عمر بن عبد العزيز .. من تانى
آحمد صبحي منصور
Ýí
2022-11-23
عمر بن عبد العزيز .. من تانى
مقدمة :
1 ـ على المقال السابق جاء تعليق من د عثمان محمد على . قال ( ..عندى إستفسارات حول (عمر بن عبدالعزيز فى ميزان التاريخ ) ... هل عُمر بن عبدالعزيز كان حاكما صالحا بمقاييس الحُكم الرشيد المُقترب من العدل والتوزيع العادل للثروة بين الناس (طبعا تداول السلطة وخروجها من الأمويين لم يكن مطروحا ولا فى الأحلام عند عامة الناس وقتها فلذلك لن نضعه كمقياس فى الحكم عليه ) أم انه كان حاكما أمويا فى سلوكه مثله مثل سلفه من بنى أُمية ؟؟؟ وكذلك (المهتدى بالله العباسى ) هل ينطبق عليه نفس الحُكم بأنه كان حاكما صالحا رشيدا أم أنها روايات بعيدة عن الحقيقة؟؟ ولو حكمنا عليهما بمقاييس زماننا الآن بما نراه من تداول للسلطة ومحاسبة ومُساءلة لحُكام أوروبا وكندا وأمريكا وإستراليا أمام القانون وأمام شعوبهم فهل نستطيع أن نقول أنهما كانا حاكمين راشدين يعملان لصالح الناس وليس لمصلحتهما الشخصية ومصلحة بنى أُمية وبنى العباس فقط فلذلك قُتلا ؟؟. )
2 ـ وقلت : ( إختيار عمر بن عبد العزيز والمهتدى العباسى كان مقصودا . ليس فقط بالتشابه بينهما ، ولكن لاثبات أنه مهما بلغت النوايا الطيبة لحاكم فى نظام فاسد فإنه لن يفلح ، وسيقضى عليه هذا النظام الفاسد . الحكم الرشيد ينبع من قوة الناس ، وبأن يكون ولى الأمر موظفا بأجر عندهم ويتعرض للمساءلة . أوضحنا هذا فى كتابنا عن الشورى الاسلامية ( الديمقراطية المباشرة ) وقلنا فى مقدمة الكتاب إن الشورى الاسلامية الحقيقية هى فنُّ ممارسة القوة لصالح الشعب . بالطبع لا يمكن لشعب أن يتقوى ويتمكن إلا إذا قام بتغيير ما بنفسه من خضوع وخنوع الى عزة وقوة لا يخشى الموت ولا يخشى الا الله جل وعلا. بتعبيرنا المعاصر ( ثقافة الديمقراطية ) والتى بدونها يكون النظام أسوا من الاستبداد الصريح يتحكم فيه اللصوص كما يحدث فى العراق الآن . )
3 ـ رأيت فى إجابتى نقصا أرّقنى . لذا كتبت هذا المقال عن ( إصلاحات عمر بن عبد العزيز ) ، معتبرا فيه صدق كل الروايات . وقبل أن يسارع أحد بالاعتراض أقول : الروايات قد تكون صادقة أو كاذبة بالتحليل البحثى . والروايات تكون كلها صادقة مهما بلغ كذبها فى أنها تعبّر عن ثقافة من إختلقها . أسوأ الروايات هى في الأحاديث والسيرة النبوية ، والتى تضخمت كلما إبتعد زمانها عن عصر النبى محمد عليه السلام . ولكنها صادقة فى التعبير عن عقلية مؤلفيها وثقافة زمانهم ، ونفس الحال فى روايات كتب المناقب ، التى صنعوها مدحا للأئمة وفى تقديس وكرامات الأولياء و ( آل البيت ). كلها كذب يضحك منه الحزين ، ولكنها تعبير صادق عن عصرها دينيا وحضاريا . بالنسبة لعمر بن عبد العزيز فإن الروايات التى تمدحه وتنضح بالكذب هى صادقة فى تصوير تطلّع من إختلقها للحكم الرشيد ، وأمنيات بأن يوجد فى العصر العباسى من يقوم بتنفيذ هذا الحكم الرشيد .
4 ـ هيا بنا الى عمر بن عبد العزيز .. من تانى .!!
