أود أن يكون حديثنا صريحا ببرود علمي " بعيدا عن المشاعر والأحاسيس " حديث نقدي .
فمنذ فجر الإسلام على الأقل وحتى الآن نعيش في طور فكري واحد لم نخرج عنه " سلفي " ، بما فيه من إنجازات واحباطات.
وفي عصرنا الحالي بدأت ملامح هذا الطور التراثي في الظهور بمساوئه ، بسبب المفارقة بين ما نعيشه من إنجازات علمية وتكنولوجية نتعاطاها دون المساهمة في إنتاجها .
هذا الطور السلفي الذي فشل في تحقيق معايشة صحية وسط العالم ، رغما عن كل المحاولات التي تمت وتتم بهذا الخصوص .
• والتوصيات الصادرة عن المؤتمر تعلق أمانيها على ما تسفر عنه الأحداث ، تنتظر نتائج الحريات التي نطالب بها دون رؤية لإمكانية تحقيق هذه الحريات في ظل الارتباك المعاش .
• ولا ننتظر طفرة " طور جديد " والذي لا تتطور الإنسانية بدونها ، بداية من الطفرات الجينية والتي تسببت في ارتقاء الأنواع على مستوى الأحياء ،
إن أمنية القائمين والمشاركين في المؤتمر نجاح تيار الوسطية ، وأمنية هذا التيار سيادة الإسلام " بندية "
وللتوضيح :
الفارق بين التنمية والتطوير ، فالتنمية هي العمل على المستوى الأفقي " الإطار المعاش " .
أما التطوير فيمثل المستوى الرأسي والذي هو مستوى آخر مما يمكن أن يعاش " أسس لم تكن ظاهرة " تظهر بإكتشاف يؤدي إلى طور جديد " مستوى أكثر رقيا من سابقه .
والتي نادى بها باشكال مختلفة كل من :
• كوفي عنان الذي طالبنا برؤية راديكالية جدا بمعنى رؤية مخالفة لما نعيشه
• مركز ابن خلدون طالب في توصيات آخر مؤتمرين عقدهما " بنسق معرفي جديد
للفكرالإسلامي .
• مهاتير محمد طالب علماء الأمة ببحث إشكالية اختلاف الآراء ووجهات
النظر في العالم الإسلامي
• الصادق المهدي طالب بخمس ثورات أولهم ثورة فكرية
عبد الوهاب المسيري طالب بمرجعية نهائية لنا وللآخر .
بمعنى أن كل نظرية جديدة تأتي إما لحل مشكلة لم تكن النظرية القائمة قادرة على حلها أو تقدم إضافة جديدة ، لذا تجد نفسها مسيطرة وتحوي السابقة عليها بعد تنقيتها من الأخطاء .
وهكذا تتوالى الأطوار بالنسبة للأمم في أي من مجالاتها الحيوية .
وأوضح مثال لذلك :
قوانين نيوتن للحركة والتي قامت عليها معظم إنجازات حضارتنا الحالية ، لكنها عجزت عن التطبيق على المستوى المحدب ، حيث لم تكن صالحة إلا على مستوى الحركة المستوية ، ثم جاءت النظرية النسبية كطور جديد ليوائم الحركة على كل المستويات .
لكننا نعيش جميعنا تراثيين حتى النخب الإصلاحية والتنويرية والنهضوية ، نريد إصلاحا من خلال هذا الإطار التراثي والذي لم يفلح حتى الآن في تحقيق أمانينا .
والعقبة أمام الجميع في إمكانية قبول طور جديد " طفرة " إن وجدت ، رغم أن عقلاء الأمة تطالب بهذه الطفرة دون أن تعرف لها شكلا ، ولكن ليس لدى أحد القدرة لتقبل هذه الطفرة ، ورغما عن أن مرجعيتنا " ديننا " نور أبدي إلا أن الطفرة بالنسبة إلينا كالقفز في الظلام ..
نحتاج إلى رؤية تقويمية توجب إرتباط الأطوار الحضارية بعضها ببعض إلى الجذور ، فلا يجب أن نهمل تراثنا المملوء بالذخائر الفكرية المتناثرة والتي يجب أن يوضع كل منها في مكانه الصحيح حتى تستقيم مع المنطق وهذا يحتاج إلى تصور منظومي لمرجعيتنا ، ومن هنا وجب إحياء التراث بمنهج علمي منظومي ، وليس هوويا أو تلفيقيا .
وكل ما نفتقر إليه وما أطالب به هو ترسيخ " المناهج العلمية والنقدية " خاصة لنخبنا في مجالاتنا المتعددة وعلى رأسها الدين ، وهذا ماقامت عليه الحضارة الغربية .
والمجتمع الإسلامي مجتمع إنساني في حقيقته يحقق لكل الأنساق الفكرية التفاعل بكامل الحرية " هذا ما نمل الحرية " هذا ما نراه " وعليه فهو يسمح بالندية معه ، يقبل أن يكون ندا يتفاعل حضاريا والغلبة للأصلح .
إن ما نحتاجه ومتفق عليه من السواد الأعظم من شعوبنا ونخبنا أن يكون التطوير الذي نريد مرتبطا بجذورنا ليجعلنا متكاملين مساهمين في تطوير الحضارة الإنسانية
إن ما أدعو إليه ـ من خلال علماء الأمة الذين يتبنون تيار الوسطية ويدعون إليه ـ أن يكون لنا منهج واضح محدد ينطلق من إقتناع راسخ بصحته وحجيته على الكافة ، وأعتقد أن سيد المناهج والذي لا خلاف حوله هو " المنهج العلمي ".
والذي يجعلنا لا نساير الركب الحضاري فحسب بل نسبقه بالتعامل مع مرجعيتنا بمنهج علمي ، ومن ذلك يمكننا تحقيق الهدف الذي لولاه ما أنزل القرآن الكريم " بيان ما اختلفوا فيه " بيان الحلول لكل القضايا المعاشة والمستقبلية .
ولذلك أقترحت على القائمين على مؤتمر الوسطية بأن يكون محور المؤتمر القادم بعنوان
الإصلاح : " مرجعيته .. ضروراته .. آفاقه " .
ويظهر أن الدخان القريب يعمي حيث أني لم أجد لي مشاركة في مؤتمر مركز ابن خلدون " الإسلام والاصلاح " ، كيف يمكن أن أمثل المركز في الخارج وأمنع من المشاركة في الداخل ، والمركز الذي يمتاز بالشفافية يضع أجندة مؤتمره بسرية ، وقد سألت السيدة المديرة بالأمس قبل المؤتمر بإسبوع رغما أنها وعدتني بالمشاركة بورقة ، إلا أنها قالت لم انتهي بعد .
ألا تجدوا معي أن هذا غريبا .
احمد شعبان محمد
9/5/2006
اجمالي القراءات
12132