ق1 ب 2 : الظروف التاريخية لمؤتمرات المعارضة الوهابية لعبد العزيز

آحمد صبحي منصور Ýí 2014-05-20


المرحلة الثانية من المعارضة الوهابية لعبد العزيز

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز

الفصل الثاني : معارضة الأخوان الوهابيين لعبد العزيز في تقرير تاريخي

المزيد مثل هذا المقال :

الظروف التاريخية للمرحلة الثانية من المعارضة الوهابية لعبد العزيز ( مؤتمرات المعارضة )

نوجزها فى الآتى :

أولا : بين عبد العزيز والقرامطة

1 ـ  فى العصر العباسى يتضح الفارق بين غارات الأعراب العادية ( العلمانية ) وغاراتهم التى تتستر بشعار دينى . تحت شعار دينى ( شيعى ) لم تكن غارات حركة الزنج او القرامطة تكتفى بالسلب والنهب بل كانت تقيم المذابح وتعتمد السبى اسلوبا ، وتقوم بضم ما تقدر عليه من بلاد الاخر ،  وهو رسميا مسلم من الشيعة او السنة او الصوفية ـ لا يهم ، لكنه يقع ضحية هذا الاستحلال من الاعراب الذين يتسترون بالدين .

الغارات البدوية العادية كانت تستهدف القوافل فقط ، وخصوصا قوافل الحج ، بهدف السلب اساسا ، وفى أحيان كانت تأخذ إتاوة  وتكتفى بها ، ( أى غارات سلمية إذا صح التعبير) ـ وبهذه الاتاوة ينجو الضحية وبيسعد ببعض أمواله .

2 ـ  أعاد عبد العزيز وإخوانه نفس الاستحلال القرمطى فى الفتح والضم والمذابح ولكن مع تجديد خطير . التجديد الذى جاء به عبد العزيز أنه جعل شعاره ( السُّنّة ) وليس التشيع ، ولأنّ معظم جيرانه المستهدفين كانوا من السّنيين الموافقين له فى مذهبه السُّنى فقد توسع الاستحلال الوهابى ليشملهم بأن يعتبر الوهابيين فقط هم المسلمين ، وما عداعم فهم ( مشركون ) تُستباحُ دماؤهم وأموالهم ونساؤهم وديارهم وأوطانهم لتكون ملكا للمسلمين أى الوهابيين فقط . ثم توسّع الاخوان فى الاستحلال ونفى الآخر ليشمل الوهابيين من غير الاخوان ، وسارع عبد العزيز بالوقوف ضد هذه الفكرة ليتجنب حربا أهلية داخل مُلكه قد ينتج عنها إستئصال الوهابيين غير الاخوان وضياع ما أحرزه من ضم وفتح .التجديد الآخر الذى جاء به عبد العزيز واختلف به عن القرامطة  هو أن يكون هذا التطرف فى االاستحلال فى القرن العشرين بثقافته المخالفة تماما لثقافة العصور الوسطى التى كانت تتفق مع القرامطة ومعاصريهم .

ثانيا : بين نجد والحجاز

1 ـ كانت ( نجد ) تعيش ثقافة العصور الوسطى بسبب إنعزالها عن العالم فكان سهلا على عبد العزيز أن يتحرك فيها بالمذابح والفتح والضم وفق الثقافة النجدية المُتعارف عليها دون أن يعلم العالم عنه شيئا . وعندها كان الوفاق قائما بين عبد العزيز وإخوانه .كانت الاختلافات حول الأنجح فى الوصول للهدف دون اختلاف حول الهدف نفسه . إختلف الأمر عند دخول الحجاز . الحجاز ( مكة والمدينة وجدة ) على عكس ( نجد ) منطقة عالمية يتركز عليها اهتمام العالم وتتفاعل مع العالم ، ويرتادها الحجاج ، و( جدة ) هى مقر القناصل الأوربيين ، واكتسب الحجاز موقعا عالميا بدخول حاكمه الشريف حسين الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية وألمانيا مع انجلترة وفرنسا . الحجاز بتراثه التاريخى والدينى واتصالاته بالعالم تختلف ظروفه عن ( نجد ) وما يجوز مع (نجد ) لا يجوز فى التعامل مع الحجاز .

2 ـ لم يدرك هذا عبد العزيز هذا إلّا حين قام الاخوان بمذابحهم الروتينية عندما فتحوا الطائف وقتلوا معظم أهلها . كان هذا بالتوافق بين عبد العزيز وإخوانه ، لأنه لو كان مدركا لاختلاف الحجاز عن ( نجد ) لأرسل جندا من التابعين له من خارج الاخوان ، وقد كان له بعض الجند التابعين له من خارج الاخوان ، وهم تابعون له لا يعرفون الجدال معه ، وهم الذين حارب بهم الاخوان فيما بعد ، وتمكن بهم من القضاء على الاخوان . فوجىء عبدالعزيز باستنكار العالم لمذبحة الطائف ، فأدرك الفارق  بين ( نجد والحجاز ) وانه بهذا يهدّد مُلكه بنفسه ، إذا يدخل فى صدام مع العالم ، فتعين عليه أن يوقف الاخوان ، وبالتالى كان لا بد من أن يتحول الاخوان الى المعارضة .

