آحمد صبحي منصور Ýí 2013-11-12
النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الثالث : تتبع موضوع الشفاعة فى تاريخ المسلمين الدينى
الفصل الخامس: الأرضية التاريخية التى نبتت فيها أساطير الشفاعة :
( 9) (المتوكل ) أول خليفة عباسى حنبلى ب3 ف 5 / 9
أولا : السبب فى نقمة المتوكل على المعتزلة
1 ـ مات الخليفة الواثق فى العام التالى لمقتل أحمد بن نصر ، اى عام 232 . ويروى الطبرى أنّ الواثق مات بمرض الاستسقاء ( تاريخ الطبرى 9 / 150 ) بينما يفترى إبن الجوزى قصة طويلة عن شيوخة الحنبلية الناقمين على الواثق يزعمون فيها ان الواثق مات فجأة من وصفة طبية لعلاج الضعف الجنسى (المنتظم 11 / 186 : 188 ). وقلنا إن ابن الجوزى لم يكن أمينا فى تاريخه ، إذ أخضعه لرؤيته الحنبلية فى مدح الحنابلة وتشويه خصومهم .
2 ـ تركز النفوذ فى خلافة الواثق فى إثنين من قادة المعتزلة ، تنافسا فيما بينهما ، وهما القاضى أحمد بن أبى دواد ، والوزير محمد بن الزيات، هذا فى الوقت الذى عانى فيه ولى العهد ( المتوكل ) من ابن الزيات فزاد حقده عليه ، وإنتقم منه سريعا . وكان المتوكل مدينا بجميل لأبن أبى داود فثبته فى مكانه ، إلا إن نفوذ الحنابلة حمل المتوكل على الايقاع بإبن أبى داود بعدها بخمس سنوات . نقول ( الحنابلة ) تعبيرا عن التيار السّنى المتشدد والذى حمل لقب الحنابلة بعد عصر المتوكل وموت ابن حنبل .
ثانيا : المتوكل يأمر بتعذيب وقتل ابن الزيات وينتقم من أعمدة دولة الواثق
1 ـ فى خلافة الواثق عمل ابن الزيات على الوقيعة بين الواثق واخيه (جعفر ) ولى العهد الذى تولى الخلافة بلقب ( المتوكل ). وأوعز إبن الزيات للواثق ان يعزل أخاه المتوكل ويولى إبنه مكانه . وراقت الفكرة للواثق ، وكان من خطط تنفيذها تحقير ولى العهد لتسقط هيبته فى البلاط ولدى الحاشية . وتولى هذا الأمر ابن الزيات بجدارة .أحاط ابن الزيات ولى العهد بالجواسيس يحصون عليه أنفاسه، منهم عمر بن فرج الرخجى . وصار بينهم كالسجين ، وحاول جعفر ( المتوكل ) أن يتصل بأخيه الخليفة الواثق فلم يفده ذلك شيئا ، فاضطر للذهاب صاغرا الى الوزير خصمه اللدود ابن الزيات ، فعامله ابن الزيات باحتقار شديد . دخل عليه يسأله أن يكلم أخاه الخليفة ان يرضى عنه،(..فلما دخل عليه مكث واقفًا بين يديه مليًا ، وابن الزيات متشاغل عنه لا ينظر اليه و لا يكلمه ، ثم أشار إليه أن اقعد فقعد ، فلمافرغ من نظره في الكتب التفت إليه كالمتهدد له، فقال له: ما جاء بك ؟ قال: جئت أسأل أمير المؤمنين الرضا عني ) فنظر ابن الزيات الى الحاضرين فقال ( انظروا إلى هذا .! يُغضب أخاه ويسألني أن أسترضيه! اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك ) . واحتاج ولى العهد (المتوكل) الى راتبه ونفقاته فأتى عمربن فرج الرخجى مسئول الخزانة يسأله أن يختم له صكه ليقبض أرزاقه، فأخذ عمر بن فرج الرخجى الصك فرمى به إلى صحن المسجد . وافتخر ابن الزيات بما فعله بولى العهد ، وكتب بذلك للخليفة الواثق:( أتاني جعفر بن المعتصم يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه في زي المخنثين له شعر قفا ) أى قد طال شعره حتى غطى قفاه .( فكتب إليه الواثق: ابعث إليه وأحضره. ومُر من يجز شعره ، واضرب به وجهه . ففعل ذلك .) .
2 ـ وبادر المتوكل بالإنتقام من غريمه ابن الزيات بعد ثلاثة أشهر من توليه الخلافة . فى 7 صفر 232 أمر المتوكل بالقبض على ابن الزيات وتعذيبه حتى الموت فى ( التنُّور )، بنفس الطريقة التى كان بها ابن الزيات يعاقب ضحاياه. بدأ بالقبض عليه ومصادرة أمواله ومتاعه وجواريه وغلمانه وضياعه وضياع أهل بيته . ثم أمر بتعذيبه . تقول الرواية فى الطبرى ( وبعث إلى داره فأخذ جميع ما فيها من متاع وجوار وغلمان ودواب وأمر أحمد بن أبي خالد بقبض ضياعه وضياع أهل بيته.. ثم قُيّد فامتنع عن الطعام ، وكثر بكاؤه ، ثم سوهر ومنع من النوم بمسلة ينخس بها. ثم أمر بتنور من حديد فيه مسامير إلى داخله ، فأدخل فيه ، وهو الذي كان صنعه ليعذب به من يطالب بأمر . فجعل يقول لنفسه: يا محمد بن عبد الملك لم تقنعك النعمة والدواب الفارهة والدار النظيفة وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة ذُق ما عملت بنفسك! وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله تعالى . ..وكان يقول: الرحمة خور في الطبيعة ما رحمت شيئًا قط . فلما وضع في التنور قال: ارحموني قالوا له: وهل رحمت شيئًا قط . ؟ .) ومات تحت التعذيب ( مات في التنور، .. ولما مات طرح على باب، فغسل عليه وحفر له ، ولم يُعمّق . فذكر أن الكلاب نبشته ، فأكلت لحمه ) ( الطبرى 9 / 156 : 161 )
3 ـ وفى نفس العام تتبع المتوكل أعداءه أصحاب النفوذ فى دولة أخيه ، يصادرهم ويسجنهم . فى شهر رمضان من نفس العام إنتقم المتوكل من صاحب الخزانة ( عمر بن فرج الرخجى ) الذى رمى الصّك فى وجهه من قبل وكان يتجسس عليه لصالح ابن الزيات . فإعتقله ووضعه فى الحديد وصادر أمواله.( فوجد في منزله خمسة عشر ألف درهم. وقبض جواريه وفرشه . وقيد بثلاثين رطلًا من الحديد. وأحضر مولاه نصر ، فحمل ثلاثين ألف دينار . وحمل نصر من مال نفسه أربعة عشر ألف دينار ، وأصيب له في الأهواز أربعون ألف دينار ، ولأخيه محمد بن الفرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار . وحمل من داره من المتاع على ستة عشر بعيرًا فرش فاخرة ، ومن الجوهر ما قيمته أربعون ألف دينار. ، وألبس جبة صوف ، وقُّيد ، وأخذ عياله . ففتشوا ، فكن مائة جارية ، ثم صولح على عشرة آلاف ألف درهم )
وفي نفس العام غضب المتوكل على أبي الوزير أحمد بن أبي خالد ، وأمر بمحاسبته فحمل نحوًا من ستين ومائة ألف دينار وبدرتين دراهم ، وحليًا . وأخذ له من متاع مصر اثنين وستين سفطًا واثنين وثلاثين غلاما وفرشا كثيرا . وأخذ أصحابه فصالحوا على سبعين ألف دينار .
