موقفي من ترشح المشير السيسي
منذ نعومة أظافري وأنا أنظر لقواتنا المسلحة نظرة تبجيلٍ واحترام، لم تسقط هذه النظرة أبداً، ولم انخدع يوماً بشعار يسقط حكم العسكر أو غيره في أي زمن، وحُجتي في ذلك أن الجيوش هي أمان الشعوب وحصونها الأخيرة، قد أعارض يوماً عسكرياً أو قائداً ولكن لا أخلط بين معارضتي له وبين موقفي الثابت من الجيش المصري..
حتى عندما صفق الشعب للرئيس المعزول مرسي حين أقال المشير طنطاوي وسامي عنان ..وقفت ضد الأغلبية وعارضتهم في كل مكان، ليقيني بأن الإخوان يقررون لصالح جماعتهم، وأن هذا القرار خطير فيما لو نجم عنه ولاء القادة الجدد للجماعة..
لذلك عندما جاء السيسي وزيراً للدفاع لم أطمئن له لسابق معرفتي به واعتقادي أنه تابع للإخوان، وأصبحت قلقاً على مصير الدولة، ولكن بعد ظهور معدن الرجل وأنه لم يكن إخوانياً قررت التراجع عن موقفي منه، ولكن لم أؤيده مطلقاً ..فلم أمدحه كما يفعل غيري، فقط نشرت مذاكراتي معه لإضاءة الكشاف على جزء من شخصيته..
مبدئياً لم أصفق لأي لرئيس أو لشخص أو لقائد يوماً ما، حتى شيوخي وأساتذتي في الفقه والفلسفة والعقيدة والسياسة..لم أضعهم موضع التنزيه والعصمة، وانتقدت بعضهم في عز ولائي لأفكارهم..
أيضاً لا يهمني رئيس مدني أو عسكري يحكم مصر، لأن العبرة بالعمل وليست بالجهة أو السمعة، وأضع خياراتي دائماً حسب موقف هؤلاء من الدولة والشعب، فكم من رئيس مدني أصبح طاغية لا يراعي في الناس ديناً ولا ذمة، وكم من رئيس عسكري كان يضحي بنفسه قرباناً لله وللوطن وللشعب.
أما من يدعي أن الرئيس العسكري هو ظالم بالضرورة فلم أقتنع بهذا الادعاء يوماً ما، لأن السمع والطاعة ليست فقط في الحياة العسكرية، بل هي في حياتنا المدنية، وكم من مدير استعمل الموظفين في خدمته وظَلَمهم بسلطانه الجائر، وكم من مدرب للكُرة ظلم اللاعبين لأجل اعتراضهم على سياسته..مما دفع بعضهم بأن يدمر مستقبل لاعبين كبار فقط لخلافات شخصية..
الاستبداد هو حالة إنسانية ملازمة لنا، ولا يمكن أن تكون محصورة في جانبٍ دون آخر، والسلوك الأفضل في تقديري أن نُحسن الظن حتى يأتي ما ينفي ذلك الإحسان..
لقد تذكرت أنني كنت ممن انتخب الرئيس المعزول محمد مرسي يوماً ما، ولكنني لم أفعل كما فعل الإخوان والسلفيين، لم أؤيده مطلقاً ولم أدافع عن شخصه، ولم أختلق حجج وتبريرات من أجل تلميعه وإظهاره بصورة .."المهدي المنتظر".. أو مخلص آخر الزمان، أو صلاح الدين القرن الحادي والعشرين..!
انتخبته بضوابط أهمها أنني كنت أهاجم الإشاعات الظالمة التي مسّت المرشح المنافس أحمد شفيق..وكنت أحرص أن يكون موقفنا من الخصوم موقف المنصف الساعي للحقيقة لذاتها دون اعتبار للأشخاص.
لكن بعد ذلك.. تغير موقفي من مرسي فور اعتدائه على المحكمة الدستورية باستدعائه لمجلس الشعب المنحل وعدوانه على الدولة المصرية، فكان في نظري ساقط القدوة قليل الاحترام، وجاءت الأحداث بعد ذلك ككرة الثلج حتى ختمها مرسي بالإعلان الدستوري ونزول الإخوان في الشوارع للبلطجة وحماية القرارات الظالمة..
بعدها اتخذت موقفاً متشدداً من الإخوان وحلفائهم، حتى الليبراليين والأحزاب المصرية كنت متحفظاً عليهم وعلى أفكارهم وسلوكياتهم وكسلهم في التواصل مع الشعب، ولم أتحدث بشأنهم إلا مؤخراً حينما ظهرا منهم فصيلاً فوضوياً لا يريد أي سلطة ويعارض أي شخص، بل ربما لو جاءوا به في الآخرة وقالوا له ادخل الجنة سيعترض ويقول لماذا أدخل الجنة؟!..أعطني دليلاً يصدق رؤيتك..!
أنا لست كذلك..فقط لدي مشروع دولة مدنية وشعب متحضر ومثقف، ولا أتفرغ للمعارضة من أجل السلطة، لأن السلطة لدي ثانوية بعد ضمان مدنية الشعب وعدم انزلاقه في أوحال التطرف والخصومات الدينية..وقد كانت ثورة يونيو في تقديري هي ذلك الضمان الذي سيصنع من الشعب المصري بشراً متمدنين من أثر معارضتهم للهمجية الدينية التي التحف بها الإخوان وحلفائهم..
فالمعارضة غالباً تكشف للنفس وللعقل جوانب الصور المخفية عن الذات، ثم وبفضول الإنسان يبحث عن المزيد لإرضاء ذاته وغروره، في النهاية ستنقلب أفكاره ويتمرد على الماضي.
الآن...لعل البعض قد لمح جزءاً من شخصيتي وتوجهاتي السياسية..
لذلك أعلن تأييدي لترشيح المشير السيسي لرئاسة الجمهورية وسأنتخبه بكامل إرادتي ودون تأثير من أحد، مع كامل احترامي لأي منافس آخر، وسأدافع عن وجهة نظري في رؤيتهم جميعاً، وسأعارض السيسي فيما لو أصبح رئيساً، ولكنها ليست كمعارضة الجبناء والحمقى والإرهابيين، سأعارضه للبناء والتوجيه لعله يسمع ويرى، وأملى فيه كبيراً أن يحقق رغبات هذا الشعب.
اجمالي القراءات
12824