3 ـ ولا ننسى أنه بعد ضم الحجاز والانفتاح على العالم وثقافته الحاكمة المخالفة للوهابية كان لا بد لعبد العزيز من مجاراة ثقافة القرن العشرين وإلا أضاع ملكه وربما حياته . لذا اكتفى بما تحقق ، ولم يعد بحاجة الي قوة الأخوان ،كما لم يعد يتحمل مشاكلهم . كما أنه أراد ان يعتمد علي أنظمة حديثة فى الاتصالات ( السلكية والاسلكية ) والمواصلات ( الموتوسيكل )  يساير بها التطورات العالمية ، ولكن يراها الاخوان من عمل الشيطان وفق ثقافتهم الوهابية القروأوسطية . (كما ان حماية أرجاء بمملكته الواسعة تطلب تطويرا في حرب الصحراء وفي الأسلحة التي لم يكن للإخوان ان يتأقلموا عليها ) [8]. ولذلك أعاد عبد العزيز الأخوان الي نجد مع مكافآت مجزية من المعاشات والأراضي وغنائم الحرب ، ولكنهم  رفضوا ( الخروج على المعاش )  فهذا ضد ما تعلموه على يد عبد العزيز وشيوخ الوهابية ، كانوا يريدون استمرار الجهاد الوهابى بأسلحتهم البدائية والتوسع ضد ( دار الحرب ) وفق التشريع السُّنّى  فى العصور الوسطى ، والذى بعثته الوهابية من مرقده فى العصر الحديث العالم .  ولم يدركوا  ـ مثل عبد العزيز ـ  إختلاف الظروف ، وانهم وصلوا الي الحدود المسموح بها دوليا ،وان الأمر اصبح بيد إنجلترا والقوي الدولية معا .

4 ـ وتأجّج غضبهم حين رأوا قائدهم عبد العزيز ـ بعد دخول الحجاز خصوصا ـ يحسن معاملة الإنجليز ( الكفار ) ويتكلم معهم ، وهذا من الكبائر فى الوهابية التى تشربوها ، كما رأوا عبد العزيز يتفاوض مع (المشركين) وهم فى الوهابية التى تعلموها تعنى المسلمين غير الوهابيين من حكام الأردن والعراق والحجاز ومصر [9] وآلمهم اكثر انهم أعطوا النصر لعبد العزيز فيكافئهم بنكران الجميل واحالتهم الي المعاش ،وهم في قمة قوتهم وطموحهم الحربي لا يزال في الأوج . صحيح انهم لم يعد بإمكانهم التوسع بعد تخطيط الحدود مع العراق و الأردن والكويت ،ولكن من الممكن ان يستفرغوا هذه الحيوية القتالية في الداخل ،مع صديقهم اللدود عبد العزيز .ولأن ذلك يبدو صعبا في بدايته فان الأمر يستلزم فترة من المؤتمرات والمناورات السياسية ،أي المعارضة بسياسة المؤتمرات.

ثالثا : بين الحجاز ومصر

1 ـ كان الحجاز من الناحية الواقعية الفعلية تابعا لمصر حتى وهى ولاية عثمانية . كان لمصر منذ منتصف العصر العباسى حق الاشراف على أحوال الحجاز ، ودخل الحجاز فى تبعيتها المباشرة فى العصور الفاطمية والأيوبية  والمملوكية ، وبعد تحولها الى ولاية عثمانية لم ينقطع تأثير مصر فى الحجاز، بل كان لها حق التدخل فى صراعات الأشراف المتسلطين على حكم مكة والمدينة وتعيين الفائز منهم أو الاعتراف به حاكما.

2 ـ  وكانت كسوة الكعبة والتى يحملها المحمل المصرى مع صدقات الحرمين من مظاهر السيطرة المصرية على الحجاز ، وترسّخ هذا خلال قرون خلت ، بالاضافة الى الأوقاف المصرية التى تتخصص فى رعاية مكة والمدينة والحرمين وسكانها . وعندما ضمّت الدولة السعودية الأولى الحجاز تعين على مصر أن تواجه تلك الدولة مما أسفر عن سقوط الدولة السعودية الأولى وتدمير عاصمتها الدرعية عام 1818 .