وأمر المتوكل بسليمان بن إبراهيم بن الجنيد فضرب بالأعمدة حتى أقر بتسعين ألف دينار، فوجّه معه مباركًا المغربي إلى بغداد، حتى استخرجها من منزله . وجيء به فحبس .( الطبرى 9 / 161 : 162 ).
4 ـ بعد قتل ابن الزيات وفى عام 234 أعلن المتوكل إنحيازه لمنهج أهل الحديث المتشدّد ، وهو الذى صار معروفا بعدها بالحنبلية.)، وكافأ الحنابلة الخليفة المتوكل بدعايات من المنامات شجعته على المزيد من الانحياز( للحنبلة ).
5 ـ ولم يتعرض المتوكل لابن أبى داود . إذ أنه بموت الواثق حاول كبار الجُند تولية الطفل ابن الواثق ، ولكن رفض القاضى أحمد بن أبى داود ، الذى استدعى ولى العهد ( جعفر ) وأقنعهم بأن يتولى الخلافة ، وبذلك تولى المتوكل الخلافة بتدخل أحمد بن داود ، فحفظ المتوكل جميل أحمد بن أبى داود الى حين من الزمان . ولكن نفوذ الحنابلة جعل المتوكل يعصف بان أبى داود ، فجاءت نكبته هو وإبنه محمد عام 237 ـ
6 ـ وشهد هذا العام 237 نكبة شيخ المعتزلة ابن أبى داود وإنزال جثة أحمد بن نصر ودفنها وأطلاق المتوكل سراح كل المساجين المتهمين بعدم القول بخلق القرآن . ( المنتظم 11 / 249 : 251 ).
كما شهد عام 236 هدم قبر الحسين . يقول الطبرى : ( أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي ، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه . ) وهددوا الناس من المجىء للمكان ( فذكر ان عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق . فهرب الناس ، وامتنعوا من المصير إليه . وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه. ) ( الطبرى 9 / 185 ).
ثالثا : موقع المتوكل فى العصر العباسى
1 ـ المتوكل (232 : 247 هجرية ) ( 847 ـ 861 م) وهو الذى يبدأ به العصر العباسى الثانى، ( 847 ـ 1258 م ) عصر ضعف الدولة العباسية كنظام سياسى ولكن تبدأ قوة الخلافة العباسية الروحية ، لذا إحتاجت لكهنوت دينى قوى تعزّز به ضعف الخلفاء سياسيا ، فكانت الحنبلية هى ذلك الكهنوت المناسب ، وبه سيطر الحنابلة على الشارع العباسى . وإستفاد الحنابلة من ضعف الخلفاء العباسيين وحاجتهم الى كهنوت قوى فأصبح لهم نفوذ قوى فى الشارع العباسى . وكان المتوكل بسياسته فى التعصب ( الحنبلى ) قائدا لهم . والعباسيون والحنابلة صنعوا لهم ضحايا فى الداخل يوجهون نحوهم سخط العوام ، ليتسلّى عوام الحنابلة باضطهادهم ، لذا بدأ المتوكل بإضطهاد المعتزلة والنصارى واليهود ، بل وشيوخ التصوف فى بداية ظهور دين التصوف .
ولأن الصراع الحربى كان مستعرا بين العباسيين والبيزنطيين فقد تم تكثيف الصبغة الدينية على هذا الصراع ( الدنيوى ) فأصبح بالحنبلية يعنى صراعا بين ( أمة محمد ) و ( أمة المسيح ) . وعكست هذا أحاديث الشفاعة وغيرها من أحاديث تنشر مصطلح ( امة محمد ) التى سيشفع فيها ( محمد )، مع أحاديث أخرى تشرّع إضطهاد ( أهل الكتاب ). وتركز فى الفقه السّنى تقسيم العالم الى معسكرين : معسكر الاسلام والسلام ، ومعسكر الحرب ، أو ( دار السلام ) و( دار الحرب ) ، وأصبح من مصطلحات الفقه السّنى ( الحربى ) أى الذى ينتمى الى المعسكر الآخر ، تمييزا له عن ( الذمى ) أى المسيحى أو اليهودى من السكان داخل معسكر الاسلام والسلام بزعمهم . بهذا يتميز العصر العباسى الثانى عن الأول ، وكان المتوكل هو رأس هذا العصر الثانى .
2 ـ والمتوكل أول خليفة يقتله قوّاده الأتراك ، وبعدها أصبحت عادة سيئة للقواد التراك فى التحكم فى الخلافاء العباسيين وعزلهم وقتلهم . وهو أول خليفة يسرف فى إقتناء الجوارى،وكان أكثرهم اسرافا فى الجنس. قال عنه المسعودى فى ( مروج الذهب ) ( إنه كان له أربعة آلاف سرية ( أى عشيقة محظية مملوكة ) وطئهن كلهن ) ( تاريخ المسعودى 2 / 418 ) . هذا مع اشتهاره بتفضيل إثنتين من جواريه أولهما ( قبيحة ) اجمل نساء عصرها ـ وهى أم ابنه الخليفة المعتز ـ و ( محبوبة ) المغنية.
