الحلقة الرابعة من ( إنكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم )
الاسناد
إختراع الإسناد فى حد ذاته يؤكد وجود دين جديد قائم على الكذب . فهو شىء جديد مبتدع لم يعرفه عصر النبى محمد عليه السلام ، وهم أنفسهم يمنعون الابتداع فى الدين ويرون كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، أى أن كل شىء لم يعرفه عصر النبوة فهو بدعة وضلالة وتنتمى الى النار. ولو طبقنا هذا المقياس لألقينا فى النار معظم ثوابت الأديان الأرضية للمسلمين ،لأن كلها مستحدث لم يعرفه عصر النبى محمد عليه السلام بدءا من الاسناد فى الحديث الى كتابة الحديث الى الحج الى المدينة بزعم زيارة قبر النبى محمد و اعتبارها حرما الى إقامة أضرحة مقدسة و إنشاء أحكام فقهية و تشريعات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .
ونتوقف مع الاسناد الذى ابتدعوه ليعطى شرعية وصدقية وثقة فى الأحاديث المنسوبة إعتباطا للنبى محمد عليه السلام ، فأرادوا تأكيد ضبط نسبتها له عن طريق الزعم بأن رواة رووها بالتسلسل عبر الزمن من عهدهم الى عهد النبى محمد . ولأن صناعة هذا الاسناد جاءت فى العصر العباسى فقد كان لزاما على كل راوية للحديث أن يصنع له سلسلة من الرواة الموتى الذين ماتوا من قبل فى العصر العباسى ثم العصر الأموى ثم عصر الراشدين والصحابة ليصل حديثه بتلك السلسلة المفتراة ويتم اسناده للنبى . وبهذه الطريقة أتموا ربط دينهم الأرضى بالنبى محمد عليه السلام بذلك الحبل الواهى المسمى بالاسناد.
ولولا ذلك الاسناد لكانت اقوالهم مجرد آراء لهم تدخل فى إطار ثقافة عصرها و ضمن اجتهادات المسلمين و لا تعد دينا ارضيا ، فالاسناد للنبى جعلها وحيا ودينا ، ورأينا كيف أنهم يجعلونها ـ الأحاديث ـ ويجعلونه ـ الاسناد ـ دينا.
يقول مسلم ( حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ .)
هنا قول لأحدهم يوضح كيف نشأ الاسناد . هو قول لم يقله النبى أو أبو بكر أو عمر أو عثمان أوعلى أو حتى ابن عباس. ولكن يزعم الراوى أن قائله هو محمد بن سيرين ، أحد كبار الموالى العلماء فى العصر الأموى. وهو قول خاطىء تاريخيا ، فهو يقول انه لما وقعت الفتنة اخترعوا الاسناد حتى لا يروى احدهم عن اهل البدع . والثابت تاريخيا ان الفتنة الكبرى لم تشهد تدوينا و إسنادا ولم يكن هناك وقت لهذا أو ذاك . فلم يعرف التدوين والاسناد إلا فى العصر العباسى ، والدليل أن هذا القول الذى رواه مسلم يحمل مصطلحات العصر العباسى مثل قوله ( أهل السنة ) ( أهل البدع ).
ولكن المهم هنا أن الاسناد فى حد ذاته بدعة سواء حدث بعدالفتنة الكبرى بيوم أو بعدها بقرن ، والأهم هنا أن الاسناد جىء به لتأمين الحديث من الكذب و الكذابين الذين أسموهم بأهل البدع ، أى كان الكذب موجودا فى الحديث قبل اختراع الاسناد ، والأكثر أهمية فى أنهم يتهمون مقدما خصومهم باهل البدع و يدعون لترك حديثهم ، أى جعلوا معيارا لقبول الحديث هو ليس صدقه فى حد ذاته وانما شخص قائله، فان كان معنا فهو من (اهل السنة ) وهو ثقة وصادق فى كل ما يقوله ، أما إن كان شيعيا أو قدريا أو مرجئة أو خارجيا فهو من أهل البدع لا يؤخذ عنه مهما قال.
