ابراهيم ايت ابورك Ýí 2011-06-03
سنحاول من خلال هذا البحث إن شاء الله إلقاء الضَّوء على كلمة تراب وماتحمله من معاني وألغاز في القرآن الكريم، لذلك سنستعين ببعض الرُّسوم التخطيطية لمراحل تشكل الإنسان داخل رحم المرأة، وذلك دون الدخول في تفاصيل أكثر تعقيداً عن كامل هذه المراحل بدقة، لان البحث يتحدث فقط عن معاني هذه المفردة القرآنية وليس عن الإعجاز العلمي في تشكّل الجنين ومايقوله القرآن الكريم..
كلمة تراب على كامل مساحة النص القرآني وردت في عشرين آية كريمة، و في سياقات مختلفة يمكن تصنيفها الى خمسة مجموعات رئيسية:
آيات المجموعة الأولى : بعد الموت أو البعث
يقول تعالى:
الآيات القرآنية للمجموعة الأولى (أعلاه) تتحدث عن تعجب و انكار الكفار والمشركين واستبعادهم للبعث وقدرة الله تعالى على إعادة تشكيل الإنسان بعدما تتحول سوءته الفانية (الجسد) الى تراب وعظام، واعتبار البعث من أساطير السابقين سبق وأن وعد بها أبائهم من قبل. والله سبحانه وتعالى يخبرنا ان الجاحدين بحقيقة البعث أولئك هم الكفار الذين سيدخلون جهنم خالدين فيها، وتأتي أيضا لتخبرنـا عن أمنية الكفار في الدَّار الآخرة بعدما حقت عليهم كلمة العداب وأصبحوا يتمنون لو كانوا تراباً للهروب من مصيرهم المحتوم الذي هو الحساب ثم العقاب. الا أن الملاحظ في الآيات القرآنية وبدون استثناء أن كلمة تراب تأتي دائما قبل كلمة العظام, مما يعني أن كلمة تراب تمثل قيمة جسد الانسان بعد الموت (قيمة لا تساوي شيئا) ولو افترضنا جدلا أن كلمة تراب تعني مادة التراب لما جائت قبل كلمة العظام لأنه وكما هو معروف يموت الانسان وتدبل سوءته وتتحول الى عظام متناثرة أولا ثم بعدها تتفتت و تتحول هذه العظام الى رميم (عظام هشة و متهالكة) ثم بعدها الى مادة التراب, اي ان العظام هي التي تسبق التراب وليس العكس كما هو ملاحظ في الآيات المدروسة.
ومن خلال قرائتنا للآيات السابقة يمكن أن نستنتج نقطتين هامتين نكتبهما بالأحمر العريض وهما:
النتيجة رقم 1 :
|
آيات المجموعة الثانية : في مراحل خلق الإنسان
يقول تعالى:
الآيات القرآنية للمجموعة الثانية تخاطب منكري البعث حيث يقول لهم جل شأنه الذي خلقكم من تراب وسوّاكم رجلاً قادر على إعادة انشائكم من تراب ذاته، فلم العجب والإنكار أصلاً ! والمستنير عقله سيستنتج أن جَسَدَه لم يكن شيئاً مذكوراً من قبل فالقادر على خلقه قادر أيضاً على إعادة بعته من جديد بعد وفاته، وتأتي هذه الآيات مباشرة لتصف أهمّ المراحل التي يمر بها تشكل الإنسان داخل رحم أمه الى ولادته –خارج الرحم- مروراً بالمراحل العمرية من حياته الى أن يصل الى أرذل العمر ثم إلى وفاته، ويلاحظ في هذه الآيات الكريمة أن كلمة تراب تأتي قبل تشكل النطفة أي قبل وجود أي جنين (إنسان) في رحم الأم، وتأتي أيضاً في نهاية المرحلة العمرية للإنسان أي بعد الموت إذا ما إعتبرنا الآيات السابقة. نتحدث هنا عن دورة حياة إنسان وتكون كلمة 'تراب' هي الحلقة الوصل بين قبل الخلق وبعد الخلق ، ويمكن تلخيص هذه الحلقة في الخطاطة التالية:
والآن سنأتي إلى تحليل هذه الآيات القرآنية التي تصف مراحل تشكل الإنسان، وبما أننا نبحث عن تعريف شمولي لكلمة تراب فسوف نتركها إلى آخر البحث (هذه الفقرة) لتكون النتيجة شمولية وجامعة لكامل الآيات القرآنية وعلى مساحة النص القرآني بحول الله تعالى.