3 ـ و لكن تميز المتوكل بالتعصب على كل المستويات . فهو الذى تعصب للحنابلة ضد المعتزلة وهو الذى إضطهد من أجل الحنابلة أهل الكتاب ، فأرغم النصارى و اليهود على لبس زى معين للتحقير ، ومن أجل الحنابلة اضطهد الشيعة وهدم قبر الحسين ، وهو الذى سلّط الحنابلة على الجميع .
وأدمن التعصب حتى فى سياسته ، فتعصب ضد الفرس والعرب وأقصاهم من الجندية وأحل محلهم الأتراك . بل تعصب لابنه الأصغر المعتز ضد ابنه الأكبر ( المنتصر ) ولى العهد بسبب حظوة جاريته (قبيحة) أم المعتز عنده ، فحاول نزع ولاية العهد من ابنه الأكبر ( المنتصر ) ليولى ابنه المعتز بن قبيحة، فتآمر ابنه المنتصر عليه و قتله ليلة الأربعاء الرابع من شوال عام 247 ، بمساعدة بعض القادة الأتراك ، وقتلوا معه وزيره الفتح بن خاقان ـ وكانا يشربان الخمر معا.
3 ـ وتولى الابن القاتل ( المنتصر) الخلافة ، وسرعان ما مات مسموما بيد الأتراك بعد ستة أشهر من خلافته ، عام 248 .وولى القادة الأتراك مكانه ( المستعين ) عام 248 ، وبتآمر قبيحة أرغم القادة الأتراك المستعين على التنازل عام 252 ، وولوا الخليفة المعتز . وكانت ( قبيحة ) هى المتحكمة فى خلافة ابنها المعتز ، و قتل القادة الأتراك الخليفة المستقيل المستعين فى نفس العام ، ثم خلعوا الخليفة المعتز وقتلوه عام 255، وصادروا جواهرقبيحة ام المعتز ، وكانت تملأ سردابا ، وسجنوها ، واغتصبها القائد التركى صالح بن وصيف . وهربت الى مكة تستجير بالكعبة ..!! يقول الطبرى عن الفصل الأخير فى محنة قبيحة بعد قتل ابنها الخليفة المعتز بيد الأتراك :( ولم تزل قبيحة مقيمة إلى أن شخص الناس إلى مكة في هذه السنة فسيرت إليها مع رجاء الربابي ووحش مولى المهتدي. فذكر عمن سمعها في طريقها وهي تدعو الله على صالح بن وصيف بصوت عال وتقول : اللهم أخز صالح بن وصيف كما هتك ستري وقتل ولدي وبدد شملي وأخذ مالي وغربني عن بلدي وركب الفاحشة مني ) .. وولى القادة الأتراك الخليفة المهتدى الذى حاول أن يسير بالعدل فقتلوه سريعا بعد خلافة لم تكمل عاما واحدا ، قتلوه عام 256 ، وهو العام الذى مات فيه البخارى .وهذا هو مصير ورثة المتوكل وضحايا سياسته فى تجنيد وتجييش الأتراك ، قتلوه وقتلوا الخلفاء من ذريته . وفى هذا العصرالفاسد المنحل تأسّس الدين السنى الحنبلى وتسيّد ، وعاش أئمة أهل السنة من البخارى ومسلم وابن حنبل وابن راهويه ..ووو,
رابعا : ونتتبع إضطهاد المتوكل لأهل الكتب مما جاء فى تاريخ الطبرى :
1 ـ فى عام 235 : يقول الطبرى : ( وفي هذه السنة أمر المتوكل بأخذ النصارى وأهل الذمة كلهم بلبس الطيالسة العسلية والزنانير وركوب السروج بركب الخشب، وبتصيير كرتين على مؤخر السروج وبتصيير زرين على قلانس من لبس منهم قلنسوة مخالفة لون القلنسوة التي يلبسها المسلمون ، وبتصيير رقعتين على ما ظهر من لباس مماليكهم مخالف لونهما لون الثوب الظاهر الذي عليه ، وان تكون إحدى الرقعتين بين يديه عند صدره والاخرى منهما خلف ظهره ، وتكون كل واحدة من الرقعتين قدر اربع أصابع ولونهما عسليا . ومن لبس منهم عمامة فكذلك يكون لونها لون العسلي . ومن خرج من نسائهم فبرزت فلا تبرز إلا في إزار عسلي. وأمر بأخذ مماليكهم بلبس الزنانير ، وبمنعهم لبس المناطق. وامر بهدم بيعهم المحدثة ، وبأخذ العشر من منازلهم . وإذا كان الموضع واسعا صُّير مسجدا . وإن كان لا يصلح أن يكون مسجدا صير فضاء . وامر أن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمورة تفريقا بين منازلهم وبين منازل المسلمين . ونهى ان يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي يجري أحكامهم فيها على المسلمين . ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين، ولا يعلمهم مسلم . ونهى أن يظهروا في شعانينهم صليبا وان يشمعلوا في الطريق ، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض لئلا تشبه قبور المسلمين . ).
2 ـ وفى عام 239 ( أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس دراعتين عسليتين على الأقبية والدراريع في المحرم منها ثم أمره في صفر بالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمر دون الخيل والبراذين . )
3 ـ وفى عام 242 : ( قتل المتوكل عطاردا رجلا كان نصرانيا فأسلم فمكث مسلما سنين كثيرة ثم ارتد فاستتيب فأبى الرجوع الى الإسلام فضربت عنقه لليلتين خلتا من شوال وأحرق بباب العامة . )
4 ـ ولم ينج الطبيب الشهير بختيشوع من إضطهاد المتوكل . ففى عام 244 ( غضب المتوكل على بختيشوع ، وقبض ماله ، ونفاه إلى البحرين . ) وفى عام 245 ( ضُرب بختيشوع المتطبب مائة وخمسين مقرعة وأثقل بالحديد وحبس في المطبق في رجب. ) .
5 ـ ونتذكر الفارق بين تكريم المتوكل للحنابلة الجهلة وعصفه بالعلماء الحقيقيين ، فقد أنّب المتوكل بعنف أحد الحنابلة لأنه إقترض عشرين ألف درهم من الطبيب بختيشوع ، وأعطى المتوكل هذا الحنبلى مائة ألف درهم مع تحذيره لو عاد يقترض من بختيشوع .( المنتظم 11 / 180 : 181 ). ثم بعدها كانت نكبة الطبيب العالم بختيشوع . .!!.
