آحمد صبحي منصور Ýí 2010-01-27
أولا : بين السلطان وزعيم العصابة
1 ـ على رأى القول المصرى الشائع ( هات م الآخر ) أو على حد القول التراثى ( إرم الغرض الأقصى ) نبدأ بسؤال : ما هو الفارق بين الحاكم المستبد وزعيم العصابة ؟
2 ـ تخيل قرية تحكمها عصابة من اللصوص ، ويقوم زعيم العصابة بارهاب أهل القرية وفرض الاتاوات عليهم ، ومن يرفض دفع الاتاوة يتعرض للقتل أو حرق منزله أو تسميم بهائمه أو خطف أولاده أو إهانة زوجته ، أو سحله وضربه على رءوس الأشهاد . ومن يدفع ويسمع ويطيع ويقدم الولاء لزعيم العصابة يعيش آمنا ، بل ربما يعينه جاسوسا على أهل القرية ، ويأخذ بعض الفتات من المنهوب من أهل قريته . وطالما ينشغل أهل القرية بدفع الاتاوة فزعيم العصابة يتركهم يعملون لأنهم طالما يعملون وينتجون فهو الذى يكسب من عرقهم ، ومن هنا يتعين عليه أن يحمى ( قريته ) التى يمتص دم وعرق أهلها ، ولا بد أن يدافع عن هذه القرية إذا هاجمها زعيم عصابة آخر لأن هذا الزعيم المنافس ليس فى الحقيقة عدوا للقرية ، بل هو عدو منافس لزعيم العصابة الذى انفرد بالسيطرة عليها ، وهو يريد تحريرها منه ، ليس لتحرير اهل القرية ولكن ليكونوا عبيدا له هو بدلا من ذلك الزعيم الذى يملكها ويحكمها .
3 ـ يبدو الفارق ضئيلا بين زعيم العصابة هنا والحاكم المستبد فى العالم العربى ،ولكن النظرة المتفحصة تظهر فارقا كبيرا بين زعيم العصابة المجرم البسيط والمستبد العربى المجرم العريق.
زعيم العصابة العادى يمتاز عن المستبد العربى بشرف الصراحة ، فهو مجرم صريح ، ويعرف هذا وقد يعلنه دون خجل ، وهو لا يتوارى خلف شعارات وطنية او قومية او دينية ، ولا يفرض شعاراته على أهل القرية، ولا يتدخل فى حرياتهم الخاصة ولا فى حريتهم الفكرية أو الدينية ، فكل الذى يعنيه هو الاتاوة ، ودوام سلطانه .
والأهم من هذا كله أنه لا يستخدم فريقا من أهل القرية يجندهم لحمايته طما يفعل المستبد الشرقى الذى يقوم بتكوين جيش من الشعب يحميه من غضب الشعب ويقوم بتسليحه من عرق الشعب ليسفك به دماء الشعب إذا حدث وثار عليه الشعب ، وهذا المستبد يجبر فريقا من الشعب أن يكونوا (الأمن المركزى ) ليضرب بهم إخوانهم من بقية الشعب ، ويقوم بتعيين أرذل وأحقر صنف من أفراد من الشعب ليقوموا بتعذيب و قهر الشعب تحت نفس الشعارات المزيفة وطنية أو قومية أو دينية .
زعيم العصابة لا تزال فيه بقية من شرف يستحى معها أن يفعل ذلك ، وربما لا يقدر على ذلك ، ولكن هذا ما يفعله المستبد المصرى والعربى والمسلم والشرقى ـ وبكل بجاحة ، ودون أدنى شعور بالخجل .
ضحايا زعيم العصابة أقلية مهما تضاعف عددهم. أكبر مجرم فى العراق طيلة التاريخ العراقى لم يقتل العدد الذى قتله صدام حسين من العراقيين وغيرهم ، ومع ذلك كان صدام ـ ولا يزال عند بعضهم ـ بطلا . نفس الحال مع كل المستبدين من هتلر الى ستالين الى عبد الناصر وعبد العزيز آل سعود وحتى حسنى مبارك .
ثم إن ما يأخذه زعيم العصابة قليل مهما كثر بعكس المستبد (زعيم الأمة وقائد الوطن و حامى حمى الدين ) الذى ينهب كل ما يقدر عليه ، ويدخره للمستقبل خارج بلده تحسبا للظروف و عملا بالمثل القائل ( القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود ) ، جعل الله تعالى أيامهم القادمة أسود من قرن الخروب ..!!
