الحرية:
من هو الحر؟

زهير قوطرش Ýí 2009-06-13




من هو الحر؟ :

جمعتني بصديقي الملحد جلسة حوار عفوية ,لا أستطيع أن أجزم بأنه لا يتمتع باحترامي واحترام الآخرين له ,لما يتميز به من أخلاق كريمة ,وحباً لمساعدة الآخرين .لكنه مع كل هذا هو من الملحدين.

سؤاله لي كان ....هل أنت حر في حياتك؟

في البداية لم أفهم قصده وماذا يبيت لي من أسئلة دورية كعادته ,فهو محاور ويتلذذ بحوار الآخرين كونه يملك رصيداً ثقافياً مادياً لا بأس به.

سألته الإيضاح . أجابني :

تصور الفرق بيني وبينك ,أنت مجبر أن تعبد الله ,أما أنا لا أعبد & أحداً , لا دين لي حرية مطلقة ...أنا أستطيع أن أشرب الخمر متى أشاء وبالكيفية التي أشاء وبدون خوف من أحد....أنت لا تستطيع شربها وحتى كما يقولون لا تستطيع حتى الاقتراب منها .....وهكذا ,الى أن انتهى بقوله وسؤاله لي بالله عليك من هو الحر أنت أم أنا.
أنا حر في جسدي ,هو .....ملكي ... أنا حر في التصرف بأموالي هي لي ....أنت مقيد بالحلال والحرام ودفع الزكاة بشكل إجباري ....أكره الإجبار قالها بصوت واضح ... تركته وأنا أنصت إليه بهدوء كعادتي عندما أحاور أحد الأصدقاء ,أُصغي إليه باهتمام ولا أقاطعه حتى ينتهي من كلامه....حتى زوجتي الحبيبة ,تتعجب من مقدرتي على الصمت والهدوء أثناء النقاش وكم من مرة قالت لأصدقائي ....زوجي هادئ في كل تصرفاته لدرجة مملة ... سامحها الله.

قلت له يا صديقي ...في البداية أحترم شفافيتك وصراحتك ,وأحترم فيك كونك تتمثل ببعض القيم الأخلاقية العالية في علاقتك مع الآخرين .لا تظلم أحداً ....صادق في كلامك ...إنساني في تعاملك مع الذين يحتاجون مساعدتك ....كل هذه القيم يا عزيزي تدل على أنك حر مثلي ..... ضحك بصوت عالي وقال لي هل أنت حر ....؟أين هي حريتك التي تدعي وسيف آلهك  مسلط فوق رأسك دائماً؟
أجبته على سؤاله قائلاً:

أخي في الإنسانية أنا سأجيبك من كتابي الذي أؤمن به ,فهو مرجعيتي التي استند إليها وعليها.
في البداية ,الله عز وجل كرمك, أي كرم بني آدم وأنت منهم على ما أعتقد بقوله عز وجل:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"
لاحظ يا أخي قوله ولقد كرمنا .وقوله فضلنا تفضيلا ....كل هذه المعاني هي مقدمة تدل على أن هذا المخلوق بمشيئة الله جعله حراً .أنظر حولك كل المخلوقات من حيوان ونبات وحجر ,هل يمكن لهذه المخلوقات أن تقول كما قلت  أنت,أنا حر ,أنا حرة.... أبداً .أنت الوحيد القادر على التصريح والتفاخر بحريتك . ولهذا
كفل  الله عز وجل لي الحرية ولك في هذه الدنيا أي لكل بني أدم ,وأقصد على التخصيص حرية العقيدة .أسمع معي قوله عز وجل .
" قُلۡ يَـٰٓأَيُّہَا ٱلۡڪَـٰفِرُونَ (١) لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ (٢) وَلَآ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (٣) وَلَآ أَنَا۟ عَابِدٌ۬ مَّا عَبَدتُّمۡ (٤) وَلَآ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (٥) لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِىَ دِينِ (٦)
ولاحظ قوله عز من قائل "لكم دينكم( أيها الكافرون والملحدون ),ولي دين". هنا يا عزيزي تتجلى لك حرية الإنسان في اختيار عقيدته . فأنت معك الحرية المطلقة في أن تكون ملحداً ,وأنا اخترت إيماني بالله  عز وجل بملء إرادتي وحريتي . ودليلي على ذك قوله عز وجل :
"لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
فحريتي كما ترى حددها خالقي بأنه لا يمكن أن يجبر أي إنسان إنساناً أخر على اختيار دينه. فالإنسان حر بما يعتقد في هذه الحياة الدنيا.

فهل حريتك يا أخي هي أرادتك أنت في اختيار عقيدتك؟ ,أم هي إرادة خالقك التي جعلها لك خاصة في أن تختار ما تشاء. من الذي أعطاك ومنحك هذا العقل الذي هو واسطة الاختيار ....ستقول لي الطبيعة... لا عليك ...قلتها أنا من قبلك .لكن من أعطى هذه الطبيعة القدرة على أن تمنحك هذا العقل المفكر الذي يوازن ما بين الكفر
والإيمان.

سؤال أعتراضي ...

