بسم الله الرحمن الرحيم
الحكمة-1
(ولقد آتينا لقمان الحكمة)
لم يذكر أن لقمان كان نبيا، ومع ذلك آتاه الله الحكمة..إذن الحكمة ليست مقصورة على الرسل والأنبياء.
وعليه فإنه من الممكن للإنسان العادي أن يكون حكيما،لكن هذا لا يتأتى من فراغ،إذ إنه من شروط ذلك:
- التقوى :(واتقوا الله ويعلمكم الله)-(يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)
- الإحسان :(ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما،وكذلك نجزي المحسنين)
- المجاهدة :(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا،وإن الله لمع المحسنين)
وبتحقق الشروط ينال الإنسان العادي الحكمة، وحينئذ يرتقي إلى درجة عالية:
(يؤتي الحكمة من يشاء،ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)
ما هي الحكمة؟
(ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله)
ذكر الله سبحانه أول شيء الشكر له.وفي الحقيقة أن الإنسان عندما يصاب بمصيبة ينسى كل نعم الله عليه ولا يكون مشغولا إلا بهذه المصيبة التي حلت عليه.فإذا أصيب بمرض ينسى أن الله رزقه مالا وأولادا..ينسى أن له زوجة ودودا مثلا... ينسى أن الله قد أنعم عليه بنعمة عظيمة ألا وهي نعمة الخلق والوجود،وينسى نعما كثيرة أخرى:(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها،إن الله لغفور رحيم) هذه إشارة إلى نعمة المغفرة والرحمة التي يقابل الله بها إساءة من تاب إليه.وهناك نعم أخرى:
(الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقا لكم،وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره،وسخر لكم الأنهار.وسخر لكم الشمس والقمر دائبين،وسخر لكم الليل والنهار، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها،إن الإنسان لظلوم كفار)
رغم كل تلك النعم إن الإنسان لظلوم كفار. ففي القرآن الكريم يذكر الكفر مضادا للشكر أحيانا:فعندما رأى سليمان عليه السلام عرش بلقيس مستقرا عنده قال:
(هذا من فضل ربي ليبلوني : أأشكر أم أكفر) ويقول تعالى: (واشكروا لي ولا تكفرون)
وعندما يصاب المؤمن بمصيبة يجب ألا يعتبرها شرا بل هي خير يريده الله به:
(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)و عندما أصيب المسلمون بمصيبة عظيمة وهي حديث الإفك قال لهم الله:
(لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم)
حتى الزوجة التي يكرهها زوجها يمكن أن تكون خيرا كثيرا:
(فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)
إذن كل أحوال المؤمن نعم من الله يجب أن يشكر الله عليها.
(ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكرلله، ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه،ومن كفر فإن الله غني حميد)
فإما شكر وإما كفر والعياذ بالله.كما أن من يشكر فإنما يشكرلنفسه، أي لصالح نفسه:
(لئن شكرتم لأزيدنكم) فشكر الله على النعمة يحفظها ويزيدها.
الشكر ليس باللسان فقط،بل الشكر عمل والتلفظ جزء منه:
(اعملوا آل داود شكرا،وقليل من عبادي الشكور)
عندما أحصل على نعمة المال مثلا يجب ألا أصرفه في معصية الله،بل يجب أن أصرفه في الاحتياجات الفعلية وفي مرضاة الله سبحانه..يجب أن أتذكر أن هناك المحتاجين من الفقراء والمساكين،فأعطيهم من فضل هذا المال،يقول سبحانه:
(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)وإذا اسأت التصرف في المال فقد عرضته للزوال.(ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم،وأن الله سميع عليم)
إذن الشكر أول الحكمة ولأنه ضد الكفر،أي هو التطبيق الحقيقي للإيمان بالله الخالق المنعم الواحد.ثم بدأ لقمان يعلم ابنه الحكمة:
(وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه :يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)
والاعتقاد بأن هناك مصدرا آخر للنعم سوى الله هو إشراك به،فإن أي وسيلة جاءت لنا بالخير يجب أن نوقن أنها سبب سببه الله لنا وأن هذا السبب بإرادته ومشيئته وحده:
(وما بكم من نعمة فمن الله)
لأن كل ما في الكون ملكه:
(وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا، أفغير الله تتقون. وما بكم من نعمة فمن الله،ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون.ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون)هذا الفريق الذي أشرك إما جعل مع الله إلها آخر ،وإما اعتقد في أن سبب كشف الضر قائم بذاته وليس مصدره الله.
هذا لا يتعارض مع مكافأة من أسدى إلينا معروفا بشكره أو بعمل الخيرله:
(ولا تنسوا الفضل بينكم)
(ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليً المصير.وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا،واتبع سبيل من أناب إليً ،ثم أنبئكم بما كنتم تعملون)
يسترسل لقمان في وعظ ابنه قائلا:
(يا بنيً إنها إن تك حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير)
إن الذي خلقنا رقيب على أعمالنا كلها ما ظهر منها وما بطن:(وهو معكم أينما كنتم)
(ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه،ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
هذه الرقابة الصارمة يجب أن تكون زاجرا للمؤمن عن ارتكاب ما يغضب الله.
ثم يوصي لقمان ابنه:(يا بني أقم الصلاة)
الصلاة صلة مع الله وما أجملها من صلة،إنها نعمة عظمى من الله بأن أذن لنا أن نتصل به.والصلاة دعاء...الصلاة معين وشفاء:
(واستعينوا بالصبر والصلاة،وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)وكذلك(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)وتكررت الصلاة كثيرا في القرآن لأهميتها الكبرى.
ثم يقول لقمان:(وأمر بالمعروف وانه عن المنكر)
فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ضاع ضاع المجتمع كله؛إذا كنا نركب سفينة ووجدنا من يخرقها ولم نمنعه تغرق السفينة بمن فيها.لكن هذا الفرض له ضوابط ليس هنا المجال لذكرها الآن.ولأن هذا الفرض قد يعرضنا للأذىوالاضطهاد فإن لقمان يوصي ابنه قائلا:(واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)
لابد من الصبر والتحمل حتى تكتمل مسيرة الإصلاح:
(ولقد كُذِبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذِبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا)
فالنصر مع الصبر. ثم يقول لقمان: (ولا تصعر خدك للناس،ولا تمش في الأرض مرحا،إن الله لا يحب كل مختال فخور)
تصعير الخد هو إمالته عجبا وتكبرا على الناس،والمرح التبختر- التمختر بالعامية – والاختيال، وهذا من الكبر أيضا الذي مصدره الإعجاب بالنفس، وهو مصدر كل شر.
إذا علمنا أن كل ميزة فينا أو فضل فضلنا الله به على عباده هو منة من الله فلن نتكبر. لماذا نتكبر ونحن أولنا نطفة وآخرنا جيفة في قبر مظلم؟ لماذا نتكبر ونحن نحمل في أحشائنا الخرء النتن والذي إذا لم يخرج أتعسنا وأمرضنا وربما قتلنا!! ثم يستمر لقمان قائلا لابنه: (واقصد في مشيك) والقصد هو التوسط في الأمور بلا إفراط ولا تفريط وهو الاستقامة، او الاعتدال وهو أمر صعب حقيقة إلا على من هداه الله ووفقه.وختاما يقول لقمان:
(واغضض من صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)
وعلماء البيئة و الأطباء يحذرون من الضوضاء التي يمكن أن تصيب الإنسان بأمراض أحدها ارتفاع ضغط الدم،عافانا الله وإياكم،وآتانا الحكمة التي منبعها التقوى والإحسان والمجاهدة.
اجمالي القراءات
12419