المرحلة 1 : تشكل الإنسان داخل الرّحم سماها القرآن الكريم بالنطفة:
الآيات أعلاه تتحدث عن مضمون واحد وبالتالي سنكتفي بدراسة هذه الآية الشاملة لجميع مراحل خلق الإنسان.
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ) قبل ذلك يجب أن نبرهن على أن كلمة نطفة لا تعني ماء الرجل كما ذهبت إليه بعض التفاسير التقليدية، وإنما تعني المرحلة ما بعد الاخصاب عندما تتحول البويضة المخصبة الى خلية بيضية واحدة ودليلنا على ذلك مايلي:
وكل ماسبق قوله أعلاه يمكن تلخيصه بالرسوم والآية التالية:
هذه النطفة المتشكلة والتي تعتبر البنة الأولى لخق الإنسان داخل الرّحم ستتعرض لسلسلة من الانقسامات والتحولات، وهذه الانقسامات تكون موازية لتحركها بالتجاه جدار الرّحم للالتحام بها، هذا الالتحام يسمى بظاهرة التعشيش .
والوثيقة التالية تبين كل ماثم الاشارة اليه مند التحام الامشاج وحدوث ظاهرة الاخصاب الى تحول البويضة المخصبة الى خلية بيضية (نطفة) وما تتعرض لها من انقسامات داخل قناة فالوب الى التحامها بجدار الرّحم مشكلة مايسمى بالتعشيش استعداداً لبدء مرحلة أخرى جديدة.
ملحوظة: الكرات دات اللون الاصفر تمثل النطفة واللون الوردي تمثل المشيج الانثوي.
مرحلة التعشيش من المراحل المهمة في حياة الإنسان داخل رحم الأم والقرآن العظيم أشار إلى هذه المرحلة وسمى المكان الذي تلتصق فيه هذه النطفة بالقرار المكين، يقول تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ )-]المؤمنون-[13.
المرحلة 2: تشكل الإنسان داخل الرّحم سماها القرآن الكريم بالعلقة:
بعد تتبيت النطفة في جدار الرّحم وحدوث ما يسمى بظاهرة التعشيش تتحول هذه النطفة الى علقة معلنة بداية مرحلة جديدة وبزوغ أطوار جديدة بخصائص جديدة، هذه العلقة تشبه الى حد كبير حشرة العلقة الطفيلية في شكلها وحتى في طريقة تتبيثها وأيضا في طريقة حصولها على الطعام (الدم) بعدما ما تلتصق بفريستها، وهذه الوثيقة تبين أوجه التشابه بينهما.
المرحلة 3 : تشكل الإنسان داخل الرّحم سماها القرآن الكريم بالمضغة :
بعد مرحلة العلقة يتخد الجنين شكلا آخر في تطوره سماه القرآن الكريم بالمضغة وأيضا هذه الاخيرة تشبه تماما مضغة الطعام
والوثيقة التالية تبين مقارنة بين شكل الجنين ومضغة الطعام .
بعد المضغة يأخد الجنين أشكال أخرى معقدة تتطور تدريجيا وتبدأ معالم هذا الكائن في الإتضاح، وتغديته وتنفسه يكون عن طريق الحبل السري الذي يربطه مع أمه. بعد إنقضاء حوالي تسعة أشهر من الحمل يستعدّ هذا الكائن لمغادرة الرّحم ليطالب بحياة أخرى خارجه غير الحياة التي اعتاد عليها في السابق .
المرحلة 4: تشكل الإنسان خارج الرّحم سماها القرآن الكريم بخلق آخر:
بعدما ينقضي الأجل الذي حدده له الله تعالى سلفا يخرج هذا الإنسان خارج الرّحم عن طريق الولادة، و هذا الكائن الجديد أصبح صالحا للتكيف مع محيطه الجديد و سماه القرآن الكريم بخلق آخر، هذا الخلق يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئا عن محيط عيشه الجديد الا ماقدره الله له سلفا من الحصول على الطعام والنوم والحركة، ويتحول هذا الإنسان الى طفل ثم الى شاب ثم الى شيخ وينقضي أجله الذي قدّرله سلفا، وتتحول سوءته الى تراب ثانية.
والمبيان التالي يبين ويلخص كل ما تم شرحه في آيات خلق الإنسان وما يقوله العلم الحديث.
