عوامل مساعدة لانتشار الإرهاب
أولا: الجهل والأمية الذي يجتاح أكثر من نصف الشعوب العربية، فالإنسان الجاهل أكثر الفئات استهلاكاً من الشيوخ وأجهزة المخابرات، وهو حطب الحروب ووقود المؤامرات، الجهل هو مدمر الأمم ومحطم الحضارات، ولولا بذرة التنوير العربية في مطلع القرن العشرين لانساق العرب وراء التطرف كالعُميان، ولولا الدولة الحديثة التي أسسها الأجداد لعُدنا إلى عصر الخلافات المزعومة وأمراء الحرب.
ثانياً: الفقر..فكلما زاد معدل الفقر كلما انتشرت الحاجة، والإنسان المحتاج مسلوب الإرادة فيُساق كالبهائم في أيدي الشيوخ ، بينما الثروة الآن في مكانٍ واحد وهو دول الخليج، ومنها يخرج الإرهاب وينتشر كالفيروس ، في سوريا توجد إحصائيات للجهاديين السعوديين ،أكثرهم من الشمال والجنوب السعوديين.. وهي المناطق الأكثر فقراً في المملكة.
ثالثا: وسائل الاتصال الحديثة ومنها المواقع الاجتماعية Social Media، استغلها المتطرفون أحسن استغلال، كانوا في السابق يتواصلون بطريقة بدائية ،وكثيراً ما يجري ضبطهم قبل تنفيذ جرائمهم، لا شك أن تقدم الاتصالات سمح بحدود للحريات أكثر اتساعاً من ذي قبل، وهو يدعم نظريتي بأن حدود الحرية تنتهي ليس فقط عند حدود الآخرين، ولكن تنتهي حين يعجز الفرد عن فهم واجباته في إطار المجتمع والدولة، وهو يدعم آراء من لا يُجيزون الديمقراطية في المجتمعات الأمية، حيث ثبت أنه باجتماع الجهل مع وسائل الاتصال الحديثة سمح بانتشار الإرهاب حتى جاوز حدود الظاهرة.
رابعا: غياب الروح العملية..وهي في تقديري العامل الأسوا على الإطلاق، العرب عموماً أكثر من يجهلون معنى العمل، وهم متفرغون لحشد الطاقات النظرية والسلبية، متمسكون بالصغائر والتفاهات، المجتمع أصبح يعاني من الفوضى الفكرية، لا توجد نظريات وقواعد تنفيذية، أصبح العمل في اتجاةٍ واحد وهو الهدم، بينما الإرهابي ينشط في هذه الأجواء ..لأنه يعشق الهدم بطبيعته.
خامساً: الجُبن..فالعرب يخافون من مواجهة التطرف فكرياً، وهذا يرتبط بالسبب الأول وهو الجهل، فالجاهل جبان، بينما العالِم لا يعرف الخوف ويعشق المنافسة والمواجهة، وقديماً جرى تشبيه ذلك بالآنية النُحاسية التي اتفق الملك على إسقاطها في الفِناء وقت تجمع الناس، كان الهدف هو اختبار ردود أفعالهم، فكانت النتيجة أن خافوا وهربوا جميعاً فور سقوطها عدا واحد كان يعلم باتفاق الملك، فالعلم قوة بينما الجهل ضعف، والعرب جُهلاء لِذا فهم جُبناء.
سادساً: ضعف المجتمع العربي..قديماً كانت هناك بعض القوة العربية تمثلت في وحدة وتآزر المجتمع العربي، وهي في تقديري نابعة من الروح الأخلاقية الصوفية وبالذات خُلق.."التواضع"..أما حديثاً فقد انتشر الفكر السلفي الوهّابي –العدو الأبرز للصوفية-ومعه تمت محاصرة الصوفية بجميع مزاياها حتى انحسر التواضع ،وحلت محله أخلاق البدو من الغِلظة والجلافة والعُنف اللفظي.. الذي كان كل ذلك مقدمة للعنف البدني وانتشار نزعات الوصاية ثم انتشار الإرهاب وتسيّد غرائز الانتقام.
سابعاً: تورط الغرب في دعم الإرهاب ونشره في المنطقة العربية، كان الغرب معه أحد العوامل التي أججت الأصولية الدينية بدءاً من أفغانستان مروراً بالشيشان وأخيراً في سوريا، الهدف هو نقل المعركة مع الخصوم من حدود أمريكا والغرب إلى حدود روسيا والعرب، تكسب أمريكا معه حدوداً آمنة واستهلاكاً لمقدرات الشعوب واستنزافاً للقوة الشرقية ، منذ أيام انتقل الإرهاب داخل حدود الصين ، ومعه تهديدات مباشرة لأمن وسلامة المجتمع في تلك البلدان، أصبحت المجتمعات هي الهدف ..بعدما عجز الغرب عن مواجهة الجيوش انتقل إلى المواجهة المباشرة مع المجتمع.