أولا : عمر بن عبد العزيز قبل خلافته
1 ـ نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة ، ثم كان واليا عليها سنة87هـ وكان عمره خمسا وعشرين سنة . وذلك في خلافة ابن عمه الوليد بن عبد الملك. وإفتتح عمله بتكويّن مجلس للشورى من عشرة من كبار الفقهاء، في المدينة وهم " عروة بن الزبير ، عبد الله بن عبد الله بن عتبة ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، سليمان بن يسار القاسم بن محمد، سالم بن عبد الله ،عبد الله بن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، خراجة بن زيد بن ثابت" وجعلهم أعوانا له يأخذ برأيهم ولا يقطع أمرا دونهم ويبلغونه بأي ظلم يقع.
2 ـ كانت المدينة مركز المعارضة السياسية للأمويين ، وقد جعلها الأمويون ماخورا للانحلال الخلقى والرقص والغناء ليشغلوا أحفاد المهاجرين والأنصار عن الثورة . توقف هذا فى إمارة عمر بن عبد العزيز ، ومجلس الشورى الذى كان معه .
3 ـ خلال ولايته ( 87 ـ93 هـ) على المدينة والحجاز : ( أنصف المظلوم وأطعم الجائع وأمن الخائف،) وقام بتوسيع مسجد المدينة ، وحفر الآبار في طريق الحجاج ، وأقام لهم الخانات ومحطات الراحة ، وأنشأ عين ماء فوارة بالمدينة. وقبل ذلك كان الحجاج بن يوسف هو الوالي علي الحجاز مابين (73 ـ75هـ) في خلافة عبد الملك ، فأذاق الناس النكال، فجاءت ولاية عمر بن عبد العزيز بلسما داوي الجراح وأراح النفوس.
4 ـ ثم اختلف عمر مع ابن عمه الخليفة الوليد بن عبد الملك ، حين أراد الخليفة خلع أخيه سليمان من ولاية العهد ليولي ابنه عبد العزيز بن الوليد، فرفض عمر بن عبد العزيز أن يوافق على ذلك ، فعزله الوليد عن إمارة الحجاز . فرحل إلي الشام . ولم يوفق الوليد في البيعة لابنه ، فتولي سليمان الخلافة ، وقد حفظ جميل ابن عمه عمر بن عبد العزيز فجعله كالوزير معه ، ثم في النهاية عهد له بالخلافة علي أن يكون بعده يزيد بن عبد الملك . وفي خلافته القصيرة (99ـ101 هـ) أصلح الكثير من أخطاء آله الأمويين. ونعرض لهذا الاصلاح :
ثانيا : إصلاحات عمر بن عبد العزيز فى خلافته
عزل الولاة المفسدين
بدأ عمر بن عبد العزيز بعزل الولاة المفسدين إذ لا يمكن أن يقوم المفسدون بتنفيذ الإصلاح وإقامة العدل
، لذلك بادر بعزل أسامة بن زيد التنوخي عن خراج مصر وكان غاشما ظلوما كثير الاعتداء وأمر بحبسه ، وظل في الحبس طيلة خلافة عمر ، ولما تولي بعده الخلافة يزيد بن عبد الملك رده إلي منصبه ! وعزل يزيد بن أبي مسلم عن شمال أفريقيا وكان أحد مجانين الظلمة وكان يأمر بتعذيب المساجين ويطرب لصراخهم ويقول للزبانية : الله أكبر سبحان الله والحمد لله اضرب يا غلام في موضع كذا.. وكانت حالته شر الحالات ، فعزله عمر وولي مكانه إسماعيل بن عبد الله المخزومي. وعزل باقي الولاة وولي مكانهم في العراق وخراسان وسمرقند. وبأولئك الولاة الجدد قام بتنفيذ سياسته الإصلاحية .
رد الأموال المنهوبة
1 ـ وبدأ بنفسه فتنازل عن كل إيراده وممتلكاته ـ وهي حلال ـ ووضع ثمنها في بيت المال ، وأخذ جواهر زوجته فاطمة بنت عبد الملك ووضعها في بيت المال ، وبعد أن بدأ بنفسه وبيته لم يجرؤ أحد علي أن يعترض عليه. يقول ابن سهيل " رأيت عمر بن عبد العزيز بدأ بأهل بيته فرد ما كان بأيديهم من المظالم ـ ثم فعل بالناس بعد" ويقول سليمان بن موسي " مازال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف إلي يوم مات ".!!. وإن كان ذلك دليلا علي عدله فهو دليل أيضا علي كثرة المظالم وتنوعها .