4 ـ (م الآخر ) كل الحكام المستبدين هم أسوأ أنواع اللصوص وأبشع أصناف المجرمين . فليس الذى يقتل فردا مثل الذى يقتل شعبا ، وهم أحقر البشر على الاطلاق لأنهم يضعون تحت أحذيتهم أشرف المعانى فى قاموس الانسانية :الوطن والدين والقومية والعدل والحرية.
(م الآخر ) ينطبق هذا على كل حاكم مستبد ، سواء كان خليفة من الراشدين أو غير الراشدين ،أو كان من العلمانيين أو المتدينين ،بل أسوأ المستبدين هو من يستخدم الدين فى خداع العوام المساكين.
5 ـ هذا الفارق بين زعيم العصابة والحاكم المستبد يجعل الحاكم المستبد محتاجا لملامح تجميل تجعله محترما فى الظاهر بحيث يبدو مختلفا عن طائفة اللصوص و المجرمين.
زعيم العصابة البسيط المسكين لا يمكن ولا يستطيع ولا يحتاج لأن يحيط نفسه ببطانة تخدع له أهل القرية وتصوره لهم ممثلا للوطن أو زعيما للأمة أو مختارا من رب العزة لحكم أهل القرية . ولكن الحاكم المستبد محتاج لهذا الماكياج ليخدع الناس ، لذا تجد أجهزة الاعلام وأجهزة الثقافة و قبلهم رجال الدين تحت السيطرة المباشرة للمستبد كى يسيطر على عقول الناس فلا تراه زعيم عصابة ولكن زعيم أمة ورمز الوطن وخليفة رب العالمين.
6 ـ زعيم العصابة العادى يحتاج فقط أن يرهبه الناس ليدفعوا له الاتاوة ، أما الزعيم المستبد فيحتاج الى أن يرهبه الناس والى ان يحبه الناس والى ان يقدسه الناس ، والى أن يعبده الناس ، إما بزعم أنه (الحاكم الملهم ) ـ علمانيا ،أو بادعاء أنه (ظل الله على الأرض ) دينيا. ولهذا يصل المستبد فى النهاية الى إدعاء الالوهية صراحة مثل فرعون موسى أو ضمنا مثل معظم الفراعين من المسلمين وغير المسلمين .
ثانيا : بين (نظام ) حكم المستبد و(تنظيم ) العصابة
وأوجه التشابه والتداخل بين ( تنظيم العصابة) و( نظام الحكم المستبد ) كثيرة ومتشعبة ، وليس هنا موضع التفصيل والتقعيد فيها ، ولكن نعطى بعض لمحات للتوضيح :
1 ـ :تنظيم العصابة بسيط لأنه سيطرته لا تتعدى منطقة فى مدينة أو قرية يفرض عليها نفوذه وإتاواته ، أما نظام المستبد فهو نظام كامل للحكم يحمل لقب الدولة ، والمستبد هو كل الدولة ومصدر السلطات ، وكلمته هى القانون ، بكلمة منه يقتل من يشاء ، ومع كل السلطات الممنوحة له فليس مساءلا أمام أحد ، أى يجعل نفسه مثل رب العالمين (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) ( الأنبياء 23)، وهذا هو فحوى الدستور المصرى الذى يجعل من الرئيس مبارك الاها يملك كل شىء ، ويظل رئيسا مدى الحياة دون مساءلة . وهذا مستمد من الشريعة السنية التى تحمل اسم الاسلام زورا وبهتانا ، وفحوى هذه الشريعة الشيطانية أن المستبد هو (الراعى ) وأن الشعب هو( الرعية ) أى الأغنام والمواشى والأنعام التى يملكها ، وهو باعتباره الراعى له حق استغلال تلك الراعية واستثمارها ، وقتل منها ما يشاء و استبقاء من يشاء ، وهناك فى الدين السنى الأرضى (أحاديث ) توجب على الرعية طاعة الراعى ، وهناك فتوى فقهية سنية تجعل من حق الراعى ( الامام ) أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين . فأين لزعيم العصابة العادى بكل هذه السلطات ،وكل تلك القوانين ( الشرعية )؟
بل إن نفس الفقه السّنى يعتبر زعيم العصابة هذا مجرما قاطع طريق مستحقا لعقوبة الحرابة ، أى القتل والصلب ..فإذا قفز زعيم العصابة على السلطة اعترف به الفقه السّنى حاكما ( متغلبا )، وأوجب على الناس طاعته . وهذا ما كان يحدث ـ ولا يزال ـ فى تاريخ المسلمين.
