فلسفة الأخلاق(لوحة الضمير)
صحوت باكراً أتجه إلى عملي وجاء إلينا أتوبيس الشركة في الميدان فركبنا وذهبنا إلى العمل، وفي الدقائق الأولى للعمل تم توزيعنا على أماكن عمل وظائفنا فتقلدنا مراحلنا الإدارية والإنتاجية..وكما العادة التي اعتدنا عليها أن يكون في كل مكان عمل موظفين اثنين أو ثلاثة أو أكثر،وبحُكم ظروف العمل تتولد الصداقات من رحم الزمالة..فكان لي صديق محبوب ومثقف اسمه.."غانم"..يشبه في ثقافته صديقي "أحمد" إلى حدي كبير والذي قضيت معه ساعات الراحة الأسبوعية في مناقشات جميلة ورائعة...وبينما نحن نعمل إذ دار هذا الحوار:
قلت:هل تعلم ياغانم أن الحكومة تنوي رفع الدعم عن بعض السلع الرئيسية؟
غانم: علمت ذلك من النشرات الإخبارية أمس ، وقد استضافوا عدد من المسئولين في الحكومة في برامج التوك شو وأكدوا جميعاً صحة الخبر، ولكن البعض منهم يقول بأن رفع الدعم بغرض توجيهه إلى أماكن أخرى هي أشد احتياجاً.
قلت: بغض النظر عن رفع الدعم في حد ذاته، ألا ترى أن الحكومة تتعامل بضمير أم يختلط عليها الأمر تِبعاً للظروف؟
غانم: لا ياصديقي هذا حوار هام وأفضل إجراءة في ساعة الغذاء والقيلولة، حيث الموضوع بحاجة لتركيز، فلا نلجأ لمثل هذه الحوارات "العميقة" في ساعات العمل الرسمية كي لا نُقصّر في واجبنا العملي.
قلت: معك حق سنناقش المسألة بعد صلاة الظهر بإذن الله.
ومر الوقت وأدينا صلاة الظهر في مسجد الشركة، ثم ذهبنا لتناول الغذاء في "الكافتيريا"..وبعد الانتهاء من تناول الغذاء جلسنا نحتسي"الشاي" ثم دار هذا الحوار.
غانم: وقفت في سؤالك عن كون الحكومة تتعامل بضمير أم يختلط عليها الأمر تِبعاً للظروف... وأنا أتعامل مع الضمير برؤية ظاهرية حيث أنني أقف على المفهوم بناءاً عن معناه..فتكون الإجابة "نعم" الحكومة تتعامل مع بضمير كون الضمير يعني الإضمار، وطالما هي حكومة منتخبة فهي تريد الخير لمنفعتها، ولكن هذا لا ينفي الاختلاط لمحدودية المعرفة، فثقافة الإنسان ليست حالة مطلقة ويحيل عليها تحصيل الحق المطلق.
قلت:تعريفك للضمير موقوف على اللغة ياصديقي، بينما ممارسة الحكومة لأعمالها تكون عن فكر مسبق، وهناك علاقة جدلية بين اللغة والفكر فرؤيتك ليس مقطوعٌ بها.
غانم: أعلم ذلك ياسامح ولكن لا تنسى أن اللغة ليست عبارة عن ألفاظ محدودة بل هي معاني أيضاً، ولا أعلم خلافاً في تفسير الضمير في أي لغة غير هذا...فالتفسير إذاً هو مشترك لفظي ومعنوي، والدليل على صحة المقولة هو أن الفكر بالعموم يسبق التصريح فلا تصريح إلا عن نشاط عقلي يفكر، أنت نفسك لديك أفكار وأحيانا لا تجد لها ألفاظ لتتواصل بها مع الآخرين.
قلت: نعم عندك حق وسؤالي كان لاستبيان ماهية الضمير لديك، فبالماهية يأتي الإسقاط، وأرى صحة ما ذهبت إليه عدا القول باحتمالية الاختلاط وربطه بالقول بنفي الضمير "كمقدمة محذوفة" من جوابك، فأنا أرى أن الضمير يتحقق حتى لو كان الاختلاط موجود.
غانم: إذاً فالخطأ كان من السؤال لديك حيث أنك خيرتني بين أمرين هم لديك واحد.
قلت: هناك جانب لم تنتبه له من سؤالي وهو.."تبعاً للظروف"..وأنت لم تفصل أمراً في شأن الظروف كونها لدي هي الفاصل بين الضمير والاختلاط..
غانم: كيف؟
قلت: أن الضمير سينتفي حين وجود دافع مصلحة من وراءه، فالإنسان في جوهره عجول ولا يعمل ولا يفكر –في الغالب-إلا من داخل النَسَق، لذلك كان سؤالي لك يعني في مضمونه هل الضمير لديك يتحقق في حال كان المستفيد طرف دون آخر أم ماذا..
غانم: هكذا اتضحت فكرتك وهي أسهل للنقاش من الجدلية السابقة..نعم فالإنسان حين يعمل لمصلحته يجبره ذلك –في الغالب-على أن يتعايش مع تناقضه فلا يشعر به، والضمير هنا بالفعل هو ليس ضمير حقيقي كون المستفيد طرف دون آخر، والأصل في الضمير ليس فقط إضمار الخير، بل في تصور إسقاط الفكرة الموجودة مسبقاً في الضمير بحيث تُنتج مصلحة عامة..ولكن أرى أن ذلك يحيل على الإنسان النزعوي وهو فقط لدى الإنسان المثالي.
قلت:الإنسان لابد وأن يكون مثالياً ياصديقي خاصة عندما يتحدث باسم الدين ، فالناس تنظر للدين بمعاني القيم، والأغلبية تجهل الفارق بين الضمير والخير فيظنون أن كل من أخلص في عمله هو في حقيقته يفعل الخير وهذا غير صحيح.
إلى هنا أزف الوقت الذي كان يسارعنا كالبرق، ودقت أجراس الساعة معلنة عن انتهاء الوقت المخصص للغذاء.
اجمالي القراءات
8625