بعد دراسة جل مراحل تشكل الانسان في القرآن الكريم وما يقوله العلم الحديث يتضح جليا أن الإنسان لا يعتبر و لا يسمى إنسانا الا بعد اتحاد المشيج الذكري والانثوي وتحول البويضة الى خلية بيضية والتي سماها القرآن الكريم بالنطفة هذه الاخيرة هي البداية رقم 1 لتشكل الانسان، وقبل النطفة تكون قيمة الانسان المتكون هي 0 منعدمة، وبالتالي كلمة تراب والتي جاءت قبل كلمة النطفة في الآيات الكريمة تعني'لا شيئ ' أو 'قيمة صفر' أو 'قيمة هابطة ' او' عدم' ،'قيمة منعدمة' .. وبالتالي كلمة التراب في الآيات الكريمة لا تعني قيمة مادية وإنما قيمة معنوية ,كقوله تعالى مثلا: ( خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ )-]الأنبياء-[37،أي أن طبيعة خِلقة الإنسان دائماً مستعجل ومتسرع في أمره ولا تعني أنه خلق من السرعة وبالتالي العجل يقصد بها قيمة معنوية وليستقيمة مادية تماما مثل كلمة تراب.
المرحلة 0: تشكل الإنسان داخل الرّحم سماها القرآن الكريم بتراب :
بعد تحديدنا لكامل أطوار و مراحل خلق الإنسان داخل الرحم واستنتاجنا لمعنى كلمة تراب و التي تأتي قبل كلمة النطفة يمكن نعبر عنها بهاذا الرسم التخطيطي التالي:
النتيجة رقم 2:
|
استنتاج عام :
من النتيجة رقم 1 و 2 (المؤطَّرة بالاحمر) نستنتج أن كلمة تراب يدور حولها نفس المعنى من الدلالات وهي ' لا شيء' ، 'قيمة هابطة ' ، ' قيمة صفر ' ، ' عدم ' ، ' قيمة منعدمة ' ، ' 0 كقبمة رياضية مجردة ' .
آيات المجموعة الثالثة : أتراب الجنة:
يقول تعالى:
برهنا سلفا على أن كلمة تراب في إطارها العام تعني قيمة هابطة، قيمة صفر، قيمة منعدمة، قيمة دنوية، لا شيئ و ايضاً العدم. ورمزنا لها ب صفر 0 كقيمة رياضية مجردة ، وما يقابل كلمة تراب في القرآن الكريم هي كلمة أتراب والفارق بينهما هي الهمزة ( أ) هذه الأخيرة تسمى همزة التعدي حيث قلَبت معنى كلمة تراب إلى نقيضها تماما، وتعدّت صفات القيمة الهابطة و القيمة المنعدمة ،( قيمة دنوية ,لاشيئ ، العدم..) إلــى قيمة عليا، قيمة لا متناهية ، سرمدية ، أزلية، خالدة، وسنرمز لها بالرَّمز الرياضي مالانهاية (8 مقلوبة) .
كما بينا أعلاه فهمزة التعدي قلبت المعنى من القيمة السلبية الى القيمة إلايجابية ويمكن الآن فهممضمون الآيات اعلاه كالتالي:
يصف لنا الله سبحانه وتعالى نساء الجنة بأنهم أتراب أي نساء غير ناقصات ولا منتهيات و ذات قيمة عليا في الحسن والجمال وسرمديات، خالدات ،أزليات (ضد العدم) ولايشخن ولا يمرون بالمراحل التي تمر بها نساء الدنيا من الطفوله والشباب والكهولة (أنظر المبيان أعلاه) في الجنة لأصحاب اليمين.
آيات المجموعة الرابعة : التراب كمادة :
كلمة التراب في هذه الآية الكريمة هي الكلمة الوحيدة في القرآن التي جاءت معرفة ب (ال) وهي تتحدث عن التراب كمادة، لكن القرآن الكريم لا يهتم بالتراب أكثر من إهتمامه بالإنسان، ذلك الكائن المكلف والممتحن في الامانة التي عُرضت عليه وحملها بحرية تامة قبل هبوطه الى عالم الخلق .. وبالتالي يمكن فهم مضمون الآية الكريمة أعلاه كما يلي، وعتباراً للمفهوم الجامع والشامل الذي تم استخلاصه من هذا البحث المتواضع.
الله تعالى يصف حال المنافقين بعد تبشيرهم بمولود أنثى، حيث تضل وجوههم مسودة من الغضب وسوء الرضى خوفاً منهم على مقامهم لدى عشيرتهم وقبائلهم من الفضيحة والعار و السخرية، مما يضطرهم إلى القبول به بمشقة وعدم رضى كبيرين أو يدفنونه في التراب (كمادة) للتخلص منه وبالتالي تحويل قيمته كإنسان الى تراب أيالى لاشيئ أو قيمة هابطة .. وحتى كلمة التراب التي جاءت بمعنى المادّة فقيمتها هابطة لا تساوي شيئاً.. بالمقارنة بالمولود الذي سيرمى إليها.