في تقديري يجب فضح سياسات الغرب في دعم الإرهاب خصوصاً في سوريا الدولة الأبرز معاناةً من الإرهاب، لقد أصبحت سوريا موطناً لإنتاج التطرف وتجديده بعد مرحلة أفغانستان وباكستان، يجب أن تُعقد المؤتمرات الباحثة في شئون الإرهاب الآن، لماذا غابت تلك المؤتمرات منذ انتقال الإرهاب إلى الشعوب العربية، لماذا أحجمت أمريكا عن خططها في مواجهة الإرهاب وهي ترى أن الشعوب العربية والإسلامية تعاني منه الأمرين؟.. لقد حقق الغرب مصالحه في نقل الإرهاب بعيداً عن حدوده..ربما تكون هي حُجة له في الاختفاء بعيداً عن الأحداث، ولكن أليس لنا الحق في أن نتساءل..ما دور الغرب في دعم الإرهاب؟ ولماذا تواطأت معه دول الخليج في سوريا ثم تحاربه في مصر؟..
ثامناً: الاستبداد وغياب دولة العدالة، هي حجة بالعموم لدى الإرهاب، فنوازع الانتقام لديهم في أعلى معدلاتها الآن، والسبب هو امتلاكهم للتقنية والدعم المالي والعسكري، تشجعوا بعدها على المواجهة، ولكن أحيل هذا السبب إلى النقطة الأولى وهي الجهل، فالربيع العربي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك عدم أهلية الثوار للقيادة، وان اعتلائهم منصات القيادة في بلدانهم جلب الفوضى والدمار، لذلك كان الاستبداد عاملاً في ظهور ودعم الإرهاب كونه حُجة معنوية كبيرة لتغذية تيار التطرف ليس فقط الديني بل أيضاً الليبرالي والشيوعي.
مثلاً في مصر بعد عقود من الجمود والتخلف السياسي أنشأ ذلك شرائح وتيارات شبابية لا تفقه معنى الدولة، وتصر على السير بها خلف المجهول، لا توجد لديهم قيادة أو رؤية، يظنون أن التغيير يبدأ وينتهي في الشارع، لا يفقهون لغة السياسة والانتخابات، ومن ثم لا يفقهون لغة الديمقراطية التي يرفعون لوائها، تحالفوا مع أعتى الجماعات الدينية تطرفاً ، أصروا على مواجهة الجيوش والدول وهم يظنون أن المستقبل سيكون بغير هذه الجيوش، لقد ساهم ذلك في دعم الإرهاب والفوضى في الشارع.
كنت وما زلت أعتقد أن الأزمة الثقافية العربية ليست فقط داخل حدود الدين، بل أيضاً هي في الفلسفة، لقد انتشرت النظريات وغابت قواعد العمل ،ومعه لابد من التفكير بطريقة جديدة، طريقة غير تقليدية لموادهة هذا التطرف والإرهاب.
إن الخطر الذي يحدثه الإرهاب أكبر وأعظم من أن يتلمسه عقل، فقد يهدد ذلك بصائر الأجيال اللاحقة، ويظنون أن ما عانى منه أجدادهم كان صراعاً بين تخلف الماضي ورؤية الحاضر، بالضبط كما يفكر بعض المهاويس الآن ويربطون صورة الماضي الدائمة بصورة متخلفة ورجعية.
لابد من إنشاء قاعدة يحتكم إليها الأحفاد في مواجهة هذا الغول الديني الذي يأكل عقول الشباب، لابد من المواجهة مع كافة المصادر التي تغذيهم، لقد قلت وأكرر أن المواجهة يجب أن تكون مع هذا التراث التقليدي الذي يشكل ثلاثة أرباع هذا الفكر، يسمون هذا التراث.."بالحديث والرواية"..لذلك يجب أن ننتبه أن المعركة هي مع هذا الخصم الذي ضلل عقول الشباب والكبار معاً، يجب أن يحتكم العقلاء لأصول الدين ومقاصده وأخلاقه، لا إلى الحديث والرواية كما يريد الإرهابيين .
اجمالي القراءات
11419