2 ـ: بعض العصابات استطاعت تكوين دولة ثابتة أو متحركة أو مؤقتة.
ونعطى أمثلة ::
2 / 1 : فالدولة البويهية التى حكمت الخلافة العباسية ومعظم املاكها فى الشرق بدأت عصابة يقودها أبو شجاع بويه وأبناؤه الثلاثة ، ثم فى فترة اضطراب دخلوا فى الصراع المسلح ، وتحالفوا مع قائد اسمه مرادويج ، ثم انقلبوا عليه، وأقاموا دولتهم :( 334 : 447 هجرية )( 934 : 1055 )م .
2 / 2 : واشتهرت منطقة ( نجد ) جنوب الشام و العراق بانتاج دول متحركة ومؤقتة ، فالأعراب فيها إحترفوا قطع الطريق ، ثم تحت شعار دينى تتحول العصابات الى حركة مسلحة قد لا تنجح فى إقامة دولة مثل الخوارج، وقد تقيم دولة متحركة لا تلبث أن تسقط كحركة الزنج والقرامطة ، وقد تقيم دولا مؤقتة مثل الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة الراهنة.
وكلها تحت شعارات دينية مثل ( لا حكم إلا لله ) عند الخوارج ، والذى تطور الى (الحاكمية ) الوهابية السنية، ومثل التشيع القرمطى ،أما حركة الزنج فقد جمعت بين شعارات الخوارج و الشيعة.أى تتحول العصابةالى حركة دينية يمارس فيها قطع الطريق والقتل والسلب والنهب والسبى تحت شعار الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.وبه يقيم (التنظيم) العصابى دولة و(نظام حكم ) مستبد. ونفس الحال تقريبا فى شمال أفريقيا.
3 : حين يضعف ( نظام الحكم ) بسبب ضعف المستبد تظهر عليه بوضوح ملامح العصابات و سلوكياتها ، أى يتحول من (نظام حكم ) الى ( تنظيمات ) من العصابات المسلحة ، فى العاصمة أو فى أطراف الدولة ، وقد يطلق عليها من باب الأدب مصطلح ( مراكز القوى )، وتدخل الدولة أو (نظام الحكم ) المستبد الى عصور من الفوضى والصراع الداخلى ، وتزدهر فيه تكوين عصابات من الأهالى ، وتتحول مراكز القوى الى عصابات حقيقية تسلب الناس وتسبى نساءهم وتقتلهم بسبب وبدون سبب .
ونعطى أمثلة:
3 / 1 :ـ فالخليفة المتوكل العباسى فى القرن الثالث الهجرى حين قطع العرب من الجندية تحول الجنود العرب فى مصر الى قطع الطريق، واستمروا يعيثون فى أطراف مصر فسادا ، وهم المسئولون عن تخريب الساحل الشمالى من غزة الى طبرق ، وبسببهم تخربت مدن مصرية تاريخية كانت ذات شأن ، مثل تنيس ومريوط وغيرها ، وكان الساحل الشمالى المصرى حدائق خضراء تأمن المرأة أن تسافر فيه وحدها من الاسكندرية الى طبرق كما كان يقال ، انتهى ذلك كله طيلة العصر العباسى الثانى ، حتى إذا جاء العصر المملوكى أصبحت غارات الأعراب تهدد العمران المصرى فى الدلتا و القاهرة ، بل وتحكم بعضهم فى مناطق الصعيد.
3 / 2 ـ والخليفة المتوكل نفسه حين قطع العرب و الفرس من الجندية أحلّ محلهم الجنود والقواد الأتراك الذين استقدمهم من أواسط آسيا ، وقد تغلب أولئك الأتراك على الخلافة العباسية ، وتقاسموا أملاكها ، حتى إذا جاء عصر الخليفة الراضى أصبح نفوذه لا يتعدى بغداد وضواحيها.وفى أواخر تحكمهم الذى استمر فيما بين ( 232 : 334 ) تحول قوادهم الى زعماء عصابات متناحرة متقاتلة ، تتحارب فيما بينها وتحترف سلب ونهب الناس، وانتهى الأمر بأن حلّ البويهيون محل أولئك الأتراك ، وسبقت الاشارة الى أن البويهيين كانوا فى الأصل عصابة لصوص.