آيات المجموعة الخامسة : التراب كمثال :
يمكن فهم مضمون الآية الأولى وفق المعنى المستخلص من البحث كما يلي:
تحدير الله سبحانه وتعالى المؤمنين من ابطال أجور صدقاتهم بالرياء وأدى الخلق، وتشبيه هذه الأجور بنفقات الكافر الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر والتي يبتغي بها فقط مراتب دنيوية دنيئة بغية الشهرة وكسب الجاه وشراء الدمم، بالحجر الصلب الذي عليه تراب خفيف هذا التراب شبهه الله تعالى بصدقة الكافر ووفقا للتعريف المستخلص من كلمة تراب على أنها قيمة هابطة لا تساوي شيئاً ومنعدمة فهذه هي قيمة صدقة الكافر في محصلة أعماله الأخروية ، وحتى هذه القيمة الهابطة والمنعدمة من اعماله تصل الى تحت تحت قيمة تراب بعدما يهب عليها مطر شديد ويتركها صلدا..
وفي هذه الآية ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) يخبرنا الله تعالى فيها أن عيسى عليه السلام في طريقة خلقه تشبه تماما طريقة خلق آدم عليه السلام وكلاهما خلقا من تراب ، وكما هو معروف فعيسى عليه السلامنفخفي رحم مريم العذراء، يقول تعالى في سورة التحريم -12: ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا)، واذا كان التراب يقصد بها مادّة الترابالتي نعرفها فماذا تفعل إذا في رحم مريم عليها السلام ؟ !ولكن اعتبارا للمعنى الذي توصلنا اليه سلفا لكلمة ' تراب ' يمكن فهم هذه الآية الكريمة بالصيغة التالية:
الله سبحانه وتعالى بقدرته المطلقة على فعل ما يشاء خلق عيسى عليه السلام في رحم مريم من تراب اي من لاشيئ ومن قيمة صفر دون وجود أب له، فقط بكلمة كن فيكون حملت مريم العذراء بعيسى عليه السلام.
وأيضا آدم اسم قبل الهبوط الى عالم الخلق (قبل حلول النفس في الجسد) والتراب كمادة توجد فقط في العالم المادي (عالم الخلق) وبالتالي يمكن فهم الآية بأن الله سبحانه وتعالى خلق آدم من تراب أي من العدم ومن لا شيئ ومن قيمة تساوي صفر قبل هبوطه الى دنيا الاختبار(العالم المادي).
خلاصة:
كما برهنا بالمنطق العلمي والقرآني واللغوي على أن كلمة تراب في القرآن الكريم سواء جائت بالمعنى المادي كالتراب أو بالمعنى المعنوي كتراب فإن لهما نفس المعنى المشترك وهو قيمة سلبية هابطة لا تساوي شيئاً قيمتها رياضيا تساوي صفر، وبينا أن كلمة أتراب تعني عكس هذه القيمة السلبية بسبب بروز همزة التعدي والتي قلبت معنى الكلمة الى نقيضها تماما وتحولت الى قيمة إيجابية وذلك ما يفسر ظهور كلمة أتراب في وصف نساء الجنة فقط.
وحتى في هذه الآية الكريمة: ( أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)-]البلد-[14
كلمة متربة في هذه الآية الكريمة تنتمي الى نفس الجدر اللغوي (ت,ر,ب) او تراب وأتراب وكلاهما يدوران حول نفس المعنى من الدلالات . وقد سبق ان برهنا في هذا البحث على ان كلمة تراب في اطارها العام تعني لا شيئ او قيمة هابطة أومنعدمة , وبالتالي فكلمة متربة لها نفس المعنى من الدلالة, أي يوصينا الله سبحانه وتعالى بإطعام مسكين ليس له من يكفله من اقاربه او مسكينا لا شيء له من المال.
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وخصوصا عندما يحدثنا عن المراحل التي يمر منها تشكل الإنسان في بطن أمه يبدأ دائما بكلمة تراب، لماذا سبحانه وتعالى لا يبدأ بذكر مراحل خلق الإنسان ابتداءً من مرحلة النطفة الى آخر مرحلة من مراحل خلقه ؟
الجواب واضح وجلي لأن في جل الايات التي تبتدأ بكلمة تراب و يُذكر فيها مراحل خلق الإنسان يخاطب فيها الله سبحانه وتعالى منكري البعث حيث يقول لهم جل شأنه كنتم في بطون أمهاتكم قبل النطفة لاشيئ (قيمة صفر) ثم من النطفة الى علقة ومن العلقة الى المضغة .. الى أن تصلوا الى الشباب ثم الى الشيخوخة وتوافيكم المنية وتتحول أجسادكم الى لاشيء وهي نفسها القيمة التي خلقتكم منها من قبل، فلماذا الانكار والجحود بالبعث وقدرة الله تعالى أصلا ؟ !!