2 ـ ولم يكن عمر يطالب الناس بالبينة القاطعة علي ما صودر من أموالهم لما كان يعرف من ظلم الولاة السابقين، وإذا مات صاحب المال المصادر أعاده لورثته . وقد وصلت أوامره بهذا الخصوص إلي الأقطار البعيدة حتي كان الوالي علي اليمين يراجعه في ذلك تحريا للأمر وتفصيلاته فكتب له عمر بأن يجتهد برأيه ولا ينتظر رأي الخليفة في كل صغيرة وكبيرة بسبب بعد المسافة بينهما.
3 ـ وجاء لدمشق أصحاب المظالم من كل الولايات يطلبون استرداد أموالهم . فقال لهم : " الحقوا ببلادكم فإني أذكركم ببلادكم وأنساكم وأنتم عندي ".. وأعطي الولاة كافة السلطات لإنصافهم في بلادهم .
إلغاء المكوس والضرائب الظالمة
1 ـ وكان الأمويون قد ابتدعوا ضرائب ومكوسا جديدة تحت مسميات مختلفة فأمر عمر بإلغائها ومنها ما يعرف الآن بالجمارك ، فكتب إلي والي العراق بإلغاء " المائدة والنوبة والمكس" وقال " لعمري ماهو بالمكس ولكنه البخس الذي قال الله فيه : " ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين".
2 ـ وكان موظفو الأمويين يفرضون ضرائب عالية علي المحاصيل والثمار أو يشترونها بثمن بخس . وكان يحدث ذلك أكثر في فارس . حيث يقوم الأكراد بتحصيل العشور من الناس علي الطرقات ، فأمر عمر بإلغاء ذلك كله .
3 ـ ويقول محمد بن سعد في الطبقات الكبرى إنه لما ولي عمر بن عبد العزيز وضع المكس عن كل أرض . وكانت الدولة تأخذ ضرائب علي كل فرس دينارا وعلي كل غلام دينارا وعن الفدان خمسة دراهم فألغي ذلك، وأباح للمزارعين بيع ما تحت أيديهم من الأرض ومنع محصل الضرائب من الوقوف علي الطرقات ، وجعل عمال الصدقة من أبناء البلد يأخذون الزكاة من أهلها بالعدل ، ولم يجعل عقوبة علي من يرفض دفع الزكاة . ومنع السخرة وعاقب من يتطاول من الموظفين علي الناس .
4 ـ وكان الأمويون قد استأثروا لأنفسهم بمناطق جعلوها محميات ممنوع علي الناس دخولها والانتفاع بها فألغي عمر ذلك . فيقولون إنه لما تولي أباح الأحماء كلها، أباح للناس الانتفاع بها ، وكتب إلي الولاة بذلك ، ومنع أن يستولي أحد لنفسه علي الجزائر وطرح النهر وقال : " إنما هو شيء أنبته الله فليس أحد أحق به من أحد ".
رفع الجزية عمن أسلم
1 ـ وكان الأمويون يأخذون الجزية من غير العرب حتي لو أسلموا بحجة أنهم دخلوا الإسلام فرارا من الجزية . وقد كتب إليه والي مصر: إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية ، فقال لهم عمر: " إن الله بعث محمدا داعيا ولم يبعثه جابيا". وأمر برفع الجزية عن كل من أسلم، وبعث إلي والي خراسان يأمره بتشجيع من يدفع الجزية علي الدخول في الإسلام مقابل رفع الجزية عنه، فإن أسلموا كانوا والمسلمون سواء، وأسلم علي هذا نحو أربعة آلاف.
2 ـ وكان الذي يدخل في الإسلام قبل استحقاق الجزية بيوم لا تؤخذ منه الجزية.