.قاطعني صديقي وتابع قوله ..أنتم تقولون أن الله فطر الإنسان على الإيمان والتوحيد .أليس كذلك .....أجبته نعم .... بالله عليك لماذا لم يفطرني على ذلك ....ألست أنا البرهان الحقيقي والواقعي ,بأن هذه الفطرة لا وجود لها!!!!!!

سؤال منطقي . لنقرأ معاً قوله عز من قائل.

"فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون."
يا أخي لاحظ معي قوله فطرة الله التي فطر عليها الناس.الفطرة لا تعني الطبيعة بأية حال من الأحوال.وهذه مشكلتكم كونكم اعتبرتم أن الفطرة هي الطبيعة .والأمر الأخر والمهم أن هذه الفطرة التي فطر عليها الإنسان هي موجودة في أصل الخلق ,لكنها لا تلمك القوة الذاتية والطاقة الذاتية لتجعل كل الناس من المؤمنين والموحدين .هذه الفطرة لا تكون فطرة إلا عند تلقي الوحي .لهذا أرسل الله الانبياء والرسل لتفعيل هذه الفطرة .الإنسان بدون الوحي لا يقدر على تحديد المبادئ المثلى والأخلاق السعيدة.وحتى العقل وحده ,لا يمكنه ذلك حتى مع وجود الفطرة.الفطرة بمعنى أخر بعد الوحي هي الدين القيم .لكن حالتك أنت برفضك الإيمان والتوحيد ,رغم وجود  الفطرة الكامنة في نفسك ,ونزول الوحي الممثل بالأنبياء والرسل(رسالات سماوية ) والمؤمنين الصادقين من حولك .هي الحالة الاعتراضية . حالة نسميها الانحراف بسبب عوارض ما ......قد تكون هذه العوارض ...تجربة ذاتية ..الأهل ...المجتمع(كما حدث في الدول الاشتراكية سابقاً)...الأصدقاء الانتماء الحزبي .....شياطين الأنس والجن ......لهذا نجد أن حالات العودة عند الإنسان الضال من أمثالك  الى فطرته تحدث تحت تأثير أبسط الأمور ..تجربة شخصية ....أحياناً كلمة ما من إنسان مؤمن.....سلوك إنسان مؤمن.....لهذا يا عزيزي أمرنا الله عز وجل بأن نقوم بفعل دعوة الناس  الى الإيمان بالله وحده لا شريك له بالموعظة الحسنة ...أتدري لماذا ؟هذه هي سبيلنا الى إعادة الإنسان الى فطرته الكامنة  في نفسه .

أما قولك أنك حر في شرب الخمر ,وأنا مقيد بالحلال والحرام . دعنا نعود الى كتاب الله عز وجل.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون

إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ

لاحظ يا أخي قوله عز وجل ."يصدكم عن ذكر الله"هذه الصورة لا يعرفها إلا من جرب شرب الخمر. وهذه الصورة لا تعني إلا التعبير الإلهي الحقيقي عن حالة السكر أي فقدان العقل...فالصد عن ذكر الله ,لا يحدث إلا بعد ضياع العقل .وهنا أريد أن أسألك ....من هو الحر أنا الذي لا أشرب واملك زمام عقلي... أم أنت الذي تشرب وتفقد عقلك وبالتالي تصبح عبداً لهذا المشروب الذي يتحكم فيك وفي سلوكك الإنساني .من هو الحر أنا الذي لا أشرب أم أنت الذي لا تستطيع أن تكون بدون الشرب ,أنت العبد لهذه الآفة ,وأنا الحر الذي لا سيطرة لهذه الآفة على أتدري لماذا؟ لأنني مؤمن أولاً. وهذا الإيمان حفظ لي عقلي من العبودية للمكاره والآثام فأصبحت أتجوهر في أعلى مقامات الحرية الإنسانية .

أما ما تبقى من أسئلتك .....صدقني لو فكرت قليلاً بما قلته لك ,وراجعت نفسك .... وعدت الى فطرتك التي فطرك الله عليها ,ستجد الأجوبة المناسبة على كل تساؤلاتك .









اجمالي القراءات 22633

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الإثنين ١٥ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40056]

كلاكما حر في اختياره

استاذنا الفاضل زهير قوطرش كلاكما حر في اختياره كما سبق وتفضلت  وهذا ما قضت مشيئة الله سبحانه به ومحاورك(الملحد ) أصدق مثال على الحرية التي منحها رب العزة للعباد في أكبر قضية أولاها القرآن اهتماما ومع ذلك فللإنسان ان يختار بين الإيمان والكفر (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) على عكس بعض البشر الذين نصبوا أنفسهم حكما على إيمان هذا وكفر هذا بل ومطالبته بالاستتابة أو الحكم بردته  وإحلال دمه ونسوا أو تناسوا أن.الأنسان هوالمخلوق الوحيد المفضل على جميع المخلوقات بعقله الذي يتيح له الاختيار بحرية في الدنيا ليكون مسؤلا أمام الله الله سبحانه عندما ياتيه فردا اسمح لي أن اكتب جزءا من قصيدة كم تشتكي للشاعر الحكيم ايليا أبوماضي تصور ما منحه لنا رب العزة من  نعم ثم يأتي بعضهم منكرا الخالق بعد ذلك !!!!!!! :