3 ـ بدخول عبد العزيز الى الحجاز كان محتما الاحتكاك بينه وبين مصر، وعجّل الاخوان بهذا الصدام ، لأنهم طبقا لثقافتهم الوهابية يعتبرون المصريين مشركين ، ويعتبرون المظاهر الاحتفالية المصرية فى دخول المحمل المصرى من المكرات التى يجب تغييرها بالقوة . وها سبب هجومهم علي المحمل المصري في عام  1926 ، قاموا بالهجوم عليه ،ففتح المصريون عليهم النار ،وقتلوا الاخوان المهاجمين ، وتدخل الأمير فيصل فأوقف تصعيد المشكلة وأنقذ الموقف [10]. أدى هذا الحادث الي تأكيد الأهمية لدى عبد العزيز بحتمية عودتهم الي نجد ،حتي لا يصطدم بمصر التى سبق أن دمرت الدولة السعودية الأولى .

كما جعل من أولويات عبد العزيز تركيز دعوته الوهابية فى مصر لتكون ( مصر الوهابية ) عمقا يساند دولته بدلا من أن تكون خطرا مُميتا على دولته . سارع عبد العزيز باحتواء الخلاف مع مصر ، ولم يهتم بقتل الحامية العسكرية المصرية للإخوان المهاجمين للمحمل المصرى ، وأجّل الانتقام الى المستقبل ، بأن يعمل بكل وسعه على نشر الوهابية فى مصر عبر عملائه فيها ( السبكى و رشيد رضا وحامد الفقى و محب الدين الخطيب ) وبهم تم تحويل الجمعية الشرعية فى مصر الى الوهابية ، وكانت من قبل أكبر قلعة للتصوف السنى المخالف للوهابية ، ثم إنشاء جماعة دعوية وهابية حقيقية داخل مصر تحت مسمى ( انصار السّنة ) ، ثم تأسيس جمعية الشبان المسلمين ، جمعية حركية تنتشر بين الشباب لتؤهلهم للعمل العسكرى ، ثم إختيار الشاب حسن البنا من هذه الجمعية ليؤسس ( الاخوان المسلمين ) فى مصر ، لتكون بديلا للإخوان الوهابيين ، وكان ( الاخوان الوهابيون ) قد تطورت معارضتهم لعبد العزيز ، فسارع قبل الصدام العسكرى معهم الى تأسيس بديل لهم فى مصر ، ينتشر منها الى بلاد المسلمين ، وممنوع عليه العمل فى داخل مملكة عبد العزيز ، حتى لا يُعيد متاعب الاخوان الوهابيين النجديين . جدير بالذكر أن ما تخوّف منه عبد العزيز حدث بعد موته ، فبعد صدام الاخوان المسلمين المصريين مع عبد الناصر هرب معظمهم الى السعودية ، ثم اسهموا فى تأسيس المعارضة السعودية الأخيرة فى القرن العشرين ، والتى أنتجت أسامة بن لادن والقاعدة مؤخرا ، وهذا هو السبب فى كراهية السعوديين للاخوان المسلمين .

فى النهاية

 رأى عبد العزيز أن الاخوان قد سببوا له المزيد من المشاكل في الحجاز ،حيث يضم الحجاز خليطا من البشر والثقافات ،وبينه وبين نجد عداء متراكم منذ العصور الوسطي ،وكانت علاقات الأخوان بالحجاز إحدى تجليات هذا العداء .لذا كان لا بد من أن يعيد الاخوان الى بيئتهم الأصلية فى ( نجد ) ليمتعوا بالمعاشات والأموال والراحة . ولكن ما تعلموه على يد عبد العزيز وشيوخه الوهابيين جعلهم يستثمرون وقت فراغهم فى معارضة عبد العزيز بحيث تطورت الى ( المعارضة بالمؤتمرات ). وهى المرحلة التالية للمعارضة الاخوانية لعبد العزيز . فماذا جرى فيها ؟  

الهوامش

8-             HOPWOODD   (DERECK)   THE  ARABIAN PENINSULA  , SOCIETY  AND  POLITICS   .LONDON   .1972  .  P.    64.                       

9- حبيب :المرجع السابق ، 198:196،202.

10-ام القري :العدد 78،السنة الثانية .  29/6/1926.

اجمالي القراءات 8907

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأربعاء ٢١ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[74429]

مصر بعدا وهابيا عميقا قضى على وحدتها التاريخية


السلام عليكم ، وبمقدار ما تزداد مصر تفرقا وضعفا وانقساما ، يستحيل استعادتها للحجاز ، ويسهل السيطرة عليها من العمق الوهابي الذي نشهد جميعا خطره هذه الأيام فيا لها من خطة ! ويالها من مؤامرة !!


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5130
اجمالي القراءات : 57,289,506
تعليقات له : 5,458
تعليقات عليه : 14,839
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي