آحمد صبحي منصور Ýí 2017-04-06
مقدمة:
1 ـ العدل قيمة إسلامية عليا ، من أجلها أرسل الله جل وعلا الرسل وأنزل الرسالات السماوية ، وبدونها يكون العنف واللجوء للسلاح ( الحديد ) . يقول جل وعلا : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)(57 : 25). وتكررت الآيات القرآنية التى تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم والبغى، ومنها قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) 16 : 90 ) .
2 ـ فى مصر ــ التى يزعم قادتها وكهنوتها التمسك بالاسلام ــ يجلس القاضى وخلفه الآية الكريمة : (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (4 : 58 )، ويحكم بالظلم عامدا عالما بما يفعل . وأنا شاهد على ذلك .
3 ـ فى أمريكا شعارهم ( والعدل للجميع ) ( And justice for all)، وهم يمارسون هذا العدل . وأنا أيضا شاهد على ذلك .هنا شهادتى على العدل القضائى بين مصر وأمريكا .
أولا : فى مصر :
1 ـ فى حياتى لم أذهب الى قسم شرطة شاكيا أو مشكوا فى حقه . لكن دخلت السجن بوصفى مؤلفا يواجه التطرف الدينى محتكما الى القرآن الكريم طلبا للإصلاح السلمى . فى الموجة الأولى لإعتقالنا عام 1987 أطلقوا علينا رسميا لقب ( القرآنيين ) فظهر هذا المصطلح لأول مرة . كان هذا بعد فترة اضطهاد بدأت فى مايو عام ( 1985 ) بإحالتى الى مجلس التأديب لمعاقبتى على خمس كتب ألّفتها . كانت هيئة المحكمة هى نفسها الخصم . ولذا نصّ القانون على أن يؤتى بمستشار من خارج الجامعة حرصا على التوازن ولصالح المتهم . وفى محاكمتى داخل جامعة الأزهر كان المستشار ثروت بدوى من مجلس الدولة هو الذى يمثل القضاء ، والمفروض أن يراعى تطبيق العدالة مع مؤلف يقوم بتطبيق قانون الأزهر فى الاجتهاد فى تجلية حقائق الاسلام بالاحتكام الى القرآن . ولكن هذا المستشار كان غليظا معى يزايد على أعضاء المحكمة فى الاستطالة علىّ . لذا رفضت بعدها حضور الجلسات ، ثم قدمت إستقالتى مسببة لهم . كانوا يهددون بعزلى من الوظيفة وهى أقصى عقوبة يملكونها ، فلما قدمت لهم إستقالتى المسببة رفضوها حتى أظل معلقا ممنوعا من العمل ومن مستحقاتى المالية . وكان هذا المستشار ثروت بدوى شاهدا على كل هذا ،ولم يتحرك ضميره ولم يمارس وظيفته . ثم رفعت دعوى عليهم لإلزامهم بقبول إستقالتى ، ولكن القاضى ( القبطى عميل الأزهر إدوار الذهبى ) كان يؤجل فى الحكم إلى أن إضطر للموافقة على قبول إستقالتى .
2 ـ خلال عملى العام فى الصحافة والاعلام والجمعيات الحقوقية ( 1989 : 2001 ) كانت تنهال علىّ الاتهامات بالخيانة والردة عن الاسلام وأننى عدو النبى محمد عليه السلام . وكانت تلك الاتهامات تتوالى من شخصيات رسمية ومشهورة وتتضمن الدعوة صراحة أو ضمنا الى قتلى . ونصحنى كثيرون باللجوء الى القضاء ، فهى ـ على حد قولهم ــ مضمون كسبها طبقا للقانون . وكنت أقول لهم ساخرا وصادقا : " لو ذهبت شاكيا لاعتقلونى .ولو إعتقلونى ووضعونى مع الارهابيين أصبح قتلى متاحا بل حتميا . فليس أمامى إلا الصبر. ". وصبرت حتى حلّت الموجة الثانية من القبض علينا فهربت بحياتى قبيل إعتقالهم لى بيوم واحد . جئت الى أمريكا بلد الحرية والكرامة الانسانية .
