاقة المكر هذه هي نتاج مباشر لوضعية القهر ، وهي إحدى مظاهر التشويه الذي لابد أن يصيب كل علاقة سيطرة ورضوخ". فالمرأة إذا تجد في الكيد تارة وفي السحر والشعوذة أحيانا أخرى سلاحا دفاعيا ضد وضعية القهر والخنوع المفروض عليها وقد تستعمل سلاح " التنغيص الذي تتفنن فيه بعض النساء "تارة اخرى ! ف" دفاعات المرأة ... تذهب جلها في اتجاه مرضي لأنها وليدة علاقة مرضية بين الرجل والمرأة ( علاقة التسلط والقهر) ، وهي دفاعات لاتفسح مجالا أمام بروز علاقات معافاة ، تحمل الاثراء المتبادل لكل من الرجل والمرأة" (نفس المرجع ، ص. 236 ) . وخلاصة القول ان حرمان المرأة من التعليم وتجهيلها بل اختزالها في تاء التأنيث احيانا وحلف الشيطان تارة أخرى ادى بها فعلا الى تبني الشخصية التي اريد لها ان تكونها حتى اصبحت تلك الشخصية جزءا من لا وعيها.فأصبحت تتبنى كل الاوصاف والاختزالات التي أحاطها بها المجتمع بل تقبلتها كجزء من طبيعتها ! مثل التحايل والدهاء والالتفاف او ماسمي في علم النفس بسلوك الالتفاف (conduite de dętour ). وهو سلوك يتوسل أدوات غير مباشرة للوصول الى الهدف لصعوبة التوصل إليه بطرق مباشرة قد تؤدي الى صدام لا قبل للمرأة بالانتصار فيه ! قد يتساءل البعض عن جدوى تضمين بحثنا هذه النقطة ونجيب على ان المرأة أصبحت فعلا تتبنى وضعيتها الدونية وتربطها بطبيعة ما أنزل الله بها من سلطان ! بل أصبح تبنيها للنقاب والحجاب أحيانا غير نابع من قناعة راسخة (وهذا ماسنناقشه في النقطة التالية ) بل أصبحت تعتبره شيئا فرضته طبيعتها كأداة فتنة وإغراء ! ولو دققت قليلا في أقوال الفقهاء لوجدت نفسها ربما ممن هن غير ملزمات بالستر لقبحهن ! اعتذر ، ولكن تسمية الأشياء بمسمياتها هو بالنسبة لنا الشرط الأساس للوصول الحقيقة .
الحجاب بين الحقيقة القرآنية وتفاسير الفقهاء
مع ان لفظ الحجاب في القرآن لم يرد أبدا الا بمعنى الحاجز ، إلا أن المسلمين رفضوا الا ان يسموا ماتغطي به المرأة شعرها حجابا! تأسيا بالاصطلاح الجاهلي للفظ الحجاب ! كما جاء في هذا البيت من شعر الشنفرى مثلا ؛ وقد ورد عنده بمعنى النقاب الذي يغطي جسد المرأة كله ماعدا عين واحدة ! والجدير بالملاحظة هو التشابه الكبير بين الحجاب الذي فرضته الوهابية على النساء والحجاب الوارد ذكره في هذا البيت إذ يقول الشاعر تغزلا بحبيبته : وصدت كأن الشمس تحت حجابها /// بدا حاجب منها وضنت بحاجب ! ونلاحظ بأن هذه المرأة كانت تغطي جسدها كله بحجاب ولم يكن يظهر منها إلا عين واحدة ! طبعا هذا لم يمنع الشاعر من التغزل بها ولكن هذا ليس موضوعنا ! بل الذي يهمنا هو الاشارة إلى أن " المسلمين تجاهلوا لفظة الحجاب كما وردت في القرآن في حجب نساء النبي عليه السلام وأبوا إلا أن يسموه حجابا بل أن يطبقوه ( وهنا نتحدث عن الوهابية) بالطريقة الجاهلية لمفهوم الحجاب ! وقد ورد أيضا بمعنى القناع لذلك تجد التفاسير لا تفرق بين البرقع والقناع والحجاب : ونرجع إلى الشنفرى في بيت آخر: " لقد أعجبتني لا سقوطا قناعها /// إذا مشت ولا بذات تلفت .