تصدع الإخوان(تعاليم بوذا والأميرة النائمة)
أن تخرج مجموعة من الناس تدعي أن لها قائداً ومعلماً يسيرون على هديه فهذا أمرٌ عادي، ولكن الأمر الغير عادي أن تخرج نفس المجموعة تدعي أنها تِبعاً للقائد المعلم، ولكن في ذات الوقت ينتهجون نَهَجا مغايراً أو معكوساً، فأصبح الانتماء الأول بحاجة لبرهان..هذه الحالة تستوجب الخلاف داخل المجموعة بمعنى أن يخرج فريق يطالب بالعودة للأصول"المكتوبة" قولاً وفعلاً، وفريق آخر يصر على أن الموجود هو المنهج وأن الانحراف هو من يطالب به الفريق الآخر، وهؤلاء جميعاً يختلف الناس في تصنيفهم ما بين المحافظة إلى الانفتاح"الإصلاح"...ولكن الأصل الذي يجمعهم هو تصور دعوة فرد أو معلم في الذهن ومن ثم التطبيق، وهذا في العادة ينتج من خلاف تصور الحقيقة لدى الناس ودلالة واقعها وصدق ونُبل أهدافها.
تقوم الدعوة في الإخوان على ثلاثة أسس رئيسة هي بالترتيب.."الإيمان بالشيخ حسن البنا كمعلم مستنير-والإيمان بدعوته وتعاليمه المدونة في الأصول العشرين-ثم أخيراً المجتمع"الإخواني" والذي يلقبونه بالمجتمع"الإسلامي"...وأياً كان الخلاف مع هذا التصنيف فهو واقع إخواني تطبيقي ولو بطُرق غير مباشرة، بمعنى أنه لا يصح أن تكون إخوانياً وأنت تنتقد أو تطعن في صورة حسن البنا- الموجودة في الأذهان - أو تهدم تعاليمه أو تختلف مع الصورة المنطبعة في الذهن عن"المجتمع الإسلامي" لديهم..جائز أن تختلف مع هذه الأسس -أو أساس واحد- ولكنه يبقى خلافاً في حدود المسموح داخل الجماعة طبقاً لما أوردناه في السابق عن حُرمة"النقد الحاد" داخل الجماعة وبالتالي فلن يقبلوه من الخارج، بمعنى أنك لن تكون إخوانياً وصورة دعوة الإخوان في ذهنك غير التي كونها العقل الجمعي الإخواني والمستمدة من سيرة الشيخ حسن البنا-رحمه الله- وأصوله العشرين ومجتمعه الإسلامي.
قيام الدعوة الإخوانية –بهذه الصورة-شبيهة بصورة الدعوة البوذية في أذهان البوذيين، وهم أيضاً يعتقدون أن من يخالف نفس الأسس ليس بوذياً ابتداء..وأسسهم هي الإيمان.."بالمُعلم المستنير "بوذا"-ثم تعاليمه-ثم مجتمعه البوذي"..هناك فارقاً- منعاً للخلط-يقول بأن الإخوان كدعوة تنتمي للفصيل الإسلامي الداعي إلى التوحيد ، أما البوذيين فيعتقدون في حكمة بوذا غناءاً عن ما غيرها من الحكمة وبالتالي الأديان، ولا تفصيل في دعوة بوذا ففيها مما هو -غير المشهور -=عنهم الكثير، وهي دعوة بها خير عظيم لكل من يقرأ..كذلك فأصول دعوة الإخوان بها خير كثير أيضاً لمن يقرأ، ولكن الفارق سنسجله بعد المقدمة.
استطاع البوذيون الحفاظ على دعوتهم رغم أن كثير مما أتى إليهم من مُعلمهم شفهي، وفي عصر كان فيه نسخ الكتب من المسائل الصعبة، ومع ذلك لم يستطيع الإخوان الحفاظ على دعوتهم رغم أن كل ما أتى من معلمهم إليهم منسوخ ومطبوع في عصر كانت فيه الطباعة هي مَعلم الحضارة الأبرز، ومع ذلك ترى البوذي يقول بضرورة ممارسة الآخر للعقيدة البوذية كي يفهمها ، ويوافقه الإخواني بقوله أن فهم دعوة الإخوانية يبدأ من ممارستها -في إطار التنظيم، وأن جل مخالفي الإخوان –إن لم يكن كلهم-لا يمارسون الدعوة وبالتالي فسيصعب عليهم فهمها..في النهاية هذا هو عين التفكير من داخل النَسَق-المعيب- وكأن العائق البوذي أمام التواصل مع الآخر هو نفس العائق الذي جعل الإخوان متقوقعين داخل إطاراتهم الفكرية لا يشاركهم فيها أحد، ولو شاركهم أحد فمن خلفية سياسية أو عاطفية دينية بينما المعلم الأبرز الذي يميز الإخوان عن المحيط-كتصنيف-لم يصل بعد لأذهان الحلفاء والمحبين.