6 ـ هنا أيضا نتذكر الفارق بين سماحة الخليفة المعتصم ( المعتزلى ) وتعصب إبنه الخليفة المتوكل ( الحنبلى ) . ولقد كان سلمويه بن بنان نصرانيا متمسكا بدينه، وقد عمل طبيبا للخليفة العباسي المعتصم ، وارتفع شأنه عنده حتي أن الورقة التي تحمل توقيع سلمويه كان الأمراء والقواد لا يستطيعون مخالفتها، وقد أمر الخليفة المعتصم بتولية إبراهيم ابن بنان شقيق سلمويه الإشراف علي خزائن الأموال للخلافة العباسية . وكان الخليفة المعتصم يقول عن طبيبه سلمويه : ( هذا عندي أكبر من قاضي القضاة لأن هذا يحكم في مالي وهذا يحكم في نفسي ، ونفسي أشرف من مالي. ) . وحين مرض سلمويه ذهب إليه المعتصم يزوره ، وبكي عنده وطلب مشورته. ولما مات سلمويه امتنع المعتصم من أكل الطعام يوم موته ، وأمر أهل القصر بحضور جنازته ، وأن يصلوا عليه بالشمع والبخور وأن يرتدوا جميعا زى النصارى بالكامل فنفذوا أوامره ،وأشرف بنفسه عليهم وهو يشاهد جنازة سلمويه . ومات المعتصم بعد موت صديقه سلمويه بعشرين شهرا . ومات المعتصم سنة 227 هـ. وتولى ابنه الواثق ، ومات الواثق فتولى المتوكل ( الحنبلى ) فإنقلب الحال .
ونحن الان فى عصرنا البائس نعيش إنقلاب الحال .. فقد عاد الحنابلة ..النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الثالث : تتبع موضوع الشفاعة فى تاريخ المسلمين الدينى
الفصل الخامس: الأرضية التاريخية التى نبتت فيها أساطير الشفاعة :
( 9) (المتوكل ) أول خليفة عباسى حنبلى ب3 ف 5 / 9
أولا : السبب فى نقمة المتوكل على المعتزلة
1 ـ مات الخليفة الواثق فى العام التالى لمقتل أحمد بن نصر ، اى عام 232 . ويروى الطبرى أنّ الواثق مات بمرض الاستسقاء ( تاريخ الطبرى 9 / 150 ) بينما يفترى إبن الجوزى قصة طويلة عن شيوخة الحنبلية الناقمين على الواثق يزعمون فيها ان الواثق مات فجأة من وصفة طبية لعلاج الضعف الجنسى (المنتظم 11 / 186 : 188 ). وقلنا إن ابن الجوزى لم يكن أمينا فى تاريخه ، إذ أخضعه لرؤيته الحنبلية فى مدح الحنابلة وتشويه خصومهم .
2 ـ تركز النفوذ فى خلافة الواثق فى إثنين من قادة المعتزلة ، تنافسا فيما بينهما ، وهما القاضى أحمد بن أبى دواد ، والوزير محمد بن الزيات، هذا فى الوقت الذى عانى فيه ولى العهد ( المتوكل ) من ابن الزيات فزاد حقده عليه ، وإنتقم منه سريعا . وكان المتوكل مدينا بجميل لأبن أبى داود فثبته فى مكانه ، إلا إن نفوذ الحنابلة حمل المتوكل على الايقاع بإبن أبى داود بعدها بخمس سنوات . نقول ( الحنابلة ) تعبيرا عن التيار السّنى المتشدد والذى حمل لقب الحنابلة بعد عصر المتوكل وموت ابن حنبل .
ثانيا : المتوكل يأمر بتعذيب وقتل ابن الزيات وينتقم من أعمدة دولة الواثق
1 ـ فى خلافة الواثق عمل ابن الزيات على الوقيعة بين الواثق واخيه (جعفر ) ولى العهد الذى تولى الخلافة بلقب ( المتوكل ). وأوعز إبن الزيات للواثق ان يعزل أخاه المتوكل ويولى إبنه مكانه . وراقت الفكرة للواثق ، وكان من خطط تنفيذها تحقير ولى العهد لتسقط هيبته فى البلاط ولدى الحاشية . وتولى هذا الأمر ابن الزيات بجدارة .أحاط ابن الزيات ولى العهد بالجواسيس يحصون عليه أنفاسه، منهم عمر بن فرج الرخجى . وصار بينهم كالسجين ، وحاول جعفر ( المتوكل ) أن يتصل بأخيه الخليفة الواثق فلم يفده ذلك شيئا ، فاضطر للذهاب صاغرا الى الوزير خصمه اللدود ابن الزيات ، فعامله ابن الزيات باحتقار شديد . دخل عليه يسأله أن يكلم أخاه الخليفة ان يرضى عنه،(..فلما دخل عليه مكث واقفًا بين يديه مليًا ، وابن الزيات متشاغل عنه لا ينظر اليه و لا يكلمه ، ثم أشار إليه أن اقعد فقعد ، فلمافرغ من نظره في الكتب التفت إليه كالمتهدد له، فقال له: ما جاء بك ؟ قال: جئت أسأل أمير المؤمنين الرضا عني ) فنظر ابن الزيات الى الحاضرين فقال ( انظروا إلى هذا .! يُغضب أخاه ويسألني أن أسترضيه! اذهب فإنك إذا صلحت رضي عنك ) . واحتاج ولى العهد (المتوكل) الى راتبه ونفقاته فأتى عمربن فرج الرخجى مسئول الخزانة يسأله أن يختم له صكه ليقبض أرزاقه، فأخذ عمر بن فرج الرخجى الصك فرمى به إلى صحن المسجد . وافتخر ابن الزيات بما فعله بولى العهد ، وكتب بذلك للخليفة الواثق:( أتاني جعفر بن المعتصم يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه في زي المخنثين له شعر قفا ) أى قد طال شعره حتى غطى قفاه .( فكتب إليه الواثق: ابعث إليه وأحضره. ومُر من يجز شعره ، واضرب به وجهه . ففعل ذلك .) .