الإحسان للموالي وأهل الذمة
وبينما تعصب الأمويون ضد أهل الذمة والموالي وهم الأكثرية فإن عمر جاء بسياسة التسامح الإسلامية ، فقد جعل العرب والموالي المسلمين سواء في الرزق والكسوة والمعونة والعطاء، وقضي للذمي بحقه في الشفعة وأباح لأهل الكتاب الوقف علي بيوت عبادتهم ، ولم يكن الأمويون يسمحون بذلك، وكتب إلي الآفاق بالرفق بأهل الذمة ويقول في ذلك الكتاب " وإذا كبر الرجل منهم وليس له مال فأنفق عليه..".
الرفق بالمساجين
1 ـ كانت سجون الأمويين سيئة السمعة خصوصا في ولاية الحجاج علي العراق . وبعد وفاة الحجاج سنة 95 هـ وجدوا في سجونه 33 ألفا بدون جريمة، ومات في السجن 120 ألفا، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ولم يكن في السجن ستر يحمي الناس من البرد والحر لذا كان يموت أكثرهم في تلك السجون. وجاء عمر بن عبد العزيز فأصلح السجون وأمر بالعناية بالمساجين ومنع أن يبيت أحدهم في القيود إلا إذا كان مطلوبا في دم ، وأجري علي المساجين النفقات. وأمر بالفصل بين أنواع المساجين حسب الجرائم ، وبالفصل بين الرجال والنساء ، ومنع من تجاوز العقوبة ، ومنع أخذ الرشوة من أهل المسجون وأمر بكسوته مرة في الشتاء ومرتين في الصيف ، وأن يتم عرضهم كل يوم سبت وكتب إلي كل والي " استوصي بمن في سجونك خيرا حتي لا تصيبهم ضيعة ، وأقم لهم ما يصلحهم من الطعام والإدام ".
2 ـ وخارج السجن وداخله منع من التعدي في العقوبة ومن التعذيب وإهانة الإنسان وقال: " إياك و المثلة وجر الرأس واللحية".
سياسته في الزكاة
1 ـ انتهج سياسة العدل في تحصيل الزكاة وفي توزيعها، يقول ابن ثوبان " إن عمر بن عبد العزيز أخذ الصدقة من حقها وأعطاها في حقها ، وأعطي العاملين عليها بقدر عمالتهم ، وقال : " الحمد لله الذي لم يمتني حتي أقمت فريضة من فرائضه ".
2 ـ ومنع أخذ الزكاة في الخمور وأراق جرار الخمر ، وقرر أن يكون أخذ الزكاة من أطيب الأموال.
3 ـ والتزم في توزيع الصدقات بالنص القرآني فكان الغارم يأخذ حقه من بيت المال ، وقضي ديون الكثيرين بهذه الطريقة ، وكان يعطي بعض البطارقة النصارى من الصدقات ألف دينار ضمن سهم المؤلفة قلوبهم ، وقالوا إنه أعطى كثيرا من المؤلفة قلوبهم في الشام . أما الفقراء والمساكين وأبناء السبيل فقد ابتكر طريقة جديدة لإيصال مستحقاتهم إليهم إذ أنشأ دورا لإيواء الفقراء وعلاجهم وأنشأ خانات لإيواء المسافرين وأبناء السبيل، وأمر بالإنفاق علي طلبة العلم ، وجعل لكل أعمى غلاما يخدمه.
4 ـ ونتيجة للعدل في توزيع الصدقة والعدل في أخذ الضرائب والزكاة فقد تحول كثير من الفقراء إلي أغنياء فيقول بعض العاملين علي الصدقة " رأيت من يُتصدّق عليه يأتي في العام القابل وهو يعطي الصدقة "
سياسته في الضمان الاجتماعي
1 ـ ( العطاء ) هو مرتب سنوي يعطي لمن يتفرّغ للقتال ولعائلاتهم . وأنشأ عمر بن الخطاب دواوين لتوزيع الأموال المسلوبة من البلاد المفتوحة. إنقسم العرب فى الفتنة الكبرى وبعدها ، وتبدلت سياسة العطاء ، فالخليفة يعطى جنوده ويحارب خصومه . جاء عمر بن عبد العزيز بعصر من السلم ، فألغى هذا ، وجعل العطاء حقا للجميع من بيت المال ، أو ما يعرف اليوم بالضمان الاجتماعى . كانت المدينة مركز المعارضة فحرم الأمويون معظم أهلها من العطاء ، وفى خلافته القصيرة منح أهل المدينة ثلاث مرات ، وكان يفرض للطفل المولود . والمحرومون من العطاء أعاد إليهم عمر بن عبد العزيز عطاءهم بأثر رجعي، ومن كان غائبا أعطي عطاءه لأهله. وجعل من بنود العطاء أن يعطي من كانت عليه أمانة ولا يقدر علي أدائها ، ومن أراد الزواج وعجز عن المهر . وكان بعض الناس يتحايل ليأخذ ويعرف الولاة ذلك ويقولون للخليفة فيتسامح معهم لأنهم تحملوا الكثير من ظلم الأمويين من قبل .