ويقول مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، - مِنْ أَهْلِ مَرْوَ - قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَانَ بْنَ عُثْمَانَ، يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ . ) قوله (الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ )أى بهذا الاسناد البدعة وبذلك المعيار المتعصب الحزبى تم إنشاء الدين السنى مواجها الأديان الأرضية الأخرى المنافسة له. أما قوله (وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ . ) فهو زعم كاذب لأن الاسناد لم يمنع الكذب بل قام بتوثيقه وحمايته ، بدليل كل تلك الأكاذيب التى ذكرها مسلم وكلها مسندة. ويكفىأنه كان فى عصر مسلم 300 ألف حديث مسندة انتقى منها ما رآه صحيحا من وجهة نظره .
ولأن الاسناد عند اهل السنة جاء معبرا عن الخصومة بين دين السنة والأديان الأخرى فقد كان الاسناد ميدان الصراع بين الفرقاء، بمعنى أن الشيعة أسندوا أحاديثهم أيضا لآل البيت و أئمتهم ، و بدأ الصراع الفكرى ، يقول مسلم (َقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ . يَعْنِي الإِسْنَادَ .) أى هى مبارزة فكرية ، هذا يقول رواتى هم الأوثق ، ويطعن هذا فى رواة ذاك .. وهكذا ..!!
ومن الطبيعى ان يؤيد كل فريق رواته ويجعلهم ثقاة ، فى الوقت الذى يطعن فيه فى رواة الأديان الاخري ، يقول مسلم ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الثِّقَاتُ .) فهذا القائل سعد بن ابراهيم يضع شرطا فيمن يحدث عن النبى ممد عليه السلام ، ان يكون ثقة أى من (أهل السنة ). ولكن هل كانوا كلهم ثقة بالمعيار السنى نفسه كى يتحقق هذا الشرط ؟ وماذا نفعل بمئات الألوف من الأحاديث التى ألقاها البخارى ومسلم والحاكم وغيرهم ، كلها رواها ثقاة أهل السنة وأجازها بعضهم و نفاها آخرون ؟ أى إن تحديد الثقة هنا امر شخصى نسبى حتى فى داخل أهل الدين الأرضى الواحد لأن أساس دينهم هو الهوى والكذب.
ولأنها أحكام شخصية فالاختلاف ليس فقط فى أحاديث البخارى ومسلم وأحمد و النسائى و .. ولكن فى دائرة اضيق ، بين الرواة الأقل شهرة أو الذين لا إسم لهم معروفا بين أهل الحديث ، يقول مسلم ( حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، كِلاَهُمَا عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ كُنَّا عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ فَحَدَّثَ رَجُلٌ، عَنْ رَجُلٍ، فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِثَبْتٍ . قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ اغْتَبْتَهُ . قَالَ إِسْمَاعِيلُ مَا اغْتَابَهُ . وَلَكِنَّهُ حَكَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ . ) أى دافع أحدهم عن الراوى المتهم بأن إتهم رفيقه بأنه إغتاب الراوى..وتتضح البلوى اكثر عندما نتوقف مع احاديث أخرى لمسلم توضح اتخاذ الاسناد مطية للكذب .