اما في الآيات التي يخاطب فيهاالله تعالى عموم البشر فإنه سبحانه وتعالى لا يستعمل كلمة تراب والدليل هذه الآيات :
وكل ماجاء في هذا البحث تنطق به وتختصره هذه الآية الكريمة ' هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ' -الانسان-1
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في بطن أمه من نطفة (البيضة المخصبة) وقبل هذه النطفة لم يكن شيئا مذكورا,وتراب جاءت قبل النطفة ' هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ' إذا فهي تمثل قيمة اللاشيء المذكور بالنسبة للإنسان.
إنتهى
ملاحظة
هذا البحث يتحدث فقط عن معنى كلمة تراب في كتاب الله تعالى وليس عن كلمة طين او صلصال ,فذلك بحث آخر مستقل.
إعداد: ابراهيم ايت ابورك
adamoon@live.fr
بسم الله الرحمن الرحيم
قانون الزوجية في الكون لا يفلت منه أي شيء , الانسان نفسه مكون من نفس وجسد ,جسد مادي محسوس مقيد بالزمان والمكان ومحكوم بقوانين المادة وحالته تؤول الى الزوال (الهلاك) .ونفس لا يمكن اخضاعها للتجربة وهي مجردة عن قيود الزمان والمكان وقوانين المادة .
هدا يعني ان جسدنا ينتمي لعالم الخلق المحسوس وانفسنا تنتمي لعالم مافوق المادة, بقي سؤال فيه اشكالية الى اي العالمين ينتمي القرآن الكريم ؟
ان كان ينتمي للعالم المادي المحسوس فإنه حتما مخلوق وتسري عليه قوانين الخلق والتي من بينها الزمان والمكان وبالتالي فمصيره الهلاك كسائر المخلوقات (مادهبت اليه المعتزلة) , أو ينتمي للعالم مافوق المادة المجرد عن الزمان والمكان وبالتالي يكون معفيا من قوانين الخلق ,وهذا ما يلاحظه المتدبر للقرآن العظيم أنه صالح لكل زمان ومكان وهدا كافي لجعله ينتمي للعالم ماوفق المادة الغير خاضع للزمان والمكان.
بقي الآن ان نعرف مميزات كل من العالم المادي والعالم ما فوق المادي (العالم المجرد)
- العالم المادي:
عندما نقول تفاحتين أكبر من تفاحة واحدة
فهنا يمكن أن تكون التفاحتين أكبر من تفاحة واحدة أو العكس فقد يمكن لتفاحة واحدة أن تكون أكبر من التفاحتين معاا
فهنا نسجل ان عالم المادة فيه تجتمع المتناقضات
- عالم مافوق المادة
عندما نقول العدد 2 أكبر من العدد 1 كأرقام مجردة
فهدا حتما يعني ان العدد 2 أكبر من العدد 1 كأرقام مجردة ولا يمكن لعاقل أن يتصور عكس ذلك الا عندما ينزل العملية الى ساحة المادة كمثال للتفاحة.
نستنتج اذا ان عالم مافوق المادة لا يشتمل على المتناقضات
ونحن بينا اعلاه ان القرآن العظيم ينتمي الى عالم ما فوق المادة فكيف اذا لكلماته ومصطلحاته أن تحوي المتناقضات ؟؟
صحيح ان الكلمات القرآنية حسب فهمنا البشري يمكن ان تحوي العديد من المفاهيم المختلفة بالنسبة الينا لكنها في الاصل تشترك في معنى واحد في جميع جدور الكلمة المدروسة والامثلة كثيرة على سبيل المثال
الروح في القرآن جاء بمعاني مختلفة منه الروح الامين الذي يعني جبريل والروح بمعنى القرآن والروح بمعنى النفس ,لكن في الاخير له معنى مشترك غير قابل للتناقض على مساحة النص القرآني والتي تعني المدد والصلة والقربى من الله تعالى .. الروح الامين = المدد الامين = الصلة الامينة بين الله تعالى و رسله.
سنعود الى موضوعنا
كلمة تراب في القرآن الكريم قد يمكن فهما بالمعنى المادي او بالمعنى المعنوي كقيمة لكن في الاخير لها معنى مشترك غير متناقض وعلى جميع مساحة النص القرآني.
كأمثلة يمكن فهم هده الاية بالصيغة التالية
قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
قالوا ائذا متنا وكنا تراب (كمادة ) وعظام متناثرة فمن المستحيل اعادة بعثنا من جديد
ويمكن ايضا فهمها بالصيغة التالية
قالوا ائذا اصابتنا المنية وتحولت اجسادنا الى قيمة لا تساوي شيئا فإنه من المستحليل اعادة بعثنا من جديد وفي كلا الحالتين لهما معنى واحد سواء جائت بالمعنى المادي او المعنى قيمة. في الاخير الانسان عند الموت فقيمته لا تساوي شيئاً , فقابل عندما قتل اخاه هابل سمى الله تعالى جسده بالسوءة اي لم يعد يصلح لأي شيء قيمته هابطة مقارنة بالنفس التي كانت تمتحن عن طريقه.
اما قولك بخصوص الآية: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى فأنا لم استبعد نهائيا خلق الانسان من مكونات الارض وان لاحضت اخر جملة في البحث بالاحمر كتبت ملاحظة هدا البحث يتحدث فقط عن كلمة تراب وليس عن الطين او الصلصال فذلك بحث اخر مستقل وبالطبع الانسان لم ينزل من السماء فقد خلق من طين كصلصال كالفخار وفي معجزة عيسى اللغز في فهم كيفية خلق الانسان.
أشكرك الدكتور عثمان على ردك السريع على مقالي ممايعني حرص شخصكم الكريم بالرقي بالموقع
ولكم جزيل الشكر والتقدير وفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه.
ابراهيم ايت ابورك
الاستاذ المحترم ابراهيم ..
اسجل اعجابي يقيمة البحث ونتائجه وطريقة العرض .. والمعلومات العلمية والقرآنية التي يحملها البحث ..وانتظر منك باقي ابحاثك عن الطين والصلصال كما وعدت ..
وأضيف أن الله سبحانه وتعالى في نهاية سورة القيامة تحدث عن خلق الإنسان مببدئا بالنطفة وصولاً إلى الزوجين الذكر والأنثى .. وأكمل الله سبحانه وتعالى في السورة التالية سورة الإنسان الحديث عن الإنسان وكونه أنه لم يكن شيئاً مذكورا ..
سورة القيامة .
أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)
76- سورة الإنسان
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2)..
أي أنا السبع آيات 5 في نهاية سورة القيامة و2 في بداية الأنسان تتحدث في نفس الموضوع ..
وأشاركك الرأي في ان الإنسان قبل مرحلة النطفة لم يكن شيئا مذكورا مما يعني أن التراب يعني لا شيئ مذكورا ..وحتى كلمة شيئ تحمل في داخلها معناها فالله سبحانه وتعالى هو مشيئ الأشياء .. أي يشاء ان يصبح الا شيئ شيئاً فيصبح شيئ .. أي أن الشيئ قبل أن يكون شيئاً لم يكن شيئاً " إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) النحل "..
في انتظار باقي ابحاثك القيمة ..
بسم الله
أشكرك يا أخي على كلماتك الجميلة وتحليلك الذي أضفته في تعليقك وأحب أن أضيف شيئاً آخر لماكتبته ,
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة عبس - 19
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ
يعني الشيء الذي خلق منه الانسان يسمى النطفة , وقبل هذه النطفة أي قبل الخلق خُلقَ الانسان من اللاشيء, وتراب جائت قبل النطفة اذا فهي تمثل قيمة اللاشيء بالنسبة للانسان.