2 ـ هذا في الوقت الذي عاش فيه عمر في تقشف ، وقد جاءت امرأة إلي بيت عمر تطلب شيئا فنظرت إلي البيت وما فيه شيء فقالت لزوجة الخليفة: " كيف أُعمّر بيتي من هذا البيت الخرب؟ "! فقالت لها زوجة عمر : " لقد خرب هذا البيت عمارة بيوت أمثالك. "!! وزوجة عمر هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، أبوها خليفة ، وجدها خليفة، وأخوتها الأربعة خلفاء..
عمر بن عبد العزيز والخوارج
عام 100 هجرية ثار ( شوذب الخارجى ) فى شرق الكوفة ، فأمر عمر بن عبد العزيز والى الكوفة ألّا يتعرض لهم إلّا إذا سفكوا الدماء . ودارت مراسلات بين الخليفة وهذا الخارجى . كتب له عمر بن عبد العزيز : ( بلغني أنك خرجت غضباً لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني، فهلم إلي أناظرك، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك.) . وجاء لعمر رجلان من طرف شوذب ، ( فقال لهما: ما أخرجكما هذا المخرج وما الذي نقمتم؟ فقالا : " ما نقمنا سيرتك، إنك لتتحرى العدل والإحسان، فاخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضىً من الناس ومشورة أم ابتززتم أمرهم؟ فقال عمر: ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم عليها، وعهد إلي رجل كان قبلي فقمت ولم ينكره على أحد ولم يكرهه غيركم، وأنتم ترون الرضا بكل من عدل وأنصف من كان من الناس، فاتركوني ذلك الرجل، فإن خالفت الحق ورغبت عنه فلا طاعة لي عليكم.". واستمرت المناظرة وغلبهما عمر . ولكنهما غلباه فى النهاية حين ناقشاه فى ولاية العهد لمن بعده وهو ( يزيد بن عبد الملك ) . إنتهت المناظرة وعمر بن عبد العزيز مقتنع بعدم أحقية يزيد بن عبد الملك وليا للعهد. خاف أهله أن يخلع يزيد من ولاية العهد فيخرج الحكم منهم ، فسقوه السُمّ فمات . وتولى بعده يزيد بن عبد الملك فكان ماجنا سكيرا عربيدا .
اجمالي القراءات
3385
شكرا جزيلا لحضرتك وربنا يبارك لنا فى عُمرك وعلمك استاذ دكتور - منصور .. فى الحقيقة تعقيب حضرتك على المقالة الأولى ، ثم كتابة هذا المقال فى إنصاف (عُمر بن عبدالعزيز ) هما بمثابة شهادة لعُمربن عبدالعزيز ،وإشارة نتعلم منها أن مُشكلة المُسلمين ليست فى الإسلام وتشريعاته وإنما فيهم هُم .فعندما أراد الحاكم المُسلم أن يتق الله ويخافه ويقترب من تشريعات الحق والعدل والقسط فى الإسلام طبقها قدرإستطاعته ولم يخف فى الله لومة لائم ،بل وربما كان مُتأكدا من أنه سيدفع حياته ثمنا لهذا فلم يُبالى ،وهو بالفعل قد دفعه . وصدق الله العظيم حينما أخبرنا بأن قرار الخير والشر بأيدينا وعلينا الإختيار فى قوله تعالى ( قد أفلح من زكاها .وقد خاب من ساها ) .
رحم الله (عمر بن عبدالعزيز ) ،وبارك لنا فى عُمرك وعلمك الذى نتعلم منه كل يوم .