نظام الحُكم السياسى والمدنى في الإسلام .

عثمان محمد علي Ýí 2025-10-23


 

نظام الحُكم السياسى والمدنى في الإسلام .

الإسلام وضع أعظم نُظم وأُسس حُكم سياسى مدنى من 1500 سنة ،ولكن المُسلمين يعيشون تحت أسوأ أنظمة حُكم عرفتها البشرية في تاريخها .

==
بداية نؤكد على أنه ليس هُناك نظام خلافة وراثية في الحكم في الإسلام ، سواء كانوا ومازالوا يُسمون الحاكم خليفة أو أميرا أو سُلطانا أو ملكا، ولا يجب أن يكون هذا النظام نظام حُكم في دولة إسلامية .

==

الإسلام القرءانى إسلام دين الله جل جلاله وليس إسلام المُحدثين والفقهاء الذين إخترعوا دينا لهم من دون دين الله . قد وضع أعظم مواد دستورية لنظام الحُكم السياسى والمدنى في التاريخ. فترتكز هذه المواد الدستورية على مبدأ أن الدولة هي قوة الشعب ، وليست في قوة تسلط وتجبُر الحاكم (ۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ).فالحاكم بغير رضا الشعب عن حُكمه ولا يسيرويحكم تحت نظام الحكم الذى قرره الشعب هو صفر كبيرعلى الشمال ويجب أن ينفض الناس عنه ويتركوه ويعزلوه من الحُكم ويُحاسبوه .

==

يرتكز نظام الحُكم السياسى والمدنى في الدولة الإسلامية على ركائز وأُسس وعمادعقلية ومعرفة وحُرية الشعب في تعبيرهم عن رأيهم في وضع توصيات وقرارات ولوائح وقوانين لإدارة الموضوع المُقترح سياسيا ومدنيا تحت مظلة (فريضة الشورى) ، والحاكم هُنا أو رأى الحاكم هو مُجرد فرد واحد ورأى واحد في منظومة الشورى الكُلية للشعب ،وليس مُتغلبا عليها ولا وصيا عليها ولا لغيا لها .وليس له الحق في رفض توصياتها وقراراتها وما ينتج عنها من سن لقوانين وتشريعات ،وليس له الحق في الخروج عليها ،وليس له الحق في سن تشريعات منفردة في غياب تام للشعب ومجالس شورىالشعب .

وإنما عليه إتخاذ كل التدابير وتيسير كُل السُبل لتطبيق توصيات وقرارات وقوانين مجالس الشورى لتُصبح واقعا ملموسا على الأرض ، ويتأكد من أنها تسرى على الجميع ،من قمة رأس نظام حُكمه (الحاكم ) إلى أصغر شاب وفتاة بالغ عاقل راشد في المجتمع ... وفى ذلك يقول القرءان العظيم ((فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ (159آل عمران).

فلاحظوا معى هنا (وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ)، ثم بعد الإنتهاء من المشاورات الجماعية للمُجتمع كُله ،والإنتهاء من وضع بنود وتوصيات وقرارات وقوانين التشريعات تأتى مرحلة التنفيذ والتطبيق (ۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ).فأنت ايُها الحاكم المندوب عن المُجتمع في تطبيق وإقرار القوانين والتشريعات على الأرض،فلتبدأ في تطبيقها من خلال قوى العدل وقوى الأمن .

والإسلام جعل فريضة الشورى في الحكم السياسى والمدنى فريضة مكتوبة علي المُسلمين مثلها مثل (الصلاة ) و(الزكاة) ،بل ولأهميتها كفريضة يقوم على أساسها إصلاح المُجتمع وتسيير حياته دائما للأفضل والأقوم فقد جعلها بين الصلاة والزكاة (وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ)  (وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ)  (وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ).

وجعل عقابا شديدافى الآخرةعلى من يتهرب أو يهرب من أداء فريضة الشورى ،وجاء هذا في قوله تعالى (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (62) لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63النور) ...

