1 ـ لو كانت العظمة تقاس بالأخلاق وحب الخير للناس لاستحق منها معاوية بن يزيد بن معاوية الشئ الكثير. أبوه الخليفة يزيد بن معاوية هو أول خليفة يلي الحكم بالوراثة ، وهو الذي شهد عهده القصير ثلاث فواجع هي قتل الحسين وآله في كربلاء وانتهاك حرمة المدينة وقتل أهلها ، وانتهاك حرمة الكعبة وقتال أهل مكة . وكل ذلك كي يحتفظ بسلطانه فوق أنفاس المسلمين..
ثم عهد يزيد بالخلافة لابنه الأكبر معاوية سنة 64 هـ ولم يستطع الشاب الصالح أن يعصى أباه، فاصطنع المرض ، ولما مات أبوه يزيد أصبح خليفة فاعتكف عدة أيام يزن الأمور ، ثم خرج على الناس فألقى فيهم خطابا يعلن فيه اعتزاله الخلافة ويترك فيه الملك والسلطان ، وهو يعلم أن مصيره القتل ، وفعلا سقوه السم فمات ، وعند الاحتضار سألوه في أن يستخلف بعده واحدا من أسرته فقال : ما ذقت حلاوتها فلماذا أتحمل مرارتها ؟ ومات شابا في العشرين من عمره بعد أن ظل خليفة أربعين يوما .
هذا الشاب العظيم معاوية بن يزيد قال في خطاب اعتزاله " أما بعد ، فاني نظرت في أمركم فضعفت عنه .. فأنتم أولى بأمركم فاختاروا من أحببتم " وذكر أباه يزيد بن معاوية فبكى وقال عنه " لقد قتل عترة رسول الله وأباح الحرم وخرب الكعبة ، وما أنا بالمحتمل تبعاتكم فشأنكم وأمركم ، فوالله لئن كانت الدنيا عزا فقد نلنا منها حظنا ، ولئن كانت شرا فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها " ثم دخل بيته فوثب عليه بنو أميه وسقوه السم ، وبحثوا عن صديقه أو أستاذه وهو عمرو المقصوص أحد المفكرين الأوائل القائلين بحرية الإرادة ، وتأكدوا أنه السبب الذي اقنع معاوية بن يزيد بالاعتزال ، وعرفوا أن عمرو المقصوص قال له : إما أن تعتدل وإما أن تعتزل ، فاختار الاعتزال . وبعد أن قتلوا الخليفة الشاب بحثوا عن صديقه عمرو المقصوص وكان قد هرب ، ووجدوه ، وانتقموا منه شر انتقام ؛ إذ دفنوه حيا ..!!
2 ـ تفككت الدولة الأموية بعد موت يزيد واعتزال ابنه معاوية بن يزيد ‘ وكان ذلك من حسن حظ عبد الله بن الزبير الذى أعلن نفسه خليفة فى مكة ، وسمى نفسه العائذ بالحرم ، و دخلت فى طاعته مصر و العراق ، بل انضم جزء من الشام اليه ، بل فكر زعيم الأمويين وقتها مروان بن الحكم فى البيعة لابن الزبير لولا نصيحة ابن زياد. ولذلك عقد الأمويون مؤتمرا فى مدينة الجابية واتفقوا على ان يتولى الخلافة شيخ الأمويين وقتها مروان بن الحكم ثم يتولاها بعده خالد بن يزيد ابن معاوية شقيق معاوية بن يزيد المعتزل والذى لقى حتفه بالسم.
3 ـ ونعود الى بطلنا العظيم المنسى : معاوية الثانى ـ أو معاوية بن يزيد بن معاوية ، ونقول أنه ربما كان يرتب مع أستاذه عمرو المقصوص لإعادة نظام الشورى الى الخلافة وفق مبادىء عمرو المقصوص فى حرية الارادة ـ أو اليبرالية بمفهوم عصرنا . ولكن العصر كان قد تغير وموازين القوى قد أصبحت فيمن يملك الأموال والأتباع ، أما أصحاب المبادئ فقد انتهى عصرهم . وربما اعتقد عمرو المقصوص أن طريقته في التغيير قد تثمر في التأثير على أخوة معاوية بن يزيد ليعطي نفسه أملا في المستقبل بعد انتهاء معاوية . وكان أخوة معاوية وهما خالد وعبد الرحمن من تلامذته ، وتولى خالد بن يزيد بن معاوية العهد بعد مروان بن الحكم طبقا لاتفاقية الجابية ، ولكن ضاعت آمال خالد بن يزيد في الخلافة ، فقد تزوج مروان بن الحكم أم خالد ليذله وسخرمروان من خالد وذكر أمه بلفظ قبيح فاجر فى مجلس علنى ليحقّر شأنه بين زعماء القبائل والقادة، فاشتكى خالد الى أمه فقامت مع جواريها بقتل مروان بن الحكم خنقا بالوسائد ..
والمكتوب عن هذا العصر بضع صفحات ، مع أن الأحداث كانت هائلة ومفجعة ..
ومن عادة التاريخ السيئة أنه يتحدث كثيرا عن مشاهير المجرمين مثل يزيد بن معاوية و مروان ابن الحكم ، ويتجاهل العظماء الحقيقيين ومنهم معاوية بن يزيد .
اجمالي القراءات
20842
اذا كان التاريخ هو مرآة نبصر من أحد وجهيها الماضى ونستشرق من الآخر المستقبل ..
واذا كان الحسن والسوء هو وجهان لعملة واحدة هى التاريخ ..
واذا كان هذا " التاريخ" " بمثابة الشاهد الحاضر الغائب الذى سطّرت صحفه أقلام مع كل الأسف حل الكذب والتدليس والمصلحة عند أغلبها محل العدل والحق والفضيلة ، وصارت أمثلة المجرمين والقتلة عندهم الأبطال الأوائل ، وتاهت فى أعماقها أغلب النماذج المشرفة التى علت عندها قيم الحق والعدل على متاع الدنيا الزائف ..
فهل من المعقول لأغلبنا أن يظل خاضعا لتلك الأسس المجحفة ؟!!!! ، هل من المعقول أن لانتحمل أمانة تبليغ التاريخ كما حدث وكما سطرته الأقدار ؟!!! ..
هل من الشجاعة أن نهرب ونخاف من أذى عابر يثنينا عن مهمة أزلية قد أسندت إلينا ؟!!!..
أرى أننا نحتاج الى إجابة صريحة وحاسمة لهذه الأسئلة ..
وأرى أننا بحاجة الى وضع قواعد حقيقة لكتابة التاريخ تنصف من يستحق الإنصاف وتنكّل بمن يستحق التنكيل .
فتحية لكل عظيم لم تذكره صفحات التاريح " أو ذكرته على استحياء " .
والويل لكل من زيّف التاريخ وزيّف العقول وغيّّب الوعى ..
ولاحول ولاقوة الا بالله
محمد رفعت