3 ـ خلال عملى العام فى الصحافة والاعلام والجمعيات الحقوقية ( 1989 : 2001 ) كنتُ تحت الرقابة اليومية من أمن الدولة لإعتقالى فى أى لحظة ، وكانت شقتى فى الدور الأول فى حىّ المطرية المشهور بكثرة السلفيين وجماعات الارهاب . وكانت هناك سيارة بوليس تراقب من يزورنى ، بالاضافة الى عميل لهم كان ، تقريبا ــ لايفارقنى . لم تعد الشقة تتسع لنا فإشترت زوجتى شقة واسعة فى عمارة قريبة ، وإنتقلنا اليها واصبحت الشقة القديمة مكتبا لى أعمل فيها معظم النهار وجزءا من الليل . صاحب هذه العمارة التى إنتقلنا اليها كان نصابا محترفا يبيع الشقة لأكثر من واحد قبل أن يستلمها المشترى . أفسدنا خطته ونقلنا فى الشقة فى ساعات فلم يعد بوسعه بيعها لآخرين . هذا النصاب كانت عليه عشرات السنين سجنا بسبب قضايا كثيرة حكمت عليه بالتنفيذ . ولكن قسم شرطة المطرية كان يتستر عليه . أكثر من هذا ــ وفيما يخصنا ــ كانت هناك دورية بوليس مخصصة لنا تراقبنا فى مدخل العمارة تسهر مع صاحب العمارة المطلوب العثور عليه وسجنه . وتهيأت هذه القوة للقبض علىّ فى الموعد المحدد ، ولكن غافلتهم وركبت التاكسى من الشقة الأخرى هاربا الى المطار ، بينما هم يشربون الحشيش مع مدبولى صاحب العمارة .
4 ـ ثم فى عام 2007 كانت الموجة الثالثة من القبض على القرآنيين ، وفيها إقتحموا شقتى فى العمارة الكبيرة ــ وقاموا بالقبض على أقاربى الطلبة الذين كانوايسكنون فيها ـ وكان وقتها فى امتحانات!! . ودمروا مكتبتى وأوراقى وتركوا الشقة غارقة بالمياه . بعدها ظلت هذه الشقة خالية يخاف أهلى من الاقتراب منها . وتحققت الفرصة لمالك العمارة النصاب ، فقام بتزييف عقد مزور يزعم أن زوجتى باعت له الشقة ، وإحتل الشقة وباعها لواحد من أتباعه ، ثم أعاد هذا الشخص بيعها لشخص آخر . كل هذا فى حماية الشرطة وطبقا للعدل السارى فى مصر ..
5 ـ قمت بالكتابة فى موقعنا ( أهل القرآن ) الدفاع عن أهلى الذين إعتقلهم أمن الدولة عام 2007 وقاموا بتعذيبهم وهم يستجوبونهم عن كيفية تأديتهم للصلاة وآرائهم فى كذا وكذا من الأمور الفقهية المختلف فيها . وإستضاف برنامج ( الحقيقة ) الذى يقدمه ( وائل الابراشى ) والدتى يرحمها الله ، وكانت تبكى على ابن لها فى المنفى وأبن آخر فى السجن .واستضاف الابراشى بعض اهلى ، ثم عقد مناظرة بينى وبين بعض عملاء أمن الدولة فى حلقتين ، وتكلمت دفاعا عن أهلى المظاليم . كانت النتيجة أن صدر قرار جديد يضمنى أنا وابن أخى د عثمان محمد على الى عريضة الاتهام ـ غيايبا . كل هذا فى حماية الشرطة وطبقا للعدل السارى فى مصر ..