على النقيض من ذلك نرى أن البوذية و"الإخوانية" لهما وجهان تواصليان"إيجابيان" من أثر عدم تعلقهم بالشكليات، فتعاليم بوذا تُشدد على أن الإنسان لن يصل للحقيقة إلا عبر مقاومته للشهوات، وتلك المقاومة ليست عبر الطقوس التعبدية"الشكلية" كالغُسل في الماء المقدس مثلاً أو حلاقة الشعر أو بالقرابين أو بزي معين أو الاعتقاد بالنجاسة -بمجرد أكل طعام معين- وما إلى ذلك من فوارق جوهرية تصنع تمايزا للبوذية عن الهندوسية- الأقرب للتصوف الإسلامي من غيرها من الديانات-كذلك في تعاليم بوذا التي تحض على غض البصر ومجانبة قول الزور وتحريم الخمر والتعدي على الآخر وبر الوالدين وغيرها من السلوكيات التي تصنع انضباطا إنسانياً متميزاً..في النهاية نرى لدينا تعاليماً بوذية تهتم بالإنسان كونه هو عماد المجتمع وصانع النهضة..وما ينطبق على الدعوة البوذية ينطبق أيضاً على الدعوة الإخوانية-مع الفارق..فلولا تميز "الفكر"الإخواني بما سبق من تهذّبٍ روحي وسمو إنساني عن الملذات لما رأينا لدعوة الإخوان انتشاراً شعبياً ولبقي الإخوان ربائب منازلهم منتظرين ميعاد احتفالهم -بما يميزهم عن غيرهم- كالصوفي الذي ينتظر موالد الأولياء التي تعتبر هي حلقة الوصل "الوحيدة" بين الصوفيين والمجتمع..
إن كان من أزمة للفكر الإخواني فمع الواقع.."المتغير"..ومع التراث والتاريخ.."المذهبي الجامد"..ومع الثقافة.."الخطية"..التي نشأ عليها ، وجميع ما سبق جعل من الكادر الإخواني مشروعاً لإثارة المشاكل السياسية والفكرية والمنهجية أينما حل أو راح، وهي التي خلقت لديه انحرافاً عن "الوجه الإيجابي" لأصول الشيخ حسن البنا –رحمه الله-التي أعدها من أرقى الوجوه التي وإن تمسكت بها مجموعة من الناس كانت سبباً في رقيهم بغض النظر عن سيرة الشيخ-المختلف عليها-فنحن هنا نتعامل مع أفكار وأطروحات..فمثلا عندما يقول الشيخ حسن البنا.." نحب أن نصارح الناس بغايتنا ، وأن نجلي أمامهم منهجنا ، وأن نوجه إليهم دعوتنا ، في غير لبس ولا غموض ، أضوأ من الشمس وأوضح من فلق الصبح وأبين من غرة النهار"انتهى..بينما نرى الغموض والكذب والستر وتناقض المنهج حاضراً ..أيضاً وحين يقول الشيخ.." ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – و كل المسلمين قومنا – أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة ، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية ، واحتقرت المنافع المادية ، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض"انتهى..ومع ذلك تراهم يسعون وبكل قوتهم للتمكن من كافة مفاصل الدولة المصرية وبوسائل لا تخلو من الكذب والخداع وتشويه الخصوم مصحوبة بخطاب"ضرورة الفرصة" وكأن الإنسان حين يتمكن تظل الحقيقة لديه ناصعة وبمعزلٍ تام عن الكذب وبهذا يثبتون للكافة جهلهم بطبيعة الإنسان الضعيفة أمام خطأ الحواس والنائمة أمام تيقظ وقوة التجربة....
لعل ذلك الذي يحدث هو من أثر النزعة"التصنيفية"التي حاكت أصول الشيخ حسن البنا حين أراد تصنيف الناس إلى أربع ينطلقون منها إلى للناس.."مؤمن-متردد-نفعي-متحامل"..كذلك في الإيمان بدعوة الإخوان بأنها المعيار التي تقيس به الجماعة صلاح وفساد الناس -وهذا عمل فاسدٌ ولا شك..وحين الجمع بين هذه الدعوات السلبية التصنيفية الإقصائية مع الدعوة للوضوح والوحدة والسلام نرى أن الجماعة أصابها زيفٌ كبير في الوعي، ومع تراكم الانحراف الإخواني عن الوجه الإيجابي من التعاليم لابد وأن نرى نماذج بشرية متناقضة ونفعية بالدرجة الأولى، فالرؤية التي ينطلقون منها أحادية صِرفة وذلك بنكوسهم عن بيعة الشيخ البنا في تعاليمه الحسنة واستبدالها بنزعة سلفية"تصنيفية"وجدت لها عُمقاً في الفكر الإخواني مُمثلةً في نزعات التصنيف والدونية.