لاحظوا معى (وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ)    وقوله سُبحانه وتعالى (قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .ففريضة الشورى فريضة مكتوبة فردية لابد أن يؤديها أفراد المُجتمع كُله ،وأن هناك عقابا أليما لمن يلوذ بالهروب منها .

==

وهنا يأتي سؤال هل يستجيب المُجتمع لأراء الناس جميعا (عالمهم وجاهلهم وووو) فى الأمور المتخصصة التي تستلزم دراستها ومناقشتها تراكم علمى ومعرفى وخبرات ودراية وممارسات عملية سابقة ؟؟
الإجابة لا .رأى المُجتمع يكون للإستئناس والعلم بالشىء في مثل هذه الأمور المُتخصصة، لعل تكون هناك نقاط وتفصيلات  قد غابت أوسقطت في زحمة المناقشات فيتواصون فيها بينهم بالحق،ولكن الرأي الأول والأخير هولأهل العلم والمعرفة والتخصص الذى جعل رب العزة جل جلاله طاعتهم في توصياتهم وقراراتهم وتشريعاتهم لإدارة تلك الفروع المتخصصة من الحياة المدنية وتطبيقها على أرض الواقع أمرا من طاعة رب العزة جل جلاله ورسالته فقال سُبحانه وتعالى (ٰٓيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ). وأولى الأمر هُنا ليسوا الحُكام ولا الحكومات والمحافظين ووووو لا لا لا .
ولكن هم أولى العلم والتخصص في توصياتهم وتشريعاتهم في فن وإمكانية إدارة فروع هذه النواحى من النواحى المدنية .مثل قطاعات الصحة – الدواء – الهندسة بفروعها – الزراعة – التخطيط – علوم الإدارة – وووووو . الذين قال عنهم القرءان الكريم (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ،والذين قال فيهم فيهم أيضا (قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ (9)  الزمر).

(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).

==

وكُل هذا تحت مظلة السلام والإخاء والتعارف بين الناس.وتحت سقف  الحُريات العامة ،والحرية الدينية المُطلقة، والعدل،والمُساءلة والمحاسبة في حالة الإخلال بهم أوالتعدى على حقوق الناس والمُجتمع .

==

كانت هذه بإختصارملامح اُسس وركائز ما يجب أن تكون عليه نُظم الحُكم السياسى والمدنى في الدولة الإسلامية.
فهل هُناك دولة عربية أو إسلامية تسيرعلى هذه الأُسس والركائز والدعائم  في حُكمها السياسى والمدنى؟؟؟
أنا لا أجد ولم أجدلا في التاريخ القديم ولا الحديث ولا المُعاصر ، سوى دولة النبى عليه السلام التي إستمرت عشر سنوات في المدينة ثم ماتت ليلة وفاته عليه السلام .وإنقلب عليها القرشيون المُنافقون الفاسقون الذين عاشوا بالنفاق ومردوا عليه، وإستولوا على الحُكم ونزعوا وهجروا فريضة الشورى ورموها وراء ظهورهم ،وجعلوا الحُكم والدولة وحياتها ومعاملاتها في شخص الحاكم وتصوراته وأوهامه وأمراضه النفسية وعبثياته ،فأصبح الحاكم عندهم إلاها وأمره مطاعا حتى لو كان را]ه وقراراته مُصيبة وكارثة كُبرى على المجتمع والوطن ،،وجعلوه مُشرعا ،وينفرد بالتشريع ،ومالكا للأرض وما عليها ومن عليها  يهبها ويهبهم أو يبيعها لمن يشاء ومن يختاره هو .ويورثُ الحُكم لأبنائه، ويرفع أهله وعائلته فوق الناس يمتازون ويتميزون بمُكتسبات في الحكم والثروة والسلطة والممتلكات والسير في الأرض عن الناس.ورفعهم فوق المُحاسبة والمُساءلة والقانون .  فوصلت بلادهم ببعدهم عن المنهج القويم ،منهج الهُدى في الحكم المدنى والسياسى إلى الحضيض وأسفل سافلين . وأصبحوا مُسخة وأراجوزات وعرائس تتلاعب بها الدول الكُبرى على المسرح السياسى،وتتراقص لهم فوق لوحة مربعات الشطرنج العالمى .
ويكفيك  أن تلمس هذا بوضوح في جملة متكررة وهى (تحت توجيهات  وأوامر ،وبتوجيهات جلالة الملك أوالسلطان أوالأميرأو الرئيس أو حتى الوزير والخفير فلان ) تم عمل كذا وكذا وكذا !!!!!!!!