ثانيا : فى أمريكا :
1 ـ فى عام 2004 كنت فى مدينة بوسطن ، أعمل استاذا زائرا فى جامعة هارفارد فى برنامج عن حقوق الانسان . إتصل بى مساعد المدعى العام فى ولاية ( ايداهو ) فى الشمال الغربى الأمريكى . كانت هناك قضية فيدرالية مشهورة متهم فيها طالب سعودى ( يدرس تقنية الانترنت ) ، وأُحيل الى المحاكمة لأنه كان يدعم بالانترنت إرهابيين خارج أمريكا . كان هذا فى رئاسة جورج بوش الأبن ، ومعه ( أشكروفت ) المدعى الأمريكى العام المشهور وقتها بأنه من صقور اليمين المتطرف فى مناخ ما بعد الحادى عشر من سبتمبر . كانت قضية جديدة فى موضوعها فأثارت ردود أفعال قوية بين مؤيدى حرية التعبير ومؤيدى متابعة عملاء الارهاب . ووضع الاعلام الأمريكى عينيه على تلك المحاكمة ، وتردد صداها من نيويورك تايمز http://www.nytimes.com/2004/04/27/us/computer-student-on-trial-over-muslim-web-site-work.html
الى لوسن انجليز تايمز : http://articles.latimes.com/2004/jun/11/nation/na-boise11
الى وول ستريت جورنال : https://www.wsj.com/articles/SB105406885465552500
عدا الصحف المحلية وعشرات المواقع والفضائيات الأمريكية ، وبها صار المتهم السعودى سامى عمر الحصين مشهورا أكثر شهرة من مدينة موسكو التى يعيش فيها فى ولاية ايداهو الأمريكية . الاتفاق بينى وبين مساعد المدعى العام فى ولاية ايداهو أن أكون شاهدا خبيرا ( Expert witness) وظيفتى أن أشرح للمحلفين ما هو الاسلام ، وما هى الوهابية من واقع القرآن والتاريخ . والسبب هو ألا يخلط المحلفون بين الاسلام وهذه القضية وألا يتأثروا بالروح العدوانية السائدة ضد الاسلام ، وحتى يكون حكمهم موضوعيا فى القضية . يحدث هذا من المدعى العام الذى هو ضد المتهم ، وليس من المحامين عن المتهم .!
2 ـ حضرت الجلسات كلها أراقب تطبيق العدالة الأمريكية . المحامون عن المتهم فى نفس مكانة المدعى العام ، كل الأوراق الخاصة بالقضية لدى هؤلاء وهؤلاء فى شفافية تامة . ويتبارى هؤلاء فى إثبات إدانة المتهم ويتبارى هؤلاء فى إثبات براءته ، والمحلفون يستمعون بإنصات الى هؤلاء وهؤلاء ، والقاضى الفيدرالى يدير الجلسة محايدا . وأجهزة الاعلام حاضرة تنقل كل صغيرة وكبيرة . قدمت شهادتى فى جلستين ، أوضحت الفارق بين الاسلام دينا مؤسسا على ( لا إله إلا الله) والسلام والقيم العليا ، وبين المسلمين بشرا لهم تاريخهم البشرى وحضارتهم البشرية وتراثهم البشرى وأديانهم الأرضية البشرية ، وأهم دين بشرى لديهم وهو دين السُّنة ومنه نبعت فى عصرنا الوهابية وانتشرت بظروف سياسية وأقتصادية تزعم أنها هى الاسلام مع تناقضها مع الاسلام . وأنه من خلال مراجعتى للادلة الخاصة بالمتهم أشهد أنه وهابى . وتعرضت لسيل من أسئلة محامى المتهم ، بعضها من وحى المتهم نفسه ، عن الصلاة فى القرآن وعن رأى الأزهر فى تكفيرى ووصفى بالعداء للاسلام . أنتهت المحاكمة بصفقة تم بها ترحيل المتهم مع اسرته الى الرياض .
3 ـ شهادتى اوردها كتاب تعرض لهذه القضية : (American Islam The struggle of the soul of the religion. By Paul M. Barrett)
هو كتاب ( الاسلام الأمريكى : المؤلف بول باريت ) . وعرضت لها بعض الصحف مثل :
: http://www.spokesman.com/stories/2004/may/16/consultant-gives-limited-testimony/
https://www.strategypage.com/militaryforums/93-4944.aspx#startofcomments
4 ـ أثناء وجودى فى المحكمة طلب منى مساعد المدعى العام أن أراجع ترجمة الوثائق التى سجلها الاف بى آى للمتهم ليتأكدوا من دقتها . كان المترجمون عربا منهم مصرى قبطى . وقد ترجموا الوثائق المكتوبة بالعربية الى الانجليزية . ونظرا لعدم معرفتهم بالمصطلحات السنية فقد وقعوا فى اخطاء فادحة . قمت بتصحيحها . وطلبوا منى مراجعة الترجمات الصوتية للمحادثات ليتأكدوا من دقتها . وكانت الترجمة دقيقة . ولكن الذى أبهرنى هو ما سمعته من كلام كان يقال ، وقد تمت ترجمته بدقة وأمانة ، وهو كلام خطير ، بعضه يشير الى علاقات المتهم بشخصيات سعودية خطيرة ،وبعضها يثبت حقد أسرة المتهم على أمريكا التى إستضافتهم . منها أن سيدة اتصلت بأخرى عند الهجوم على نيويورك فى 11 سبتمبر متشفية وتقول انها طيلة النهار ترتدى شبشبا وضعت فيه العلم الأمريكى ..وأشياء كثيرة من هذا القبيل فيه سبُّ ولعن ودعاء على امريكا بالهلاك. سألت مساعد المدعى العام عن هذا الكلام فقال إنه كلام لا شأن له بالقضية ، فهذا يدخل فى حرية التعبير المسموح به فى أمريكا .!.
