د. شاكر النابلسي Ýí 2011-05-04
وقعت الدكتاتوريات العربية بعد الاستقلال، في نهاية النصف الأول، ومطلع النصف الثاني من القرن العشرين في أخطاء جسيمة، ومنها ما كان أخطاء قاتلة، ربما لم يكن لها ذات التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في ذلك الوقت على الأوطان والمواطنين، نتيجة – ربما - لامتداد "سكرة" الاستعمار، في ذلك الوقت. واستمرار مفعول "سعادة" المخدر الاستعماري، الذي كانت الشعوب تشعر به، من جرَّاء هذا المُسكِر أو ال&atil;لمخدر. ولكن ما أن زال مفعول هذا، حتى بدأت الشعوب تسأل.
كيف فاض الكيل؟
ولم تكن هناك إجابات شافية لتساؤلاتها، ولكنها ظلت تسأل، وتتساءل دون جواب، إلى أن فاض بها الكيل، وخرجت هذه التساؤلات إلى الشوارع. ولكن الدكتاتوريات العربية التي كانت قد ترسَّخت في الحكم طيلة عقود مختلفة، بأركان من أجهزة الأمن المختلفة والمتعددة، خرجت إلى "شعوب الشوارع"، بأجوبة سريعة، ومتهورة، ولاهثة، وكثيرة، فيها الكثير من العسل، ولكنه عسل مرٌّ ومرير بطعم الحنظل. وظهر الكذب والرياء والخداع واضحاً على سطح هذه الوعود، وكست المراوغة وجهها، كما المساحيق الرخيصة على وجه العجوز الشمطاء.
ماذا أيقظ الشعوب؟
ولكن الشعوب التي أيقظتها ثورة المعلومات والاتصالات والعولمة، وسقوط الدكتاتورية العظمى في الاتحاد السوفيتي، وانهيار جدار برلين، واجتياح العراق، وسقوط الدكتاتورية، و (طفحان) "المجاري" السياسية، وانتشار رائحتها الكريهة، التي زكمت الأنوف، وعافتها النفوس، وانتشار الكثير من "بعوض" السياسة، وأمراضها الخطيرة القاتلة، ومنها التثبيت والتوريث، وقفت هذه المرة، وغادرت مضاجع نومها "الكهفي"، ونصبت خيامها، ومنصاتها، في الميادين والشوارع، وطلبت السلطات الحاكمة للمحاكمة، والحساب، والعقاب، والسؤال، والإجابة، والاستجابة.
من مظاهر غباء الدكتاتوريات
عالم الاجتماع السياسي اليوناني نيكوس بولسنتزاس في كتابه عن "أزمة الدكتاتوريات" في اليونان واسبانيا والبرتغال، يحاول أن يستعرض مظاهر غباء الدكتاتوريات في هذه البلدان، والتي قادت إلى الثورة والإصلاح والتغيير. وهذا الغباء ينطبق أيضاً على الدكتاتوريات العربية التي تصارع الحق الثوري الآن، فمن مظاهر غباء هذه الدكتاتوريات:
1-لم تفطن الدكتاتوريات إلى الإصلاح والتغيير إلا عندما انتفضت الشوارع. ورغم أن هذه الدكتاتوريات لها مدة طويلة في الحكم، إلا أنها لم تفعل شيئاً من أجل الإصلاح والتغيير. وفي الظن أن الأنظمة الدكتاتورية العربية كمثيلتها الدكتاتوريات السابقة في اليونان، واسبانيا، والبرتغال، ليست غير راغبة في الإصلاح والتغيير – وهي تعلم أن التغيير والإصلاح من صالحها، ويطيل بقاءها في الحكم، ويجنبها الكثير من الاضطرابات الشعبية والأمنية – ولكنها رغم ذلك، لم تقم بالإصلاح والتغيير لعجزها، وعدم قدرتها على القيام بذلك. فالتغيير والإصلاح يحتاج إلى مقدرات ومكونات خاصة غير متوفرة في الدكتاتوريات عموماً ومنها الدكتاتوريات العربية.
2- لا تؤمن الدكتاتوريات، وخاصة الدكتاتوريات العربية بالحوار مع المعارضة، ومع الرأي الآخر. وأداتها الوحيدة للاتصال بالمعارضة والاحتكاك بالرأي الآخر هو العنف والقمع، وهو القوة البوليسية، مستندة على ما تملك من أجهزة أمنية قوية، تستطيع المقاومة إلى حين (كما هو الحال في ليبيا وسوريا واليمن) ولكنها لا تلبث أن تنهار وتستسلم (كما هو الحال في تونس ومصر) ولكن هذه الأجهزة الأمنية عامة، لا تزيد المقاومة والمعارضة الشعبية إلا قوة وإصراراً على مواصلة السعي لإسقاط وتغيير النظام. فالعنف الحكومي والسلطوي، يقابله دائماً عنف شعبي. ويمتد هذا العنف، لكي يصبح ثورة شاملة بعد ذلك كما رأينا في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها.