الذي يهمنا من هذين البيتين ليس فقط المعنى الاصطلاحي للحجاب أو القناع ، ولكن القيمة التي كان يمثلها في المجتمع الجاهلي ، فقد كان رمزا للحشمة والوقار ! وتغنى به الشعراء بهذا المعنى وقد كانت كلمتهم مسموعة . فالمرأة المقنعة المتهادية المشية كانت تفرض الاحترام والاعجاب ! وقد أقر الإسلام هذا التقليد ( طبعا ليس بمعنى الحجاب ولا النقاب ولا القناع ) بل بإدناء الجلابيب . ونحن نعرف أن الاسلام نزل في مجتمع وإن كان كافرا ، إلا أن الاخلاق كانت من شيم أهله . وقد أقر الكثير منها كغض البصر مثلا! حيث يقول عنترة : وأغض طرفي ما بدت لي جارتي /// حتى يواري جارتي مأواها. او لنعود مرة اخرى للشنفرى " وإذا مشت ولا بذات تلفت " وأن لا يضربن بأرجلهن ليعلم مايخفين من زينتهن " . ففي مجتمع كهذا نزل القرآن ، وحين يقول عز وجل " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما". فإن الله أعلم بمن أنزل فيهم القرآن ويعلم تمام العلم أنهم يحترمون المرأة العفيفة لذلك عندما قال " أن يعرفن فلا يؤذين " فلأن المجتمع بطبيعته وأخلاقه لا يؤذي المرأة المحتشمة ! إلاالمنافقون طبعا والذين في قلوبهم مرض ! ولنعد للآيات المذكورة أعلاه والتي جعلها الفقهاء دينا مع أن الله عز وجل جعل لها علة واضحة وضوح الشمس " أن يعرفن فلا يؤذين " ! فالمجتمع العربي له تقاليده و أعرافه وكان يكفي المرأة أن تظهر الاحتشام في هيأتها فلا يتعرض لها أحد! وهذا هو هدف الآية " هو حماية نساء النبي ونساء المؤمنين من الإفك والأذى والتعريض ! والعلة ليست العبادة مطلقا كما في الصلاة مثلا " وأقم الصلاة لذكري " . بل بالعكس أردف الله لقوله عز وجل " أن يعرفن فلا يؤذين " قوله" وكان الله غفورا رحيما " . إذ زيادة على العلة ، هناك مغفرة ورحمة ولاذكر للإثم أو الفتنة أو الفاحشة ! لا أدري كيف استطاع الفقهاء أن يقلبوا المفاهيم في آيات واضحة في سورة كسورة الاحزاب ! حيث أن المعاب عليهم في الآية لسن أبدا النساء ( سبب الفتنة الأبدية ) ولكن الرجال المنافقون " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " . إذن نستخلص مما سلف مجموعة من النقاط .
اولا ، أن مصطلح الحجاب في القرآن هوالحاجز أما ما سماه التراثيون لباسا شرعيا فهو لباس المرأة في العصر الجاهلي وقد تبنته الوهابية ( وكأن الزمن توقف بالنسبة للعرب عند الشنفرى أي سنين قبل ظهور الإسلام ).
ثانيا، أن إدناء الجلابيب لم يكن حماية للرجل من فتنة المرأة أو جمالها بل درءا لأذى المنافقين والذين في قلوبهم مرض عن نساء المسلمين ! وبما أننا في القرن العشرين لابد أن نفتح قوسا ونحاول أن نفهم المقصود من الذين في قلوبهم مرض استنادا إلى ما وصل إليه علم النفس الحديث . فنجد بأن هناك مايسمى بالنظار التملكي . وهو نوع من الشذوذ الجنسي . فعوضا من وصول الذي في قلبه مرض إلى الإشباع الجنسي من خلال فعل الجماع ، يقتصر الأمر على مرحلة تمهيدية من الفعل الجنسي العادي وهو الإثارة من خلال البصبصة ! في هذه الحالة يمتلك المريض الموضوع الجنسي المرغوب فيه من خلال النظروما يرافقه من إثارة بدلا من امتلاكه من خلال علاقة جسدية فعلية وتامة !
ثالثا، ليست المرأة هنا من تلقت التهديد والوعيد في الآية بل المنافقون ومرضى القلوب والمرجفون.
