التمثال لما استملك له.:
محل الحل والحرمة في شريعة الإسلام

الشيخ احمد درامى Ýí 2016-11-28


محل الحل والحرمة في شريعة الإسلام

التمثال لما استملك له.

. إن الله سبحانه وتعالى لا يحرم الذوات ولا الجمادات، وإنما يحرم فقط بعض سلوكنا تجاهها ، أو بعبارة أخرى،  نقول أن الله سبحانه وتعالى لا يحرم الأشياء وإنما يحرم الأفعال والسلوك. وعليه فالذوات والأشياء كلها مباحة { في حد ذاتها } ، وإنما يحرم فقط بعض سلوكنا تجاه بعض الأشياء والذوات.

 ولنعطي بعض الأمثلة بالنسبة للذوات.1

قال سبحانه وتعالى: { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم...} ومعلوم أن الأبناء والبنات هبة من الله سبحانه وتعالى إلى الآباء . { يهب لمن يشاء إناثا ، ويهب لمن يشاء ذكورا ، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا...} [ الشورى: 50،49] . إذن فكيف يهب لنا البنات ثم يحرمهن علينا ؟ أو بعبارة أخرى فكيف يحل لنا الأبناء ثم يحرم علينا البنات، وجميعهم هبة منه سبحانه وتعالى ؟ وهنا يظهر أيضا جليا أن المحرم في البنت هو فقط سلوك معين تجاهها وهو، هنا، اعتبار النكاح . فبناتنا حل لنا في كل ما حل لنا فيه أبناؤنا: نستعملهن، كما نستعمل الأبناء، في خدمات المنزل مثلا، أو نرسلهن إلى العمل خارج البيت ثم نأخذ أجورهن  بلا حرج ، تماما كما نفعل مع الأبناء .

2 بالنسبة للأشياء مثل: الخمر ، والدم ، لحم الخنزير.

*فالخنزير، مثلا، إنما حرم فقط أكل لحمه على المسلم . ولو كنت تربي وحوشا مثل الأسود ، والنمر ، والفهود ، الخ ، لجاز لك أن تشتري لحم الخنزير لتغذيها بها؛  فإن لحم الخنازير محرم عليك لا على حيوانك. كما جاز لك كذلك أن تشتري لحم الخنزير { إذا كان أرخص} وتغذي بها كلبك الراعي مثلا. فإنه { أي لحم الخنزير} ، على الرغم من حرمته عليك ، يمكن أن تستعمله لتغذية سبع أو كلاب لك. وجاز لك كذلك تربية الخنازير في المخبرات لإجراء تجارب طبية (غير مهلكة) عليها . إذن فالحرام في الخنزير هو أكله فقط ، وليس الانتفاع به فيما عدا الأكل..

*بالنسبة للخمر مثلا، لو بُرهن ، بالتجربة ، أن سائل الخمر إذا غمزت فيه ناموسية ، ثم علقت، بعد جفافها، على السرير ما اقتربت إليها بعوضة لمدة ستة أشهر ، لجاز لمسلم شراء خمر واستعماله لذلك الغرض.يقول الله سبحانه وتعالى: { يسألونك عن الخمر والميسر ، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس . وإثمها أكبر من نفعهما.} وحسب هذه الآية ، الخمر يكون ضارا ونافعا في نفس الوقت ، طبقا لكيفية استعماله ؛ فإذا استعمل للشرب يكون ضارا وحراماَ. أما إذا استعمل كبنزين أو مبيدات للحشرات ، مثلا ، يكون نافعا . والميسر كذلك إذا استعمل يسيرا (Scrabble or Chess) للتسلية وتنمية العقل والذكاء عند الأطفال، فلا بأس به ، أما إذا كان مغامرة تضيع فيها المال، بحيث يكتسب الرابح إلا على حساب الخاسر ، وآنذاك  يكون ضارا للاعبين ووباء للمجتمع، وبالتالي، حراما .

 

وكذلك الكحول الذي حرم علينا شربه كمسكّر، ألسنا نستعمله في العطور ؟ ونرشه على ملابسنا قبل الذهاب إلى المسجد ، مثلا ؟ ألسنا نستعمله الكحول لعلاج الجروح ؟ وهنا يظهر واضحا أن المحرم علينا ليس  سائل الكحول في حد ذاتها ، بل إنما حرم ، فقط ، شربه، وليس الانتفاع به .

* وبالنسبة للدم المسفوح { أي الخارج من الجسد }، فليس عين الدم هو المحرم، لكن أكله بعد خروجه من البدن. خذ هذا المثال: لو أعطاك صديقك كأسا من دمه لحرم عليك شربه ؛ وأما لو أعطاك كيسا أو كيسين منه فذهبت به إلى طبيب فيحقنك به من خلال السريان ، لجاز ذلك . وهنا كذلك نرى أن الحرام في الدم هو فقط شربه وليس الانتفاع به طبيا.

* فحرمة نوع من أنواع الاستعمال لشيء ما ، لا يجعل ذاك الشيء حراما كليا . فلحم الإنسان ، مثلا ، حرام كحرمة لحم الخنزير ، وهل معنى ذلك أن ذات الإنسان حرام ؟ تبعا  لا !  بالتالي فالخنزير والدم والكحول كلها حلال فيما عدا الأكل.


 ومما سبق رأينا أن الله سبحانه وتعالى لا يحرم ذوات أو جمادات بعينها ، وإنما يحرم ، فقط ، بعض سلوكنا نحوها أو بعض استعمالاتها . إن المواد والجمادات والأجسام ، مباحة كلها ؛ وإنما تقع الحرمة على وجه من وجوه الانتفاع بها . ويبقى الانتفاع بها، فيما عدا الوجه المحرم، جائزا.