كم تشتكي وتقول إنك معدم          والأرض حولك والسما والأنجم


ولك الحقول وزهرها وأريجها         ونسيمها    والبلبل المترنم


والماء حولك فضة رقراقة             والشمس فوقك عسجد يتضرم


هشت لك الدنيا فما لك واجما           وتبسمت فعلاما لاتتبسم


إن كنت مكتئبا لعز قد مضى           هيهات يرجعه إليك تندم 


أو كنت تشفق من حلول مصيبة         هيهات يمنع أن تحل تجهم 


أو كنت جاوزت الشباب فلا تقل         شاخ الزمان  فإنه لايهرم     


2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ١٧ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40114]

شكرا أخى زهير .. وأقول ..

مقال رائع .. ولكنه فتح الباب وفتح شهيتنا وتركنا جوعى ..


موضوع الحرية من الموضوعات التى يسهل ان تفتحه  ويصعب ان تغلقه .والأخ الملحد الذى يفاخر بحريته فى التحلل من الفرائض الدينية هو أيضا مرتبط فرائض اخلاقية واجتماعية بدليل وصفك له بأنه صاحب خلق كريم . المشكلة فى هذه الجزئية بالذات أن الكثير من الملحدين المسلمين صاحب خلق رفيع يلتزم به ، وفى نفس الوقت فلا يلتزم باداء العبادات . فى نفس الوقت ترى المتطرفين المتشددين يؤدون العبادات ولكنهم أفسد الناس من حيث الأخلاق وأقساهم قلبا وأسوؤهم تعاملا . هنا التزام بشىء ما ، وهو التزام ناقص ، فالعبادة ليست هدفا فى حد ذاتها كما يعتقد المتطرفون ، ولكنها وسيلة لاحياء الضمير وحسن التعامل مع الناس على قاعدة التقوى . وفى نفس الوقت فان ما يجعل الانسان مستديما على خلق قويم أن تتحسن علاقته بربه خلال العبادات ليحس بالراحة النفسية  ، فالملحد مهما بلغ إلحاده سيصرخ وقت الأزمة و المرض مستجيرا بالله جل وعلا . ثم إن هذا الملحد قد يظل عبدا للغرائز من الخمر و التدخين والنساءوكل انواع الادمان .


الالتزام ضد الحرية ، ولا توجد حرية مطلقة حتى لدى الحيوانات فى الغابة . فى اعتقادى ـ وقد أكون مخطئا ـ  إن الحرية المطلقة توجد لدى البشر حين يعلو بنفسه فوق الحرية نفسها ،أى حين يتحكم فى نفسه وينهاها عن الهوى ، حين تتكون لديه القدرة على الاستغناء عن أى شىء و التضحية بأى شىء مقابل هدف اعظم هو رضا الخالق جل وعلا. حين تتحكم فى نفسك تصبح حرا ، أما حين تتحكم فيك سيجارة أو إمرأة أو تحقيق أمنية دنيوية تسعى لها فلا يحق لك أن تتحدث عن الحرية.


تلك الحرية المطلقة يحس بها من التزم بالتقوى وتصاغرت الدنيا فى عينيه .


3   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الخميس ١٨ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40134]

الأخت عائشة

أشكرك على مرورك الكريم.واتفق معك فيما ذهبت إليه.واعتقد والله أعلم أن حرية الإنسان تتجلى في توحيده لخالقه الذي منحه ووهبه الحرية.


4   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الخميس ١٨ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40135]

الأخ الدكتور أحمد أدامه الله.

أشكرك يا أخي على مرورك الكريم.واتفق معك على أن موضوع الحرية هو من المواضيع الكبيرة فعلاً.وفعلاً لايحس بها  (الحرية)إلا من نجوهر بالتقوى وصغرت الدنيا بعيونه. أخي  ما يعجبني في كل تعليق لك ,أنك تقرأ مابين السطور وما بين الكلمات.وهذه ميزة  لايتقنها إلا كل إنسان عاش عمره  واستهلكه في تجارب  إنسانية كبيرة متعددة .المهم أن نسعى جاهدين الى أن نقدم للأجيال القادمة خميرة هذا العمل لكي تساعدهم على أن يقدموا بعد ذلك الخبز الحقيقي الذي لاغش فيه ,لمن سيخلفهم. شكراً لك


5   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحيم     في   الخميس ١٥ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[83901]

الحرية غاية نسعى إليها و ليست عقيدة نؤمن بها


يجب أن نفرق بين العقيدة والغاية والسبيل 



فالعقيدة تشمل الإيمان والكفر



أما الغاية فهي ما يسعى إيه الإنسان بواسطة إتباع سبيل ما



والسبيل هو وسائل تحقيق الغاية


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-02-25
مقالات منشورة : 275
اجمالي القراءات : 5,923,476
تعليقات له : 1,199
تعليقات عليه : 1,466
بلد الميلاد : syria
بلد الاقامة : slovakia