3 / 3 ـ وفى فترة الفوضى و الضعف فى (نظام ) المستبد العباسى كانت تنشط (تنظيمات) العصابات، ومنها عصابات دينية سياسية مثل تنظيمات العصابات الحنبلية التى حكمت الشارع العراقى بعد اختراع الحنابلة حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) وقد جعلوه شعارهم الدينى، يفرضون به سلطانهم ، ولا يزال ذلك الحديث الملعون شعارا للحنابلة الوهابيين حتى اليوم .
وفى تاريخ أبى الفدا يقول عن عام 323 تحت عنوان ( فتنة الحنابلة ببغداد) : ( وفيها عظم أمر الحنابلة على الناس وصاروا يكبسون دور القواد والعامة فإن وجدوا نبيـذاً أراقوه وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء واعترضوا في البيع والشراء وفي مشي الرجال مع الصبيان ونحو ذلك ) .
وباضمحلال تلك العصابات الدينية السنية الحنبلية حل محلهم عصابات من العوام كان لقبهم ( العيارون ) ، وقد فرضوا أنفسهم على تاريخ العراق فى القرنين الرابع والخامس من الهجرة ، حسبما يظهر فى تاريخ ابن الجوزى ى( المنتظم ).
ثم انتشرت تنظيمات عصابية أخرى كالفتوة والفتيان منذ القرن السادس الهجرى ، وانضم اليها الخليفة الناصر العباسى ، وقد عرضنا له فى مبحث سابق.
وفى عهد المسعصم آخر خليفة عباسى سيطرت العصابات على بغداد ،وانضم بعضها للجيش العباسى ، وكان قائد الجيش منهم ،و بعضهم كانوا الندماء والمستشارين المحيطين بالخليفة المستعصم ،وأسهموا فى هلاكه وتدمير ملكه أمام المغول . وقد وصف المؤرخ ابن طبابطا الخليفة المستعصم بأن (أصحابه كانوا مستولين عليه،وكلهم جهال من أراذل العوام )( الفخرى 266 ).
3 / 4 : فالمستبد حين يعجز عن كبح جماح العصابات يستعين بها لحراسة الأمن ، وقبل المستعصم فعلها الخليفة الراضى العباسى المتوفى عام 329 حين ضم اليه جنودا من القرامطة السفاحين ، بعد القضاء على حركتهم .
ونفس الحال مع الدولة المملوكية التى كانت تضطر الى استمالة بعض شيوخ الأعراب لحفظ الأمن حين تعجز عن إخضاعهم لسلطتها ،أى تعطيهم مشروعية نهب القرى المصرية مقابل المشاركة فى غنائم النهب .
3 / 5 :ـ وفى الصراع بين مراكز القوى فى نظام المستبد قد يستعين بعضهم ضد بعض بالعصابات أو يتصرف كالعصابات ، فالأمير أقطاى قائد المماليك البحرية حين تولى السلطنة المملوكية مكانه السلطان عز الدين أيبك ارسل فرقة من أتباعه تغير على القرى المصرية ليثبت عجز السلطان الجديد عن حفظ الأمن.
وصارت سنّة مرعية أن يتصرف المماليك الناقمون على السلطان بالاغارة على الناس فى منازلهم وحوانيتهم وأسواقهم ، ينهبون ويغتصبون ويقتلون حتى يخضع لهم السلطان ويعطيهم أرزاقهم. وهم يرون أنه يسلب أموال الناس ويحتكرها لنفسه ، ويستعين بهم فى قهر الناس وسلب أموالهم ، ثم لا يعطيهم أجورهم ، لذا يتجهون للناس يأخذون لأنفسهم ما بخل به السلطان عليهم .