وشكراا
أرحب بك و مقالك تحليل و تدقيق جيد لكلمة تراب ...... و لكن لاحظت استعمالك لتعبير "السوءة" تعريفا مرادفا عموميا و بديلا عن "الجسد"
"تتحول سوءته الفانية (الجسد) إلى تراب وعظام" و أرجو منك إعادة النظر لما يلى
السوءة من السوء و السوء فعل ما يُكره و عكسه الخير و فعل ما يسر و السوء من الإثم و السوءة هى ما يحرص الناس على أن توارى و تغطى و تخفى عن الآخرين من سوء فيهم أو أثم فى أفعالهم و هو نسبى إلا ما شرع الله بنص لا يقبل التأويل
• {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) المائدة } سوءة أخيه أطلقت على جثته و وصفت بالسوأة هنا فقط لأنها هى الدليل على سوء و أثم ما فعله بقتله
• {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) الأعراف}
فزين لهما الشيطان و أوهمهما بالخلود بالأكل من الشجرة ليثير و يظهر جانب السوء الكامن فيهما، معتمدا على طبيعة خلقتهما {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) الشمس}
• {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) الأعراف} فلما انساقوا وراء الشيطان و تخلوا عن تقوى الله و عصوا أمره، انكشف لهما ضلال ما غرهما به الشيطان، ففهما و عقلا و ظهر لهما سوء و إثم ما ارتكباه {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس}فقاما بإهالة أوراق الشجر عليهما بغية الاختفاء خزيا من الله
• {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) الأعراف} أى وهبانا و هيأنا و سخرنا لكم من النعم التى تستطيعون بها تغطية و ستر وتغير معالم عيوبكم و عوراتكم التى تحرصون على عدم كشفها و لكن بدلا من الوقوع فى الإثم ثم محاولة ستره، تذكروا دائما أن تقوى الله بخشيته هى أهم و أبقى لكم و فيها خيركم
• {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف} أى يا بنى آدم لا تنساقوا وراء إغواء و تزيين الشيطان كما فعل مع أدم و زوجه بكشفه لهما جانب السوء فيهما، فهو يستهدفكم أيضا و يراقبكم من حيث لا تشعرون فلا تغفلوا و تتخلوا عن لباس التقوى و الإيمان فتنقض عليكم الشياطين فتجدوا أنفسكم واقعين فى السوء و الإثم
• {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) طه} فبمخالفة أمر الله و عصيانه ظهر لهم و فهموا سوء عملهم و الإثم الذى وقعوا فيه ـ و لم يكونوا يعرفونه من قبل ـ فقاما بإهالة أوراق الشجر عليهما بغية الاختفاء خزيا من الله
ولكم منا كل الود
الفهم العجائبي لقصّة خلق آدم عزل القصة عن الناس و عن النّص نفسه : ]خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ، يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق 6-7 ، هذه هي الإجابة غير المستحيلة ، الإجابة الممكنة لسؤال خلق الإنسان ، بعد فهم معنى الكلمة في دلالتها الخاصّة ، بمعنى [ التراب/التناسل ] ، و عزل دلالته الخاصة عن هذا السياق ، للإجابة عن السر ، و فك اللغز ، فلا يمكن وضع نظريّة [ داروين ] في مستوى واحد و قصّة [ الخلق ] القرآنيّة ، كلٌّ منهما يعمل في مستوى لا يلتقي و الآخر أبداً ، رغم وجود إشاراتٍ داخل النّص القرآني تربط بين النً نفسه و الداروينيّة ، و منها قوله تعالى : ]يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ [الانفطار 8 ، و في الآية تلميحاتٌالى تطور الإنسان ، فتتطابق هذه الآية مع تلك النظرية القائلة بأن الإنسان قد مر بمرحلة إعتدلت فيها قامته بعد أن كان منحني الظهر في مراحل تطوره المبكرة،إن الإصرار على أن الله قد صنع تمثالا من الطين عرضه للشمس ثم نفخ فيه الروح هو فهم ساذج للآيات القرآنيةفي واقع الأمر ، نفس الأمر في قوله تعالى : ]إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ []عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران 33، ةو التي توصل الى نتيجةٍ مفادها أنّ ىدم لم يكن [ وحيداً ] ، و هو ما يؤيّده قوله تعالى بصيغى الجمع : ]وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ [الأعراف 11 ، العلم هو بحث [ الممكن ] ، و النّص الديني هو محاولة فهم و تصوّر [ اللا ممكن ] ، خلق الإنسان في القرآن يروى قصّتين لا علاقة مباشرةٍ لأحدهما بالأخرى ، الأولى عن [ آدم ] الذي خلقه الله في عالم الحياة [ الآخرة/الملكوت/العُليا ] ، في قصّةٍ تلعب فيها الملائكة و إبليس دوراً محوريّاً ، ليغيب هؤلاء في القصّة الثانية في الحياة [ الدنيا/الشهادة/السفلى ] ، حيث [ التراب ] أولاًُ ، كنقطة بدايةٍ من الصفر وصولاً الى [ التراب ] نقطة النهاية للعودة الى البداية في القصّة الأولى : [ النطفة ] ثم [ العلقة ] ثم [ المضغة ] ثم [ الإنسان ] نتيجةٌ لواقعٍ [ بيولوجيٍّ ] بعيدٍ عن الغرائبيّة أو عجائبيّة الفهم السطحي لقصّة الخلق القرآني ، تلك التي نتجت عندما حشر الفقهاء [ داروين ] رغم أنفه في نصوصهم ، عبر قراءة القصّتين دفعةً واحدة ، عبر استعجالٍ لا مبرّر له ، ]وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً [مريم 9 ، ]إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [آل عمران 59 .
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=9119
بإختصار شديد أرواح المخلوقات عامه مدفونه تحت الأرض فالإنسان قبل مايتكون من نطفه اساسا روحه موجوده تحت الارض .يعني عندما تنطلق الروح من اعماق الارض فتتجه مباشرة الي النطفه المزروعه في الأرحام. لأن ارواحنا عباره عن مستقر ومستودع.