2 ـ وبادر المتوكل بالإنتقام من غريمه ابن الزيات بعد ثلاثة أشهر من توليه الخلافة . فى 7 صفر 232 أمر المتوكل بالقبض على ابن الزيات وتعذيبه حتى الموت فى ( التنُّور )، بنفس الطريقة التى كان بها ابن الزيات يعاقب ضحاياه. بدأ بالقبض عليه ومصادرة أمواله ومتاعه وجواريه وغلمانه وضياعه وضياع أهل بيته . ثم أمر بتعذيبه . تقول الرواية فى الطبرى ( وبعث إلى داره فأخذ جميع ما فيها من متاع وجوار وغلمان ودواب وأمر أحمد بن أبي خالد بقبض ضياعه وضياع أهل بيته.. ثم قُيّد فامتنع عن الطعام ، وكثر بكاؤه ، ثم سوهر ومنع من النوم بمسلة ينخس بها. ثم أمر بتنور من حديد فيه مسامير إلى داخله ، فأدخل فيه ، وهو الذي كان صنعه ليعذب به من يطالب بأمر . فجعل يقول لنفسه: يا محمد بن عبد الملك لم تقنعك النعمة والدواب الفارهة والدار النظيفة وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة ذُق ما عملت بنفسك! وكان لا يزيد على التشهد وذكر الله تعالى . ..وكان يقول: الرحمة خور في الطبيعة ما رحمت شيئًا قط . فلما وضع في التنور قال: ارحموني قالوا له: وهل رحمت شيئًا قط . ؟ .) ومات تحت التعذيب ( مات في التنور، .. ولما مات طرح على باب، فغسل عليه وحفر له ، ولم يُعمّق . فذكر أن الكلاب نبشته ، فأكلت لحمه ) ( الطبرى 9 / 156 : 161 )
3 ـ وفى نفس العام تتبع المتوكل أعداءه أصحاب النفوذ فى دولة أخيه ، يصادرهم ويسجنهم . فى شهر رمضان من نفس العام إنتقم المتوكل من صاحب الخزانة ( عمر بن فرج الرخجى ) الذى رمى الصّك فى وجهه من قبل وكان يتجسس عليه لصالح ابن الزيات . فإعتقله ووضعه فى الحديد وصادر أمواله.( فوجد في منزله خمسة عشر ألف درهم. وقبض جواريه وفرشه . وقيد بثلاثين رطلًا من الحديد. وأحضر مولاه نصر ، فحمل ثلاثين ألف دينار . وحمل نصر من مال نفسه أربعة عشر ألف دينار ، وأصيب له في الأهواز أربعون ألف دينار ، ولأخيه محمد بن الفرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار . وحمل من داره من المتاع على ستة عشر بعيرًا فرش فاخرة ، ومن الجوهر ما قيمته أربعون ألف دينار. ، وألبس جبة صوف ، وقُّيد ، وأخذ عياله . ففتشوا ، فكن مائة جارية ، ثم صولح على عشرة آلاف ألف درهم )
وفي نفس العام غضب المتوكل على أبي الوزير أحمد بن أبي خالد ، وأمر بمحاسبته فحمل نحوًا من ستين ومائة ألف دينار وبدرتين دراهم ، وحليًا . وأخذ له من متاع مصر اثنين وستين سفطًا واثنين وثلاثين غلاما وفرشا كثيرا . وأخذ أصحابه فصالحوا على سبعين ألف دينار .
وأمر المتوكل بسليمان بن إبراهيم بن الجنيد فضرب بالأعمدة حتى أقر بتسعين ألف دينار، فوجّه معه مباركًا المغربي إلى بغداد، حتى استخرجها من منزله . وجيء به فحبس .( الطبرى 9 / 161 : 162 ).
4 ـ بعد قتل ابن الزيات وفى عام 234 أعلن المتوكل إنحيازه لمنهج أهل الحديث المتشدّد ، وهو الذى صار معروفا بعدها بالحنبلية.)، وكافأ الحنابلة الخليفة المتوكل بدعايات من المنامات شجعته على المزيد من الانحياز( للحنبلة ).
5 ـ ولم يتعرض المتوكل لابن أبى داود . إذ أنه بموت الواثق حاول كبار الجُند تولية الطفل ابن الواثق ، ولكن رفض القاضى أحمد بن أبى داود ، الذى استدعى ولى العهد ( جعفر ) وأقنعهم بأن يتولى الخلافة ، وبذلك تولى المتوكل الخلافة بتدخل أحمد بن داود ، فحفظ المتوكل جميل أحمد بن أبى داود الى حين من الزمان . ولكن نفوذ الحنابلة جعل المتوكل يعصف بان أبى داود ، فجاءت نكبته هو وإبنه محمد عام 237 ـ
6 ـ وشهد هذا العام 237 نكبة شيخ المعتزلة ابن أبى داود وإنزال جثة أحمد بن نصر ودفنها وأطلاق المتوكل سراح كل المساجين المتهمين بعدم القول بخلق القرآن . ( المنتظم 11 / 249 : 251 ).
كما شهد عام 236 هدم قبر الحسين . يقول الطبرى : ( أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي ، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه . ) وهددوا الناس من المجىء للمكان ( فذكر ان عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق . فهرب الناس ، وامتنعوا من المصير إليه . وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه. ) ( الطبرى 9 / 185 ).
ثالثا : موقع المتوكل فى العصر العباسى
1 ـ المتوكل (232 : 247 هجرية ) ( 847 ـ 861 م) وهو الذى يبدأ به العصر العباسى الثانى، ( 847 ـ 1258 م ) عصر ضعف الدولة العباسية كنظام سياسى ولكن تبدأ قوة الخلافة العباسية الروحية ، لذا إحتاجت لكهنوت دينى قوى تعزّز به ضعف الخلفاء سياسيا ، فكانت الحنبلية هى ذلك الكهنوت المناسب ، وبه سيطر الحنابلة على الشارع العباسى . وإستفاد الحنابلة من ضعف الخلفاء العباسيين وحاجتهم الى كهنوت قوى فأصبح لهم نفوذ قوى فى الشارع العباسى . وكان المتوكل بسياسته فى التعصب ( الحنبلى ) قائدا لهم . والعباسيون والحنابلة صنعوا لهم ضحايا فى الداخل يوجهون نحوهم سخط العوام ، ليتسلّى عوام الحنابلة باضطهادهم ، لذا بدأ المتوكل بإضطهاد المعتزلة والنصارى واليهود ، بل وشيوخ التصوف فى بداية ظهور دين التصوف .