وهو تصرف عصابات محض ظل ساريا حتى بعد سقوط الدولة المملوكية ، وتحول المماليك الى قوة عسكرية تحكم مصر فى ظل الدولة العثمانية . وفى أواخر الدولة العثمانية وضعفها أصبحت القاهرة والمدن المصرية رهينة للصراع بين الأجنحة العسكرية للمماليك فيما بينهم من ناحية ، وميدان صراع بين طوائف الجيش العثمانى من ناحية أخرى، وفى كل الأحوال يقع السلب و النهب على المصريين لأن الحكم تحول الى فوضى وصراع بين عصابات . وتلمح هذا فى تاريخ ابن اياس الذى عاصر نهاية الدولة المملوكية ، ويمتلىء به تاريخ الجبرتى الذى عاصر نهاية المماليك و نهاية التبعية للسلطان العثمانى وقيام دولة محمد على .
أى أن ( النظام ) المستبد حين يهتز ويترنح يعود الى أصله الأول ، وطبيعته الأولى ، يتفكك الى (تنظيمات ) من العصابات المتنازعة المتحاربة داخل وخارج (النظام ) ، هذه العصابات تسلب الأهالى ، لا أن تحميهم ، بل تتنافس مع العصابات الاجرامية العادية فى سلب الناس وابتزازهم وفرض الاتاوة عليهم ، خارج الضرائب أو الاتاوات الرسمية التى يجبيها منهم المستبد .وتلك أهم إرهاصات السقوط النهائى (للنظام )، فبعد أن كان (عصابة ) كبرى لها (نظام ) سائد يتفكك هذا النظام ويتشقق وينهار الى شذرات وفتات من مراكز القوى أو العصابات المختلفة و المتنازعة .
4 ـ ومصر أقدم دولة وأعرق دولة خضعت ـو لا تزال تخضع ـ للعصابات ، سواء كانت عصابة واحدة ممثلة فى مستبد يجمع السلطة فى يده ،أو تخضع لمراكز قوى حين يضعف المستبد ، أى يدخل النظام بعد قوته وتماسكه فى مرحلة (الدولة الرخوة ) الى أن ينتهى الى (دولة الفوضى) بنفس ما نقرؤه فى تاريخ الجبرتى .
ـوكما نقل ابن إياس والجبرتى لنا تلك المراحل فى وقت انحلال الحكم العسكرى المملوكى والعثمانى فإننا هنا نؤكد للقارىء من أحفادنا فى ضمير الغيب أن مصر الآن فى نهاية عهد العسكر المستبد من عام 1952 الميلادى تعيش تحول (النظام ) العسكرى المستبد الى عصر سيطرة العصابات فى ظل ضعف وشيخوخة الرئيس الحالى محمد حسنى مبارك الذى يحكم مستبدا منذ عام 1981 .
والمظاهر كثيرة ومتعددة ، تكرر بعض ما سبق فى العصرين العثمانى والمملوكى ، وتتفوق عليه. وربما نتوقف معها فى وقت آخر .
أخيرا :
ـ هذا الحكم الاستبدادى يتناقض مع الدولة الاسلامية الحقيقية التى أقامها خاتم المرسلين فى المدينة ، والتى نرى ملامحها فى الديمقراطيات الغربية.
ـ فى الديمقراطية الاسلامية والغربية لا يوجد حاكم للشعب بل خادم للشعب . وبالتالى فإن زعماء العصابات مكانهم فى السجون وليس فى القصور الرئاسية و الملكية .
ـ الآن .. عرفنا ماهية السلطان ..وموعدنا مع المقال القادم فى ماهية ( الوعظ ).
كل من يعيش داخل نظام مستبد ، يجد أن العلاقة بين النظام والخارجين عن القانون فيه مستمرة ومستقرة .. ولا يحتاج ملاحظة ذلك الكثير من التعب .. فإنك تجد مثلا كيف يستعين بعض المرشحين لمجلس الشعب من السلطة بالبلطجية لأخافة منافسيهم .. وكيف يستعين ضباط البوليس ( المرور ) بالبلطجية والسوابق لكي يحصلوا على الأتاوة من سائقي الميكروباس .. وكيف يتقاسم ريع التجارة بالمخدرات والآثار كل من الرسميين والبلطجية أي ان الدول المستبدة يحتل فيها البلطجي أهمية كبيرة في سلسلة القوى في هذا المجتمع ..