رابعا : في هذه الآية ، ليس اللباس دينا وإنما حماية من الأذى . ونحن نرى بأن الأهم في هذه الآية ليس الجلباب في حد ذاته وإنما منع الأذى ! وهنا يجدر بنا التساؤل حول روح النص ! أو روح الدين ، أو علة الأشياء ، هل من حق المرأة حاليا التمسك بزي يسبب لها الأذى ، في الدول الغربية مثلا ، ويسيء إلى النظرة إلى الإسلام؟ أم أنه يجب أخذ العبرة من روح الدين والعلة من الآية نفسها؟
تحدثنا عن اللباس في سورة الأحزاب وللنتقل الآن إلى سورة النور : حيث يقول جل وعلا : { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .
تحدثنا عن غض البصر أعلاه وهو من الصفات الحميدة التي يجب أن يتحلى بهالمؤمن والمؤمنة على السواء . ومع ذلك فإننا نرى في بلاد المسلمين النساء وسط براقيعهن الزرقاء في أفغانستان يضربن بالعصا ولم نر هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم حماة للفضيلة يفقؤون عين أحدهم بنفس العصى لإلزامه على غض البصر). ومعنى الآية منع النظر بشهوة وللننتبه لحظة هنا الى مسألة غض البصر ، فالمقصود الغض من البصر ، وقد استعمل حرف "من " للدلالة على التبعيض ، وليس فيه نهيا عن النظر بشكل مطلق " وهنا ننبه فعلا إلى الفرق بين "غض الطرف "في بيت عنترة والغض " من" البصر في القرآن الكريم. وقد لزم الغض من البصر حفظ الفرج لتأكيد أن النظر المنهي عنه هو الذي قد يفضي إلى الفاحشة !
ولقد تحدثنا في تعليق سابق عن المقصود من الزينة في قوله تعالى " ولايبدين زينتهن إلا ماظهر منها " ولا نرى بأسا من إيراده هنا مرة أخرى لمن لم يطلع عليه، فالمقصود بالاستثناء هنا هو ماظهر من" الزينة " للضرورة اي ماظهر منها للعمل مثلا او العبادة .ونقصدبالعبادة هناالوضوء للصلاة ونحن نعرف حسب ما رواه البخاري ان النساء والرجال كانوا يتوضؤون في مكان واحد في عهد الرسول عليه السلام وفي عهد ابي بكر. وفي الوضوء تكشف المرأة والرجل رأسيهما للمسح كما تكشف المرأة والرجل يديهماالى المرفقين ورجليهما الى الكوعين وهذه هي الزينة الظاهرة او حسب التعبير القرآني " ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها "ضرورة واضطررا وعبادة ! وحتى بعد نزول سورة النور لم يفرق الرسول بين النساء والرجال في الوضوء بل لم ينه عن ذلك في حياته ولم يفعل ابوبكر أيضاحتى جاء عمر بن الخطاب ففرق بين الجنسين في الوضوء ! اذا ، ظاهر الزينة كان متفقا عليه بما تحدده ضرورات الحياة والعبادات لذلك فإن الله عز وجل لم يبينها لانها كانت معروفة ضمنيا في معاملات المسلمين وحياتهم اليومية ! لكن الاجتهادات التي أتى بها الفقهاء بعد ذلك ، لم تأخذ بعين الاعتبار واقع الحياة في عهد النبوة وحاول كل ان يعطي تفسيره حسب واقعه وبيئته وتقاليده غافلا عن ان الله العلي القدير الذي فصل كل شيء في كتابه المبين لم يكن ليترك الاشياء مبهمة ولم يفعل الا لان المسألة بديهية وواضحة .وقد اتبعه الرسول الكريم في نفس الفهم وترك ظاهر الزينة ظاهرها في الوضوء دون ان يجاذل في الامر لان الامر فعلا لا يحتاج الى جذال ولانه من البديهيات ! ولم يختلف الفقهاء في واقع الامر الا لانهم تجاهلوا الوقائع مع انها موجودة في الاحاديث التي يستندون عليها في كل صغيرة وكبيرة !