3- يقول نيكوس بولسنتزاس أن كثيراً من الدكتاتوريات تعجز عن السيطرة على الشارع بالقمع، فتحاول استمالة البورجوازية الداخلية، والاعتراف بالمجتمع المدني، والواقع النقابي، لكي يصبح لديها فيما بعد " محاورين مناسبين"، وممثلين في المفاوضات والاتفاق حول المنازعات مع الطبقة العاملة.
4- إن الأنظمة الدكتاتورية العربية لم ترقَ في "واقعها التاريخي وفي قواعدها الشعبية"، حتى إلى الفاشية والنازية المُستنكَرة والمذمومة تاريخياً، وذلك بعجزها عن أن تصبح حركات جماهيرية حقيقية ضخمة على غرار ما كان في ايطاليا وألمانيا. ففي ايطاليا كان أكثر من 70% من الشعب الايطالي فاشياً. وفي ألمانيا كان أكثر من 80% من الشعب الألماني نازياً. ولكن الدكتاتوريات العربية كمثيلاتها في اليونان، واسبانيا، والبرتغال، ظلت منعزلة عن الجماهير الشعبية، ولا سيما الطبقة العاملة، ولم تنجح الدكتاتوريات العربية في أن تتأصل في المجتمع جدياً، لأنها اختارت أن تكون وحدها في السلطة، لا ينازعها منازع، ولا يشاركها شريك.
5- كانت وما زالت الدكتاتوريات العربية تُشيع، وتُذيع – خطأً وكذباً – أن كل حراك شعبي ضدها هو بوحي، ودعم، وتأييد من الخارج. وكانت وما زالت الدكتاتوريات العربية، تستعمل "الإسلام السياسي" وعناصره، كفزَّاعة ضد كل تغيير، أو المطالبة بالإصلاح. بل وصل الحد ببعضها – كسوريا مثلاً – استعمال السلفيين كمبرر لقتل المتظاهرين في شوارع درعا وبانياس، بأن تُظهر هؤلاء السلفيين - وهم من عناصر المخابرات السورية كما قال المفكر السوري/الفرنسي برهان غليون في فضائية "الجزيرة"، 28/4/2011- بلحى مستعارة، وملابس كملابس السلفيين، وتجعلهم يرمون رجال الجيش بالحجارة، لكي يرد الجيش على كافة المتظاهرين بالنيران القاتلة. وهي حيلة ومراوغة من السلطات السورية، لكي لا تُظهر الثورة الشعبية السورية على حقيقتها، أمام الرأي العام السوري والعربي، وأمام مجلس الأمن، الذي يتحفَّز لإصدار قرار ضد سوريا على غرار القرار 1973 ، الذي صدر ضد حكم القذافي.
6- رغم تنازلات كثيرة في الماضي للطبقة العاملة من قبل الأنظمة السياسية الدكتاتورية، إلا أن هذه الأنظمة لم تنل من الطبقة العاملة غير المعارضة، والمقاومة. ففي مصر التي تُشكِّل فيها القوى العاملة، أكبر القوى الشعبية عدداً وتأثيراً، سواء في الشارع، أو في مجالس الشعب، لم تقف هذه القوى في ثورة 25 يناير إلى جانب السلطة، بقدر ما وقفت، ودعمت ثورة 25 يناير.