أردت أن أسأل الدكتور منصور عن بداية الانحراف عن الدولة التي أقامها النبي محمد عليه السلام في المدينة ؟، ومفهوم البيعة في القرآن وهل تختلف عن بيعة الحكام والسلاطين التي لازالت مستخدمة إلى يومنا هذا ؟ ولكن وجدت في مقال قديم للدكتور منصور بعنون " أبوبكر ووجدت الإجابة لما سألت عنه في هذا الجزء :
ومفهوم البيعة في القرآن وفي ثقافة عصر النبي لا يعني البيعة لحاكم ، وانما البيعة علي التمسك بالاسلام او الجهاد في سبيل الله حين التعرض للخطر ( الفتح 10 ، 18 ، الممتحنة 12 ، الاحزاب 15 [ ولكن البيعة في السقيفة اكتسبت مفهوما اخر ، انتهز فرصة الخطر الداخلي والخارجي ليكسب البيعة مفهوما سياسيا اصبحت بها تعنى تولي الحكم أوالعهد بالحكم . سواء كان ديمقراطيا بعض الشىء في عهد الخلفاء الراشدين ، ام كان وراثيا استبداديا ، كما في عهد الخلفاء غير الراشدين وأذنابهم من مستبدى حكام المسلمين فى عصرنا البائس.
ونرتب الاحداث حسبما جاءت في روايات التراث السنى .
فبعد موت النبي مباشرة اجتمع الانصار في سقيفة بني ساعدة ، واتفقوا علي تولية سعد بن عبادة الذي كان مريضا ، ولم يمنعه مرضه من الحضور ، وخطب فيهم سعد موضحا حقهم في الحكم ـ و لو كان الوحي ينزل لأخبر عن مكائد المنافقين فى هذا اليوم ـ ووصل الخبر الي عمر فأسرع الي ابي بكر وكان مع " علي" يشرف علي تجهيز جثمان النبي للدفن ، وخرج ابو بكر مع عمر الي السقيفة وفي الطريق لحقهم ابو عبيدة بن الجراح . وفي السقيفة خطب ابو بكر متوددا للانصار وقال لهم : نحن الامراء وانتم الوزراء ، فاحتج عليه الحباب بن المنذر مطالبا بحق الانصار ، وقال : فان ابي هؤلاء فمنا امير ومنهم امير ، فرد عليه عمر بعنف فاشتعل الشجار وامتشق الحباب سيفه ، فالتقطه منه عمر واتجه به ليقتل سعد بن عبادة ، ولكن اسرع ابو بكر فأنقذ سعدا ، فقال له عمر : قتله الله انه منافق ، وانتهي الامر ببيعة ابي بكر البيعة الخاصة ، ثم بويع البيعة العامة في المسجد في اليوم التالي .
ورفض سعد بن عبادة ان يبايع ابا بكر ، وقيل له : ( لئن نزعت يدا من طاعة او فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك [ ورد سعد رافضا البيعة ( والله لا ابايع حتي اراميكم بما في كنانتي واقاتلكم بمن تبعني من قومي وعشيرتي ) ونصح بشير بن سعد ابا بكر بألا يرغم سعدا علي البيعة : " لأنه لن يبايع حتي يقتل ، ولن يقتل حتي يقتل معه ولده وعشيرته ولن يقتلوا حتي يقتل الخزرج ، ولن يقتل الخزرج حتي يقتل الاوس ، فلا تحركوه ، فأنه ليس يضركم ، انما هو رجل واحد طالما تركتموه ) فتركوه .
هذا المقال أو البحث الرائع والهام يبين بوضوح لماذا ينظر العالم للمسلين على أنهم قطيع من الماشية لاأمل فى إصلاحهم أونهوضهم من مستنقع التخلف والجهل
فينظرون للمسلمين على أنهم ليسو أهلا لأن يحكمهم حكام متحضرين وأنهم لا يستحقون سوى هؤلاء المستبدين يتسلطون على رقابهم وعى مستقبل بلادهم وأجيالهم القادمة حتى لا تقوم لهم قائمة فيظلون تحت أقدامهم فيكونون ( رقيق القرن الحادى والعشرون ) عن جدارة وإستحقاق
فيعمل الغرب والدول التقدمة على أن نظل على هذا التخلف والضياع تحسبا وإتقاء لتاريخ المسلمون الدموى تجاههم [ الفتوحات الإسلامية ] التى لا تمت لدين الله بأى صلة إذ كانت لا تتعدى أن تكون غارات عصابات وقطاع طرق وقراصنة البر والبحر الذين لوثوا وشوهوا وجة الدين الحنيف بنسبة عدوانيتهم وهمجيتهم لدين الله الذى هو منهم ومن لصوصيتهم براء
والى أن يفيق المسلون من غفلتهم فيفيئوا لدين الله الحق وتخشع قلوبهم لذكر الله الحق [ القرآن الحكيم] ستظل الشعوب الإسلامية تتمرغ فى وحل مستنقع جهلهم وأباطيل أديانهم الأرضية المفتراة على الله ورسوله ويكونو بذلك هم أظلم البشر وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا إ يقول سبحانه وتعالى فى محكم كتابه الكريم
((( ومن أظلم ممن إ فترى على الله كذبا )))
صدق الله العظيم
ولكم أستاذنا الكريم جزيل الشكر وخالص الحب والإمتنان والتقدير
هذا المقال الرائع الذى يوضح الفرق بين خادم الدوله وسارق الدوله . او يوضح كيف تحولت الدوله الى مجموعة من العصابات تتحكم فيها .