ولأن الصراع الحربى كان مستعرا بين العباسيين والبيزنطيين فقد تم تكثيف الصبغة الدينية على هذا الصراع ( الدنيوى ) فأصبح بالحنبلية يعنى صراعا بين ( أمة محمد ) و ( أمة المسيح ) . وعكست هذا أحاديث الشفاعة وغيرها من أحاديث تنشر مصطلح ( امة محمد ) التى سيشفع فيها ( محمد )، مع أحاديث أخرى تشرّع إضطهاد ( أهل الكتاب ). وتركز فى الفقه السّنى تقسيم العالم الى معسكرين : معسكر الاسلام والسلام ، ومعسكر الحرب ، أو ( دار السلام ) و( دار الحرب ) ، وأصبح من مصطلحات الفقه السّنى ( الحربى ) أى الذى ينتمى الى المعسكر الآخر ، تمييزا له عن ( الذمى ) أى المسيحى أو اليهودى من السكان داخل معسكر الاسلام والسلام بزعمهم . بهذا يتميز العصر العباسى الثانى عن الأول ، وكان المتوكل هو رأس هذا العصر الثانى .
2 ـ والمتوكل أول خليفة يقتله قوّاده الأتراك ، وبعدها أصبحت عادة سيئة للقواد التراك فى التحكم فى الخلافاء العباسيين وعزلهم وقتلهم . وهو أول خليفة يسرف فى إقتناء الجوارى،وكان أكثرهم اسرافا فى الجنس. قال عنه المسعودى فى ( مروج الذهب ) ( إنه كان له أربعة آلاف سرية ( أى عشيقة محظية مملوكة ) وطئهن كلهن ) ( تاريخ المسعودى 2 / 418 ) . هذا مع اشتهاره بتفضيل إثنتين من جواريه أولهما ( قبيحة ) اجمل نساء عصرها ـ وهى أم ابنه الخليفة المعتز ـ و ( محبوبة ) المغنية.
3 ـ و لكن تميز المتوكل بالتعصب على كل المستويات . فهو الذى تعصب للحنابلة ضد المعتزلة وهو الذى إضطهد من أجل الحنابلة أهل الكتاب ، فأرغم النصارى و اليهود على لبس زى معين للتحقير ، ومن أجل الحنابلة اضطهد الشيعة وهدم قبر الحسين ، وهو الذى سلّط الحنابلة على الجميع .
وأدمن التعصب حتى فى سياسته ، فتعصب ضد الفرس والعرب وأقصاهم من الجندية وأحل محلهم الأتراك . بل تعصب لابنه الأصغر المعتز ضد ابنه الأكبر ( المنتصر ) ولى العهد بسبب حظوة جاريته (قبيحة) أم المعتز عنده ، فحاول نزع ولاية العهد من ابنه الأكبر ( المنتصر ) ليولى ابنه المعتز بن قبيحة، فتآمر ابنه المنتصر عليه و قتله ليلة الأربعاء الرابع من شوال عام 247 ، بمساعدة بعض القادة الأتراك ، وقتلوا معه وزيره الفتح بن خاقان ـ وكانا يشربان الخمر معا.
3 ـ وتولى الابن القاتل ( المنتصر) الخلافة ، وسرعان ما مات مسموما بيد الأتراك بعد ستة أشهر من خلافته ، عام 248 .وولى القادة الأتراك مكانه ( المستعين ) عام 248 ، وبتآمر قبيحة أرغم القادة الأتراك المستعين على التنازل عام 252 ، وولوا الخليفة المعتز . وكانت ( قبيحة ) هى المتحكمة فى خلافة ابنها المعتز ، و قتل القادة الأتراك الخليفة المستقيل المستعين فى نفس العام ، ثم خلعوا الخليفة المعتز وقتلوه عام 255، وصادروا جواهرقبيحة ام المعتز ، وكانت تملأ سردابا ، وسجنوها ، واغتصبها القائد التركى صالح بن وصيف . وهربت الى مكة تستجير بالكعبة ..!! يقول الطبرى عن الفصل الأخير فى محنة قبيحة بعد قتل ابنها الخليفة المعتز بيد الأتراك :( ولم تزل قبيحة مقيمة إلى أن شخص الناس إلى مكة في هذه السنة فسيرت إليها مع رجاء الربابي ووحش مولى المهتدي. فذكر عمن سمعها في طريقها وهي تدعو الله على صالح بن وصيف بصوت عال وتقول : اللهم أخز صالح بن وصيف كما هتك ستري وقتل ولدي وبدد شملي وأخذ مالي وغربني عن بلدي وركب الفاحشة مني ) .. وولى القادة الأتراك الخليفة المهتدى الذى حاول أن يسير بالعدل فقتلوه سريعا بعد خلافة لم تكمل عاما واحدا ، قتلوه عام 256 ، وهو العام الذى مات فيه البخارى .وهذا هو مصير ورثة المتوكل وضحايا سياسته فى تجنيد وتجييش الأتراك ، قتلوه وقتلوا الخلفاء من ذريته . وفى هذا العصرالفاسد المنحل تأسّس الدين السنى الحنبلى وتسيّد ، وعاش أئمة أهل السنة من البخارى ومسلم وابن حنبل وابن راهويه ..ووو,
رابعا : ونتتبع إضطهاد المتوكل لأهل الكتب مما جاء فى تاريخ الطبرى :
1 ـ فى عام 235 : يقول الطبرى : ( وفي هذه السنة أمر المتوكل بأخذ النصارى وأهل الذمة كلهم بلبس الطيالسة العسلية والزنانير وركوب السروج بركب الخشب، وبتصيير كرتين على مؤخر السروج وبتصيير زرين على قلانس من لبس منهم قلنسوة مخالفة لون القلنسوة التي يلبسها المسلمون ، وبتصيير رقعتين على ما ظهر من لباس مماليكهم مخالف لونهما لون الثوب الظاهر الذي عليه ، وان تكون إحدى الرقعتين بين يديه عند صدره والاخرى منهما خلف ظهره ، وتكون كل واحدة من الرقعتين قدر اربع أصابع ولونهما عسليا . ومن لبس منهم عمامة فكذلك يكون لونها لون العسلي . ومن خرج من نسائهم فبرزت فلا تبرز إلا في إزار عسلي. وأمر بأخذ مماليكهم بلبس الزنانير ، وبمنعهم لبس المناطق. وامر بهدم بيعهم المحدثة ، وبأخذ العشر من منازلهم . وإذا كان الموضع واسعا صُّير مسجدا . وإن كان لا يصلح أن يكون مسجدا صير فضاء . وامر أن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمورة تفريقا بين منازلهم وبين منازل المسلمين . ونهى ان يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي يجري أحكامهم فيها على المسلمين . ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين، ولا يعلمهم مسلم . ونهى أن يظهروا في شعانينهم صليبا وان يشمعلوا في الطريق ، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض لئلا تشبه قبور المسلمين . ).