ولو أُرسل نبي الله إبراهيم ع.س. إلى الفرس (عبدة النار) لقال لهم: "ما هذه نيران التي أنتم لها عاكفون؟" وهل تعتقد أن لو قالها لصار الانتفاع بالنار حراما؟ أو لبقيت النار حلالا فيما عدا العبادة؟ ولو أرسل إبراهيم عليه سلام إلى الهنود ووجدهم يعبدون البقرة لقال لهم نفس القول الذي قاله لعبدة التماثيل: أي " ما هذه الأبقار التي أنتم لها عاكفون "؟ وهل لو حدث لترتبت عليه حرمة لحم البقرة ولبنها على المسلمين؟ وإذا  أمعنا النظر في مقاصد الشرع  بتحريم الأشياء والأجسام ، نجد  بأن الله سبحانه وتعالى لا يحرم جمادا كتمثال ، أو حجر ، أو خشب ، أو شجرة ، أو قبر ، في ماهيتها . وإنما يحرم دائما سلوكا ما  تجاهها كالدعاء والتعظيم والتقديس . أما منع إبراهيم عليه سلام قومه عن التمثال وتنديده لها، فبسبب عكوفهم لها للعبادة . فالحرام ليس الخشب المنحوت المنقوش الجامد. وإنما حرم عليهم سلوكهم تجاه ذلك الحجر أو الخشب المنحوت . ولو إنهم كانوا يعكفون لشجر أو حجر أو قبر لمنعهم عنها كما منعهم عن العكوف للتمثال. فالتماثيل كالنيران والأبقار والأشجار والقبور. إنما حرمت فيها فقط العبادة. وتبقى حل فيما عدا ذلك.

خلاصة القول في الموضوع

أن العناصر في الطبيعة كلها مطاوعة لنا لأن نستعمله كوثن أو صنم، أو نستعمله لغير ذلك. فالاختيار لنا. وحتى المصحف القرآني يمكن أن يكون وثنا، إذا لم نتخذه وسيلة للهدى؛ بل، بدلا من ذلك، نتخذه للتبرك والتعوذ والتمجيد، ويقصده الناس لذلك، بالدعوى أنه ، مثلا، هو المصحف الذي كان يقرأ فيه "سيد فلان رضي الله عنه". وآنذاك يصبح ذلك المصحف وثنا، فيجب منعهم عن ذلك، فإن لم ينتهوا، يجوز حرق المصحف ونسفه في اليم نسفا.

 

الآن، تعالوا أتل عليكم بعض ما حرم الله عليكم. أن لا تدفنوا مشايخكم في مساجد الله. وهي ظاهرة منتشرة في هذا البلاد. (السنغال)؛ وفي السنغال أصنام داخل مساجد على صورة قبور. فالناس يقصدونها، ويعكفون هناك فترة جاثمين خاشعين لهم. يدعونهم أو يدعون بجاههم. وتلكم هي الأصنام.

 

وما دفنوا أولئك الشيوخ في المساجد أو إزاء ها إلا تعظيما لهم؛ باعتبار أنه، نظرا لقدرهم، لا مكانا على وجه والأرض يليق بهم إلا بيت الله. وأن المنزلة التي أنزلهم الناس بها تؤهّلهم على مشاركة الله سبحانه وتعالى بيته. سبحان الله!  إضافة، لكي يذكرهم الناس كلما جاءوا لذكر الله سبحانه وتعالى في المسجد.  ويعطونهم، هم كذلك، ما يستحقون، بعد أداء الصلاة لله! سبحانه وتعالى.

 

وجدي المباشر {من جهة الأب} كان شيخا صوفيا في إقليم " سالم ". وهو الآن مدفون إزاء المسجد. ويقام له موسم الزيارة. والناس يزورونه عند المسجد، ويبركون عنده ويدعون بجاهه. فقبره صنم! شأن بقية القبور في المساجد. ولكنهم لا يستمعون إليّ، ولا يقيمون لكلامي وزنا.

 

ولمنع ذلك، قطعت شجرة المبايعة المذكورة في القرآن عند قوله تعالى: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ...}  [الفتح: } وخُلعت جذورها،  بسبب زيارة الناس لها وتبركهم بها . ولولا ذلك لصارت تلك الشجرة وصنما يعبد.

 

يجب هدم تلك القبور وإخراج رفاتها من المساجد، أو هدم تلك المساجد ونقل مبانيها عن القبور. لترجع المساجد لله وحده، كما أعلنه سبحانه وتعالى: { وأن المساجد لله . فلا تدعوا مع الله أحدا.}! أي فلا تعظموا فيه مع الله أحدا. فبناء القبور محذور. لأن كل ما يوشك أن يؤدي إلى الحرام فهو محذور.

 

ولو رجع النبي ص إلى الحياة، (شيء مستبعد طبعا) فأول ما يقوم به (على ما أعتقد) هو التوجه إلى المدينة وهدم مسجدها لإخراج قبره من بيت الله. فلا يصلي فيه أبدا إلا بعد إخراج قبره منه!

 

والمجرم الذي أدخل القبر في المسجد هو "وليد بن عبد الملك". وكان عمر بن عبد العزيز واليا له آنذاك في المدينة، حسب التاريخ. ولي علي عمر مأخذ واحد؛ هو أنه لما تولى الخلافة، بعد وليد، لم يخرج القبر من المسجد.

                                                       والله س.ت. أعلم.

اجمالي القراءات 7491

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2016-06-30
مقالات منشورة : 39
اجمالي القراءات : 607,087
تعليقات له : 105
تعليقات عليه : 42
بلد الميلاد : Senegal
بلد الاقامة : Senegal