أسس البحث التاريخى ( الحلقة الأخيرة )
الآن أمام الباحث ما جمعه من مادة تاريخية وقد نظمها وسد الفجوات بينها وكتب تعليقات على الروايات ولم يبق أمامه إلا أن يكتب بحثه ويعرض موضوعه بالصيغة العلمية التاريخية المناسبة .
1- ومن المناسب لباحث التاريخ أن يكتب بالأسلوب العلمي الدقيق الذي يؤدى المعنى باستقامة وبدون زيادة أو نقص حيث يوضع اللفظ بحساب في خدمة المعنى المقصود .
ومعنى هذا أن يبعد الباحث عن الأسلوب الحافل بالصور البديعية والبيانية لأن ذلك يعوق وصول الحقيقة التاريخية للقاريء ثم هو يطبعها بطابع المبالغة والإسراف .
ومعناه أيضا أن يبتعد الباحث عن الأسلوب الملتوي والألفاظ التي تحتمل أكثر من معنى ، والأفضل أن يكون المعنى بسيطا ومباشرا وموصلا للغرض المقصود بسهولة ويسر .
وليس معنى الأسلوب العلمي أن يعمد الباحث إلى الجفاف والخشونة إذ أن من الممكن أن يجمع الباحث بين طلاوة الأسلوب وحلاوته وجاذبيته مع روح الأسلوب العلمي القائمة على توصيل الحقائق للقارىء بأقرب الطرق وابسطها . ومن الممكن أن يلتزم الباحث الجمل القصيرة السهلة ولا بأس أن يضفى عليها من شخصيته وطريقته في التعبير مما يخدم توصيل المعنى للقارىء بسهولة ويسر .
والواقع أن التوسط بين دقة الأسلوب وروعة الكتابة الأدبية الفنية هي الأسلوب الأمثل الذي يجمع بين العلمية والفصاحة ، وإن كان ذلك غير متيسر بالنسبة للكثيرين أو هو السهل الممتنع ، ويمكن للباحث أن يتدرب عليه في كتابة بحثه بأن يعيد الصياغة في الفصل أو الصفحة أكثر من مرة لتصل في أبهى صورة ممكنة .
2- والباحث يكتب الرسالة العلمية بأسلوبه هو . ولكنه يعتمد على نصوص تاريخية كتبها المؤرخون في العصر الذي يبحثه ، وقد يناقش أراءا لكتاب محدثين لهم أسلوبهم المختلف عن أسلوب الباحث......
فكيف تحل هذه المشكلة ؟ هل تكون الرسالة العلمية مجموعة من الأساليب المختلفة ، أسلوب الباحث وأساليب المؤرخين وأساليب الباحثين الآخرين الذين عرض الباحث لأرائهم ؟؟
ينبغي أن يبتعد قدر الامكان عن ( كرنفال ) الأساليب هذا... وأن يطبع رسالته بطابع أسلوب واحد هو أسلوبه هو .. ثم إذا عرضت له الرواية التاريخية بأسلوب مؤرخها فعليه أن يصيغها بأسلوبه هو – أسلوب الباحث – ثم يستشهد بفقرة من الرواية ويضع تلك الفقرة من كلام المؤرخ بين قوسين ،باعتبارها نصّا ، ويحاول قدر الجهد أن يختار تلك الفقرة لتكون أهم المعلومات المعبرة عن الحادث التاريخي الذى يستشهد به . أما إذا كانت الحادثة التاريخية صغيرة فمن الممكن أن يؤتى بها كلية وتوضع كالعادة بين قوسين .. أما كتابات الباحثين المحدثين فالأفضل تلخيصها ، إلا إن رأى الباحث في صدد مناقشة علمية أن يستعين بآراء الباحثين بنصها وفصها ، عند ذلك يأتي بالنص بين قوسين .
ويلاحظ أن من أهم طرق الاستدلال والحجج أن يأتي الباحث بنصوص موثقة يضعها بين قوسين ، ولابد من نقل النص بحذافيره بالكامل طالما هو موضوع بين قوسين .
3ـ وينبغي للباحث أن يترك جزءا في أسفل كل صفحة يترك هامشا ، وعندما يكتب في متن الصفحة ناقلا عن مصدر تاريخي أو غيره فأنه يضع رقما بين قوسين صغيرين في نهاية المعلومة المستقاة من المصدر ثم ينزل إلى الهامش ويدون الرقم ومعه اسم المؤلف واسم الكتاب مطبوع أو مخطوط أو وثيقة وسنة الطبع أو رقم المخطوط أو الوثيقة ثم رقم الجزء ورقم الصفحة .
ولابد أن تكون هذه الأرقام صحيحة لأن الغرض من إيرادها التأكد من صحتها عند ارادة التثبت من صحتها أو متابعة البحث.