2 ـ وفى عام 239 ( أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس دراعتين عسليتين على الأقبية والدراريع في المحرم منها ثم أمره في صفر بالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمر دون الخيل والبراذين . )
3 ـ وفى عام 242 : ( قتل المتوكل عطاردا رجلا كان نصرانيا فأسلم فمكث مسلما سنين كثيرة ثم ارتد فاستتيب فأبى الرجوع الى الإسلام فضربت عنقه لليلتين خلتا من شوال وأحرق بباب العامة . )
4 ـ ولم ينج الطبيب الشهير بختيشوع من إضطهاد المتوكل . ففى عام 244 ( غضب المتوكل على بختيشوع ، وقبض ماله ، ونفاه إلى البحرين . ) وفى عام 245 ( ضُرب بختيشوع المتطبب مائة وخمسين مقرعة وأثقل بالحديد وحبس في المطبق في رجب. ) .
5 ـ ونتذكر الفارق بين تكريم المتوكل للحنابلة الجهلة وعصفه بالعلماء الحقيقيين ، فقد أنّب المتوكل بعنف أحد الحنابلة لأنه إقترض عشرين ألف درهم من الطبيب بختيشوع ، وأعطى المتوكل هذا الحنبلى مائة ألف درهم مع تحذيره لو عاد يقترض من بختيشوع .( المنتظم 11 / 180 : 181 ). ثم بعدها كانت نكبة الطبيب العالم بختيشوع . .!!.
6 ـ هنا أيضا نتذكر الفارق بين سماحة الخليفة المعتصم ( المعتزلى ) وتعصب إبنه الخليفة المتوكل ( الحنبلى ) . ولقد كان سلمويه بن بنان نصرانيا متمسكا بدينه، وقد عمل طبيبا للخليفة العباسي المعتصم ، وارتفع شأنه عنده حتي أن الورقة التي تحمل توقيع سلمويه كان الأمراء والقواد لا يستطيعون مخالفتها، وقد أمر الخليفة المعتصم بتولية إبراهيم ابن بنان شقيق سلمويه الإشراف علي خزائن الأموال للخلافة العباسية . وكان الخليفة المعتصم يقول عن طبيبه سلمويه : ( هذا عندي أكبر من قاضي القضاة لأن هذا يحكم في مالي وهذا يحكم في نفسي ، ونفسي أشرف من مالي. ) . وحين مرض سلمويه ذهب إليه المعتصم يزوره ، وبكي عنده وطلب مشورته. ولما مات سلمويه امتنع المعتصم من أكل الطعام يوم موته ، وأمر أهل القصر بحضور جنازته ، وأن يصلوا عليه بالشمع والبخور وأن يرتدوا جميعا زى النصارى بالكامل فنفذوا أوامره ،وأشرف بنفسه عليهم وهو يشاهد جنازة سلمويه . ومات المعتصم بعد موت صديقه سلمويه بعشرين شهرا . ومات المعتصم سنة 227 هـ. وتولى ابنه الواثق ، ومات الواثق فتولى المتوكل ( الحنبلى ) فإنقلب الحال .
ونحن الان فى عصرنا البائس نعيش إنقلاب الحال .. فقد عاد الحنابلة ..
1 ـ فى عام 235 : يقول الطبرى : ( وفي هذه السنة أمر المتوكل بأخذ النصارى وأهل الذمة كلهم بلبس الطيالسة العسلية والزنانير وركوب السروج بركب الخشب، وبتصيير كرتين على مؤخر السروج وبتصيير زرين على قلانس من لبس منهم قلنسوة مخالفة لون القلنسوة التي يلبسها المسلمون ، وبتصيير رقعتين على ما ظهر من لباس مماليكهم مخالف لونهما لون الثوب الظاهر الذي عليه ، وان تكون إحدى الرقعتين بين يديه عند صدره والاخرى منهما خلف ظهره ، وتكون كل واحدة من الرقعتين قدر اربع أصابع ولونهما عسليا . ومن لبس منهم عمامة فكذلك يكون لونها لون العسلي . ومن خرج من نسائهم فبرزت فلا تبرز إلا في إزار عسلي. وأمر بأخذ مماليكهم بلبس الزنانير ، وبمنعهم لبس المناطق. وامر بهدم بيعهم المحدثة ، وبأخذ العشر من منازلهم . وإذا كان الموضع واسعا صُّير مسجدا . وإن كان لا يصلح أن يكون مسجدا صير فضاء . وامر أن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمورة تفريقا بين منازلهم وبين منازل المسلمين . ونهى ان يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي يجري أحكامهم فيها على المسلمين . ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين، ولا يعلمهم مسلم . ونهى أن يظهروا في شعانينهم صليبا وان يشمعلوا في الطريق ، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض لئلا تشبه قبور المسلمين . ).2 ـ وفى عام 239 ( أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس دراعتين عسليتين على الأقبية والدراريع في المحرم منها ثم أمره في صفر بالاقتصار في مراكبهم على ركوب البغال والحمر دون الخيل والبراذين . )3 ـ وفى عام 242 : ( قتل المتوكل عطاردا رجلا كان نصرانيا فأسلم فمكث مسلما سنين كثيرة ثم ارتد فاستتيب فأبى الرجوع الى الإسلام فضربت عنقه لليلتين خلتا من شوال وأحرق بباب العامة . )4 ـ ولم ينج الطبيب الشهير بختيشوع من إضطهاد المتوكل . ففى عام 244 ( غضب المتوكل على بختيشوع ، وقبض ماله ، ونفاه إلى البحرين . ) وفى عام 245 ( ضُرب بختيشوع المتطبب مائة وخمسين مقرعة وأثقل بالحديد وحبس في المطبق في رجب. ) .5 ـ ونتذكر الفارق بين تكريم المتوكل للحنابلة الجهلة وعصفه بالعلماء الحقيقيين ، فقد أنّب المتوكل بعنف أحد الحنابلة لأنه إقترض عشرين ألف درهم من الطبيب بختيشوع ، وأعطى المتوكل هذا الحنبلى مائة ألف درهم مع تحذيره لو عاد يقترض من بختيشوع .( المنتظم 11 / 180 : 181 ). ثم بعدها كانت نكبة الطبيب العالم بختيشوع . .!!.6 ـ هنا أيضا نتذكر الفارق بين سماحة الخليفة المعتصم ( المعتزلى ) وتعصب إبنه الخليفة المتوكل ( الحنبلى ) . ولقد كان سلمويه بن بنان نصرانيا متمسكا بدينه، وقد عمل طبيبا للخليفة العباسي المعتصم ، وارتفع شأنه عنده حتي أن الورقة التي تحمل توقيع سلمويه كان الأمراء والقواد لا يستطيعون مخالفتها، وقد أمر الخليفة المعتصم بتولية إبراهيم ابن بنان شقيق سلمويه الإشراف علي خزائن الأموال للخلافة العباسية . وكان الخليفة المعتصم يقول عن طبيبه سلمويه : ( هذا عندي أكبر من قاضي القضاة لأن هذا يحكم في مالي وهذا يحكم في نفسي ، ونفسي أشرف من مالي. ) . وحين مرض سلمويه ذهب إليه المعتصم يزوره ، وبكي عنده وطلب مشورته. ولما مات سلمويه امتنع المعتصم من أكل الطعام يوم موته ، وأمر أهل القصر بحضور جنازته ، وأن يصلوا عليه بالشمع والبخور وأن يرتدوا جميعا زى النصارى بالكامل فنفذوا أوامره ،وأشرف بنفسه عليهم وهو يشاهد جنازة سلمويه . ومات المعتصم بعد موت صديقه سلمويه بعشرين شهرا . ومات المعتصم سنة 227 هـ. وتولى ابنه الواثق ، ومات الواثق فتولى المتوكل ( الحنبلى ) فإنقلب الحال .ونحن الان فى عصرنا البائس نعيش إنقلاب الحال .. فقد عاد الحنابلة ..النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,684,240 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
يوم الفرقان: يقول تعالى في سورة الأنف ال:(اذ انتم...