أي ان ارواحنا مزروعه زرع تحت التراب .لانه وفي سياق الآيات القرآنية( منها نخرجكم)( والله انبتكم من الارض نباتا )فعند خروج ارواحنا من تحت الارض كاشكل النبته فتخرج الروح الی النطفة المحددة. والله أعلم.
فهذا مجرد إجتهاد.
مما تذكر التفاسير في معنى التراب تأويلا للآية "وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا" أن القصد منه الحيوانات أو الوحوش، كون الله عز و جل يعيد خلقها و لكنه لا يحاسبها ثم ترجع إلى الأرض و التراب، فتكون امنية الكافر أن يصير حاله كحالها.
دعوة للتبرع
ورود الجنة : ما معني قوله تعالي \"و ان منكم الا وارده ا " ...
مسألة ميراث: توفى أبى وترك ثلاثة أولاد وثلاث بنات ، وزوجة...
سؤالان : السؤ ال الأول فيما يتعلق بالتع ليقات ...
عن آيات التشريع: آيات التشر يع هل فيها المحك م والمت شابه ؟...
مردّ: ما معنى ( لا مردّ لَّا مَرَد َّ لَهُ مِنَ...
more
فى البداية نُرحب بك أخى الكريم الأستاذ إبراهيم آيت ابورك -على موقع أهل القرآن ونسال الله أن تكون كتاباتك وإجتهاداتك إضافة ثمينة وقوية لما يُنشر عليه من تدبر لأيات الذكر الحكيم.
ثانيا - أُسجل إعجابى بطريقة تفكيرك وتحليلاتك وتدبرك ودراستك ومشيك خلف آيات القرآن العظيم لتأخذ منها العبر والعظات والنتائج وفهم المصطلحات .
ثالثا- طريقة عرضك لبحثك شيقة وممتازة وخاصة أنها غنية بوسائل عرض مبهرة من خلال الرسوم والدوائر الهندسية التى إستخدمتها لإيصال النتيجة التى توصلت إليها .
رابعا- فى ظل الإجتهاد والتواصى بالحق والصبر إسمح لى ان أقول لحضرتك الآتى . من خلال دراستنا للنص القرآنى وجدنا أن المصطلح القرآنى يأتى بمعان كثيرة متفقة ،أو مختلفة فى المعنى طبقا لسياق الآيات الكريمات التى ذُكر فيها . ومن هنا أقول لسيادتك أننى أتفق معك فى أنه ربما يكون معنى مصطلح (تراب ) جاء بمعنى القيمة الصفرية أو اللا قيمة أو منعدم القيمة المادية فى بعض الآيات ،ولكنه فى نفس الوقت جاء بمعنى (التراب الأرضى ) أو (المكون المادى لعناصر التربة ) .وخاصة فى المجموعة الأولى من الآيات الكريمات التى ذكرتها حضرتك ، وأنه من المعروف أن السوءة أو (الجثة ،او الجسد ) الذى يتكون من عضلات وأنسجة مختلفة يتحلل ويتحول إلى تراب قبل العظام وليس العكس ،بل ربما تعيش العظام إلى مئات السنين قبل ان تتحلل وتتحول إلى تراب . والدليل على أن كلمة (تراب ) فى المجموعة الأولى من المقال تعنى تراب الأرض وليس القيمة الصفرية هو ما قاله رب العالمين فى قصة حوار موسى عليه السلام وفرعون فى سورة طه حين قال ربنا جل جلاله .
قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لّا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى.
طه 51-55
. فلننظر إلى قوله تعالى بعدما حكى عن الأرض ،اى عن التربة والتراب ومكوناته (منها خلقناكم ) أى من التراب ،(وفيها نُعيدكم ) بعد الموت ،لتلاحظ هنا كلمة فيها وليس عليها .اى سنُعيدكم فى مكوناتها مرة أخرى ،وستختلط مكونات أجسادكم ،وستذوب وتتحد مع مكونات الأرض والتراب مرة أخرى ،(ومنها نُخرجكم تارة أخرى) .أى سنفصلكم وسنفصل مكوناتكم مما إختلط معه أو به من الأرض والتراب تارة أخرى عند البعث .... إذا التراب هنا يعنى الجزء المادى ذا القيمة الإيجابية للأرض والتى خلق منها آدم عليه السلام ،وليس القيمة الصفرية ، او اللاشىء كما قلت حضرتك ...
والله أعلم .
ومرحبا بك وشكرا لك مر’ أخرى .