أخيرا : يا حسرة على مصر والعدل المفقود فيها .!!
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,686,925 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
مقالاتى بحثية: يا دكتور انت بتكتب مقالا ت طويلة ، لوسمح ت ...
الشيطان يصلّى .!!: هل تنهي الصلا ه عن الفحش اء واالم نكر? كيف...
الدم المحرم بالطعام: ما هو الدم المحر م فى الطعا م ؟...
بيع الخنزير: انا اعيش في اوروب ا ولدي مطعم . فهل بيع لحم...
لا عبادة فى الجنة : انا اتصور ان أصحاب الجنة يعبدو ن الله فيها...
more
حفظك الله استاذنا دكتور منصور .
لاوجه للمقارنة بين الجهاز الشُرطى والقضاء فى امريكا وكندا ،وبين الشرطة والقضاء المصرى .
يكفى انه لا توجد قضايا مُلفقة نهائيا ، ولا توجد إهانات أو ضرب أو تعذيب ،او أخذ إعترافات كاذبة تحت التنكيل والتعذيب ،والتهديد بهتك عرض (ام أو زوجة أو بنات أو اخوات المُتهم ) . فضابط الشرطة فى امريكا وكندا هو ( ابعد ، واقرب واحد من المواطن فى نفس الوقت ) فإذا لم يخالف المواطن القانون فلن يقترب منه طول العُمر ، و إذا خالف القانون .فسيحاكم بالقانون دون أى إهانة أو إعتداء على حقوقه او كرامته مهما كانت الجريمة .......... وفى أى كارثة أو إستغاثة فضابط الشرطة هو اقرب شخص للمُستغيث ..
=
اما عن القضاء فمثال بسيط يشرح كيف يتعامل القضاء مع المخالفين للقانون بالرحمة اولا ثم بالعدل ثانيا ........ فى حالة إرتكاب مخالفة للقانون لأول مرة بعيدا عن القتل والسرقة . يكون الحُكم مُخففا للغاية أو براءة مع شرط أن يتلقى المُتهم وهو حُر طليق دورة تأهيل نفسئ مُتخصصة فى مكتب او قاعة داخل المحكمة لمدة 15 يوم ،او شهر ، او شهرين حسب نوع المُخالفة القانونية فى كيف يحمى نفسه من الوقوع فى مخالفة القانون مرة اخرى ، والحرص على سلامة المُجتمع وأمنه ، ويُدرس له فيها اساتذة علم نفس وخبراء قانون .... والقاضى عادة يكون رحيما مع المُتهم نظرا لإختلاف الثقافات وتعددها ، ويُراعى انه ربما هذه المخالفة فى بلد المُتهم الأصلى عادية وهو لازال يعتقد هذا ولا يعلم انها مُخالفة قانونية فى كندا ....
وأُكرر كل إجراءات ضبط المُتهم ومحاكمته تتم فى ظروف تحفظ له كرامته ، ولا تؤذى احدا من أهله أو اقاربه او معارفه ابدا ابدا .
=وهذا ما ننادى به لأهلنا فى مصر من خلال المُجتمع المدنى ،وجمعيات حقوق الإنسان ، ولكن للاسف تعامل معنا النظام بالتخوين والتهجير والإضطهاد (حتى ونحن خارج مصر ) ، وأغلق كل جمعيات حقوق الإنسان ،وحاكم القائمين عليها ،فمنهم من هو فى السجن ومنهم من ينتظر ، وممنوعين كلهم من السفر . وتوحش الجهاز الشرطى فى مصر ، وغابت العدالة تماما ،واصبحت تابعة للنظام ورئيسه بشكل مفضوح ومُخزى .