وأُزيدك من الكوميديا السوداء مشهدا لتعرف إلى مدى وصل إنحطاط الحكم السياسى والمدنى في بلاد المُسلمين. قامت مستشفى الزهراء الجامعى (مستشفى طب بنات الأزهر ) من 10 سنوات تقريبا بتجديد مصعد من مصاعد المستشفى (الأسانسير ) ،ويوم بدء إعادة تشغيله عملوا له حفل إفتتاح ووووو فكتبوا على لوحة رُخام على حائط المصعد بناء على توجيهات السيد الرئيس فلان الفلانى ، وفى عهد الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر ،والدكتور فلان رئيس الجامعة تم ترميم وتجديد وإعادة إفتتاح وتشغيل المصعد في يوم كذا كذا كذا .وقصوا شريط الإفتتاح ورفعوا ستارة العرض عن لوحة الذكرى التاريخية لإعادة إفتتاح الأسانسير  وشرب أصحاب الكوكيل الكوكاكولا وقهقه الجميع وصُرفت البدلات والحوافز لأصحاب الرخامة الذين إفتتحوا المصعد بلوحته الرخامية التاريخية !!!!!!!   أو ههههههه   هم يبكى وهم يضحك .
==

 نعود ونقوا ونؤكد على أن الإسلام وضع أعظم بنود وأعظم مواثيق لنظام الحُكم السياسى والمدنى للدولة الإسلامة ،نظاما قائما على إرادة الشعب  الشعب ،وعلى شورى وأراء الشعب ،وعلى شورى أراء أصحاب العلم والمعرفة والخبرات والكفاءات والتخصص. وعلى أن الشورى فريضة إسلامية مكتوبة على االمسلمين لتنظيم وإدارة شئون حياتهم المدنية والسياسية ، وأن الحاكم رأيه  مُجرد رأى واحد من الشعب . وأنه عليه تطبيق ما يتوصل إليه وتنتج عنه إجتماعات مجالس شورى وخبراء وعلماء الشعب  من توصيلات وتشريعات تحت مظلة الحرية والعدل والسلام..

ونؤكد على أن الإسلام لم يشترط أن يكون الحاكم مُسلما ،او رجلا. فلغير المُسلمين أو للمرأة الحق فى أن يحكموا فى الدولة الإسلامية إذا كانواعلى كفاءة إدارية عالية فى إدارة شئون الحُكم وسياساته .

لكن المسلمين وللأسف الشديد يعيشون تحت أسوأ نُظم حكم عرفتها البشرية ،لأنهم هجروا مواثيق وبنود وهُدى الإسلام في نظام الحُكم ،وعاشوا بتأليههم للحاكم ،وإستعذبوا نيران وكرابيج وسياط إستبداده وديكتاتوريته وتجبُره، وأوهامه وأمراضه النفسية بأنه يملك الأرض ومن وما عليها ،وأنهم كُلهم عبيد له يتكرم عليهم (بمكرمة ملكية أو أميرية أو سُلطانية ) أو (بمنحة رئاسية)  عبارة عن فتات الفُتات الفُتات يمنحها أو يرميها لهم ،سواء كانت منحا ومكرمات معنوية  في العفو عن بعض من إستعبدهم وظلمهم في سجونه الكبيرة ،أو مالية برفع مرتباتهم ببعض الملاليم والدراهم ، أو بمُشاركة وهمية ديكورية في شكل مًضحك من أشكال الحكم  الذى يُسلحُ بحمده ليل نهار ويُغنى ويتراقص على  قرع طبول رضاء وإسترضاء جلالته وفخامته وعظمته .

اجمالي القراءات 115

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق