النبي يوسف ومفهوم *مِلك اليمين*
النبي يوسف ومفهوم *مِلك اليمين*
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة النبي يوسف عليه السلام هي خير مثال لمفهوم * مِلك اليمين * من القرءان الكريم.. وممكن كذلك الإستدلال بقصة الرسول موسى من كونه كان مـلكا ليمين الفرعون ( طفل بالتبني )..
لكنني سأكتفي بقصة النبي يوسف ( عليه السلام )..
جميعنا يعرف قصة نبينا يوسف إبن يعقوب إبن إسحاق إبن إبراهيم ( عليهم جميعا الصلاة والسلام ) , وكيف إن أخوته قد تآمروا فيها عليه , لأن يلقوه في البئر حتى يستحوذوا على حب أبيهم , ولا داعي لسرد القصة كاملة لأنها واضحة جلية بينة في القرآن الكريم , بل أحاول من خلال هذه القصة أن أبيَن موضوع البحث ( مفهوم مِلك اليمين ).
عندما جاءت السيارة ( القافلة ) التي وجدت سيدنا يوسف عليه السلام ووجدوه في البئر , وهي في طريقها ( القافلة ) إلى مصر ,
لقوله تعالى:
وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ( 19 ) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ( 20 ) يوسف
القافلة التي باعت الغلام ( يوسف عليه السلام ) إلى العزيز في مصر وبثمن بخس وكانوا فيه من الزاهدين , قد بينت لنا بوضوح إن يوسف عليه السلام قد أصبح مِلكا ليمين العزيز .... بمعنى آخر إن العزيز بحُر ماله أشترى يوسف ... وأصبح يوسف مِلكا ليمين العزيز ( اليمين دلالة على اليد اليُمنى بالمال والدفع بالأجر والشراء ) , وإن الدلالة هنا إن ( ما ملكت أيمانهم ) , يمتلكون من المال أغنياء ومقتدرون ومتوسعون ماليا , ما يمكنهم أن يستخدموا ويستنفعوا بمالهم بالآخرين ممن هم بحاجة للمال والأجر والرعاية والتبني والمساعدات , والمعروفون بالقرآن الكريم ب ( مِلك اليمين ) ...
ومن خلال هذه القصة المُختصرة أعلاه , هل يوسف عليه السلام قد أصبح عبدا للعزيز ؟؟؟ وهو بالأصل مِلكا ليمين العزيز ؟؟؟
ولنحاول الإجابة على السؤال أعلاه :
لقوله تعالى:
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ( 21 ) يوسف
الآية أعلاه واضحة تماما , وقال الذي أشتراه من مصر ( ما ملكت أيمانه ) لأمرأته أكرمي مثواه , عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ( مِلك اليمين يوسف عليه السلام ) أصبح طفلا بالتبني...
إذا مِلك اليمين هنا هو ليس بالضرورة عبدا , بل هو شكل من أشكال الرعاية والتبني , وفي نفس الوقت هو بالمقابل يخدم وينفع صاحبه في إحتياجات المنزل والضرورات الحياتية التي يكون فيها مِلك اليمين هو أحد أركان هذه الأُسرة.
وللعبرة لأولي الألباب , والتأمُل والتفكُر والتدبُر في آيات الله جل جلاله في القرآن الكريم , أراد الله جل جلاله أن يبين لنا زيف كل التفسيرات المذاهبية , والتي هي قامت أساسا على العدوان والحرب على الله وكُتبه ورُسُله !!! وجعلوا من نظام العبودية والسخرة هي تشريعات تجعل الإله الحاكم الملك وحاشيته وبطانته رجالا ونساءا هم الأسياد الأحرار والحرائر , والرعية والشعوب هم أتباع مُسخرين بهائم عبيد وجواري , رجلا كان أم إمرأة ؟؟؟
ويبرز السؤال الثاني وهو : هل يحق للعزيز الذي أشترى يوسف ( ما ملكت أيمانه ) أن يزني بيوسف ( مِلك اليمين ) ؟؟؟ وهل يحق لإمرأة العزيز أن تنكح وتزني بيوسف ؟؟؟ ويوسف هو مِلك يمين ؟؟؟ بعد أن كبر وبلغ أشده وآتاه الله حكما وعلما ؟؟؟
ويجيب علينا القرآن الكريم على هذا السؤال.
لقوله تعالى :
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 23 ) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ( 24 ) وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 25 ) يوسف
تبين الآيات أعلاه بوضوح , إنه بالرغم من أن يوسف مِلك يمين ... إلا إنه رفض الزنا مع إمرأة العزيز الذي أشتراه ( ما ملكت أيمانه ).
وبهذا تنتفي حجة النكاح والزنا بمِلك اليمين يوسف ( عليه السلام ) , ويتبيَن لنا من خلال هذه القصة أعلاه , شرطين أساسيين يجب أن يتوفرا في مِلك اليمين وهما :
1- مِلك اليمين ليس عبدا لدى الذي أشتراه ( ما ملكت أيمانهم ).
2- لا يحق النكاح أو الزنا بمِلك اليمين.
ونخلُص إلى إن ( ما ملكت أيمانهم ) هم من الأغنياء ومقتدرين ماليا رجلا كان أم إمرأة , وإن مِلك اليمين ممكن أن يكون أحد الحالات التالية:
1- طفل أو طفلة بالتبني
2- أكثر من إمرأة بالزواج الشرعي
3- مُستخدم أو مُستخدمة بالأجر
ومتى كان الرجل غنيا مقتدرا ( بما ملكت يمينه ) من مال , أن يتزوج بأكثر من إمرأة حلالا وشرعا , بعد رضى أهلهن ودفع أجورهن ( ما يُعرف اليوم بالمهور )... والعدل بينهن هو شرط أساسي من شروط الزواج بأكثر من واحدة.
ويحق كذلك لمن يملكون المال الوفير رجلا كان أم إمرأة ( ما ملكت أيمانهم ) , أن يستخدما بالأجر المدفوع نقدا , لأي عدد ممكن من المُستخدمين ( خدم أو خادمات , مزارعين ومزارعات , طباخين وطباخات , سائقين للسيارات وسائقات ... وغيرهم ) بحسب قدرتهم المالية ( ما ملكت أيمانهم ) , ولا يحق لهم أن يستعبدوهم أو أن ينكحوهم أو أن يُزنى بهم ( ملك اليمين ).
اجمالي القراءات
4031
تدبر رائع حفظكم الله جل و علا ..