ويحسن بالباحث أن يوسع في الهامش للتعريف بالاعلام أو الأماكن تعريفا مختصرا أو لكتابة ملاحظة غير هامة تعليقا على نص تاريخى أو رأى ، أما إذا كانت ملاحظة هامة فالأحرى أن تكتب في المتن . ولا يوجد حد فاصل بين ما ينبغي إيراده في المتن أو الهامش من معلومات أو قضايا ... والأمر هنا متروك لتقدير الباحث وهو بالتأكيد أدرى بتفصيلات بحثه وأكثر الناس معايشة له .
4 – ومن الممكن للباحث أن يبدأ بكتابة الفصل الثاني قبل الأول أو الثالث قبل الأول ... وإن كان من المستحسن يبدأ الكتابة بالترتيب الذي التزم به في الخطة حسب آخر تعديل فيها قبيل البدء بالكتابة .
وذلك حتى تسلم الفصول بعضها لبعض في ترتيب وتناسق .
إلا أنه من الأفضل أن يكون آخر ما يكتب من البحث هو المقدمة والخاتمة .. حتى تكون الصورة واضحة أمام الباحث وهو يكتب بداية البحث وخاتمته .
ومن الأفضل للباحث أن يراجع أراءه حتى أخر لحظة ويركن للحقيقة العلمية إذا وجدها ويبادر بإثباتها ويعدل ويغير مما كتب على أساس الحق الذي اكتشفه . فالرجوع للحق خير من التمادي في الباطل .
ويذيل الباحث رسالته بالمصادر والمراجع التي اعتمد عليها ، يكتب اسم المؤلف وتاريخ وفاته وكتبه التي اعتمد عليها البحث ، ويقسم المصادر إلى مخطوطات و مصادر أصلية مطبوعة و محققة ثم مراجع حديثة وإذا كانت هناك وثائق بدأ بها . وبعد المصادر يورد بعض الملاحق صفحات مما اعتمد عليه من الوثائق والمخطوطات شريطة أن تكون وثيقة الصلة بالموضوع وقد اعتمد عليها فعلا ويعلق عليها إذا أمكنه .
5- والرسالة العلمية في نهاية الأمر واجهة للباحث صاحبها ومعبرة عن علمه وثقافته ، ومطلوب منه أن يكون له رأي في رسالته ، إلا أنه لا ينبغي أن يكون هذا الرأي قبل البحث لأن ذلك يطبعه بطابع التحيز واللا موضوعية . أما ذلك الرأي الذي يرتئيه أثناء البحث فهو وليد البحث والتنقيب بعد استعراض كافة الآراء والترجيح بينها والوصول إلي أفضلها بالحجة والمنطق .
وأفضل الحجج ما جاء على لسان الخصوم معبرا عن رأى الباحث نفسه ، والمجال متاح أمام الباحث للدفاع عن أرائه طالما أن ذلك يخدم أبحاث الرسالة ويظهره صاحب رأى وذا شخصية علمية مستقلة . ولا يهم بعدها إن اختلف الباحث مع باحثين معاصرين له كتبوا في نفس العصر أو اختلف مع مؤرخي العصر نفسه ، المهم أن تكون حججه قوية والحق أحق بالاتباع .
والمطلوب من الباحث في نهاية الأمر أن يأتي بالجديد ، والجديد ليس فقط أن تكتشف حوادث مجهولة وإنما أن تخرج عن التقليد وتأتى بأراء جديدة تنصف الحق وتزهق الباطل . ولا يتقدم العلم إلا بهذا الجديد الذي ينبغي أن يسعى له كل الباحثين والعلماء..
وكم ارتفع الحق والبحث بشباب العلماء وكم انحط بالباطل والتقليد بمن كان يعد من العلماء فسقط منهم سهوا ...
اجمالي القراءات
6325
أستاذى الكريم د/ أحمد صبحى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
تحية إعزاز وإعجاب وتقدير وعرفان بفضل أستاذ قل أن نجد مثلة فى هذا الزمان فتلك الحلقات الخمس لهى رؤية ومنهج غاية فى الروعة والنقاء لكل باحث تاريخ مخلصا لعلمة ورسالتة وهذا كلة عطاء ((( مجانى ))) بدون مقابل حتى كلمات الثناء والشكر ممن لا يملك غيرها مثلى لاترغب فيها ولا تحبذها فحسبك الله الذى نرجوة أن يجعل هذا العطاء الممتد فى ميزان أعمالكم يوم القيامة
مع خالص الأمانى بدوام الصحة ودوام الإبداع
ونسأل الله لكم التأييد والنصر فى إظهار كلمة الحق من منهج الحق ((( القرآن العظيم )))