7- لم تعد الدكتاتوريات العربية تدرك وتعي، أن الإستقواء بالخارج الذي كان عيباً كبيراً، وسلاحاً يستعمله الخصم للهجوم على خصمه الآخر في القرن التاسع عشر، وما قبل ذلك، لم يعد عيباً، بل امتيازاً يحصل عليه الخصم لكي يتغلب على خصمه. فقد شهدنا في الحرب العالمية الثانية، كيف استعانت أوروبا بأمريكا لقهر النازية والفاشية. وقد تمَّ لها ذلك. ويقول بعض المؤرخين، بأنه لولا التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء، لتغير مجرى ومسار هذه الحرب. ولربما كانت النازية الآن، هي التي تحكم أجزاء كبيرة من أوروبا إضافة إلى ألمانيا. وأنه لولا تدخل "حلف الناتو" العسكري في الصراع في البوسنة والهرسك، لتطور هذا الصراع في التسعينات من القرن الماضي. وكذلك كان الحال في التدخل الأمريكي والسوفيتي ضد العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وفي التدخل الأمريكي لإخراج السوفيت من أفغانستان عام 1989. وأنه لولا التحالف الدولي بقيادة أمريكا لما خرج صدام حسين من الكويت، ولظلت الكويت محافظة عراقية كما أعلنها صدام عام 1990. وهذه المظاهر وهذه الأحداث، لم تعد ذماً لطرف من قبل طرف آخر. ولم تعد عيباً أو انتقاصاً من كرامة وشرف شعب من الشعوب، أو أمة من الأمم. صحيح أن بعض المؤرخين في الماضي، اعتبروا الإستقواء بقوة خارجية، شأناً معيباً. والسبب في ذلك، أن المصالح بين الدول والأمم لم تكن على هذا النحو من التشابك، والتداخل، والترابط، والتلاحم. كما أن العولمة التي ظهرت في نهايات القرن العشرين، لم تكن على هذه النحو من الفهم، والوعي، والانتشار، والتجذر. ولولا منطق وواقع العولمة الحالي، لما استطاع الثوار الليبيون – مثلاً – الاستعانة بمجلس الأمن وقرار رقم 1973 القاضي بالتدخل العسكري لحماية الثورة الشعبية الليبية، وضرب نظام القذافي في الصميم، في ظل عدم توازن القوى العسكرية بين نظام القذافي والثورة الشعبية الليبية.
8- من المعروف – كما شاهدنا في البلشفية والنازية – أن الدكتاتوريات لا تستطيع الحكم بالقمع وحده، وأن الإيديولوجية في هذه الحالة ضرورية جداً، لكي تستطيع الدكتاتوريات تغطية أعمالها القمعية. وهذا ما شاهدناه في العراق قبل 2003، وما بعد ذلك، وما شاهدناه في سوريا وليبيا أيضاً، وكذلك في مصر واليمن ، وكان الحزب الحاكم في هذه البلدان هو "القائد"، وهو الساهر على الإيديولوجيا الحزبية، التي كانت واضحة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى غامضة. ويقول نيكوس بولسنتزاس إن بعض الدكتاتوريات في الغرب، يوجد لديها أجهزة متخصصة بالسيطرة السياسية/الإيديولوجية على الطبقة العاملة، والطبقات الشعبية. وقد شاهدنا التأثير الكبير لحزب البعث في العراق قبل 2003 وفي سوريا كذلك. أما بعد 2003 فقد حلَّ حزب "الدعوة" الإسلامي محلَّ حزب البعث في حكم العراق. وحلَّ نوري المالكي (أمين عام حزب الدعوة) محلَّ صدام حسين (أمين عام حزب البعث السابق).
9- كان من أخطاء الدكتاتوريات العربية، تعزيزها للطائفية الدينية والعنصرية، وارتكانها إلى هذه الطائفية، كما شاهدنا ذلك في سوريا والعراق وبعض دول الخليج. وكان تمييز طوائف دينية وقومية على أخرى من قبل السلطات الحاكمة سبباً في نقمة الطوائف الأخرى المحرومة من معظم الامتيازات السياسية، والاجتماعية، والعسكرية كذلك.
10- كذلك، فإن اعتبار الدكتاتوريات العربية بأن "الأمن سيد الأحكام"، واستبدال "الأمن العام" بدلاً من "الرأي العام" كان من أكبر الأخطاء التي أودت بمستقبل الدكتاتوريات العربية. فلم يستطع "الأمن العام" أن يحمي هذه الدكتاتوريات من غضبة الشارع العربي التي انفجرت في نهاية 2010 وبداية عام 2011، ويطيح بأكثر من دكتاتورية، ويقف في وجه أكثر من دكتاتورية، ويقاوم أعتى الدكتاتوريات في العالم العربي، كما يفعل الآن.
هل أصبحت مصر دولة "مدنية" لأول مرة ؟
هل مستقبل مصر السياسى فى ( الشوقراطية )
دعوة للتبرع
البطاقة الائتمانية: أريد أن أسألك عن الفائ دة السنو ية التي...
تدبر القرآن: هل تعتقد برأيك ان كل الشيو خ والعل ماء منذ 14...
اكرمك الله جل وعلا: انا قررت اشتغل اونلا ين ككاتب ة و مترجم ة ع...
أربعة أسئلة: السؤ ال الأول : الف زياء الحدي ثة تتكلم...
تحية وشكرا : السلا م و التحي ه للدكت ور احمد و كل...
more