المواقف الأخيرة للإخوان خاصة بعد ثورة 25 يناير تعطي دلالة عنوانها أن كافة أمراض الجماعة بدأت في الظهور، فما خفي بالأمس من فعل الحظر والعمل السري أصبح الآن مكشوفاً حتى تلك الصفقات والدعوات السرية مع الأعداء انكشفت بأثر صدمة رسائل الرئيس الإخواني"محمد مرسي"للرئيس الإسرائيلي"شيمون بيريز"والتي عبر فيها عن حبه وامتنانه وصداقته للرئيس ولشعب إسرائيل"المسالم والراغب في السلام"!..ونسي الرئيس"المبجل" أنه هو نفسه وكافة أفراد جماعته كانوا يصرخون في الماضي بضرورة طرد السفير الإسرائيلي وإعادة النظر في اتفاقية السلام مع العدو، وأن وعيهم الجمعي كان لا يخلو من فكرة العداء مع الصهاينة حتى أنهم كانوا يُنشدون الأناشيد والأرجوزات منذرة العدو بقُرب هلاكه..وبان للناس أن هذا لم يكن إلا حُلماً عزيزاً، وأن الجماعة كانت تخدع الناس بالشعارات الجوفاء الخالية من روح الواقع وفهمه..و بينما هو كذلك يتحدث الرجل عن خصومه في الداخل فتعلو نبرة"نحن وهم"فيصنع التمييز والاستقطاب دون وعي...فتخرج المعارضة معترضة ومحاسِبة فينتفض لها الإخوان أن"لا محاسبة" فأنتم أقل من أن تحاسبوننا نحن الأسياد..هم لا يصرحون بهذا-كمبدأ- ولكن –غالباً- حين يضمر الإنسان قولاً أو فعلاً ولا يُظهره فلن يستطع إضماره طوال الوقت، وها قد بدأ في الظهور، والقارئ لعقائد الكوادر الإخوانية سواء في مواقعهم وصفحاتهم الاجتماعية أو في يسمع صيحاتهم في الميادين يرى -وبدون لبس- أن الإخوان يعتقدون بسيادتهم على الشعب وكافة مخالفيهم، وأن الجميع ممكن لوجودهم الواجب، بالضبط طريقة تعامل القيادة الإخوانية التنظيمية لكوادرها –عملياً-وكأن القيادة الإخوانية تريد مجتمعاً إخوانياً خارجياً كما حققوه داخلياً.
أخيراً فإن الشعوب التي تنهض بعد سباتها بالضبط كالأميرة النائمة حين تستيقظ من نومها، فأول ما تتفتح عليه أذهان الشعوب هي المادة وحاجات الجسد التي تمثل حاجة الاكتفاء-لديهم- لبلوغ أدنى مراتب البقاء والحفاظ على النوع، فالشعوب يهمها في المقام الأول العيش المادي الرغد وتعففهم عن سؤال الناس ابتداء، والأميرة حين تصحو من رُقادها تكون أحوج لطعام الإفطار وبمؤانسة خدمها وحشمها لها في مخدعها، كذلك الشعوب فهي تعتقد بأن حكومتها هي خدمها وحشمها وأن عليها العمل لكفايتها، فما من حالٍ سابق إلا ويطمع الإنسان في اللاحق بل ويستبشر به خيراً، ومن هنا تأتي حكمة الإنسان بأن لا يَعِد الناس بما هو أعلى من قدراته، بينما وبجهل الإخوان وتشققهم –الخُلقي والثقافي -وعدوا الناس بالجنة فكانت النتيجة أن فشلوا في أول امتحان وهو وعد ال100 يوم الرئاسي، وكأن الأميرة تنتظر دورها في دخول الحمّام -الذي لا يملكه أحدٌ غيرها ،أو تأخر طعام الإفطار ونسوة التجميل والزينة إما لفقر الأميرة أو لتقاعس حراس ومُدراء القصر، وبينما والإخوان كذلك فيهرعون لمحاسبة معارضيهم الذين أرادوا محاسبتهم عن أولى وعودهم الكاذبة فتخرج الأميرة حزينة بعد اكتشافها أنها تعرضت للخيانة وأن أبيها.."الملك حاكم البلاد" قد قُتل وأن الحاكم الجديد لم يألوا بالاً لمركزها وسمو منزلتها فسجنها إلى أن يصفح عنها أو أن يشفع لها شفيع...
اجمالي القراءات
8935