روكى وصاحبه
حكاية بقلم الدكتور رضا عامر
فى مدينتنا يحكون عن رجل كان يعيش وحيدا فى منزل صغير ذو حديقة صغيرة وهذا المنزل تملكه اسرته الميسورة الحال والتى يعيش افرادها فى الريف بجوار عدد من الافدنة التى تملكها الأسرة و يتعاون افرادها فى الاشراف على زراعتها.
يعمل صاحب الحكاية فى وظيفة حكومية تدر عليه دخلا يوفر له حياة كريمة دون أن يحتاج للبحث عن عمل اضافى بالإضافة إلى ما يأتيه من الأسرة من خيرات القرية فتوفر له وقت طويل آخر النهار ولم يفكر في الزواج حتى بلغ أواخر الثلاثينات. ولما لم يكن من محبى ارتياد المقاهى ولم يكن له أصدقاء مقربون فقد اقتنى كلبا كان له الصاحب والرفيق ونشأت بينهما علاقة ود يعرفها كل من اقتنى واحدا أو أكثر من هذه الكائنات الرائعة. كان روكى .... وهذا هو الإسم الذى أطلقه صاحبنا على الكلب من النوع البلدى ولكنه كان جميل العينين ذهبى اللون نحيل الخصر رشيق الحركة شديد الذكاء.
دامت صداقة روكى وصاحبه أربع سنوات حتى صار إحداهما لا يستغنى عن الآخر وأصبح بينهما لغة تفاهم قلما توجد بين اثنين من بنى البشر ناهيك عن الحراسة الدائمة ليل نهار التى وفرها روكى لصاحبه ولمنزله فى حضوره واثناء غيابه فى العمل. أما عن اللقاء بينهما عندما يعود صاحبنا إلى البيت فهذا تعجز الكلمات عن وصفه وكذلك يمكن لك إن تتخيل مشاعر العرفان التى يظهرها روكى لصاحبه عندما يداعبه ويمسح على رأسه أو يقدم له الطعام.
وحدث ذات يوم ان قرر صاحبنا ان يتزوج تحت إلحاح من أمه التى تعيش في القرية بل إنها يادرت واختارت له إحدى قريباته وتم الزفاف وانتقلت العروس للعيش مع زوجها فى المدينة ولكنها لم تحب روكى رغم انه رحب بها وحاول التودد إليها ولكن هيهات. و تضاعفت مشاعر الكراهية من الزوجة كلما قضى الزوج وقتا ولو قصيرا فى الجلوس مع روكى وبدأت تبدى استياءها من وجوده فى المنزل تارة بحجة الرائحة والشعر المتطاير وتارة بحجة ان وجوده بالمنزل يمنع دخول الملائكة رغم انه يعيش فى حديقة المنزل.
ازدادت يوما بعد يوم حدة النقاش بين الزوجين بين شد وجذب وصعدت الزوجة الموضوع الى محيط الاسرة فجاءوا له بخال لزوجته يقال له الشيخ جلال وهو رجل فى مطلع الخمسينات يعمل موظفا بدبلوم التجارة ولكنه اطلق لحيته وصار يلقب بالشيخ ويؤم زملاء العمل فى صلاة الجماعة . بدأ الشيخ جلال خطابه بالاحاديث التى تؤكد نجاسة الكلب وكيف انه اذا ولغ فى اناء احدهم فيجب ان يغسل سبع مرات احداها بالتراب كى تزول نجاسته فرد عليه صاحبنا قائلا كيف يكون الكلب نجسا وقد كان مع اصحاب الكهف فى كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين . هل يعقل ان الملائكة لم تدخل عليهم طوال هذه المدة. رد عليه الشيخ جلال بثقة وعلى وجهه ابتسامة لا تخلو من السخرية : هذا كان كلب احد الرعاة وليس كلبهم ولجا معهم الى الكهف هربا من البرد فلم يشاءوا ان يطردوه رحمة به. رد صاحبنا بعفوية ولكن رب العزة ذكر بلفظ صريح انه كلبهم وكررها فى السورة عدة مرات . واستطرد قائلا يا سيدنا الشيخ كل الاحاديث التى تتحدث عن نجاسة الكلب رواها ابو هريرة ولا عجب فى ذلك فهو يحب القطط وطبيعى ان يكره الكلاب. هنا انتفض الشيخ وارغى وازبد وهدد صاحب الكلب بان هذا الكلام سوف يرديه فى جهنم وبئس المصير.
ازداد اصرار الزوجة على موقفها وقالت لزوجها إن عليه ان يختار بينها وبين روكى فى المنزل وتصاعد الخلاف حتى وصل إلى اسماع الجيران الذين اخذوا جانب الزوجة بلا تردد ونصح الجميع صاحبنا بالتخلص من هذا الكلب البائس الذى يكاد وجوده ان يهدم بيت الزوجية.
اصطحب صاحب الحكاية روكى إلى مكان بعيد عن المنزل وفى غفلة منه انسل عائدا إلى البيت ولكن ما لبث روكى ان عاد فى اعقابه إلى البيت وهو يهز ذيله ويتقافز فى ترحاب وفرحة. وكرر المحاولة عددا من المرات وفى كل مرة يترك روكى فى مكان أبعد من سابقه ولكنه كان يعود أدراجه إلى البيت وهو في غاية الشوق والفرحة بلقاء صاحبه. وعبثا حاول إقناع زوجته بالعدول عن إصرارها ولكن هيهات.
وفى عصر أحد الايام عقب عودته من عمله وبعد مناقشة حامية مع زوجته أخذ الزوج روكى وذهب إلى كوبرى على النيل وحين وصل إلى منتصف الكبرى حمل الكلب بين ذراعيه والقى به فى الماء ولكن روكى كان متشبثا بصاحبه بكل قوته فقبض بفكيه على حقيبة كان يحملها فى يده وسقط فى ماء النيل ومعه الحقيبة.
كان حزن الصديق شديدا وهو في طريق عودته إلى منزله كيف غدر بصديقه روكى بهذه الطريقة القاسية وزاد من المصيبة انه فقد حقيبته التى تحتوى على اوراق هامة تخص عمله في الحكومة مما سيترتب عليه الكثير من المتاعب وظل يلوم نفسه اشد اللوم على ما فعله مع صديقه الذى لم يجد منه فى اى يوم من الايام إلا كل الود والإخلاص.
وبينما هو فى المنزل يندب حاله إذ سمع طرقا وصوت خربشه على الباب فهرول إليه وفتح الباب فوجد روكى واقفا بالباب يحمل الحقيبة بين فكيه فكاد يطير من الفرحة وانحنى ليحتضن صديقه.
ترك روكى الحقيبة من بين فكيه لتسقط بين قدميه ونظر إلى صاحبه نظرة لها معنى واستدار وانصرف وترك البيت ولم يعد إليه بعدها
اجمالي القراءات
2584
قصتك رائعة جميلة وفيها وعظ انسانى رقيق مهذب ..
إثنان من الحيوانات يظلمهما المحمديون : الكلب والحمار . وكلاهما خادم مطيع للانسان .
توقفت من زمن بعيد عن الشتم ب ( كلب وابن الكلب ) واقدم الاعتذار للكلاب وهى أنبل من بلايين البشر.