ولكن السؤال الى متى يستمر هذا الوضع فى الدول العربية وانا يستسلم الشعب الى هؤلاء اللصوص ؟
اعتقد ان الشعب المصرى او اى شعب اخر استسلم الى الواقع ورضى بان يكون هناك مجموعة من اللصوص هى التى تدير له حياته او تتحكم فيها ؟
وكل المحاولات الحاليه التى يبذلها البعض من المعارضين والسياسيين لائفاقه هذا الشعب وقدررتة على مقاومت اللصوص اعتقد انها سوف تاخذ وقت لعدم رغبة الشعب انفسهم على التغير والتخلص من هؤلاء اللصوص .
كانت جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قديما متمثلة في تنظيمات العصابات الحنبلية التي حكمت الشارع العراقي بعد اختراعهم لهذا الحديث ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان ).
وبما أنهم يحاولون جاهدين أن يكونوا قوي الإيمان من وجهة نظرهم الإرهابية والمتسلطة قد جعلوا هذا الحديث شعارهم الدينى، يفرضون به سلطانهم .
وحديثاً هذه الجماعة متمثلة في الحنابلة من الوهابيين ، ولا يزال ذلك الحديث ساري المفعول ومعمول به ويتخذه الحنابلة الوهابيين حتى اليوم شعاراً لهم هم ومن ينهج نهجهم في التطرف والاستبداد وقمع الآخر .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,685,146 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
سيرة ابن اسحاق: هناك أمر غير منطقي في سيرة الرسو ل ألمكت وبه ...
الأعراب: Was wondering if you can help me, the following verse mentions...
معنى الاخلاص : ماهو الإخل اص في العبا دة و كيف تكون عبادت ي ...
ليلة النكد لا الدخلة: د. أحمد. أرسلت لك رسالت ى هذه من عامين...
نتمنى ذلك ولكن..: اقترح علي القائ مين علي الموق ع واسات ذته ...
more
هذا المقال مهم جدا لأنه يوضح فلسفة قيام الدول وكيف أن هناك عصابات أصبحت دول ، ودول أصبحت عصابات ، وفي كلا الحالتين لم تفقد ما هيتها من كونها في الأصل عصابة .. حيث ان هناك نظم حكم لم تتغير ملامحها فهي لا تخضع نفسها لأي قانون وتعمل كانها تشكيل عصابي بل تقوم بعمل تشكيل عصابي ، وفي بعض الأحيان تستعين بالتشكيلات العصابية الموجود لفرض سيطرتها وسطوتها .. وهذا ما نجده في الحكومات المستبدة ، حيث نرى أن الأجهزة التي تحمي الشعب هي في حقيقتها تقمعه وتصادر حريته .. هذا التخبط في الصلة بين العصابة والسلطة أيهما أولا ( يشبه العلاقة بين البيضة والدجاحة أيهما أولا ) فكلاهما يؤدي للآخر ، إلا أن ظهرت الدولة الحديثة ، والتي ساهم في نشأتها التطور الذي أحدثه الدين الحقيقي في العقل البشري والذي أدى في النهاية إلى خلق علاقة بين الحاكم والمحكوم تقوم على العدل .. وحق المحكوم أن يكون حاكما ، طالما أنه يسعى لذلك ( وباراك أوباما خير دليل ) بل والحاكم أيضا لابد أن يكون بعد ذلك محكوما وهو ما يعرف بـ ( تدوال السلطة ) ..