الكذب فى الاسناد
الحقيقة التى يرفض أصحاب الديانات الأرضية تصديقها أن الاسناد مصنوع ، صنعه أول من كتبه ودونه. كانت هناك روايات شفهية متناقلة ومتوارثة تقال فى المساجد ومجالس القصاص ، ثم رأوا أن يجعلوا لها اسنادا يصلها بالنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر من الزمان . ووقع عبء صناعة هذا الاسناد على من قام بكتابة تلك الروايات الشفهية وغيرها ، ومن الطبيعى أن يزعم أنه قابل فلانا الذى روى له عن فلان الثانى الذى قال انه سمع من فلان الثالث ان فلانا الرابع قابل فلانا الخامس فحكى له ان فلانا السادس سمع الصحابى فلانا يرون عن النبى انه قال كذا. مخترع الاسناد الذى اخترع ان فلانا الأول روى له كذا قد يشاء سوء حظه أن يختار إسما يكون صاحبه قد مات قبله بعشرات السنين ، وقد يكون صحابيا أو تابعيا ، فكيف يقابل شخص فى العصر العباسى شخصا آخر مات فى العصر الأموى أو من الصحابة ؟ هى أخطاء وقع فيها الجهلاء من الرواة الذين لا يعرفون إذا كان فلان هذا ـ الذى يزعمون مقابلته والرواية عنه ـ من الصحابة ام من التابعين أم من معاصرى الخلافة العباسية .
وهناك كذابون محترفون عالمون بالتاريخ وأسماء الصحابة ومشاهير التابعين فوضعوا الأسماء مرتبة حسب الزمان فبدا الكذب مقنعا ، وبالتالى توجه بعض أولئك المحترفين الى الجهلة الاخرين ينتقدونهم فى خلط الأسماء و الأزمان والزعم بمقابلة فلان الذى مات من قرن مضى..
ونعطى التفاصيل من مسلم نفسه ، وقد كان أحد أولئك الكذبة الحاذقين .
اسناد الحديث الواحد لأكثر من شخص متهمين بالكذب
يقول مسلم ( وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، . وَذَكَرَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَقَالَ حَلَفْتُ أَلاَّ أَرْوِيَ عَنْهُ شَيْئًا وَلاَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَحْدُوجٍ . وَقَالَ لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ . وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ . قَالَ الْحُلْوَانِيُّ سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ وَذَكَرْتُ عِنْدَهُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ ) هنا حديث واحد ولكن رواه اكثر من واحد بأسانيد مختلفة وكلها كاذبة.
الخلط فى أسماء الرواة
ويقول ( وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ بَعْضَ، أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ لَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ يَكْنِي الأَسَامِيَ وَيُسَمِّي الْكُنَى كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ) كان للشخص الواحد اسم مثل (حماد ) ويكون له لقب مثل ( الدباغ ) ويكون له كنية مثل ( أبى العلاء ) ، وكلها من اسم ولقب وكنية تدل على شخص واحد . وكان هذا معتادا من العصر النبوى الى العصر المملوكى. وأوقعت هذه العادة صناع الاسناد فى محنة ، ففى بحثهم عن اسماء الرواة المشهورين السابقين الموتى من قبل ، وأسماء الصحابة والتابعين وقعوا فى الخلط بين الأسماء و اللقاب و الكنى . وهو باب طويل أشار اليه مسلم فى الحديث السابق.
الخلط فى اسناد الحديث الواحد لرواة مختلفين
( قَالَ وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيَّ، يَقُولُ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ حَدِيثَ هِشَامٍ أَبِي الْمِقْدَامِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَحْيَى بْنُ فُلاَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْتُ لِعَفَّانَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ هِشَامٌ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ . فَقَالَ إِنَّمَا ابْتُلِيَ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ يَقُولُ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ). والخلط هنا واضح بين الرواة حتى يتعذر فهم الرواية نفسها .
الكذب عمدا فى اسماء الرواة فى سلسلة الاسناد
يقول مسلم ( حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ أَخْبَرَنِي خَلِيفَةُ بْنُ مُوسَى، قَالَ دَخَلْتُ عَلَى غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَىَّ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ فَقَامَ فَنَظَرْتُ فِي الْكُرَّاسَةِ فَإِذَا فِيهَا حَدَّثَنِي أَبَانٌ عَنْ أَنَسٍ وَأَبَانٌ عَنْ فُلاَنٍ فَتَرَكْتُهُ وَقُمْتُ )
هنا رجل يصنع أسانيد كما يحلو له ـ شأن كل من بدأ تدوين الأحاديث ، وهو يغير الأسماء كيف شاء ، فهو المؤلف الأصلى الذى لا رقيب عليه ، بل ويصدق الناس كل ما يكتبه ،لولا أن أوقعه سوء حظه فى تلميذ مشاغب اكتشف انه يبدل أسماء الرواة فى الاسناد.
الزعم بمقابلة التابعين بعد موت التابعين
يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ قَالَ مَعْمَرٌ مَا رَأَيْتُ أَيُّوبَ اغْتَابَ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ - يَعْنِي أَبَا أُمَيَّةَ - فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ . )
عكرمة ( ت 105 ) هو مولى وتلميذ ابن عباس ( ت 68 )، ومن أعيان الموالى العلماء فى العصر الأموى. وامتدت شهرة عكرمة الى العصر العباسى حيث كان تلميذ ابن عباس جد الدولة العباسية . وأصبحت الرواية عن عكرمة مطلوبة للشهرة ، لذا جاء هذا الشخص (عبد الكريم :أبو أمية ) الى ايوب السختيانى وكان تلميذا لعكرمة يسأل عن عكرمة وحديثه ، ثم بدأ بعدها عبد الكريم هذا يزعم أنه تتلمذ على يد عكرمة وسمع منه ويروى عنه ، وظل هكذا يروى عن عكرمة حتى وصل خبره الى ايوب السختيانى .
الزعم بمقابلة الصحابة بعد موت الصحابة
يقول مسلم : ( حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى فَجَعَلَ يَقُولُ حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، قَالَ وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، . فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ فَقَالَ كَذَبَ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلاً يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ ).
أبو داود الأعمى هو أبو داود نفيع بن الحارث الأعمى الهمداني أحد مشاهير الرواة الكاذبين ، وسبب شهرته زعمه بأنه لقى الصحابة وروى عنهم ، مع الفارق الزمنى بينه وبينهم.
وفى الحديث السابق يزعم ابو داود الأعمى انه سمع ولقى اثنين من الصحابة ، أحدهما البراء ابن عازب المتوفى عام 72 ، وقد كان غلاما وقت غزوة بدر ، والاخر يقاربه فى العمر وهو زيد بن أرقم المتوفى بالكوفة عام 68 . وقد سئل قتادة بن دعامة السدوسى عن الراوى أبى داود الأعمى فقال عنه انه ما سمع من احد منهم . قتادة هذا هو كبير العلماء فى اواخر العصر الأموى وقد عاش فيما بين ( 60 ـ 118 ) ولقى فى صباه بعض المعمرين من الصحابة وسمع من الحسن البصرى (ت 110 ) أشهر علماء التابعين .
وهناك رواية اخرى أكثر تفصيلا عن هذا الراوى (أبو داود الأعمى ) وموقف قتادة منه وتكذيبه له ، يقول مسلم (وَحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، قَالَ دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى عَلَى قَتَادَةَ فَلَمَّا قَامَ قَالُوا إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا . فَقَالَ قَتَادَةُ هَذَا كَانَ سَائِلاً قَبْلَ الْجَارِفِ لاَ يَعْرِضُ فِي شَىْءٍ مِنْ هَذَا وَلاَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ . فَوَاللَّهِ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً . وَلاَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً إِلاَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ .) فهنا يؤكد قتادة ان الحسن البصرى لم يرو أى حديث عن أى صحابى شهد بدرا سوى سعد ابن مالك ، فكيف بأبى داود الأعمى الذى لم يقابل الحسن البصرى ؟ .