وقد يعترض قولنا هذا قائل بأن هناك تناقض بين مايظهر من الزينة بالضرورة (غسل الرجلين إلى الكعبين في الوضوء) وعدم الضرب بالأرجل في الأرض "حتى لا يعلم مايخفين من زينة" كالخلاخل مثلا. ولكن هذا التناقض الظاهري يزول بمجرد معرفة الفرق بين العمل العمد أو التصرف المتعمد وهو الضرب بالأرجل من أجل إظهار الزينة والعمل غير المقصود في ظهور الزينة اضطرارا. "إلا ماظهر منها". وقد حددت الآية أعلاه مجموعة من الذين يمكن للمرأة أن تكشف ال زينتها أمامهم دون حرج! وهنا يجب أن نقف على التابعين وغير ذوي الإربة ، وقد يكون هؤلاء عجزة أو غير ذلك ولكن الأهم هو " أن لا يكون في قلبهم مرض " . وما ملكت أيمانهن من العبيد إناثا كن أو ذكرانا". فنتسائل ولا نخاف من السؤال كالتراثيين الذين أصروا على أن ماملكت أيمانهن من النساء فقط، مع أن "نسائهن " ذكرت تحديدا وبكل وضوح قبل ماملكت أيمانكن ". فنقول بأن الله لم يستثن العبيد لنفس العلة المذكورة في سورة الأحزاب ، وهي درء الأذى الخارجي عن النساء . وهو أذى المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفون . أما شهوة العبد بالنسبة لسيدته فنعود للقرآن مرة أخرى ونقول ! لاتزر وازرة وزر أخرى. فالمرأة ليست ملزمة بأن تشق عن صدر العبد . ثم إن العبد المؤمن مسؤول عن بصره وملزم بغضه." إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"صدق الله العظيم .
وختاما نخلص إلى القول بأن القرآن عامل المرأة والرجل بنفس القدر من المساوات سواء في الثواب أو العقاب ولم يعتبر المرأة جسدا بل إنسانة مسؤولة عن اختياراتها وفرض حفض الفرج بالنسبة للجنسين ! والشيء الوحيد الذي زيد في هذه الآية بالنسبة للمرأة هو الضرب بالخمر على الجيوب. وهذا شيء بديهي جدا لأن الجيب أو فتحة الصدر هو مكان إثارة لغرائز الرجل !( تماما كالفرج بالنسبة لكليهما والذي أمرهما الله بحفظه على حد سواء). أما بالنسبة للتراثيين الذين لم يعتبروا أبدا المرأة الأمة إنسانا ، فقد قالوا بأن عورتها كعورة الرجل وهذا بهتان وإفك عظيم! لأن الله سبحانه وتعالى عندما خاطب نبيه قال: "قل للمؤمنات أن يغضضن من أبصارهن...) ولم يقل : قل للمؤمنات الحرائر أن يفعلن وأما الإماء المؤمنات فقد أعفيتهن! ونحن نعرف أن الله جل وعلا دقيق جدا في مصطلحاته ، وحين يريد أن يضع الفرق بين الأمة المؤمنة والحرة المؤمنة فهو يفعل . "ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم".
وفي النهاية أقول كما قال نيتشة: كل الأشياء خاضعة للتأويل ، وأيا كان التأويل ، فهو عمل القوة لا الحقيقة ! لقد ألزمت الحكومات المتعاقبة على حكم البلدان الاسلامية المسلمين بالتأويل الذي تراه مناسبا لخدمة مصالحها الدنيوية وفرضته عليهم فرضا بالقوة حينا وبالزور والكذب أحيانا أخرى ، ونحن إذ نحاول تدبر القرآن لا نفعل ذلك ابتغاء تأويله ، بل ممارسة لحرية منحها الله لنا وواجبا تجاه دين حاولت ومازالت تحاول أيدي التراثيين تلويثه.
اجمالي القراءات
18661
فى القصص القرآن يأتى نسبة قول الى قائله ، قد يكون القول خطأ ، بل يكون كفرا شنيعا مثل مقالة فرعون حين أعلن أنه الرب الأعلى . وقد يكون وجهة نظر للقائل ، مثل قول ذلك الرجل فى قصة يوسف للنسوة إن كيدهن عظيم . هذه وجهة نظره هو . فى كل الأحوال فهى اقوالهم فى هذا القصص الذى يذكر الأحداث والأقوال . وليست حقيقة قرآنية . الحقيقة القرآنية تأتى حين تكون منسوبة لرب العزة ، وهو القائل عن كيد الشيطان ( إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76) النساء )