تكرر التطهر لماذا ؟: لسلام عليكم انا من المنض من الجدد لموقع ك ...
عدد طوائف المسلمين: احترا ماتي لكم سنين مضت قرأت في موقعك م او...
شكرا على الاضافة: شكرا على الحلق ة 56 و أٌقول : حسب فهمي و الله...
مخالف للنشر: الاست اذ الكتو ر احمد صبحي منصور لم اتعرف...
more
1 ـ المتوكل (232 : 247 هجرية ) ( 847 ـ 861 م) وهو الذى يبدأ به العصر العباسى الثانى، ( 847 ـ 1258 م ) عصر ضعف الدولة العباسية كنظام سياسى ولكن تبدأ قوة الخلافة العباسية الروحية ، لذا إحتاجت لكهنوت دينى قوى تعزّز به ضعف الخلفاء سياسيا ، فكانت الحنبلية هى ذلك الكهنوت المناسب ، وبه سيطر الحنابلة على الشارع العباسى . وإستفاد الحنابلة من ضعف الخلفاء العباسيين وحاجتهم الى كهنوت قوى فأصبح لهم نفوذ قوى فى الشارع العباسى . وكان المتوكل بسياسته فى التعصب ( الحنبلى ) قائدا لهم . والعباسيون والحنابلة صنعوا لهم ضحايا فى الداخل يوجهون نحوهم سخط العوام ، ليتسلّى عوام الحنابلة باضطهادهم ، لذا بدأ المتوكل بإضطهاد المعتزلة والنصارى واليهود ، بل وشيوخ التصوف فى بداية ظهور دين التصوف .ولأن الصراع الحربى كان مستعرا بين العباسيين والبيزنطيين فقد تم تكثيف الصبغة الدينية على هذا الصراع ( الدنيوى ) فأصبح بالحنبلية يعنى صراعا بين ( أمة محمد ) و ( أمة المسيح ) . وعكست هذا أحاديث الشفاعة وغيرها من أحاديث تنشر مصطلح ( امة محمد ) التى سيشفع فيها ( محمد )، مع أحاديث أخرى تشرّع إضطهاد ( أهل الكتاب ). وتركز فى الفقه السّنى تقسيم العالم الى معسكرين : معسكر الاسلام والسلام ، ومعسكر الحرب ، أو ( دار السلام ) و( دار الحرب ) ، وأصبح من مصطلحات الفقه السّنى ( الحربى ) أى الذى ينتمى الى المعسكر الآخر ، تمييزا له عن ( الذمى ) أى المسيحى أو اليهودى من السكان داخل معسكر الاسلام والسلام بزعمهم . بهذا يتميز العصر العباسى الثانى عن الأول ، وكان المتوكل هو رأس هذا العصر الثانى .2 ـ والمتوكل أول خليفة يقتله قوّاده الأتراك ، وبعدها أصبحت عادة سيئة للقواد التراك فى التحكم فى الخلافاء العباسيين وعزلهم وقتلهم . وهو أول خليفة يسرف فى إقتناء الجوارى،وكان أكثرهم اسرافا فى الجنس. قال عنه المسعودى فى ( مروج الذهب ) ( إنه كان له أربعة آلاف سرية ( أى عشيقة محظية مملوكة ) وطئهن كلهن ) ( تاريخ المسعودى 2 / 418 ) . هذا مع اشتهاره بتفضيل إثنتين من جواريه أولهما ( قبيحة ) اجمل نساء عصرها ـ وهى أم ابنه الخليفة المعتز ـ و ( محبوبة ) المغنية.3 ـ و لكن تميز المتوكل بالتعصب على كل المستويات . فهو الذى تعصب للحنابلة ضد المعتزلة وهو الذى إضطهد من أجل الحنابلة أهل الكتاب ، فأرغم النصارى و اليهود على لبس زى معين للتحقير ، ومن أجل الحنابلة اضطهد الشيعة وهدم قبر الحسين ، وهو الذى سلّط الحنابلة على الجميع .وأدمن التعصب حتى فى سياسته ، فتعصب ضد الفرس والعرب وأقصاهم من الجندية وأحل محلهم الأتراك . بل تعصب لابنه الأصغر المعتز ضد ابنه الأكبر ( المنتصر ) ولى العهد بسبب حظوة جاريته (قبيحة) أم المعتز عنده ، فحاول نزع ولاية العهد من ابنه الأكبر ( المنتصر ) ليولى ابنه المعتز بن قبيحة، فتآمر ابنه المنتصر عليه و قتله ليلة الأربعاء الرابع من شوال عام 247 ، بمساعدة بعض القادة الأتراك ، وقتلوا معه وزيره الفتح بن خاقان ـ وكانا يشربان الخمر معا.