يقول مسلم (وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قَالَ قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَدْ أَكْثَرْتَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ فَمَا لَكَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَطَّارَةِ الَّذِي رَوَى لَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ لِيَ اسْكُتْ فَأَنَا لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فَسَأَلْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَرْوِيهَا عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ أَرَأَيْتُمَا رَجُلاً يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَلَيْسَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَنَسٍ مِنْ ذَا قَلِيلاً وَلاَ كَثِيرًا إِنْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ النَّاسُ فَأَنْتُمَا لاَ تَعْلَمَانِ أَنِّي لَمْ أَلْقَ أَنَسًا . قَالَ أَبُو دَاوُدَ فَبَلَغَنَا بَعْدُ أَنَّهُ يَرْوِي فَأَتَيْنَاهُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ أَتُوبُ . ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ . فَتَرَكْنَاهُ . )
هنا رجل يزعم كذبا أنه لقى الصحابى أنس بن مالك ، وكلما ووجه بالتكذيب والانكار عليه يعترف بالكذب ويتوب ، ثم يعود مرة أخرى يزعم أنه يروى عن أنس .. ويأس منه ناصحوه وتركوه يروى كما شاء.
يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، . وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ فَقَالَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ، قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ . فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ ) اى ان هذا الرجل أبو وائل يحكى أنه شهد معركة صفين واشتراك عبد الله بن مسعود فيها . وتندر الذى يروى عنه فقال ساخرا ( أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ ) اى يتساءل ساخرا إن كان ابن مسعود قد بعث من قبره ليشترك فى هذه الحرب؟ فالمعروف أن عبد الله بن مسعود مات بالمدينة عام 32 هجرية فى خلافة عثمان ، و جاءت خلافة على بن أبى طالب ، وحدثت موقعة صفين عام 39 . الراوى أبو وائل لا يعرف هذا فزعم أنه كان حاضرا موقعة صفين وذكر أن ابن مسعود حضرها ايضا. وكان سهلا كشف هذا الكذب لأن موقعة صفين من الصعب نسيانها بين الحاذقين من الرواة ، وكذلك حياة وموت ابن مسعود.
يقول مسلم : ( َقَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالَقَانِيَّ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ " إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ " . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ عَمَّنْ هَذَا قَالَ قُلْتُ لَهُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ . فَقَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ . قَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . قَالَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلاَفٌ .)
هنا حديث يزعم راويه شهاب بن خراش أنه سمعه من الحجاج بن دينار ، ويزعم ان الحجاج ابن دينار قد سمعه من النبى محمد . ولقد كان الحجاج بن دينار كثير الرواية ومن فقهاء التابعين ومعاصرا لابى حنيفة (150 ). ولم يشهد أحدا من الصحابة فكيف يروى عن النبى محمد رأسا ؟ لذا قال ابن المبارك معلقا على هذه الكذبة (إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ ).
وبغض النظر عن هذه الأكاذيب الظاهرة الفجة فقد سكتوا عن الكذب الأصلى فى الاسناد ، والذى روعي فيه وجود رواة مرتبين زمنيا يروى هذا عن ذاك فى زمن متسلسل ، كأنما ركب مخترع الاسناد عربة الزمن وسافر فيها عائدا الى الماضى من وقته الى عصرالنبى محمد عليه السلام يوزع فيها الأدوار والأقوال لكى يسند دينه الأرضى المتهالك ويثبته فى حائط الاسلام دين الله الحق.
والى اللقاء فى الحلقة الخامسة ..
اجمالي القراءات
18542
الأصح ألا نقول علم الحديث و لكن علوم الحديث لأنها فروع عدة و منها علم الجرح و التعديل و هو الخاص بجرح راوى أو الشهادة بعدالته و بالتالى يؤخذ منه الحديث
و علم الجرح و التعديل هذا قد جرى على كل الطبقات ماعدا طبقة الصحابة حيث أعتبر علماء الحديث الصحابة كلهم عدول , و هذا في حد ذاته يكفى لعدم الأخذ بتلك الأحاديث لأن الصحابة بشر مثل أي بشر في كل زمان منهم الصالح و منهم الغير صالح و فكرة الصحابة كلهم عدو غير مقبولة و تتعارض مع القرآن الذى تناول منهم من تناول و بين عدم صلاحهم و لكن دون ان يكشف عن شخصيات بعينها